رأي القدس لا شك ان هناك خلافات كثيرة حول الازمة السورية وكيفية معالجتها، ليس بين فصائل المعارضة المتشرذمة ايديولوجيا وسياسيا بل ومناطقيا ايضا، وانما بين الدول الاقليمية والعالمية المتورطة في هذا الملف. لكن الاتفاق الوحيد الذي لا ينكره هؤلاء وغيرهم، انه من الصعب التكهن بموعد محدد لنهاية هذه الازمة، وحسم الاوضاع على الارض لصالح هذا الطرف او ذاك.الانتفاضة في سورية بدأت سلمية، انطلقت من مدينة درعا في الجنوب، وامتدت فعاليات احتجاجاتها الى مناطق اخرى متفرقة في سورية مثل حماة وحمص ودير الزور لكن التصدي الشرس لها من قبل النظام وقوات جيشه، وتدخلات اقليمية وخارجية دفعت بها الى مرحلة العسكرة، اي اللجوء الى السلاح لحماية المتظاهرين من قمع النظام حسب ما تقول ادبيات المعارضة.التطور الاهم في الازمة السورية يمكن حصره في شقين اساسيين يكمل بعضهما بعضا:’ الشق الاول: تراجع صفة الثورة، وتقدم مفهوم الصراع المسلح، فالتقارير الاخبارية التي تبثها الصحف ووكالات الانباء العالمية تتحدث حاليا عن مواجهات بين جيشين في ميادين المعارك، الجيش النظامي والجيش الحر الى جانب مواجهات بين الاول، اي الجيش النظامي، والكتائب الجهادية المسلحة وتضم متشددين اسلاميين من داخل سورية ومن دول اسلامية اخرى.’ الشق الثاني: امتداد السنة لهب الازمة السورية الى دول الجوار، وخاصة تركيا، وربما في مرحلة لاحقة الى الاردن. والاشتباكات والقصف المدفعي المتبادل بين القوات السورية والتركية، واجبار المقاتلات الحربية التركية طائرة ركاب سورية مدنية على الهبوط في مطار قريب من انقرة بحجة وجود شحنات اسلحة على متنها هو دليل واضح في هذا الخصوص.من الصعب على اي مراقب او محلل رصد، او التكهن، بتطورات الازمة السورية، ليس بفعل تزايد التدخلات الاقليمية والخارجية فيها، سواء لمصلحة النظام او دعما للمعارضة، وتقلب المواقف لسبب او لاخر، فالاحداث تتسارع بمعدلات غير مسبوقة، فمن كان يتصور مثلا ان تقدم السلطات التركية على تعريض علاقاتها مع موسكو للخطر باجبار طائرة سورية مدنية قادمة من موسكو على الهبوط وتفتيشها، ومن كان يتنبأ بان واشنطن التي كانت متحمسة للتدخل العسكري في سورية تبدو الاكثر معارضة لاي عمليات تسليح سعودية او قطرية، او الاثنتين معا للمعارضة السورية وجيوشها؟لا شك ان خوض النظام السوري وجيشه لحرب استنزاف شرسة اضعف قدراته القتالية، مثلما اضعف سيطرته على اجزاء كثيرة من سورية بعد مواجهات شرسة مع وحدات المعارضة العسكرية استمرت ما يقرب من عشرين شهرا، لكن من الواضح ان هناك قوى خارجية وداخلية داعمة للنظام، مثل روسيا والصين وايران، تمده باسباب القوة والصمود وتحول دون نجاح الضغوط العسكرية والسياسية في اسقاطه.ارتباك المعسكر الغربي في اتباع استراتيجية واضحة في التعاطي مع الازمة السورية، خاصة في ميدان التسليح للمعارضة، خوفا من وقوعها في يد الجماعات الاسلامية المتشددة، صب في مصلحة اطالة صمود النظام، ولكنه في الوقت نفسه، منع اندلاع حرب اقليمية، وربما عالمية على ارضية الصراع في سورية.السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما اذا كان هذا التردد الغربي سيتغير وتحل محله استراتيجية حسم للملف السوري، اي اسقاط النظام بالقوة على غرار ما حدث في ليبيا بعد انتهاء انتخابات الرئاسة الامريكية؟لا احد يملك الاجابة، فالامر يتوقف على الفائز في هذه الانتخابات اولا، ومدى استعداد الغرب لفتح جبهة جديدة محفوفة بالمخاطر.Twitter: @abdelbariatwan