غزة- “القدس العربي”: تشير المعطيات الميدانية على الأرض، أن المناطق الفلسطينية كافة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تقترب من أيام ساخنة جدا، تنذر بانفجار الأوضاع بشكل قد يشابه ما كانت عليه قبل عام تقريبا، حين اندلعت أحداث ميدانية كبيرة، نجم عنها الحرب الأخير على غزة، خاصة في ظل تصاعد العمليات الفلسطينية، والهجمات الدامية لقوات الاحتلال، وعمليات الاقتحام، التي سقط بسببها ثلاثة شهداء في يوم واحد، خاصة بعد إعلان أحد الفصائل المسلحة رفع حالة الاستنفار في صفوفه.
وتنذر موجات التصعيد الحالية الناجمة عن هجمات قوات الاحتلال على المناطق الفلسطينية، وحمايتها لهجمات عنيفة للمستوطنين، من أخطرها الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، بقرب اندلاع مواجهات حامية الوطيس، قد تصل لحد تصعيد العمل المسلح بشكل أكبر.
ومن المؤكد أن تطيح موجة التصعيد الحالية، بالجهود التي تبذلها حكومة تل أبيب، مع كل من الأردن ومصر، للحفاظ على حالة الهدوء مع اقتراب حلول شهر رمضان، خاصة بعد زيارة كل من وزير الأمن الداخلي عومير بارليف، ومن بعده رئيس الدولة يسرائيل هرتسوغ إلى عمان، وزيارة وفد أمني وعسكري إسرائيلي رفيع إلى القاهرة، وذلك بسبب الأفعال الميدانية الإسرائيلية على الأرض.
وتفيد معلومات مؤكدة، أن جوهر المباحثات التي جرت في الأردن ومصر، كانت تنصب على ضرورة قيام إسرائيل باتخاذ خطوات خاصة في القدس، تعمل على إنهاء التوتر، تشمل تسهيل حركة المصلين الفلسطينيين، والحد من الاقتحامات الاستفزازية للمستوطنين لباحات المسجد الأقصى، وكذلك وقف اقتحامات المناطق الفلسطينية.
وقد جرى إبلاغ تلك المطالب الفلسطينية والتي تدعمها الأردن صاحبة الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، خلال لقاءات الملك عبد الله الثاني مع كل من وزيري الجيش ورئيس دولة الاحتلال، وآخرها الأربعاء، وذلك بعد مباحثاته يوم الاثنين الماضي في رام الله، ولقاءه هناك الرئيس محمود عباس.
وبشكل رسمي طلب الملك الأردني من الرئيس الإسرائيلي، ضرورة العمل على تهدئة الأوضاع في المناطق الفلسطينية خاصة في القدس، وشدد على ضرورة “وقف كل الإجراءات أحادية الجانب التي تقوض فرص تحقيق السلام”.
لكن لم تمضي سوى ساعات قليلة على ذلك اللقاء، حتى دفعت إسرائيل بقوات عسكرية كبيرة إلى مدينة جنين ومخيمها، لتنفيذ اقتحام الهدف منه الوصول إلى تصفية عدد من النشطاء الفلسطينيين، ما أدى إلى استشهاد اثنين من الشبان هناك، فيما قام مستوطنون، بتنفيذ سلسلة اعتداءات طالت فلسطينيين وممتلكات في الضفة الغربية المحتلة، تمثلت بإغلاق طرق وإطلاق نار صوب الفلسطينيين، وذلك قبل أن تسمج سلطات الاحتلال لعضو “الكنيست” المتطرف إيتمار غفير بتنفيذ عملية اقتحام استفزازية للمسجد الأقصى.
مخاوف من تصفية نشطاء مسلحين تدفع المقاومة لإعلان “الاستنفار”
ورغم طلب الوسطاء من إسرائيل، التي طلبت التهدئة، بضرورة تجنب الاستفزازات في المسجد الأقصى، إلا أن المستوطنين الذين رافقوا غفير في الاقتحام، نفذوا جولات استفزازية وأدوا “طقوسا تلمودية”، في ساحات المسجد تحت حماية العشرات من عناصر شرطة الاحتلال.
وكانت قيادة شرطة الاحتلال، وافقت، على السماح لبن غفير باقتحام المسجد الأقصى، رغم التحذيرات الفلسطينية التي أطلقتها جهات عدة بينها المستوى الرسمي، حيث أدانت الرئاسة الفلسطينية، ما وصفته بـ”التصعيد الإسرائيلي الخطير” ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته، والتي تمثلت باقتحام المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى المبارك بحماية شرطة الاحتلال، وما وصفتها بـ”الجريمة البشعة” التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مدينة جنين، والتي أدت لسقوط شهداء وجرحى بينهم مصابون بحالات خطرة.
وحذرت الرئاسة، من هذا التصعيد الذي تقوم به حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لافتة إلى أن مثل هذه الاستفزازات المتمثلة بمواصلة الاقتحامات وعمليات القتل اليومية، وجرائم المستوطنين “ستجر المنطقة إلى مزيد من أجواء التوتر والتصعيد”.
وقالت “هذه سياسة إسرائيلية تصعيدية، لا تنسجم مع الجهود المبذولة على الصعد كافة لجعل شهر رمضان المتزامن مع الأعياد شهراً مقدساً”، وحمّلت حكومة الاحتلال، المسؤولية كاملة عن هذا التصعيد وتداعياته، وطالبت في ذات الوقت المجتمع الدولي بالتحرك الفوري للجم إسرائيل ومحاسبتها على جرائمها، كما طالبت الإدارة الأمريكية بالتدخل الفوري لوقف سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تدفع بالأوضاع نحو الانفجار.
وقد أنذر قاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش، من “اقتحام العنصري المتطرف الفاشي بن غفير”، وقال منذرا “الإمعان في هذا السلوك الإسرائيلي العدواني ستكون له تداعيات خطيرة” واتهم دولة الاحتلال بأنها “تلعب بالنار، وتجر المنطقة والعالم نحو دوامة حرب دينية”.
وتصديا لاقتحامات أخرى تخطط لها الجماعات الاستيطانية المتطرفة، دعا مجلس الإفتاء الأعلى، الفلسطينيين إلى “شد الرحال” إلى مدينة القدس بما فيها المسجد الأقصى المبارك، خاصة خلال شهر رمضان.
من جهتها أكدت حركة حماس ان الرد على جرائم الاحتلال بعد سقوط الشهداء في جنين، يكون من خلال “تصعيد المقاومة والمواجهات مع الاحتلال ومستوطنيه”، وحذرت الحركة في بيان أصدرته بأن “جرائم الاحتلال المتواصلة تنذر بانفجار شامل، سيكون أقوى بأسا وأشد إيلامًا”.
توقعات بأيام ساخنة وحماس تحذر بانفجار شامل “أقوى بأسا وأشد إيلامًا”
هذا وقد أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن اقتحام المتطرف بن غفير، يعد “انتهاك خطير للمقدسات وإيذانا بانتفاضة جديدة من أبناء شعبنا”.
وبالعودة إلى إجراءات إسرائيل، على الأرض، فبدلا من تقديم التسهيلات للفلسطينيين في شهر رمضان، حسب الوعود السابقة التي قدمت للوسطاء، قرر المجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابنيت)، تعزيز ما اسماها بـ”قوة الردع” الإسرائيلية وتنفيذ “عمليات استباقية واسعة النطاق”، بزعم إحباط العمليات الفلسطينية المحتملة.
وقرر فرض عقوبات على أقارب منفذي العمليات، كما قرر استكمال أعمال بناء الجدار الفاصل، والدفع بمزيد من القوات العسكرية لمناطق الضفة وحدود غزة، وهو ما ينذر بوجود مخططات إسرائيلية عسكرية ضد المناطق الفلسطينية.
وجرى أيضا إقرار خطة لزيادة رصد ومتابعة شبكات التواصل الاجتماعي، واتخاذ الإجراءات اللازمة بناء على ذلك، كما يتردد أن الدوائر الأمنية في إسرائيل، أوصت بتقليص التسهيلات التي أعلن عنها للفلسطينيين في شهر رمضان، ومن ضمنها تصاريح زيارة المسجد الأقصى.
ورسميا طلبت شرطة الاحتلال، بإقرار قيود على دخول المصلين للمسجد الأقصى خلال رمضان، تشمل السماح للنساء والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما بالدخول دون قيود، على أن يتعين على الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و60 عاما.
وكان وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، قرر في ختام مداولات بمشاركة قادة من جيش الاحتلال، إضافة 12 كتيبة إلى قوات الاحتلال في الضفة الغربية وكتيبتين عند السياج الأمني المحيط بقطاع غزة تشمل قناصة ووحدات خاصة، في أعقاب تصاعد عمليات إطلاق النار والدهس والطعن، وذلك في ظل التوقعات بإمكانية التصعيد العسكري في الأيام القادمة، فيما أوعز أفيف كوخافي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بالانتقال إلى “حالة تأهب مرتفعة” والاستعداد لسيناريوهات تصعيد مختلفة.
وفلسطينيا، وفي ظل الخشية من المخططات العسكرية الإسرائيلية، أصدر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة قرارا، لجناحه العسكرية سرايا القدس، طالبهم بـ”الاستنفار في كافة أماكن تواجدهم”، وذلك في ضوء اقتحام مخيم جنين من قبل جيش الاحتلال.
ولم يعطي التصريح الصادر عن النخالة تفاصيل أخرى، لتلوه بيان مقتضب لأبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس، أعلن فيه “رفع الجهوزية الكاملة” في صفوف مقاتلي السراي بكافة التشكيلات العسكرية.
كما أعلنت كتائب المقاومة الوطنية الذراع العسكري للجبهة الديمقراطية، أن مقاتليها جاهزين للرد على جرائم الاحتلال.
ويرجع المراقبون السبب في ذلك، إلى وجود خشية لدى الجهاد الإسلامي التي لها ناشطون في مخيم جنين، بأن تكون عملية الاقتحام التي نفذت فجر الخميس، مقدمة لعمليات أخرى تهدف إلى تصفية الخلايا المسلحة هناك.
يشار إلى أن رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل، قال إن رمضان سيكون “موسما صعبا”، وإن أيامه حبلى بالمفاجآت، ونقل الموقع الرسمي للحركة تصريحات لمشعل قال فيها “العدو يسعى إلى فرض هدوء مجاني مع استمراره في الاقتحامات والعدوان”، مؤكدا أن المقاومة “يدها على الزناد ومستعدة لتكرار سيف القدس”.
وأضاف “نحن لا نسعى للحرب، ولكننا لا نفرط في الأرض والقدس والمقدسات”، وأضاف “شعبنا لديه مخزون من المقاومة تنتقل من منطقة إلى أخرى، ومن جيل إلى جيل، فنرى العمليات المقاومة مرة من غزة، وأخرى من الضفة، وأخرى من الـ48”.
وفي ذات السياق، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق “إن السياسات التي تتبعها الحكومة الصهيونية ضد شعبنا، والاستفزازات التي يخطط لها المتطرفون اليهود، وبالتزامن مع قدوم شهر رمضان المبارك، يجعل العدو أمام تصاعد للعمليات البطولية”.
وأصاف “هذا التصاعد لا يشمل زيادة عدد نقاط الاشتباك مع العدو فقط، وإنما مدى تأثير هذه العمليات، وانتشارها، ووصولها إلى عمق الكيان، وزرع الرعب لدى مستوطنيه”.
التهدئة لا تخدم سوى المحتل اللعين إسرائيل،