قرار مجلس الأمن الدولي 2440 ذو الصلة بالنزاع الصحراوي لم يخرج في منهجه عن القرارات التي أصدرها منذ عام 1991

محمود معروف
حجم الخط
2

أصدر مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء الماضي، قراره رقم 2440 ذا الصلة بالنزاع الصحراوي الذي لم يخرج في منهجه عن القرارات التي أصدرها المجلس منذ 1991 حول تطورات النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، من حيث تضمينه ما يرضي كل طرف من طرفي النزاع وما يزعجه أيضاً، ما يسمح لكل منهما قراءة مريحة للقرار والترويج بمكسب جديد والتغاضي عن خسارة جديدة.
وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ بدء اهتمامها المتميز بالنزاع نهاية تسعينيات القرن الماضي، متزامناً مع تولي دبلوماسيين أمريكيين مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، إلى تقديم مشروع قرار مزعج، تتمحور الاتصالات- قبل عرضه للتصويت- حول التخفيف من هذا الإزعاج، ليعتبر الطرف الذي كان منزعجاً، عن مكسب وأحياناً عن انتصار، لعدم تضمين النص النهائي ما كان يزعجه.
ويصدر القرار 2440 قبيل أيام من انطلاق مرحلة جديدة من لقاءات بين أطراف النزاع تحت رعاية الأمم المتحدة، ووافق كل من المغرب وجبهة البوليساريو على دعوة «كوست كوهلر» الممثل الشخصي للأمين العام للقاء في جنيف يومي 5 و6 كانون الأول/ ديسمبر القادم، تحضره الجزائر وموريتانيا، للتشاور والتفكير في كيفية إطلاق مفاوضات تصل بالنزاع إلى تسوية عادلة ومقبولة.

الخطاب الملكي

وأعلن وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي أن بلاده تؤكد أهمية المشاورات مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في إطار «التحضير الجيد» للطاولة المستديرة بجنيف طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2440.
وشدد ناصر بوريطة، يوم أول أمس الخميس، في الرباط، أن المغرب- وتنفيذاً لتوجيهات الملك- متشبت بانخراطه في دينامية إعادة إطلاق العملية السياسية التي أطلقها الأمين العام للأم المتحدة بتعاون مع مبعوثه الشخصي، وذلك في إطار الثوابت المحددة في الخطاب الملكي يوم 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 بمناسبة الذكرى 42 للمسيرة الخضراء.
وفي قراءة لقرار مجلس الأمن الجديد، قال بوريطة إن القرار حافظ على جميع المكتسبات المغربية التي تم تثبيتها في القرارات السابقة، بما في ذلك أولوية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والطابع الجدي ذو المصداقية للجهود المغربية، والمطالبة بتسجيل ساكنة تندوف، وأن القرار يركز أيضاً على محورين مهمين، يتعلق الأول بالمسار السياسي، ويهم الثاني الوضع في منطقة شرق وجنوب «منظومة الدفاع» المغربية، وكذا شروط مراقبة وقف إطلاق النار، وتمت فيما يتعلق بالمسار السياسي إضافة ثلاث فقرات جديدة في القرار 2440، تتعلق بتنظيم «المائدة المستديرة» بجنيف وتحديد مسؤوليات كل أطراف النزاع الإقليمي حول الصحراء بكل وضوح.
وقال إن القرار يشجع كافة المدعوين إلى المائدة المستديرة، وبالأخص الجزائر، على «المشاركة بدون شروط مسبقة وبحسن نية»، والعمل بكيفية بناءة مع المبعوث الشخصي، في جو من التوافق طيلة هذا المسلسل، من أجل التوصل إلى نتائج إيجابية ويكرس «تطوراً نوعياً» بالمقارنة مع المسار كما تم العمل به حتى الآن في إطار مسلسل «مانهاست»، إذ إن على الجزائر، من منطلق مسؤولياتها السياسية والتاريخية والقانونية في هذا الخلاف، مدعوة إلى الانخراط بجدية خلال جميع مرحل المسلسل السياسي، لأن الدعوات التي وجهت إلى جميع أطراف النزاع جاءت في صيغة واحدة، وأن «الدعوة الموجهة والصيغة التي تحدث بها قرار مجلس الأمن لا يعطيان للجزائر أي فرصة للإفلات من المسؤولية».
وقام وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطه، أمس الجمعة، بتسليم رسالة من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وذلك في إطار زيارة في زيارة عمل يقوم بها منذ مساء أول أمس الخميس، ردًا على زيارة قام بها نظيره الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في أيلول/سبتمبر الماضي.
وقال بعد لقائه الرئيس الموريتاني: «ستكون هناك إن شاء الله في المستقبل، تحولات مهمة في إطار هذه الديناميكية التي يريدها العاهل المغربي والرئيس الموريتاني، فهنالك رغبة مشتركة على المستوى الثنائي، وهنالك رغبة مشتركة في خلق ديناميكية قوية في العلاقات الثنائية المغربية الموريتانية على كل المستويات، وهنالك رغبة مشتركة للدفع بهذه العلاقات إلى المستوى الذي تستحقه، نظراً للروابط القوية بين البلدين والشعبين الشقيقين».
وأوضح أن الرئيس الموريتاني «قدم تصوراً حول الوضع في المنطقة انطلاقاً من خبرته والدور الريادي الذى تقوم به موريتانيا في المنطقة».
وقال ناصر بوريطة في ندوته الصحافية، أول أمس الخميس، بالرباط، إن المجلس جدد تأكيده على أن الهدف من المسلسل السياسي هو «الوصول إلى حل سياسي، وواقعي وبراغماتي ودائم، على أساس التوافق»؛ وهي ذات المفاهيم التي ترتكز عليها المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
وأكد بوريطة في ما يتعلق بالوضع شرق وجنوب «منظومة الدفاع» المغربية، وشروط مراقبة وقف إطلاق النار، أن القرار خصص فقرتين جديدتين تطالبان جبهة البوليساريو باحترام التزاماته بالانسحاب من الكركارات، وعدم القيام بأعمال استفزازية في بئر لحلو، وقال: «المغرب فرض أن ينص القرار على ضرورة احترام البوليساريو للاتفاقيات المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها»، وأن خلاصة مجلس الأمن واضحة، وهي أنه «لا يسمح بأية أنشطة مدنية أو عسكرية للكيان الوهمي»، وشدد على ضرورة «الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني للمنطقة الواقعة شرق منظومة الدفاع المغربية، وبالتالي تكون المجموعة الدولية قد أعطت ضربة قاضية لأسطورة الأراضي المحررة».

التمديد للمينورسو

وبالنسبة إلى نقطة التمديد لبعثة المينورسو لمدة 6 أشهر فقط بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما اعتبره بعض المراقبين ليس في صالح الرباط، قال بوريطة إن «المغرب لا تهمه المدة الزمنية بقدر ما يهمه مضمون القرار في النهاية، لأنه لا يضع العامل الزمني ضمن أهدافه»، واعترف المسؤول المغربي بوجود ضغوطات مارستها قوى دولية من أجل تقليص مدة بعثة المينورسو لستة أشهر؛ لكن «المدة الزمنية لا تلعب أي دور في العملية الدبلوماسية للملف»، مورداً أن «الأساسي أن الرباط لن تعيد مفاوضات مانهاست، لا شكلاً ولا مضموناً، ولن يكون هناك أي جلوس مع البوليساريو والجزائر خارج جدول الأعمال».
واعتبرت الجزائر أن قرار مجلس الأمن 2440 يكرس من جديد ممارسة الصحراويين لحقهم في تقرير المصير كسبيل وحيد لوضع حد نهائي للنزاع القائم منذ أكثر من أربعين سنة، وقال بيان لوزارة الخارجية الجزائرية تعليقاً على القرار إن «مجلس الأمن يدعو مجدداً طرفي النزاع اللذين حدّدهما بشكل واضح، وهما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، إلى استئناف مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة وبحسن نية تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، بغية التوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام يقبله الطرفان ويضمن تقرير مصير الصحراويين.
وأضاف أن الجزائر «التي قدمت دوماً، بصفتها بلداً مجاوراً، دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي، قصد التوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام يقبله الطرفان ويضمن للصحراوين حق تقرير المصير، قد قبلت دعوة المبعوث الشخصي للمشاركة، بصفة بلد مجاور، في المائدة المستديرة المقررة يومي 5 و 6 كانون الأول/ديسمبر المقبل في جنيف».
وقالت الخارجية الجزائرية إن الجزائر تبقى واثقة من أن المفاوضات المباشرة والصريحة والنزيهة بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، هي وحدها الكفيلة بالتوصل إلى حل نهائي لمسألة الصحراء الغربية طبقاً للشرعية الدولية ومبادئ وممارسات الأمم المتحدة في مجال تصفية الاستعمار».
وقالت جبهة البوليساريو في قراءتها للقرار إنه «بغض النظر عما يأتي دائماً في ديباجة القرار الذي لا يخرج إطلاقاً عن اللغة الدبلوماسية التي على الوسيط أن يتحلى بها، والحفاظ على الموقع الوسط لكسب المزيد من التعاون والتسهيلات في مهامهم، فإن القرار يجدد في عمقه التأكيد على مسلمات أساسية، من بينها أن التمسك بأن يبقى تمديد ولاية البعثة على ستة أشهر بدل سنة، على عكس إرادة المغرب وراعيته فرنسا الراغبتين في جعل الملف راكداً ومنسياً، لهو في حد ذاته استجابة لإرادة جبهة البوليساريو والمتطابقة تماماً مع توجه المبعوث الشخصي في إطار ما يدعو إليه منذ البداية تحت عنوان الديناميكية الجديدة.

النزاع

وأضافت في موقعها الرسمي أن مجلس الأمن جدد التأكيد على أن ممارسة الصحراويين لحقهم الثابت في تقرير المصير يبقى الحل السلمي والعادل والدائم والسبيل الوحيد لوضع حد نهائي لقضية الصحراء الغربية التي عمرت أكثر من أربعين سنة، وأن تكرار القرار لأكثر من سبع مرات لطرفي النزاع، جبهة البوليساريو والمغرب، وتحديد دور الدولتين الجارتين، موريتانيا والجزائر، كان رسالة واضحة وصارمة للمغرب وراعيته فرنسا، بأن الطريق أمام محاولاتهم جر أطراف أخرى إلى النزاع يبقى موصداً وبإحكام.
وترى جبهة البوليساريو أن تشديد مجلس الأمن من خلال قراره 2440 على رفضه استمرار الوضع القائم وتأكيده على ضرورة دخول طرفي النزاع في مفاوضات مباشرة بدون شروط مسبقة وبحسن نية، هو تأكيد على أن الحل السلمي والعادل والدائم يمر حتماً عبر المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع، ولا مكان في هذه المفاوضات للحلول المشبوهة، ولا لأية شروط على المفاوضات، في إشارة واضحة إلى رفض مقترح المغرب للحكم الذاتي.
وقرأت في القرار حثاً لطرفي النزاع على الاحترام التام للاتفاقيات ووقف إطلاق النار والاتفاقية العسكرية رقم واحد، وهو تذكير بأن اللجنة التقنية التي أقرها الأمين العام في نيسان/ أبريل 2017 – استجابة لقرارات مجلس الأمن، والتي كان عليها أن تزور المنطقة وتلتقي الطرفين لحل المشاكل المترتبة عن خرق المغرب لوقف إطلاق النار في منطقة الكركرات في 12 آب/ أغسطس 2016 ورفضها المغرب- ما زالت في الانتظار، وأن المجلس يقصد دعوة المغرب مجدداً إلى تمكين البعثة التقنية من القيام بمهمتها والتحقيق في موضوع الكركارات وغير الكركارات، أي في موضوع وقف إطلاق النار بشكل عام. وإنه يحذر بشكل صريح المغرب الذي يريد تغيير مهمة بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء في الصحراء الغربية إلى بعثة لمراقبة وقف إطلاق النار، وأن المجلس طالب مجدداً المغرب بعدم عرقلة مهام بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء في الصحراء الغربية، مؤكداً ضرورة ضمان عمل البعثة للمساهمة في الحل الذي أقره مجلس الأمن بما يتماشى مع المعايير الأساسية والمبادئ العامة السارية على عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابوتاج الحكمة/فرنسا:

    اظن الظن الراجح أن اللقاء المرتقب سيتمخض عنه الحل المرضي للجميع إن شاءالله وهو حكم ذاتي واسع يشبه الاستقلال على غرار ارتباط كندا بالتاج البريطاني
    اتمنى من صميم القلب التوفيق للجميع

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    دعوة الجزائر الى محادثات الطاولة المستديرة يعد تحولا نوعيا كبيرا في مسار هذا النزاع المفتعل.
    الطاولة هي مستديرة … اي ان الكل على نفس المستوى من المسؤولية. و كلمة مستديرة ادرجت في التقرير و لم تنعث الجزاىر
    حينها بالبلد المجاور و لا البلد المراقب. هذا تحول كبير جدا، سيكون له ما بعده لحلحلة المشكل الدي انشأه بومدين.
    و لن يكون هناك لا فدرالية و لا كنفدرالية … بل اقصى شيئ هو حكم داتي ليقرر الساكنة مصيرهم.

إشترك في قائمتنا البريدية