قصة طويلة ذات عبرة قصيرة

حجم الخط
1

سيوجد قراء بعد أن ينهوا قراءة هذه السطور سيقرصون جلودهم ويقولون: لا يُصدق. وسيوجد آخرون وهم الذين يؤمنون بتفوق العرق اليهودي، سيسألون قائلين: ليكن، فماذا اذا؟ ويقولون باستخفاف ‘صفقة كبيرة’. وسيوجد آخرون ايضا وهم قلة ستغضبهم هذه المقالة المنشورة. لأنه لا تُعامل العلاقات بين الزعماء والدول على هذا النحو.
إن السكوت عن هذه القصة غير المهمة حسن، لكن الدرك الذي بلغت اليه علاقات اسرائيل بالولايات المتحدة يدعوني في هذه الساعات الصعبة خاصة الى أن أعرضها باعتبارها مثالا على عمق العلاقات التي كانت في الماضي بين رئيس للولايات المتحدة واسرائيل.
الحديث في هذه الحال عن اسحق رابين الذي كان وزير الدفاع آنذاك، لكن هذا قد يحدث لكل رئيس وزراء آخر ربما ما عدا اسحق شمير ومناحيم بيغن. ويمكن أن تحلم دول اخرى في العالم فقط بهذه الحال الحالمة. وأما العبرة من التشبيه والاستنتاجات والدروس فتنتظر القراء في نهاية القصة لأننا أصبحنا في اشتياق شديد الى أن نقصها:
في 1988 كانت العلاقات بين الامبراطورية الامريكية والقزم الاسرائيلية سيئة، سيئة جدا. فقد كانت الانتفاضة الاولى آنذاك في ذروتها وكانت شاشات التلفاز الامريكي مليئة بصور دم فلسطيني ودموع اولاد. وأحبت امريكا جدا الدموع وصيحات الانكسار وأظهرت عداوة لمن جسد الوضع آنذاك وهو وزير الدفاع.
إهتم رابين طول السنين بتسميد اراضي العلاقات بالولايات المتحدة، وكان في كل بضعة اشهر يأتي الى واشنطن للقاء معارف واصدقاء كانوا رؤساء الادارة في تلك الايام. وكانت تلك ايام جو ‘إكسروا العظام’، وقد أشاروا على رابين من كل صوب ألا يشخص الى الولايات المتحدة وقالوا له إن الحجارة من قلقيلية ستطارده في واشنطن ايضا. و’عمل’ عليه رفاقه الأقربون كي لا يسافر. وبيّن صحفيون اسرائيليون في عاصمة الولايات المتحدة في كل يوم أن واشنطن غير معنية بزيارة من اسرائيل، وكيف سيقاطعونه وفيهم الرئيس ‘الذي سيطرحه عن الدرج’، وكيف سيعود الى الوطن ‘وذيله بين رجليه’. فلا يدخل هذا الشرك سوى أحمق.
‘واستقر رأي رابين على السفر مع كل ذلك. وفي اطار الاعداد للزيارة هاتفنا المندوب السياسي آنذاك عوديد عيران وقال إنهم هاتفوا من البيت الابيض وإن الرئيس سيستقبل وزير الدفاع لحديث معه. وفي امريكا التي هي بلد البروتوكولات الصارمة، لن يلقى الرئيس وزير الدفاع بالغرفة البيضوية، وفي أفضل الحالات وهي حالة نادرة جدا ‘يدخل’ بصورة عارضة بالطبع الى الغرفة المجاورة لمستشار الامن القومي، ويلتقي من يريد ان يلتقيه صدفة (بصورة مخطط لها بالطبع).
‘وبعد يوم أو يومين هاتفنا عوديد عيران مرة اخرى وأعلن أن ‘الرئيس ووزير الدفاع سينشران اعلانا مشتركا’. وكان ذلك يفوق فهمنا لكن من نكون لنفتح أفواهنا؟ هل يريد رئيس الولايات المتحدة أن يقف مع وزير الدفاع في مرمى النار؟ حسن. وحطم الاعلان بعد يوم الارقام القياسية. فقد طلبوا من البيت الابيض ان نصوغ الاعلان المشترك حتى للجانب الامريكي ايضا. إنه لا يصدق.
‘وقلنا في أنفسنا مثل كل يهودي يأخذ اليد كلها اذا أعطوه إصبعا واحدا: اذا حدث ذلك فليكن. وصغنا اعلانا طويلا فخما مشحونا بالثناء على دولة اسرائيل وبالثناء على وزير دفاعها في هذه الفرصة ايضا. وكان فرضنا أنه حتى لو أبقى الامريكيون سطرا أو اثنين من نص الاعلان فسيكون ذلك كافيا لافراح دولة اسرائيل ووزير دفاعها. واستعملنا كلمات غير عادية ‘متفجرة’.
وبعد يوم أو يومين عاد عوديد عيران من لقاء في البيت الابيض في اطار الاعداد للزيارة ومعه يحمل كارثة قومية تقريبا. فالبيت الابيض لم يغير لا فاصلة ولا حرفا، وسينشر الاعلان كما اقترحناه بالضبط، وقلنا آنذاك لأنفسنا ليحفظنا الله. إن العالم السياسي لن يصدق. فماذا نفعل الآن؟ وكيف نقنع الامريكيين بتقصير الاعلان وتغيير كلمات كتبناها نحن وإحلال كلمات اخرى محلها؟ ماذا نفعل؟.
وكانت النهاية طيبة، فقد صدر الاعلان المشترك مختصرا غير موسع مع الكلمات المناسبة وخلصنا من الورطة. فما هي الاستنتاجات؟ والعبر والمعاني؟ كانت توجد ذات مرة علاقات مختلفة وعميقة وحميمة ورائعة برئيس الولايات المتحدة وامريكا، ولم يبق لنا سوى الذكريات من الماضي والاحلام في المستقبل.

يديعوت’27/11/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ف. اللامي (كندا):

    الموضوع لا علاقة له بالسامية أو اليهودية، إنما هي علاقة مصالح وخدمات متبادلة.
    إسرائيل أصبحت تأخذ وتطلب من حلفائها كل شيئ، مقابل لا شيئ، من منطلق الحق الشرعي، وحتى رؤوس الأموال والشركات العملاقة التي كانت تستغلها لتحريك السياسات في كل من أمريكا وأوروبا، توجهت إلى الصين فما عاد للساسة الموالين لإسرائيل في الغرب من شيئ يبيعوه لشعوبهم، مقابل دعمهم اللا متناهي وغير المبرر لإسرائيل.
    من برلين، وحتى تكساس، مروراً بدوبلن، وأمريكا الجنوبية كلها، لم يعد أحد يرى في علاقتهم بإسرائيل إلا حِملاً آن التخلص منه.

إشترك في قائمتنا البريدية