لا ريب أن قراءتنا لوالكوت تحتاج إلى كل ما راكمناه من معرفة وخبرة من قراءات شعرية سابقة. حَذاقته في مزج الحاضر والماضي معاً، واستخدامه لكائنات مُبْتَكرة أو حقيقية تمنح قصائده ذلك الشغف الغامر. لا أحد يملك مهارته في تعقب الخوف الممزوج بتوقه الحارق للوصول إلى السلام. يبني والكوت ميثولوجيته الخاصة باستخدامه السرد المطوّل الأخّاذ، ولو أنه غالباً مشوب بتلك الكآبة العميقة التي تميزه عن غيره.
ديريك والكوت، شاعر وكاتب ولد في جزيرة سانت لوسيا إحدى جزر الهند الغربية التي كانت مستَعمرة بريطانية. حاز العديد من الجوائز من أهمها جائزة نوبل للآداب 1992، جائزة ت. س. إليوت، وزمالة ماك آرثر 1981.
السرب
قبضة الشتاء تشدُّ على الطيران الواهن
للبط البريّ ذي الرّيش الأزرق في طيرانه
من بين أقواس القصب المحنية بالريح
سهام رغبة لسماوات مغايرة.
انقلاب الفصول يشحِّذ حواسها،
هدفها شمسنا الاستوائية، بينما كنت أوقظ
شروق الشمس ليشهد عنف
مشاهد مهاجرة من العقل.
في غابة الهياكل، يمتطي الفارس المدفون
جواده بصمت على حافة البرِكة السوداء
الحوافر تتراشق الثلج
في جنازة السنة الناصعة
كنملة عبر جبين الجبل الشاهق
في رفض صارم ربض
في وجه تلك الرياح التي تدفع البط البريّ جنوباً
فيزورد في دفاعه المستميت عن ضالته،
عن نبوءة الرّبيع السّنوية.
في صمت كهذا سافر، تاركاً
علامات بأقلام سوداء فوق الثلج.
بكلمات يقيس نبوءة الشتاء
منسّقاً الدّماغ المتفرّع كطيور مُهاجرة
وأبدا لا يسأل متى تذهب أو تعود.
الشكل، توتر الحركة، التوجه المعتم
واللامرن للعالم
في تعاقبه عبر القرون
مع تغير اللغة، المناخ، العادات، الضّوء،
مع انشغالاتنا الخاصة يوماً بعد يوم
عاماً بعد عام مع مشاهد من الطيران،
ننجو بأنفسنا من الإدانة
وقبّرات الشمس الجذلة
القطب الشمالي المعتم المُنصف
حيث احتبس جليده المستودون*،
أدمغة مَرَدة تجمدت على هيئات رخامية،
بلا كلل تدور بكياسة جلية
على محور حديدي، رغم أن الفقمات كانت
تعوي بأصوات وحشية عبر الجليد،
وصفحات من طيور ممزّقة تتطاير عبر
التندرة* المبيَضّة وقد انغمرت بالثلج.
إلى حين فنائها ربما يعكس العقل
ثباته عبر شتاء المدار الاستوائي،
حتى ذلك الاعتدال الربيعي، حينما تغيم العين الصّافية
كمرآة، دون لَبْس
وهي ترحب بالأجنحة السوداء التي تعبرها كبرَكة،
أزيز سرب الطيور عند مرورها عالياً
عبر صفحة السماء الباردة، لمّاّ بدأتُ
رحلة الفجر الشتائي المضطرم.
بغريزتها تطير إلى أماكن سريّة
من أجل حاجتها ومن أجل إحساسي بالفصل.
*المستودون: حيوان بائد شبيه بالفيل
*التندرة: سهل أجرد في المنطقة القطبية الشمالية
أشجار اللوز
لا شيء هنا،
سوى هذا الرمل
البكر البارد
والأطلنطي، المخضوض؛
لا تاريخ مرئي،
عدا هذا الاصطفاف
لأشجار لوز البحر النحاسية المتشابكة
ووقفتها المتوهجة بلا شك
محنية كما المعادن.
وصياد بشعر يرغي بالزبد، وملطّخ بالملح
تذمره النزق ينصبّ على القصبة
التي يقذف بها طُعم سمك الشفنين
«لا تاريخ مرئي»
إلى أن تُدهِشَ أشكالها الطولانية الشمس.
عند الظهيرة
يُكسى شاطئ افريقيا النائي
بأجساد فتيات يُقمِّرنَ جلدهن
بالأوشحة وبيكيني البومبيان والنّظّارات الشّمسيّة،
سمراوات دافني، بأكاليل الغار، جميعهن يضعنها
كتقليد، لغياضهن المقدسة.
وهذا الطنف
من أشجار لوز البحر النحاسية المجدولة.
هواء الاستيلين المؤذي.
قد سفَعَ
الجذوع المحنية، بالصّدأ،
تماماً كمظهر البارجة الغارقة المُتقشِّرة.
وسَيلفَحْ بلهبه القشرة الحائلة ذات اللون النحاسي
في الأسفل رماد بركاني أبيض حار،
لكن فروعها الكهلة اكتسبت لمعانها النّحاسي
من النّار، جذوعها تلمع بشدة!
عولجت،
وتحملَت محرقتها.
أشجار كهلة، وفروع زيتية تتشاركان اللون ذاته!
بشعلة واحدة التحمَت،
عارية تحتشد، مُجرّدة من أسمائها
الإغريقية والرومانية على البطاقات،
عارية ضُربتْ بالريح
بالملح غُسِلت وبالنار جفّفت،
بقسوة طُعَمت حيث قُطِعت فروعها.
الأوراق بحفيفها الفجّ
صوت باقٍ
تقاسماه معاً.
ليس كصراخ بعض حوريات البحر المندفعة
التي انغرست وتكسّرت ببطء إلى أوراق
حلماتها تبرز لتصقل الجذوع الخشبية
ألمها
يولول باتجاه البحر عبر الثقوب التالفة المحرَّقة.
جسد واحد ملفوح بالشمس يعي
ذلك الماضي وتبدلاته
وفيما تتنقّل متلافية الشمس، تجثو
لتنشر دثارها بين فروع الأيكة المحنية
وهي تنتحب بصمت كحب أبوي.
*دافني : هي ابنة إله النهر التي تبعها أبولو، ولتنجو منه تحولت إلى شجرة غار
٭ شاعرة سورية
شكرا للقدس العربي والكاتبه انا مستعد ان اجري اقتباسا شعريا كاملا للشعر العربي لهذه المقطوعه الرائعه و لكن شرط ان تنشرها القدس العربي مقالة منفصلة فلا يليق بها ان تكون في قسم التعليقات وخاصو ايضا لقضية الحجم
[email protected]
سطوة النحاس في النص،شعرية العناصر.شاعر عميق وترجمة عميقة مخلصة لروح الشعر الدافق.هنيئا لك ولنا (بك)
{ كيف تعاتبني
أنا الغريق
الذي لطمته كل الأمواج المتأخرة ؟ }.
هذا مقطع من قصيدتك المنشورة أيتها الشاعرة لينا شدود بعنوان { في كنف العاصفة } قرأته منذ مدّة ليست قصيرة…أشكرك على الترجمة الرائعة لقصيدة الشاعرديريك والكوت.الترجمة بحدّ ذاتها صورة أخرى من الإبداع العبقريّ ؛ لأنها إضافة بلاغيّة للنصّ الأصليّ ؛ الترجمة تُحي وتُميت النصّ.تُحيه بالرّوح وتميته بالعثرات.وأشهد أنك جعلت من جدل ديريك ؛ قصيدة فوق قصيدة فجمعتي اللفظ والمعنى والصورة بالديالتيك.
مساء الخير يا اخي الدكتور جمال اللدري اسمح لي وعلى سبيل الدعابة بان اذكر لك انني والله دائما اضحك عندما اتذكر كيف ان احد الخونه من القراء سألك هل انت فعلا تحمل شهادة دكتوراه وانا اشهد انك من حمله العلم وارقى الشهادات وكلامكم الراقي يشير الى ثقافتكم
أخي المحترم أبو تاج أشكرك على كلماتك وتعليقك : حينما تكون بين الترغيب والترهيب تذكّر أنّ صاحبه ( ذئب ) مليء بعواء الحسد حتى الثمالة…ففي الترغيب فتنة وفي الترهيب فتنة ؛ والصواب : { فلا تميلوا كلّ الميل }.ألم تقرأ لذي الخِرق الحميريّ الطهويّ ؟ وهو شاعرجاهليّ : { ألــم تعجب لذئــب بات يعــوي…ليُؤذن صاحبًا له باللحـــــاقِ }. { حسبت بغُام راحلتي عَناقًا…وما هي ويب غيرك بالعَنــاقِ }. { فلو أنّي رميتك من قريب…لعاقك عن دعاء الذئب عاقِ }.الاستمراريّة الواعية تحقق الطموح…وسننتظر منك أشعارًا جديدة للجريدة.
اولا شكرا للمنبر منبر القدس العربي فهو يطوف بأجنحته حول العوالم الفنية كلها من عالم الرواية الى عالم القصة الى عالم التشكيل الى عالم الخط الى عالم اللغة العربية الى عالم المسرح الى عالم السينما الى عالم الشعر يمتع العيون الشعرية بجديد القصائد المعطرة بالنغمات الموسيقية الراقصة من لها معنى سألني صاحبي اتعرف خمر الشاعر قلت نعم فقال ماهو قلت القصيدة هي خمره هي لدته هي حلمه فتبسم ظاحكا حثى بدت لي نواجده