قصّة العرب مع الساسة الأمريكيين السود

ليس للعرب ما يدينون به، في مجال المواقف الأخلاقية والسياسية، لأيّ من كبار الزعماء والسياسيين الأمريكين السود: سواء داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ، أم الرئيس باراك أوباما، أم العسكري-الدبلوماسي، الذي وافته المنيّة قبل أيام، كولن باول. إذ لم يقل أي منهم كلمة حق في أي من القضايا العربية الكبرى، ناهيك عن دعم السياسات أو اتخاذ القرارات العادلة. فقد كان القسّ مارتن لوثر كنغ مناضلا عظيما وخطيبا ملهما، لكنه كان صهيونيا محبا لإسرائيل، بل إنه غالى في دعمها أثناء حرب حزيران 1967. وقد أثبت هذه الحقيقة، غير المعروفة على نطاق واسع، كل من الكاتب الليبرالي مارتن كريمر والمؤرخ اليميني غيل تروي. أما إدوارد سعيد فقد كان سبّاقا إلى تقريرها في أكثر من موضع. وإذا كان هنالك من يندهش من عجز أكبر المناضلين ضد العنصرية في أمريكا عن تبيّن الجوهر العنصري في الإيديولوجيا الصهيونية، فسيزول اندهاشه عند قراءة شهادة عضو الكونغرس الراحل دانيال باتريك موينيهان عن الفترة التي أمضاها سفيرا لأمريكا في الأمم المتحدة منتصف السبعينيات لأنه سيرى ضراوة الحرب الدبلوماسية التي اندلعت بمناسبة تصويت معظم أعضاء الجمعية العامة عام 1975 بإجازة مشروع القرار الذي يعدّ الصهيونية ضربا من العنصرية، ويشهد استماتة موينيهان (الذي كان أكاديميا وسياسيا خطيرا) في التشهير بالقرار على أنه «كذبة كبرى» وتفنيده بزعم أنه «مناف لحقائق التاريخ والمنطق واللغة»!
ولأن أوباما أكثر الساسة السود نجاحا فهو أكثرهم تخييبا للأمل، حتى بأشد المعايير العربية تواضعا. إذ رغم أنه كان له طيلة الولاية الثانية هامش واسع من حرية الحركة التي يتيحها انعدام الخوف من الهزيمة الانتخابية، فإنه تحمّل من نتنياهو مختلف السفالات والإهانات ولم يردّ بشيء سوى الصمت والمقاطعة. ولا عذر له، مثلما قد يكون لبقية الساسة الأمريكيين، في عدم فهم القضية الفلسطينية على وجهها التاريخي والحقوقي الصحيح، باعتبارها قضية تحرر وطني من آخر تعيّنات الكولونيالية الاستيطانية الغربية. فقد كان على صداقة مع الأستاذ رشيد الخالدي، لما كانا زميلين في جامعة شيكاغو، ودارت بينهما في هذا الشأن حوارات على مدى السنوات، بما في ذلك أثناء الزيارات بين العائلتين.

ليس للعرب ما يدينون به، في مجال المواقف الأخلاقية والسياسية، لأيّ من كبار الزعماء والسياسيين الأمريكين السود: سواء داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ، أم الرئيس باراك أوباما

لكن كل هذه المعرفة لم تغير في موقفه، المنسلك في عموم السطحية الأمريكية، شيئا لأن الغالب في شخصيته ليس المقوّم الأكاديمي أو الأخلاقي، وإنما الطموح السياسي. ولهذا قال عنه الخالدي إنه مجرد رجل سياسة. أي أنه مهموم باعتبارات التموقع المصلحي والمقبوليّة الشعبية وبحسابات الربح والخسارة. وليس ثمة دليل أقوى على بروده الفكري، في نظري، من سلبية موقفه من إدوارد سعيد. فقد كان له من المثقف العربي الفذ موقف يتسم بالخفة رغم أنه كان من طلابه في مادة الكتابة الروائية المعاصرة في جامعة كولومبيا عام 1983.
أما كولن باول فلم يكن أول أمريكي أسود يتسنّم أعلى المناصب العسكرية والدبلوماسية فحسب، بل إنه ما كان ليعجز عن الفوز بالرئاسة لو استجاب لمناشدات الترشح. إلا أن البشرية لم تعرفه، والتاريخ لن يذكره، إلا مروّجا للأباطيل والأكاذيب التي تم التذرع بها لغزو العراق. فبقدر ما كان يوم 14 فبراير 2003 في مجلس الأمن يوم مجد للفرنسي دومنيك دوفيلبان فقد كان يوم خزي للأمريكي كولن باول. ولا معنى لعبارات الاستدراك (بلا اعتذار) التي تفوه بها بعد ذلك بسنين. حيث قال إنه شعر بالحرج، بل الخزي، لما اتضح زيف المعلومات التي زودته بها السي آي ايه. وروى أنه قال لبوش قبل ذلك: «لو استطاع صدام حسين إثبات خلوّ العراق من أسلحة الدمار، عندها لن يكون لديك مسوغ لشن الحرب. فهل أنت مستعد لقبول ذلك حتى لو كان يعني بقاء صدام في الحكم؟ فأجابني بتردد: نعم، أقبل». وبعدها قضى باول ثلاثة أيام مع موظفي السي آي ايه في إعداد الملف الذي «يثبت» امتلاك العراق لهذه الأسلحة! لكن ما يفاقم جريمته في حق العراقيين وجميع العرب أنه لما سئل، زمنا بعد أن عرفت الحقيقة، عما إذا كان يعدّ قرار غزو العراق قرارا خاطئا، أجاب: بل أقول إن تنفيذ الغزو لم يتم بالطريقة المناسبة. واستشهد على ذلك بـ»خطأين قاتلين استراتيجيا»، هما حل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث.
على أن هذا لا ينفي حقيقة أن باول كان معترضا بادئ الأمر على محاولات استهداف العراق بخطط الرد الأمريكي بعد هجمات 11 سبتمبر وأنه حاول أثناء زيارته للمنطقة في ربيع 2002 إحياء مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية. لكن الكفة كانت راجحة بقوة لصالح بوش وتشيني ورمسفيلد ومعظم أعضاء مجلس الأمن القومي الذين قرّ الرأي عندهم، حسب شهادة وليام بيرنز، بأن لا سبيل لتحسين الوضع في الشرق إلا بإسقاط صدام، وأن لا سبيل لتحقيق السلام المنشود إلا بإسقاط عرفات وإجراء إصلاح ديمقراطي شامل في صلب السلطة الفلسطينية.

كاتب تونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي مالك التريكي. جميل جدًا هذا التوضيح وربما معظمنا لايعرف هذه الحقائق وخاصة عن أوباما ومارتين لوثركنغ. بكل أسف طبعًا وكم أنا نادم لأني خدعت بأوباما فلم أكن أتصور أن الإنسان يمكن أن ينفصل عن نفسه إلى هذا الحد. لكن ربما جهلنا بالمجتمع الأمريكي هو السبب.

  2. يقول Awadh:

    حسنا فعلت استاذ التريكي… الاسماء السياسية السوداء المذكورة ام أعجب من انفصامها الأخلاقي كاستغرابي من لوثر كينج! عموما بأول و أوباما سياسيون، و يدركون انه لا اخلاق السياسة في دولة السلطة فيها موزعة بين الكابيتول و الرذيس و الشركات العملاقة ذات المصالح. و هذه السياسة نفسها الساسة العرب أصحاب القضية هم كذلك يختبروا العالم من حولهم انها قابلة للمساومة!

  3. يقول S.S.Abdullah:

    لماذا نسي ذكر مواقف (مالكوم أكس) مثلاً، في مقال له بعنوان (قصّة العرب مع الساسة الأمريكيين السود)، في جريدة القدس العربي، البريطانية، التونسي، (مالك التريكي)؟!

    لأن ببساطة أمثال شخصية (صدام حسين)، ليس دبلوماسي أو رجل (صفقات/مناقصات) مثل أي (لبناني) مثل (سمير جعجع) أو (حسن نصرالله)،

    في البداية بالنسبة لأصحاب الثقافة الأوربية والفرنسية بالذات، لاحظت الكثير لم ينتبه إلى أن خزعبلات (فرنسا)، في تسويق ثقافة الأنا، العنصرية، حول العالم، كانت السبب، في كل حروب (أمريكا) بعد عام 1945، بداية من كوريا إلى فيتنام،

    إلّا أن عبقرية نظام الثنائي (كيسنجر-نيكسون) في استغلال أي شيء، لمصلحة أمريكا، كما ألغت، وجود غطاء بالذهب، عند طبع العملة النقدية الوطنية، هي من أعطت كرسي تايوان (الرأسمالية)، إلى الصين (الشيوعية) في مجلس الأمن، هي من أصدرت (إقتصاد البترودولار) حتى تستفيد من المقاطعة، إقتصادياً،

    ضد كل دولة وقفت مع (الكيان الصهيوني) في الحرب، وأخيراً، مثل أمريكا وبريطانيا، والدليل ما حصل في طرد (فرنسا)، وأخذ مكانها في صفقة تجارية مع أستراليا (الغواصات)، بالذات، فهل هذا (قانوني/دستوري)، بعد أستثمار (فرنسا) الجهد والمال والوقت، وتطلع من المولد، بلا شيء، أم لا؟!

  4. يقول S.S.Abdullah:

    كذلك أرجو من إشكالية عام 2021 في من له الأولوية، عند تعارض نص في دستور (بولندا) مع نظام إتحاد أوروبا، أو إشكالية دلع المرأة، مع صاحب أي سلطة، عندما يستغل ذلك في علاقات (لغة جسد)، بين أي مسؤول مع أي موظف، مثل رئيس تحرير أوسع جريدة (ألمانية Blid)،

    أن تُصحّح (زاوية رؤية) رأي بعنوان (اللجنة الدستورية السورية ومنهج العربة أمام الحصان)، نشرته جريدة القدس العربي، البريطانية، والأهم هو لماذا؟!

    لأن السؤال هنا، هل هناك حاجة إلى (قانون/دستور)، أم لا، عندما (لا يحترم) ذلك أعضاء مجلس الأمن في الأمم المتحدة، بعقلية أن يكون فوق (القانون/الدستور)، عند الحاجة، من خلال حق (النقض/الفيتو)،

    والدليل على ذلك كذلك، كل كيانات سايكس وبيكو، وليس فقط (الكيان الصهيوني)،

    وكيف تمت عملية إصدار شهادة الميلاد (غير القانونية)، بسبب عدم إصدار دستور، أو تحديد حدود للدولة، حتى الآن،

    أو تايوان (جمهورية الصين الوطنية)، التي كانت عضو مجلس الأمن حتى حربنا مع الكيان الصهيوني في عام 1973، فتحولت إلى حالة فلسطين (من البدون/لاجئ)، عضو غير معترف به، أين ذهب حق النقض/الفيتو إذن؟!

  5. يقول S.S.Abdullah:

    في موقفهم السلبي، من فكر (د صالح عبدالله سرية) أو فكر (سيد قطب)، أو فكر (الحسين بن علي)، في رفض (الظلم) من أي حاكم، حتى لو كان من آل البيت أو من شعب الرّب المُختار،

    ومن هذه الزاوية، فهمت أنا، هذا سبب تغيير استراتيجي، من وجهة نظري، في العقلية (التايوانية) بالذات،

    لأن الشركة التي تنتج إلى أكبر شركات العالم،

    منتجاتهم الإليكترونية بداية من شركة APPLE، لماذا بدأت تنتج وسائل نقل كهربائية؟!

    https://youtu.be/4fy8v0uCDQA

    وهذا حفل تقديم هذه المنتجات في (تايوان) اليوم

    https://youtu.be/3mczop6pAdY

    كيف أصبح لأهل (تايوان) بداية من صاحب هذه الشركة، أخيراً الثقة بالنفس،

    في (الاستثمار) في مجال وسائل النقل، بدل الاقتناع فقط بإنتاج منتج تنافس به، في سوق (قطع الغيار أو التجميع للآخر)، كما كان قبل عصر (كورونا)، سبحان الله.??
    ??????

  6. يقول خيراني مروان علي:

    سقطت كوندوليزا رايس من حسابات التريكي رغم انها صاحبة القدح المعلى مكلفة بالامن القومي ثم خليفة لكولن باول على راس الخارجية، وهي التي استدعت الى لغة السياسة عبارة الفوضى الخلاقة….

    1. يقول العلمي . ألمانيا:

      صدقت . وكيف للتريكي أن ينسى رايس و هي أقوى مثال في سياسة تخريب دول المشرق العربي.
      لكن أرى أن تقاس الثقافة السياسية و الميل الحقوقي عند السود الأمريكان من خلال خلال أدبائهم و مثقفيهم و ليس من خلال سياسييهم ، و ذلك أقرب للإنصاف

إشترك في قائمتنا البريدية