لم يصل قطار البريكس إلى المغرب العربي من خلال رفض عضوية الجزائر، ولكن المشكل الكبير في المغرب العربي وهو نزاع الصحراء وصل إلى القمة وأروقتها.
لندن ـ «القدس العربي»: لم يصل البريكس إلى منطقة المغرب العربي، هذا عنوان يعكس التجاذبات الجيوسياسية التي عاشتها منطقة شمال أفريقيا طيلة الأسبوعين الأخيرين بعدما كان هناك تساؤل عريض حول قبول كل من المغرب والجزائر في هذا التجمع الصاعد الذي يعلن منافسة مجموعة السبع الكبار وإنهاء هيمنة الغرب. ووسط الجدل، حضرت المنطقة كذلك في قمة البريكس خلال الأسبوع الجاري في جنوب أفريقيا عبر نزاع الصحراء الغربية.
وطيلة الأسبوعين الأخيرين، ساد الاعتقاد بتقديم كل من المغرب والجزائر طلب الإنضمام إلى البريكس، وكانت الجزائر قد أعربت عن رغبتها في الانضمام في مناسبات عديدة. وكانت المفاجأة أنه قبل خمسة أيام من انعقاد القمة في جنوب أفريقيا، نقلت وسائل إعلام رسمية مغربية عن مصادر دبلوماسية في الرباط نفي الأخيرة لرغبة المغرب الانضمام إلى هذا التجمع. وكان النفي مصحوبا بانتقادات قوية ضد جنوب أفريقيا لاسيما بعد ما تبين حضور زعيم البوليساريو إبراهيم غالي بصفته كرئيس الجمهورية المعلنة من طرف واحد.
وجاء النفي ليضع حدا للغموض الذي ساد. وعمليا، يبدي المغرب رغبة كبيرة في تنويع شركائه في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الدولية، وعند كل أزمة مع الاتحاد الأوروبي يلوح بهذا الطرح. وكان قد أعرب عن رغبته في الانضمام إلى إكواس وهي المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، الطلب الذي جرى التحفظ عليه. غير أن الانضمام إلى البريكس كان مفاجئا، وذلك بحكم استمرار ارتباط المغرب بالغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي اقتصاديا، والولايات المتحدة عسكريا ودبلوماسيا. في الوقت ذاته، لا يتوفر المغرب على شرط اقتصادي أساسي وهو ضرورة تجاوز الإنتاج القومي الخام 200 مليار دولار، إذ بالكاد يتراوح بين 110 مليار دولار و120 مليار دولار، وعليه ديون كبيرة تكاد تصل إلى 90 في المئة من الإنتاج القومي الخام. كما هو جيوسياسيا لا ينخرط في المشاريع السياسية للدول الكبرى المهيمنة في البريكس وهي روسيا والصين.
وتبقى المفاجأة الكبيرة هي إقصاء الجزائر وقبول دول أخرى مثل إثيوبيا ذات الاقتصاد الأضعف من الجزائر. ويشكل رفض البريكس لانضمام الجزائر انتكاسة حقيقية للدبلوماسية الجزائرية، ذلك أن الرئيس عبد المجيد تبون جعل من الانضمام إلى المنظمة الصاعدة شعارا في علاقاته الخارجية، وقام بزيارة كل من بكين وموسكو خلال الثلاثة أشهر الأخيرة بهدف ضمان الانضمام. كما قامت الجزائر بما يشبه تجميد اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي مقابل تعزيز التبادل مع دول البريكس وخاصة الصين. وانخرطت الجزائر في تبني شعارات روسيا والصين في العلاقات الدولية، أي التقليل من هيمنة الغرب.
وما فاقم شعور الجزائر بخيبة الأمل هي التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في نهاية القمة بقوله أنه تم قبول الدول ذات الأهمية الجيوسياسية وذات الهيبة في العلاقات الدولية، وهذا يعني افتقار الجزائر لهذا الشرط. ورغم هذا، تعلن الجزائر رغبتها في الانضمام مستقبلا، كما أن البريكس يرحب بها مستقبلا. وجاء الرفض المؤقت للجزائر لأسباب متعددة وأبرزها:
في المقام الأول، منذ نهاية كانون الأول/ ديسمبر، عندما تبين مستوى الإنتاج القومي الخام لسنة 2022 وعدم تجاوزه 200 مليار دولار، كما أنه يعتمد على صادرات الطاقة وليس متنوعا، شعرت الجزائر بصعوبة الانضمام، وحاولت تعويض هذا النقص بزيارات رئيسها لبعض الدول الأعضاء.
في المقام الثاني، زار الرئيس تبون كل من الصين وروسيا وأجرى مباحثات مع جنوب أفريقيا من أجل الانضمام، إلا أنه قام بتهميش عضوين رئيسيين وهما البرازيل والهند. وتفيد عدد من الأخبار بوقوف الهند وراء رفض الجزائر بعدما اختزل تبون البريكس في بكين وموسكو. ولعل خلل الدبلوماسية الجزائرية وسوء التقييم هو الرهان كثيرا على روسيا اعتقادا منها أنها تمتلك مفاتيح الانضمام إلى البريكس.
في المقام الثالث، جرى قبول إثيوبيا التي لا يتجاوز اقتصادها 120 مليار دولار سنويا، ولم يتم قبول الجزائر التي يقترب اقتصادها من 200 مليار دولار خلال السنة الجارية، وفق التقديرات. وهذا يعود إلى شرط جيوسياسي تبنته الدول الأعضاء ويتجلى في: إثيوبيا قوة بشرية هائلة بأكثر من مئة مليون وهي مقر الاتحاد الأفريقي، وتعتبر دعامة رئيسية في ضمان حرية الملاحة في المحيط الهندي. بينما هذا الشرط غير متوفر لدى الجزائر التي لا تحتضن أي مؤسسة قارية أو إقليمية، عكس مصر باحتضانها الجامعة العربية، والسعودية كمقر ديني بفضل مكة والمدينة ومنظمة المؤتمر الإسلامي. بينما الإمارات لاعب مالي رئيسي في العلاقات التجارية، وتبقى إيران قوة عسكرية واقتصادية في الخليج، بينما الدولة الأخرى التي تم قبولها الأرجنتين فهي ذات اقتصاد قوي وستعزز من سياسة البريكس في أمريكا اللاتينية.
في غضون ذلك، حضر النزاع الذي يحول دون تحول منطقة المغرب العربي-الأمازيغي إلى اتحاد إقليمي يمنح للمنطقة صوتا في مواجهة التكتلات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الأوروبي والبريكس. ويتعلق الأمر بنزاع الصحراء، حيث كان مرتقبا إشارة البيان الختامي إلى النزاع بحكم الموقف الداعم من جنوب أفريقيا لجبهة البوليساريو، الأمر الذي جعلها توجه دعوة الحضور إلى زعيمها إبراهيم غالي لحضور القمة. ويبرز البيان الختامي هذا النزاع عبر الصيغة التالية: «ضرورة التوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول للطرفين لمسألة الصحراء الغربية طبقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتنفيذا لولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)».
وهكذا، لم يصل قطار البريكس إلى المغرب العربي من خلال رفض عضوية الجزائر، ولكن المشكل الكبير في المغرب العربي وهو نزاع الصحراء وصل إلى القمة وأروقتها، ما يزيد من التفرقة في شمال أفريقيا.