مدريد ـ ‘القدس العربي: تستمر فضيحة تورط الحكومة الأمريكية في التجسس على مواطنيها ومواطني العالم عبر اختراق خوادم شركات المعلوماتية والتواصل الكبرى مثل غوغل وأبل وياهو والفايسبوك وميكروسوفت في التفاعل سياسيا. وتضع الرئيس باراك أوباما في موقف حرج، وتأتي مجددا لتثير غضب الأوروبيين بسبب تعرضهم للتجسس من طرف الأمريكيين والبريطانيين، وتؤكد وسائل الاعلام أن برنامج ‘بريزم’ هو جزء من البرنامج الشهير ‘إيشلون’ لا يستهدف الأشخاص فقط بقدر ما يستهدف الأسرار الصناعية والاقتصادية لدعم استمرار قوة أمريكا عالميا.
واندلعت هذه الفضيحة الأسبوع الماضي عندما نشرت الجريدة البريطانية ذي غارديان والأمريكية الواشنطن بوست مقالات تتحدث عن وجود برنامج سري للمخابرات الأمريكية يتم بموجبه اختراق جميع المكالمات والشات والبريد الالكتروني للأمريكيين وجميع المسجلين من باقي العالم في كبريات الشركات مثل غوغل وياهو وميكروسوفت والفايسبوك. وتبين لاحقا أن موظفا في المخابرات الأمريكية وهو شاب اسمه إدوارد سنوودين لجأ الى هونغ كونغ هو الذي سرب المعلومات عن هذا البرنامج الذي يسمى بريزم ويتجسس على جميع الناس بدون استثناء وليس فقط المشكوك فيهم. وبرر ذلك بأنه غير متفق مع سياسة التدخل الأمريكية في الحياة الخاصة للناس لاسيما الأبرياء منهم.
وهذه الفضيحة تشكل تحديا قويا للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أعلن في مناسبات متعددة احترامه للقيم الأمريكية باحترام حياة الناس ولكنه الآن يخرقها. وبدأت الصحافة تصف إدارة أوباما بـ ‘بيغ براذر’ في إشارة الى الرواية الشهيرة لجورج أورويل.
ولم تعد إدارة الرئيس الأمريكي تتعرض للنقد من الرأي العام الأمريكي فقط بل من طرف شريكها الرئيسي الاتحاد الأوروبي. في هذا الصدد، أكدت المفوضية الأوروبية أول أمس الاثنين عن قلقها الشديد من برنامج بريزم للتجسس الالكتروني والرقمي الذي يستهدف المواطنين الأوروبيين. وتؤكد جريدة لوموند أن المفوضة المسؤولة عن قطاع العدل في الاتحاد الأوروبي فيفيان ردينغ المعروفة بتحفظها انتقدت دول الاتحاد الأوروبي التي قامت بتجميد مشروع حماية المعطيات الخاصة بالمواطنين الأوروبيين، الأمر الذي جعل هذه المعطيات رهينة بالاستعمال الخارجي.
ويبقى الجديد هو ما نشرته جريدة ذي غارديان وباقي وسائل الاعلام الأوروبية أن المانيا تعتبر الدولة الأكثر استهدافا من طرف وكالة الأمن القومي التي تشرف على برنامج بريزم وكذلك دول أخرى مثل فرنسا.
وتخصص الجرائد الأوروبية الكبرى مثل لوموند الفرنسية والباييس الإسبانية وستامبا الإيطالية وذي شبيغل الألمانية حيزا مهما للتجسس الالكتروني من حليف للأوروبيين. وتؤكد لوموند التي تخصص صفحتها الأولى اليوم للحدث أن ‘فضيحة بريزم’ تعيد الى الواجهة برنامج التجسس الشهير إيشلون. وتبرز الصحف ومقالات تحليلية أخرى أن برنامج بريزم ما هو إلا جزء من إيشلون.
وانفجرت فضيحة إيشلون الذي تديره وكالة الأمن القومي الأمريكي بدعم من بريطانيا عندما فتح البرلمان الأوروبي سنة 2000 تحقيقا حول هذا البرنامج ودوره في التجسس على البرامج الصناعية والصفقات التجارية لدول أوروبية منها المانيا وفرنسا. وكانت أوساط حكومية فرنسية قد اتهمت الولايات المتحدة بالتجسس على عقودها التجارية وتقدمها لشركات كبرى مثل البوينغ لكي تعرض بدائل أقل.
واتهم البرلمان الأوروبي الولايات المتحدة بأنها تقرصن البرامج الصناعية وتحول دون الصفقات لكي تستمر في ريادة العالم. وتفيد الدراسات التي ينجزها باحثون والواردة في كتب حول وكالة الأمني القومي أن مراقبتها للمكالمات ونجاحها في اختراق مختلف الاتصالات يجعل الولايات المتحدة لا تراقب فقط المشكوك فيهم بتهمة الإرهاب بل الأساسي هو مراقبة العلماء والخبراء وأصحاب المواهب وتعمل لاحقا على استقطابهم للولايات المتحدة.
ويبقى برنامج بريزم جزءا من إيشلون التابع لوكالة الأمن القومي ويتعدى متابعة ومكافحة الإرهاب الى التجسس الصناعي ومعرفة الصفقات التجارية والاستحواذ على الأبحاث العلمية واستقطاب العلماء عبر تتبع مسيرة حياتهم. فهو يتجاوز محاربة الإرهاب الى ضمان استمرار قوة الولايات المتحدة عالميا.