اسطنبول: يعتقد زعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو بأن الوقت ربما حان كي يخرج من ظل رجب طيب أردوغان المتواري خلفه طوال مسيرته المهنية، وذلك بعد تعرضه لهزائم انتخابية متكررة واستخفاف من الرجل الذي يهيمن على السياسة التركية منذ عقدين من الزمن.
أعلن تحالف من المعارضة، الاثنين، ترشيح قليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، لخوض انتخابات 14 مايو/ أيار التي يُنظر إليها على أنها ربما تكون الأكثر أهمية في تاريخ تركيا الحديث.
وربما تعززت فرصه من خلال اتفاق في اللحظة الأخيرة لإعادة توحيد صفوف تكتل المعارضة بعد اختلافها يوم الجمعة بشأن اختياره مرشحا لها.
وبعد جدل سياسي محموم استمر 72 ساعة، اتفقت الأحزاب الستة على أن يكون رئيسا بلديتي إسطنبول وأنقرة نائبين له إذا تغلب على أردوغان.
ويستمد قليجدار أوغلو دعما أيضا من انتصار المعارضة في 2019 حين ألحق حزب الشعب الجمهوري الهزيمة بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي إليه أردوغان في إسطنبول ومدن كبيرة أخرى في الانتخابات المحلية، وذلك بفضل دعم أحزاب المعارضة الأخرى.
وتقلص دعم أردوغان بفعل أزمة تكاليف المعيشة مع تصاعد التضخم والاضطرابات الاقتصادية على مدى سنوات، فيما يمنح قليجدار أوغلو ميزة إضافية.
وقال قليجدار أوغلو أمام بضعة آلاف من مؤيديه وهم يهتفون خارج مقر حزب السعادة، أحد الأحزاب الستة في كتلة المعارضة، “سنحكم تركيا بالمشاورات والتوافق”.
ويقول منتقدو قليجدار أوغلو إنه يفتقر إلى قدرة أردوغان على حشد الجماهير وإلى رؤية واضحة أو مقنعة لما سيكون عليه عصر ما بعد أردوغان.
وقال جونول تول، رئيس برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن إن أنصاره يؤكدون سمعته كبيروقراطي يتمتع بالأخلاقيات الواجب توافرها فيمن يخوض غمار العمل العام.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن التنافس سيكون محتدما في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي ستحدد ليس فقط من يقود تركيا وإنما كيف تُحكم وإلى أين يتجه اقتصادها وما هو الدور الذي قد تلعبه لتخفيف الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.
ومع ذلك، يتساءل كثيرون عما إذا كان الموظف الحكومي السابق الجاد والمشاكس في بعض الأحيان قادرا على هزيمة أردوغان، الزعيم الأطول خدمة في البلاد، والذي ساعدته شخصيته المؤثرة وحضوره الطاغي في الحملات الانتخابية في تحقيق أكثر من اثني عشر نصرا انتخابيا على مدى عقدين من الزمن.
يأتي ترشيح قليجدار أوغلو بعد شهر من وقوع زلزالين ضخمين دمرا جنوب شرق تركيا وأطلقا العنان لموجة من الانتقادات للحكومة بسبب سوء التعامل مع الكوارث وضعف معايير البناء على مدى سنوات.
أشارت استطلاعات الرأي الأولية منذ الزلزالين إلى أن أردوغان قادر على الاحتفاظ بشعبيته إلى حد بعيد على الرغم من الكارثة. لكن محللين يقولون إن ظهور معارضة موحدة، حتى بعد التأخير في اختيار مرشحها، قد يمثل تحديا أكبر للرجل القوي.
تسببت سياسات أردوغان الاقتصادية غير التقليدية، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة في وقت تجاوز فيه التضخم 85 بالمئة العام الماضي، في إرهاق الأسر وأثارت سلسلة من الانهيارات في العملة منذ 2018.
وتمثل هذه الصعوبات ثغرة تاريخية لينفذ منها قليجدار أوغلو، الاقتصادي السابق، ويقضي على عهد أردوغان الذي بدأ مع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة لأول مرة عام 2002.
وفي تلك الانتخابات، دخل قليجدار أوغلو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري لتيار يسار الوسط الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك والذي وجد صعوبة في تجاوز قاعدته الشعبية العلمانية واستقطاب الأتراك المحافظين. وتحدث في السنوات القليلة الماضية عن الرغبة في مداواة الجراح القديمة مع المسلمين المحافظين والأكراد، بما في ذلك مجموعات في ديار بكر التقى بها وأقر بأن حزب الشعب الجمهوري أثار استياءهم في الماضي.
لكن قليجدار أوغلو يجد صعوبة في الاحتفاظ بهذه القوة الدافعة. وأظهرت استطلاعات رأي في الآونة الأخيرة أن شعبية أردوغان ارتفعت منذ الصيف الماضي بفضل إجراءات من بينها زيادة الحد الأدنى للأجور.
وقال الباحث نزيه أونور كورو إنه في أعقاب الزلزال، تبنى قليجدار خطابا هجوميا ساعده على تعزيز قاعدته لكنه لم يبلغ به حد كسب ود الناخبين المترددين.
وأضاف “في أوقات الأزمات، يتطلع ناخبو الوسط واليمين الذين يشكلون أكثر من 60 بالمئة من الناخبين إلى رسائل موحدِة من الساسة. ولم يفعل قليجدار أوغلو ذلك”.
وأردف “هذا لن يساعد المعارضة عموما”.
قبل دخول عالم السياسة، عمل قليجدار أوغلو (74 عاما)، في وزارة المالية ثم ترأس مؤسسة التأمين الاجتماعي التركية لمعظم التسعينيات. وكثيرا ما انتقص أردوغان، في خطاباته، من أدائه في هذا الدور.
ولد في مقاطعة تونجلي الشرقية، وهو نجل موظف حكومي وينتمي للطائفة العلوية التي تشكل 15 إلى 20 في المئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة. وتتبنى الطائفة نهجا قائما على مزيج من المعتقدات الشيعية والصوفية والمحلية في منطقة الأناضول.
اعترف قليجدار أوغلو بأنه علوي لكنه يتجنب الحديث عن هذه المسألة علنا. وتضع معتقدات هذه الطائفة أتباعها في خلاف مع الأغلبية السنية في تركيا.
أطلق عليه الإعلام التركي لقب “غاندي كمال” بسبب تشابه عابر في المظهر مع الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي، وقد استحوذ على مخيلة الجمهور في عام 2017 عندما أطلق “مسيرة من أجل العدالة” لمسافة 450 كلم من أنقرة إلى اسطنبول بسبب اعتقال نائب برلماني من حزب الشعب الجمهوري.
شكل قليجدار أوغلو تحالفا بين حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح وحزب السعادة في الانتخابات العامة 2018، مما مهد الطريق لنجاحات في الانتخابات المحلية في العام التالي.
وفي أول ضربة قوية لأردوغان كزعيم لحزب العدالة والتنمية، فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة ومدن أخرى بفضل دعم الناخبين من حزب كبير مؤيد للأكراد.
قال إمري بيكر، مدير إدارة أوروبا في مجموعة أوراسيا، إن قليجدار أوغلو قد يواجه صعوبة في تكرار فوز 2019، إذ تلوح الهزائم الانتخابية السابقة لحزب الشعب الجمهوري في الأفق.
وأضاف “أردوغان سيظهر قليجدار أوغلو في مظهر الخاسر”.
(رويترز)