زيارة جون كيري الحالية تختلف عن كل ما سبقها؛ فهم في هذه المرة لن يشتغلوا بالاجراءات والتدبيرات والسجناء المفرج عنهم. فالوثيقة التي يأتي بها وزير الخارجية الى القدس ورام الله تتعلق بجوهر الصراع وتحاول انهاء الصراع. وهي تشتمل على الدعائم الأساسية التي يفترض أن يُبنى السلام عليها. أدولة اسرائيل اليهودية الى جانب دولة فلسطين المنزوعة السلاح؟ أوالقدس عاصمة الدولتين؟ أوالحدود هي حدود 1967 مع تبادل اراض؟ إن اقتراح كيري كبقعة رورشاخ (فحص الحالة النفسية) غامضة، يستطيع كل واحد أن يقرأ فيها ما يريد أن يقرأ. لكن اقتراح كيري ليس بلا مضمون وليس بلا أهمية. فهو يوجب على الاسرائيليين وعلى الفلسطينيين ايضا أن يقولوا نعم أو لا للاتفاق الدائم. وهو يؤدي ببنيامين نتنياهو الى لحظة الحقيقة في مدة ولايته. كان نتنياهو يمضي ويجيء خلال سنين طويلة. وقد أدرك أنه لن توجد أكثرية يهودية في البلاد من غير تقسيم البلاد لكنه لم يصنع شيئا حقيقيا لتقسيم البلاد. وقد أدرك أنه لن تكون شرعية لدولة يهودية محتلة، لكنه لم يحاول إنهاء الاحتلال. وقال مرة بعد اخرى إنه اجتاز الروبيكون لكنه لم يضع ولو قدما واحدة في ماء النهر المعروف. ومنذ كانت الخطبة التي خطبها نتنياهو في حزيران 2009 لم يبادر الى خطة سياسية شاملة تحقق بالفعل رؤيا دولتين للشعبين عرّفها هو وأعلنها. صحيح أن الفلسطينيين كانوا رافضي السلام الرئيسين، وصحيح أن الامريكيين والاوروبيين ايضا اخطأوا اخطاءا شديدة في معاملتهم للسلام. لكن نتنياهو أسهم بنصيبه بأن تهرب مرة بعد اخرى من أن يفعل فعلا مُلزما لا عودة عنه. فالجمع بين النكوص الايديولوجي والخوف السياسي والصعوبة النفسية جعل رئيس الوزراء لا يقود الدولة الى الغاية التي تبناها قبل اربع سنوات ونصف في بار ايلان. وهكذا ستكون الاسابيع القادمة اسابيع صعبة على نتنياهو. لأنه اذا قال ‘نعم’ لكيري فسيقول نعم لحدود 1967 مُعدلة ولقدس غير كاملة. واذا قال ‘لا’ لكيري فسيقول ‘لا’ لشرعية اسرائيل الدولية ولقدرتها على أن تدفع ايران عن نفسها. واذا راهن على حركة السلام فسيؤدي بالمعسكر القومي في اسرائيل الى قبول برنامج عمل ميرتس، واذا بقي مخلصا لنهج الليكود التاريخي فسيتحمل المسؤولية عن عزلة اسرائيل ودفعها الى ازمة سياسية اقتصادية شديدة. ليس ذلك سهلا. ليس سهلا حقا. ففي بدء سنة 2014 سيواجه نتنياهو معضلة لا تختلف تماما عن المعضلات التي واجهها مناحيم بيغن في 1977 واسحق رابين في 1993 واريئيل شارون في 2004. لا يجوز لنتنياهو أن يقول ‘لا’ لكيري. واسباب ذلك هي اسباب سلبية قبل كل شيء. فالرفض الاسرائيلي سيجعل اسرائيل تسير في مسار جنوب افريقي ويضعها في ركن العقاب والعار لأسرة الشعوب. والرفض الاسرائيلي سيعرض للخطر الحلف الحميم مع الولايات المتحدة الذي أُسس عليه الامن القومي والنماء الاقتصادي. والرفض الاسرائيلي سيكون في مصلحة الايرانيين ويُمكنهم من تجاوز الحافة النووية في حين تكون عدوهم الكبرى غارقة في الوحل معزولة عن المجتمع الدولي. لكن لنتنياهو ايضا سببا ايجابيا عظيم الأهمية ليقول ‘نعم’ لوزير الخارجية الامريكي، لأنه اذا اشتغلت وثيقة المباديء على اعتراف بدولة يهودية حدودها هي حدود 1967 مُعدلة فستنطوي على نصر صهيوني. ونتنياهو هو الذي جعل طلب الاعتراف بالدولة القومية للشعب اليهودي في رأس برنامج العمل السياسي. اذا جعل جون كيري هذا الاعتراف حقيقة سياسية صلبة ففي ذلك ما يدعو الى السعادة. وثم ما يدعو الى بلع عدد من حبات الدواء المرة. ويكون لرئيس الوزراء نتنياهو سبب جيد جدا ليتجه اتجاها قويا وفي فخر الى السلام. ‘ هآرتس 2/1/2014