«قمة العقبة الأمنية»: من الذي «اخترق» ثوابت الآخر؟

بسام البدارين
حجم الخط
1

عمان – «القدس العربي»: كالعادة، رواية إن لم تكن ضعيفة وبائسة ولا تتميز بالصلابة المطلوبة فهي “متأخرة” في أقل تعديل، ثم تأتي لتملأ فراغات في الخطاب الرسمي الأردني ليس أكثر ولا أقل.
تلك حصراً الرواية التي تحاول إبلاغ الرأي العام بتفاصيل وخلفية المفاجأة الصادمة التي تمثلت باستضافة لقاء القمة العقبة الأمنية على أعتاب تداعيات سيناريو الانفجار عشية شهر رمضان المبارك في عمق القضية الفلسطينية.
للتو كان مواطنون أردنيون يصدرون البيانات ويعقدون الجلسات التشاورية بهدف يتيم وهو التحذير من الاسترسال في التكيف وإنكار أخطاره مع الترتيبات الاقتصادية حصراً التي يضغط الأمريكيون من أجلها.

دون عبارة واحدة من الحكومة

لكن الجميع فوجئوا بأن قمة العقبة الأمنية تعقد ويدعى لها ويتم تحضيرها دون حتى ولو عبارة واحدة أو معلومة واحدة من الناطقين باسم الحكومة، تشرح للرأي العام ما جرى وما يجري، وما هو الهدف قبل انعقاد هذا اللقاء المثير والمريب بالنسبة لفصائل فلسطينية في كل تفاصيله ولو من باب الحرص على تجاوز السلبية التي ينتقدها رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، ثم الحرص -في المقابل- على بناء سردية إيجابية تليق بطبيعة الدور الأردني، خصوصاً في عمق القضية الفلسطينية حيث لا جديد في الموقف الأردني حتى الآن، على الأقل، يتنازل عن الثوابت خلافاً لبيانات وتعليقات هنا وهناك ترتاب بالمسار الاقتصادي وتحذر من كلفة التكيف ليس على حقوق الشعب الفلسطيني فقط هذه المرة كما صرح الشيخ طراد الفايز، ولكن على الهوية الوطنية الأردنية نفسها والمصالح العليا للدولة الأردنية.
في كل حال، منذ أكثر من أسبوع تصدر التقارير الإعلامية سواء في إسرائيل أو الولايات المتحدة عن قمة أمنية ستعقد في الطريق، لكن العرس بالنسبة للإعلام الرسمي الأردني رغم أهمية الموضوع واستثنائية المحتوى وحساسية الظروف تماماً، عند الجيران. منذ أسابيع تشير التقارير إلى “حاضنة” أردنية- مصرية لترتيبات أمنية جديدة ولا أحد في الحكومة سلط الضوء على التفاصيل.
وعندما اندفعت وكالات الأنباء للتحدث عن طائرة مروحية أردنية توجهت غرب نهر الأردن لإحضار مسؤولين فلسطينيين، حصل التسريب، ولكن مرة أخرى بشكل متأخر جداً، حيث كانت الروايات الأخرى سواء تلك المغرضة أو غير الدقيقة قد ملأت المناخ.
في كل حال، ما الذي يقوله التسريب الرسمي في بناء رواية لها علاقة بهذا الاجتماع الأمني الذي ينظر له في إسرائيل والولايات المتحدة وفي أوساط الشعب الفلسطيني بأنه مهم وخطير للغاية؟
سؤال عالق مجدداً ليس من السهولة الإجابة عليه اليوم، لكن الرواية الرسمية تتحدث عن تسجيل اختراق للدبلوماسية الأردنية يقضي بأن يجلس الفلسطيني مع الإسرائيلي معاً وجهاً لوجه وبحضور إقليمي.
هل هذا إنجاز حقيقي يتناسب مع التحديات التي تفرضها على المصالح الوطنية الفلسطينية والأردنية تشكيلة حكومة اليمين الإسرائيلي؟ هل يستحق “إنجاز العقبة” ورود ذكر المدينة الأردنية في بيانات تنديد فلسطينية فصائلية؟ سؤال آخر عالق لا تجيب الرواية الرسمية عليه، ويطرحه سياسي مثل مروان الفاعوري، يسجل ويلاحظ بأن الإعلام الإسرائيلي سبق الجميع في تحديد شكل أجندة لقاء العقبة، وأن الرواية الإسرائيلية حتى لو لم تكن دقيقة أو مغرضة فهي استقرت معلوماتياً. لا يبرر الحديث عن اختراق له علاقة بجلوس الفلسطينيين والإسرائيليين معاً أن يكسر الأردن النمط مجدداً؛ بمعنى المجازفة، وقد يكون ذلك للمرة الأولى بصورة علنية على الأقل في استضافة واحتضان لقاء أمني عشية شهر رمضان المبارك وبعد سلسلة من الاعتداءات والمجازر الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وعمان بقيت طوال الوقت في حالة تحفظ وحرص شديد عندما يتعلق الأمر بالمجازفات أمنية الطابع.
وليس سراً أن الأردن، بالمعنى الفني، من رعاة بناء المنظومة الأمنية الفلسطينية، وهدفه الأساسي حالة استقرار عام وحقن الدماء.
لكن كل تلك الأهداف لا تعني بأن النتائج مضمونة ولا على أي صعيد، لأن القضايا الأمنية فتحت مع الاقتصادية وبمعزل عن قنوات الحل السياسي، الأمر الذي يسقط ما يسمى بالثوابت الأردنية من حسابات الخارطة والواقع الموضوعي اليوم، ولأن الاختراق إن سجل اليوم فهو لصالح حكومة اليمين الإسرائيلية التي تستحق وطنياً “العزل التام” بدلاً من توفير الحلول لها، كما يصرح الناشط النقابي البارز أحمد أبو غنيمة.

قمة مثيرة للجدل

قمة العقبة أثارت الجدل حتى قبل انعقادها وحتى قبل توضيح أهدافها، والرواية الرسمية اليتيمة صدرت بمصدر غامض. الحكومة الأردنية بالمشهد الختامي لا تبلغ الشعب أي شيء عن قمة في غاية الأهمية، في الوقت الذي ارتفعت فيه حساسية الأردنيين تجاه مسارات، ولا جديد في الترتيبات أو المشاورات ذات البعد الأمني، ولا تلك الحلقة الدبلوماسية التي تعقبها.
عمان هنا تتجاوز ما كان محظوراً في الماضي سياسياً، ولوجستياً تزيل تحفظها على المشاورات العلنية أمنية الطابع، وتسمح لظرف موضوعي تحت بند ويافطة تسجيل اختراق والرغبة في تهدئة الأوضاع في فلسطين المحتلة، ومجدداً بدون ضمانات بالذهاب لمنطقة “التأويل والتقول”. والتحدث عن دور أردني في قنوات أمنية يثير عشرات التساؤلات ويعيد إنتاج الحسابات والحساسيات من كل أصنافها، بما فيها تلك المرتبطة بحسابات الهوية الوطنية الأردنية والهوية الوطنية الفلسطينية.
وهي محطة كان يمكن الاستغناء عنها، لكن الضغط الأمريكي واضح تماماً أنه كان كبيراً للغاية، ويبقى على اللاعبين الذين يضغطون باتجاهات التكيف في مؤسسات القرار الأردني تزويد الشعب الأردني والقيادة والمؤسسات بعد العقبة وبعد أيضاً لقاء النقب 2 الاقتصادي، بكشف عوائد ومكاسب من أي صنف لتبرير هذا الاختراق، الذي يمكن وصفه بأنه اختراق للثوابت الأردنية وليس من أجل الثوابت نفسها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تيسير خرما:

    بعض من فشلوا بالوصول للبرلمان وتمثيل الشعب بشكل قانوني صحيح يدعون بين حين وآخر تمثيل مصالح الشعب على طريقة (إني أريكم كما أرى) فتخيلوا لو وصل أي من هؤلاء لموقع مسؤولية، إذن يجب التأكيد أن نظامنا نشأ بشرعية مبايعة عشائر وقبائل وذوات من كل منبت لقيادة هاشمية جيدة أمينة بنظام حكم دستوري ملكي نيابي يحترم مكونات وحقوق إنسان ومرأة وطفل ويحمي نفس وعقل ومال وعرض ومساواة أمام عدالة أسوةً بأول دولة مدنية بالعالم أقامها سيدنا محمد (ص) قبل 14 قرناً وهذا عقد الأردن الاجتماعي وسند استقراره وتبنته أكثرية ساحقة

إشترك في قائمتنا البريدية