«قمة ليبيا للاقتصاد والطاقة» تسعى لاستقطاب استثمارات كبيرة وضعف الأمن يُعرقلها

رشيد خشانة
حجم الخط
0

تتجه ليبيا وإيطاليا لتعزيز تعاونهما بشكل نوعي في مجال إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره. وتأتي القمة الثالثة التي أقيمت أخيرا في طرابلس، تحت عنوان «قمة ليبيا للاقتصاد والطاقة» في سياق التفتيش عن فرص استثمارية لتطوير القطاع، وسط تزايد حاجة الأوروبيين إلى الغاز الطبيعي جراء تداعيات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. وشاركت في القمة عدة مجموعات نفطية كبرى بينها «إيني» الإيطالية و«المؤسسة الوطنية للنفط» الليبية. وتوقع الخبير الاقتصادي الليبي وحيد الجبو أن تثمر نتائج القمة فتح آفاق جديدة في مجال استثمار الطاقة الغازية، بما في ذلك توفير منصة لتبادل الخبرات، واستكشاف فرص التعاون في هذا الميدان. وأفاد الجبو أن مجموعة «إيني» تدير حاليا حقولا رئيسية في ليبيا أبرزها حقل «البوري» وحقل «مليتة».
ويستند التعاون بين إيطاليا وليبيا في هذا المضمار على اتفاقات قديمة، لا تخص فقط قطاع الغاز، وإنما أيضا الطاقات الجديدة والمتجددة، أسوة باتفاقية الطاقة الموقعة بين البلدين في العام 2008. لكن الحملات التي تشنها جماعات الدفاع عن البيئة ترمي إلى التقليل من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية وتطوير البدائل الطاقية. ويجوز القول إن قمة الدول المصدرة للغاز الطبيعي ردت على تلك الحملات، حين وجهت رسالة واضحة إلى القوى الكبرى في العالم، مفادها أنها مُصرة على الاستثمار في الطاقة الأحفورية، بالرغم من التحذيرات الغربية من تأثير ذلك على سلامة البيئة. وذهب بعض المحللين إلى اعتبار قمة «نادي الدول المُصدرة للغاز» التي استضافتها أخيرا الجزائر، تعبيرا عن ظهور تجمُع اقتصادي/ سياسي، قد يُنافس عالميا الدول الغربية، بزعامة أمريكا. ويضم المنتدى الذي صار نوعا من اللوبي العالمي، اثني عشر عضوا، وهم روسيا وقطر وإيران والجزائر وفنزويلا وليبيا والإمارات ومصر وبوليفيا ونيجيريا وغينيا الاستوائية وترينيتي وتوباغو. وانضم إلى هؤلاء الأعضاء، في القمة الأخيرة بالجزائر، كل من السينغال وموزنبيق.

عالم متعدد الأقطاب؟

والأرجح، بالنظر لمحورية الغاز في اقتصادات الدول الصناعية الكبرى، وفي مقدمها ألمانيا واليابان وفرنسا، أن صراعات قد تنشب بين الدول المُصدرة لهذه المادة الحيوية، من جهة والدول المستهلكة من جهة ثانية، وسط اتجاه العالم نحو تعدد الأقطاب. وظهرت مؤشرات على  ذلك في البيان الختامي للقمة، ردا على الحكومات الغربية التي تطالب بوقف الاستثمار في مصادر الطاقة الأحفورية، وخاصة الغاز الطبيعي، إذ أعلن أولئك الأعضاء في المنتدى عن رفضهم الشديد لأية عراقيل يمكن ان توضع في طريق الاستثمار في القطاع، بذريعة «مقتضيات حماية المناخ».
واللافت أن دولا أخرى غير منتجة للغاز الطبيعي أسوة بالمغرب، انخرطت في شراكات مع دول مصدرة للغاز، ولكن مع السعي أيضا إلى التخلي عن ثاني أوكسيد الكربون، وتطوير الإنتاج المحلي من الطاقات الجديدة، ومنها الطاقة الشمسية والرياح والهدروجين الأخضر. على أن الإيطاليين أعطوا اهتماما أكبر في «قمة ليبيا للاقتصاد والطاقة» للجانب الأمني، مؤكدين أنه من دون تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، لا يمكن استقطاب مجموعات استثمارية دولية، ولا تحسين مناخ الاستثمار، خصوصا في ظل استمرار التداعيات السلبية للحرب الأوكرانية الروسية، التي جعلت أوروبا تواجه نقصًا في إمدادات الطاقة، بعد العقوبات المفروضة على روسيا.
بهذا المعنى أكد الإيطاليون خلال القمة الأخيرة بشكل خاص، على الحاجة إلى استقرار سياسي لتحقيق أهداف التنمية. كما شددوا على ضرورة تنفيذ الاتفاقات السابقة في هذا المجال أيضا، وخاصة اتفاقية 2008 التي لم يستفد منها البلدان. ورأى الخبير الاقتصادي وحيد جبو أن إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، سيُنظر إليه بوصفه «خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار السياسي والأمني المطلوبين لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة» على ما قال.
في المقابل ارتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في العام الجاري إلى مستويات أعلى من التي اعتدنا عليها. وأدى ذلك إلى أزمة طاقة خانقة في أوروبا، وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، بشكل غير مسبوق، وهو الوضع الذي يعمل الأوروبيون على تفاديه بجميع الطرق. ومن هذا المنطلق أثنى الإيطاليون على استمرار الشركات الإيطالية في العمل بليبيا، بالرغم من جميع التحديات والمخاطر الأمنية المُحدقة بهم، فهم يُديرون حقولًا رئيسية من بينها حقل «البوري» الليبي التونسي وحقل «مليتة» وهما حقلان يُساهمان في تأمين مصادر طاقة هامة ليس فقط لليبيا، وإنما أيضا لأوروبا التي تواجه نقصًا في الإمدادات.
وكان الليبيون اختاروا إيطاليا شريكًا استراتيجيًا لهم، في مجال الطاقة منذ فترة بعيدة، إذ يعود تعاونهما في هذا القطاع إلى عقود من الزمن، ما يوفر أساسًا متينًا لتوسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وتلعب الشركات الإيطالية دورًا مركزيًا في تطوير حقول النفط الليبية وتصدير الغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية، ما أثار حفيظة دول منافسة، في مقدمها فرنسا. ويطمح البلدان أي ليبيا وإيطاليا إلى الاستفادة من تلك العلاقات التاريخية، لتعزيز إنتاج الطاقة وتطوير البنية التحتية المتقادمة، بما يسهم في إيجاد فرص عمل ودعم أسس الاقتصاد الليبي، واستطرادا تلبية جزء من حاجات أوروبا، لا سيما أنها تملك احتياطات كبيرة من الغاز يمكن تصديرها عبر البحر الأبيض المتوسط.
وسيكون ذلك ممكنا إذا ما نجحت ليبيا في مضاعفة إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى أربع مليارات قدم مكعبة خلال 4-5 سنوات مقبلة، وفق وكالة الأنباء «رويترز». وكانت شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز الليبية، توصلت في نيسان/ابريل الماضي، إلى اكتشاف هام في مجالي الغاز والمكثفات، في منطقة تقع جنوب شرق حقل اللهيب. وحسب تقرير اختبار الإنتاجية، يمكن أن تنتج البئر 16.8 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز و626 برميلاً يومياً من النفط.
وتُظهر إحصاءات رسمية أن ليبيا تمتلك  53تريليون قدم مكعب من احتياطات الغاز المؤكدة، وهي تحتل المرتبة الحادية والعشرين في العالم من حيث  احتياطات الغاز. كما تمثل تلك الاحتياطات حوالي 1 في المئة من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي في العالم البالغة 6923 تريليون قدم مكعب. وتعادل الاحتياطات المؤكدة ضعف استهلاك ليبيا السنوي من الغاز، وهي تصدر 42 في المئة من إنتاجها من الغاز الطبيعي.
وتتولى «المؤسسة الوطنية للنفط» القيام بعمليات الاستكشاف والإنتاج عن طريق الشركات المملوكة لها أو بالاشتراك مع شركات أخرى عن طريق المقاولة، أو من خلال عقود استثمار الثروة النفطية، إلى جانب عمليات تسويق النفط والغاز داخل ليبيا وخارجها .
وتمتلك «المؤسسة الوطنية للنفط» شركات تقوم بالاستكشاف والتطوير والإنتاج للنفط والغاز، كما ترتبط بعقود مشاركة مع شركات عالمية مختصة في تلك المجالات. وتطورت تلك العقود إلى أن وصلت إلى اتفاقات استكشاف وإنتاج، وفق التطور العالمي لصناعة النفط والغاز.
وتمتلك المؤسسة أيضا مجموعة من الشركات لتكرير وتصنيع النفط والغاز الطبيعي، وهي تدير عدة مصاف أهمها مصفاة رأس الأنوف (شرق) ومصفاة الزاوية (غرب) ومجموعة من المصانع التي تنتج الأمونيا واليوريا والميثانول بمجمع البريقة النفطي (شرق).

تنافس استراتيجي

على أن ملف الغاز في منطقة شمال أفريقيا يُحيل على التنافس الاستراتيجي بين بلدين مفتاحيين في المنطقة، هما الجزائر والمغرب، اللذان يُشبهان بألمانيا وفرنسا في أوروبا. من حيث الحجم وليس من حيث الدور. وهما يتنازعان على نقل الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى البحر المتوسط. وتصف الصحافة الغربية هذا الصراع بـ«حرب الأنابيب» طبقا لعبارة الكاتب الصحافي الفرنسي الخبير بالشؤون المغاربية فريديريك بوبان.
ويرمي خط الأنابيب الذي يعتزم المغرب مده بين نيجيريا جنوبا وضفاف المتوسط في شمال المغرب، إلى تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي عوضا عن الغاز الروسي. أما الأنبوب الثاني، الذي تخطط الجزائر لمده فيسير شمالا، في خط مواز انطلاقا من شمال نيجيريا إلى الصحراء الجزائرية، وصولا إلى سواحل المتوسط. بهذا المعنى سيكون ملف نقل الغاز الأفريقي إلى أوروبا حلبة صراع محتدم بين المشروعين. ومن المؤكد أن خلفية هذا التنافس بين الرباط والجزائر على تصدير الغاز، تعود إلى النزاع القديم الجديد على الصحراء الغربية، الذي سمم العلاقات الثنائية وعطل أي تقارب بينهما، حتى لو كان مُقتصرا على مشروع اقتصادي.
وقبل اندلاع أزمة الغاز في أوروبا، توصلت الجزائر ونيجيريا في العام 2001 إلى اتفاق مبدئي على مد أنبوب للغاز، يربط بين البلدين تحت مُسمى «ترانز صحاريان غاز بايب لاين». وحضر التوقيع الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة ونظيره النيجيري أولوسيغون أوبازانجو. وتقدر كلفة هذا المشروع، الذي يبلغ طوله 4200 كيلومتر، بما بين 10 مليار و20 مليار دولار (بتقديرات تلك الفترة).
ويرتبط الساحل الجنوبي للمتوسط مع الشمالي، بطريقين بحريين لنقل الغاز، الأول هو «ميدغاز» أي «ميديتيرانيان غاز» (غاز المتوسط) من الجزائر نحو إسبانيا، أما الثاني فهو «ترانس ميد» (ترانس ميديتيرانيان) وينقل الغاز من الجزائر عبر تونس نحو إيطاليا.

ربيب مغربي

بعد الاتفاق المبدئي بين الجزائر ونيجيريا بخمس عشرة عاما، زار الملك محمد السادس العاصمة النيجرية أبوجا، وكان عنوان الزيارة أنبوب الغاز المُتجه من شمال نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب، والذي سُمي «نيجيريا- موروكو غاز بايبلاين». وقُدرت كلفة المشروع آنذاك بـ25 مليار دولار، ويبلغ طول الأنبوب 5600 كيلومتر، على أن يعبر من سواحل أحد عشرة بلدا، في غرب أفريقيا، هي التي يُؤمل المغاربة أن تكون في مقدم زبناء المشروع، حسب تقديرات أولية. وفي الماضي القريب، كان هناك أنبوب ينقل الغاز الجزائري إلى جنوب إسبانيا، ولم يتم تجديده بسبب الخلافات السياسية العويصة بين الجزائريين والمغاربة. وحسب خبراء ستصل الكميات المُصدرة، إذا ما أعاد أصحاب المشروع وضعه على السكة مُجددا 18 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. لكن لم يُعرف شيء عن مصير المشروعين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية