الخرطوم ـ «القدس العربي»: أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية مقتل متظاهر في الاحتجاجات الرافضة للانقلاب العسكري، أمس الخميس، في الخرطوم، بينما اعتبر المجلس السيادي نشاطات بعض البعثات الدبلوماسية “انتهاكا للأعراف الدبلوماسية ولسيادة البلاد”.
وقالت، في بيان، إن “حسن مختار الشفيع قتل إثر إصابته بالرصاص الحي في الفخذ الأيمن من قبل قوات السلطة الانقلابية خلال مشاركته اليوم (أمس) في مليونية الوفاء للشهداء في مدينة الخرطوم بالقرب من صينية بُرِّي.”
وزادت: “ما زالت القوات الانقلابية تمارس الوحشية والعنف المفرط بحق المتظاهرين السلميين.”
وأضافت: “رسالتنا للعالم أجمع، شعبنا يسيّر المواكب السلمية باستمرار ويستخدم كل أدوات المقاومة اللاعنفية من أجل دولة الحرية والديمقراطية والعدالة ليُجابه بالآلة العسكرية المغتصبة للسلطة بأبشع الجرائم مما أدى لفقدان 78 شهيدا منذ يوم الانقلاب وحتى هذه اللحظة”.
تظاهرات غير مركزية
وشارك الآلاف من المحتجين في التظاهرات التي دعت لها لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين أمس في العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى، للمطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين.
وشهدت مواكب الأمس العودة للتظاهرات غير المركزية، والتي تخرج في مناطق متعددة، بدلاً من تحديد وجهة مركزية واحدة، كانت القصر الرئاسي في التظاهرات السابقة.
ومنذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قتل 77 شخصا خلال التظاهرات الرافضة للانقلاب في مدن السودان المختلفة، أغلبهم في العاصمة الخرطوم، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، بينما قتل خلال تجدد النزاعات في دارفور أكثر من 300 شخص برصاص المجموعات المسلحة، حسب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين.
وانطلقت مواكب أحياء المعمورة سوبا والمجاهدين في الخرطوم، داخل الأحياء، ثم نفذت وقفات أمام منازل عدد من ضحايا التظاهرات، في محيط شارع الستين شرق الخرطوم. فيما أطلقت الأجهزة الأمنية الرصاص والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين في منطقة بري، شرق الخرطوم، ولاحقت المتظاهرين داخل الأحياء.
وأكدت لجان مقاومة بري خلال مخاطبتها أمس منصة تأبين ثابت معاوية الذي قتل في المنطقة، برصاصة في الرأس في تظاهرات 24 يناير/كانون الثاني، أنها ستواصل التصعيد وإغلاق المنطقة حتى سقوط الانقلاب، مشددة على أن خيار التفاوض صفري ومجرّب وأنها لن تعود إليه مرة أخرى، فيما انطلقت تظاهرات لا مركزية عديدة في مدينة أمدرمان غربي الخرطوم، طافت على منازل ضحايا الثورة هناك.
إغلاق طريق
في الموازاة، لا تزال لجان المقاومة وتجمع المزارعين في الولاية الشمالية، تغلق طريق شريان الشمال القومي الذي يصل العاصمة الخرطوم بالحدود السودانية المصرية، ومعبر أرقين الذي يربط البلدين أيضا.
وقال رئيس تجمع الأجسام المطلبية في الولاية الشمالية، عبد الإله الحمدابي لـ”القدس العربي” إن الإغلاق الحالي جزئي في مناطق الحمداب والجابرية والدبة ومعبر أرقين، مشددا على أنهم يتجهون نحو الإغلاق الشامل خلال الأيام المقبلة، إذا لم يتم تنفيذ مطالبهم.
وقال “تروس الولاية الشمالية” في بيان أمس: “بعد أن أبدينا حسن النوايا وتعاملنا بمبدأ أن للكلمة شرفا وللسان شرفا، ورفعنا (الترس) على مرتين بتوقيتين مختلفين إيماناً منا بتنفيذ مطلب إلغاء زيادة أسعار الكهرباء (الزراعية – الصناعية – السكنية) والعمل على جدولة المطالب الأخرى بمواقيت معلومة ومضبوطة، فوجئنا مرةً ثالثة باستمرار المماطلة في التنفيذ، وظهور أسعار جديدة للكهرباء غير المتفق عليها مقابل رفع (الترس السابق)، وتجاوز بقية مطالبنا وعدم الاهتمام بها”.
وطالبوا بإلغاء زيادة أسعار الكهرباء الجديدة وإعفاء المشاريع الزراعية من الكهرباء تعويضاً لخسائر الموسم الحالي، بالإضافة إلى إعطاء الولاية الشمالية نصيبها من كهرباء سد مروي، ونصيبها من عائدات التعدين.
وشملت المطالب أيضاً تطبيق معايير السلامة لشاحنات البضائع بإنشاء نقاط موازين على الطريق القومي، ووضع شكل تعامل متفق عليه ملزم لدخول الشاحنات لحدود السودان ومصر، وأيضاً منع تصدير أي خام سوداني إلا بعد إدخاله في صناعات تحويلية، وإنشاء منطقة تجارية حرة، بالإضافة إلى البدء في صيانة طريق شريان الشمال، وإنشاء ترعتي سد مروي.
في سياق آخر، قالت الناطقة الرسمي باسم المجلس السيادي، سلمى عبد الجبار، في بيان أمس، إن المجلس خلال اجتماعه أمس برئاسة البرهان، استمع إلى إفادة من وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق “حول العلاقات الخارجية وأنشطة بعض البعثات الدبلوماسية المقيمة في الخرطوم والمخالفة للأعراف الدبلوماسية والمنتهكة لسيادة البلاد” .
وأشارت إلى أن الاجتماع استعرض استكمال تعيين الوزارات الشاغرة في إطار استكمال حكومة تصريف الأعمال .
تأتي تصريحات مجلس السيادة المشككة بأدوار البعثات الدبلوماسية في الخرطوم، في وقت اعتمدت فيه إدارة الرئيس جو بايدن ترشيح أول سفير أمريكي في البلاد منذ نحو 26 عاماً، وفي ظل استمرار مساعي بعثة “يونيتامس”، لحلحلة الأزمة السياسية التي أعقبت الانقلاب.
واعتماد جون غودفري من بايدن سفيراً لبلاده في الخرطوم، يأتي ضمن اتفاق لتبادل السفراء بين البلدين في عهد الحكومة الانتقالية وإدارة سلفه دونالد ترامب.
وفي 2020 أرسلت الخرطوم سفيرها إلى واشنطن نور الدين ساتي.
القوى المدنية
وفي سياق تطورات الوضع السياسي داخل القوى المعارضة للانقلاب العسكري، أعلن تجمع القوى المدنية، مساء الأربعاء، خروجه من قوى إعلان “الحرية والتغيير” ومن كافة هياكلها، مرجعاً ذلك إلى التباينات في المواقف بين تجمع القوى المدنية وقوى إعلان “الحرية والتغيير”، وإتاحة الفرصة لتشكُل الجديد الثوري القادم على أسس راسخة.
وعزا تجمع “القوى المدنية” خروجه من الحرية والتغيير أنه جاء بناء على تقييم أداء التحالف، واتساقا مع الدور الذي تود القيام به في هذه الفترة الصعبة من تاريخ الوطن، قبل أن يؤكد سعيه في العمل مع جميع قوى المقاومة المختلفة، لإسقاط الانقلاب ودحره، مشيراً إلى أن هذه المهمة تتطلب قدراً أكبر من الاستقلالية وحرية الحركة.
وأضاف: “مثّل إعلان تجمع القوى المدنية أساساً لتحالف قطاع واسع من مكونات المجتمع المدني العريض، حيث شمل العديد من قوى المجتمع المدني الفئوية والنسوية والشبابية والمناطقية والمطلبية إلى جانب العديد من الشخصيات العامة العاملة والنشطة في الفضاء المدني”.
وتابع: “إعلان الحرية والتغيير كان فرصة كبيرة لضم طاقات المجتمع المدني مع التنظيمات السياسية والمهنية من خلال قوى إعلان الحرية والتغيير ومساهمتها الفاعلة وسط قطاعات الشعب السوداني في إسقاط النظام البائد، في تجربة شهدت التلاحم بين كافة تكوينات المجتمع السوداني المختلفة من أجل التغيير المنشود”.
وأكمل: “مضت تجربة قوى إعلان الحرية والتغيير بنجاحاتها وإخفاقاتها، بانتصاراتها وهزائمها حتى وصلنا لهذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الوطن، والتي تستدعي مراجعة تلك التجربة وأدواتها بتجرد وواقعية”.
وأشار إلى أنها “نبهت لتجاوزات في تجربة العمل المشترك، وعن بروز تكتلات داخلية وهيمنة تسيطر على العمل داخله”، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى إضعاف مشاركة القوى الأخرى المناصرة والموقعة على إعلان الحرية والتغيير.
ضعف أداء الحاضنة
ولفت التجمع إلى ضعف أداء الحاضنة والحكومة الانتقالية في إعادة بناء وهيكلة الدولة السودانية وملفات السلام والاقتصاد وعدم شمولية التفكيك في إزالة التمكين لنظام الإنقاذ في القطاعات المختلفة لتشمل القوات النظامية والأجهزة القضائية والعدلية والمناهج التعليمية ومؤسساتها.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وقبيل أيام من انقلاب قائد الجيش أعلنت مجموعة من الحركات المسلحة والأحزاب الصغيرة الخروج من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، الائتلاف الحاكم السابق، والتي دعمت الانقلاب لاحقا.
كما غادر الحزب الشيوعي السوداني وشق من تجمع المهنيين السودانيين التحالف خلال العام الأول من الفترة الانتقالية، معلنين تبرؤهم من الشراكة بين العسكريين والمدنيين.
تجميد أنشطة “أطباء بلا حدود”
إلى ذلك، أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” تجميد بعض أنشطتها مؤقتًا في الخرطوم، مشيرة إلى أن ذلك لضمان الحفاظ على أمن فرقها.
وأكد رئيس قسم الطوارئ في “أطباء بلا حدود”، ميشيل أوليفر، أن المنظمة مسجلة في السودان ولديها جميع التراخيص اللازمة لبرامجها الطبية، وأنها تعمل في ثماني ولايات بالاعتماد على التبرعات بعيدا عن أي تمويل حكومي.
وبيّن أن عمل المنظمة الطبي في السودان يقوم على شيء واحد فقط، مكان توجد فيه احتياجات طبية تتطلب العلاج، مضيفا نعمل لمساعدة مستشفيات مدينة الخرطوم في رعاية المصابين، ونقدم لها الدعم للاستجابة للزيادة المقلقة في عدد حالات كورونا.
وقال، في بيان، الأربعاء، إن تسعة من كوادر المنظمة احتجزوا الإثنين الماضي، في قسم الشرطة الشمالي عند عودتهم إلى مكتب المنظمة من مستشفى الجودة، مشيرا إلى أنهم استجوبوا بشأن الأنشطة الطبية للمنظمة قبل إطلاق سراحهم في صباح اليوم التالي.
وأضاف: كانوا ثلاثة فرنسيين ويمنيا وباكستانيا وإيطالية إضافة إلى ثلاثة سودانيين، مؤكدا أنهم لم يتعرضوا لعنف جسدي أثناء احتجازهم.
ووصفت المنظمة احتجاز السلطات السودانية لكوادرها بـ”التصرف غير المقبول”، آملة أن تتمكن بسرعة من استئناف مساعدتها للناس في العاصمة.