هل تفيد القمم العربية الأخيرة في نصرة الحق الفلسطيني؟ «قمة أبو ظبي» أعقبت مباشرة «قمة القاهرة» الثلاثية، وبدت الأخيرة معنية أكثر بالوضع الفلسطيني، ولها سوابق جمعت أطرافها، الرئيس المصري وملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية، وصدرت عنها نسخة محدثة من البيان الختامي المعتاد، الذي يصدر دائما عن القمم العربية الشاملة أو الجزئية، يعيد ويزيد في طلب سلام عادل شامل لا وجود له، وفي المطالبة بدولة فلسطينية على حدود 1967، والالتزام بالشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وفي دعم وصاية المملكة الأردنية الهاشمية، وإشرافها على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، وفي الدعوة لمفاوضات، يعرف الموقعون أنه لم تعد من فرصة ولا شبه فرصة لاستئنافها في المدى المنظور.
وقد يكون من أثر معنوي لمثل هذه البيانات في السلطة الفلسطينية بالذات، يشعرها بأنها ليست وحيدة في مواجهة اقتحامات وعقوبات حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأكثر تطرفا ويمينية وعدوانية، من نوع خصم عشرات ملايين الدولارات من حصيلة الضرائب المستحقة لموازنة السلطة، التي تجمعها حكومة الاحتلال حسب اتفاق «باريس» الاقتصادي، وسبق أن حجبت سلطات الاحتلال عشرات الملايين الأخرى، بدعوى أن السلطة تدفعها لعائلات الشهداء والأسرى، وجرى تبرير الإجراء الأخير بتعويض عائلات الضحايا الإسرائيليين في العمليات الفدائية الفلسطينية، مع سحب بطاقات التنقل من بعض المسؤولين الفلسطينيين، عقابا لهم على سعيهم لقرار أممي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، يطلب رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية في ماهية وجرائم الاحتلال.
العمل الدبلوماسي قد يكون مفيدا في نطاق رمزي، لكنه لا يعيد حقا، ولا يفتح
طريقا لاستعادة الحقوق، بينما كيان الاحتلال لا يعول سوى على منطق القوة
وقد لا يكون من جدال كثير في جدوى الدعم العربي الرسمي للسلطة الفلسطينية، فأصوات المجموعتين العربية والإسلامية في الأمم المتحدة بالغة الأهمية وحجر أساس، يضم إليه دوائر دعم من أصوات كتل عالمية أخرى، تضمن تمريرا مريحا لقرارات الجمعية العامة الداعمة معنويا للقضية الفلسطينية، وقد صدرت لصالح القضية مئات القرارات الأممية، تحولت كلها إلى حبر يجف فوق الورق، ربما باستثناء قرار منح فلسطين صفة العضو المراقب، وما ترتب عليه من انضمام فلسطين إلى هيئات دولية، تمكنها من عمل دبلوماسي في مطاردة جرائم الاحتلال، ولكن من دون حصاد فعلي مؤثر، ولسبب ظاهر جدا، هو «الفيتو» الأمريكي الجاهز دائما لدعم كيان الاحتلال في مجلس الأمن الدولي، وهو ما يعطي «إسرائيل» صفة الحصانة العملية المتجاوزة لأي قانون دولي، أو قرار أممي، إضافة لدهس حكومات الاحتلال لغالب التزاماتها بمقتضى «اتفاق أوسلو» وتوابعه عبر ثلاثين سنة مضت، واستشراء التهويد في القدس والضفة الغربية، وتأييد واشنطن لقرار إسرائيل بالضم النهائي للقدس المحتلة، وتفاخر الرؤساء الأمريكيين بولائهم الحار للصهيونية وكيانها، وقتل الوقت بتظاهر دبلوماسي عن دعم «حل الدولتين»، تحول عمليا إلى منح وقت كاف لآلة القتل الإسرائيلية، تنفذ فيه خططا متدرجة، ثم طفرية لضم الضفة الغربية بكاملها، وتحويل الوجود الفلسطيني فيها إلى كانتونات منفصلة متباعدة، وإلى تذويب الحضور الفلسطيني في حمض كبريتيك توحش استيطاني، يسعى لهدم المسجد الأقصى في أقرب وقت، وبالذات مع حكومة المجرمين وأرباب السوابق بقيادة بنيامين نتنياهو وإتمار بن غفير وبتسلئيل سموتيريتش وأشباههم. والمعنى مع ذلك، أن العمل الدبلوماسي قد يكون مفيدا في نطاق رمزي، لكنه لا يعيد حقا، ولا حتى يفتح طريقا سالكا لاستعادة الحقوق، بينما كيان الاحتلال لا يعول سوى على منطق القوة والفرض والعصف بالوجود الفلسطيني، فيما يشتعل الشارع الفلسطيني بالغضب وبالمقاومة، ويبذل الدم بلا حدود، ويواجه صلف العدو بتحديه، فيما تبدو مواقف القمم العربية المعنية في واد بعيد، ولا تتحرك حتى لرفع وصمة وعار التطبيع عن نفسها، وهو أضعف الإيمان في هذه الظروف، فلم نسمع ولا نرى أن أحدا من حكام القمة الثلاثية مثلا، قرر طرد السفير «الإسرائيلي» كتحرك احتجاجي ضاغط، ولا حتى سحب السفراء بصورة دائمة أو حتى مؤقتة، وكذا بعض حكام الخليج المشاركين في قمة أبو ظبي الأخيرة، وبينهم شركاء بارزون في رذائل اتفاقات «إبراهام»، وفي التعاون العسكري والاستثماري مع الكيان الإسرائيلي الإجرامي، وغياب أبسط تحرك في هذه العواصم وغيرها، يدحض دعوى التعاطف أو التضامن مع الحق الفلسطيني، ويكشف مدى التدهور الحادث في الوضع العربي بعامة، وفي التعامل مع قضية فلسطين «المركزية» بحبر بياناتهم، وكان يجدر بهم أن يكونوا أكثر صراحة، فأفضلهم يفاخر بأدوار وساطة جزئية بين فصائل الشعب الفلسطيني وعدو الأمة كلها، وآخرون يضعون توقيعاتهم على بيانات التضامن اللفظي، دفعا للعتب والحرج، بينما يمضون عمليا في طريق آخر، لا يبالي أصلا بفلسطين ولا بالحق الفلسطيني، ولا يعتبر فلسطين قضيته «المركزية»، بل يجعل «إسرائيل» قضيته «المركزية» الأولى، ويتنقل بخفة من موقف عملي يتجاهل فيه الحق الفلسطيني، ويقفز مباشرة إلى مركب «إسرائيل»، ويقدم واجب التحالف العملي معها على سواه، وفي موقف مخز كهذا، لا تعدو بياناتهم على الحبر والورق، سوى أن تكون وسيلة لحرق الوقت، وإضافة فرص لحكومة الاحتلال، تنفذ فيها خططها لابتلاع فلسطين بغير إزعاج يذكر، وهو ما يعني بالقصد وبالتراكم، أن حكومات القمم المعنية، تتبع الموقف الأمريكي الحاضن بدوره لكيان الاحتلال، وتردد في العلن خطاب واشنطن نفسه، حتى إن اختلفت الألفاظ في النطاق المسموح به، ربما عن رغبة ظاهرة مزمنة في كسب عطف أمريكا ومودة «إسرائيليها»، وتغطية الوجوه بأقنعة خداع مكشوف، يعرفه الرأي العام العربي عموما، ويعاني منه الشعب الفلسطيني، الذي صار يدرك يقينا، أن قضيته عادت إلى عصمته وحده، ومن دون انتظار عون يأتي حتى من أشقائه، وأن ما أخذ ويؤخذ بالقوة لا يسترد من دونها، وأن قوة وصلابة الشعب الفلسطيني هي العنصر الحاسم في معادلات الوقت، وأن أسلحة البطش الهائلة التي يملكها العدو، لن تنفعه أبدا في إدامة احتلاله مهما طال الزمن، فالشعوب تملك دائما أسلحة أمضى، تملك سلاح الوحدة والصمود، وتملك أسلحة المقاومة والفداء، ولم يحدث أبدا في تاريخ أي شعب وقع تحت احتلال وغصب، أن امتلكت مقاومته قوة سلاح المحتلين المادية نفسها، لكن المقاومة كانت دائما تبطل أثر سلاح المحتلين، وتستنزفه في معارك ومواجهات وانتفاضات صغيرة وكبيرة، تزيد في تكلفة بقاء الاحتلال، وإلى أن تجعل هذه التكلفة فوق فوائد إدامة الاحتلال، وفى الصراعات الطويلة المريرة مع الاحتلالات في صورها كافة، كانت خطط إنهاك الاحتلال طريقا للنصر في النهاية، والكفاح الفلسطيني ليس استثناء في التاريخ ولا في الجغرافيا، والشعب الفلسطيني المبدع في كفاحه، وفي رقي وتعلم أبنائه، وفي طاقات الصبر وتحمل التضحيات، يدرك بضميره الجمعي هذه الحقيقة تماما، وتوالت انتفاضاته الصغرى والكبرى قبل الاحتلال الاستيطاني ومن بعده، من انتفاضة 1936 إلى انتفاضة الحجارة إلى انتفاضات القدس وسيفها، وواجه خيانات وخيبات لا تحصى، من داخله وفي محيطه القريب والبعيد، لكن لم يحدث أبدا، أن تحررت قطعة أرض فلسطينية، أو جلا عنها العدو، إلا بإنهاك الاحتلال ومضاعفة تكلفة بقائه، على نحو ما جرى في انتفاضة الأقصى التي اندلعت في 28 سبتمبر/أيلول 2000، وأجبرت كيان الاحتلال على ترك «غزة» من طرف واحد عام 2005، وتفكيك سبع مستوطنات إسرائيلية كانت على أراضيها، وعلى الرغم من قيود ثقيلة تحاصر غزة اقتصاديا، إلا أن قطعة الأرض الصغيرة المحررة تحولت إلى قلعة مقاومة، نمت وتطورت مع الوقت والجهد الدؤوب، وأعجزت كيان الاحتلال الإسرائيلي عن أي نصر في أي حرب دارت مع غزة وحدها، أو في التحامها مع بؤر المقاومة الشعبية في القدس وفي الضفة وفي الداخل المحتل منذ نكبة 1948، وقد زادها إلهام غزة رسوخا وجرأة في السنوات الأخيرة، رغم التمزق الجاري في انقسامات الفصائل وصراعاتها وتنسيق بعضها مع العدو، فلكل شعب خونته ومقاوموه، والمقاومة الفلسطينية رغم قساوة الظروف، نجحت في زرع شتلاتها الجديدة في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وفي الداخل، وفي قلب القدس من حول رمزية المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ولم يتراجع الشعب الفلسطيني خيفة القتل الهمجي، وقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى في العام الفائت وحده، أضاف إليهم عشرات الشهداء ومئات الأسرى مع مطالع العام الجديد الجاري، وخلق من شبانه وشاباته ونسائه وشيوخه وأطفاله جيشا لا يهزم، لا يرد ذكره ولا دعمه في البيانات المحنطة للقمم العربية إياها، وكلها نصوص فاترة غائبة مغيبة عمدا، وما من وظيفة لها غير إضاعة الوقت ومضغ الهواء، وحجب الحقيقة الفلسطينية المضيئة المنتصرة بإذنه تعالى.
كاتب مصري
يكفيكم قمم لن تجد منفعة**** ما دام أمركم في أيد غيركم
مقالة ممتازة تشرح الواقع المؤلم من الحكام العرب وبطولة وصمود الشعب الفلسطيني الصامد أمام التطهير العرقي على يد الكيان الإرهابي الصهيوني المحتل والشعوب العربية الرافضة للتطبيع والمهروسة والمدهوسة من سياسات وفشل حكامها .
ولكن لماذا غابت مقالاتك ياأستاذ عن مصر في مجالات الحريات وسجناء الرأي والسياسات الإقتصادية وصناديق مصر التي تزداد والتفريط والإستحواز وبيع أصول مصر نتيجة الديون الباهظة وهدرها في بناء قصور وأكبر جامع وأكبر كنيسة وأكبر ساري بد فكهم الى مدارس ومكتبات ومستشفيات وغياب شفافية وصحة أرقام صرف الديون التي أفقرت مصر وشعبها فين التعليم والإنتاج الزراعي والصناعي والتكولوجي والدفاع عن أمن مصر المائي
وظهورك الإعلامي القليل والباهت الذي يقلل من تاريخك ، نورنا يأستاذ قنديل طول عمرك صوتك عالي في الحق ،