القاهرة ـ «القدس العربي»: أطلق العديد من الخطباء العنان لألسنتهم للدعاء على من يحول بين أهالي القطاع والحصول على الغذاء الذي يعينهم على البقاء. وعلى مدار الساعات الماضية تداول العديد من أنصار التيار السلفي مقطعا أطلقه الداعية حازم شومان، وجهه لحكام العرب والمسلمين حذرهم خلاله من أنهم سوف يسألون ثلاث مرات بين يدي الله عز وجل “هتتحاسبو على المسجد الأقصى اللي كل شبر فيه أثر لنبي أو ملك، أو أثر لصاحبي هنا محراب مريم وهنا محراب سليمان وهنا محراب داوود، وهذا مسرى النبي صلى الله عليه وسلم.. وستحاسبون أمام الله في كل شبر فرطوا في فلسطين فهي أرض رباط ومن قتل دون أرضه فهو شهيد وستحاسبون ثالثا بسبب خذلانكم للشعب الفلسطيني في نضاله المقدس وقال تعالى “وإن أحد من المشركين استجارك فأجره”، فكيف الحال من الاشقاء”. وتعالت أصوات الخطباء المطالبة بإسقاط الحصار، وإدخال الشاحنات أمام رفح، التي تقدر بألفي شاحنة، بينما يتخوف البعض من فساد الأغذية التي تبرع بها الأهالي من كثير من البلدان.
وحول الجدل المتزايد بشأن الصفقة الضخمة التي تتباهي الحكومة بإنجازها قال الدكتور وليد عباس نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية، إن الحكومة المصرية ستحصل على 35% من أرباح مشروع رأس الحكمة، من الشريك الإماراتي الممثل في شركة أبو ظبي القابضة، وأضاف خلال تصريحات متلفزة، أن مصر حصلت على «رقم ضخم جدا» يتجاوز القيمة الفعلية لحق الأرض، والبالغ قيمته 35 مليار دولار، من بينها 11 مليار دولار هي قيمة الوديعة الإماراتية في البنك المركزي، التي ستسقط ضمن بنود الصفقة. وأشار إلى حصول الحكومة على 10 مليارات دولار في غضون أسبوع، بالإضافة إلى 14 مليار دولار أخرى بمرور شهرين، هي قيمة الأرض المقرر الاستثمار عليها في رأس الحكمة بنظام حق الاستغلال، موضحا أن الأرض تقع ضمن أصول شركة رأس الحكمة المزمع إنشاؤها بالشراكة لتنمية المدينة. وأكد أن الدولة «لن تتحمل مليما واحدا في توصيل المرافق للمدينة، أو في تجهيز المشروع بالكامل، وكل ما سيتم في المدينة سيكون للدولة المصرية 35٪ من أرباحه»، حيث يتولى الشريك الإماراتي مسؤولية تدشين جميع المرافق الداخلية والخارجية في المدينة. وأشار إلى ضخ الشريك الإماراتي مبلغ 150 مليار دولار خلال 5 سنوات لبدء المرحلة الأولى من التنفيذ، موضحا أن الدولة لديها خطة استراتيجية لتنمية الساحل الشمالي بإنشاء 6 مدن جديدة، حيث جرى تنفيذ المرحلة الأولى من العلمين الجديدة، ثم المرحلة الأولى من رأس الحكمة، تليها مخططات لمدن النجيلة والضبعة الجديدة والسلوم الجديدة. وأكد الدكتور أيمن محسب عضو مجلس النواب، أن صفقة رأس الحكمة ضبطت الأسواق والأسعار في أسبوع واحد من إبرام الصفقة، وسيطرت على صعود الدولار، مشددا على أن جميع المنتجات من بينها المنتجات الغذائية المختلفة شهدت انخفاضا يقدر بنحو 20٪ إلى 25٪.
نموذج للكراهية
فى اللغة الإنكليزية تعبير بليغ يقول He was consumed by hatred ــ لقد استهلكته الكراهية. الكراهية حسب محمد عبد المنعم الشاذلي في “الشروق”عاطفة شيطانية مدمرة تستهلك الإنسان وتملأه بالحقد والغل وتفعمه بالشك وسوء الظن. قديما قالوا إن من أجمل الدعوات «ربنا يحبب خلقه فيك»، إلا أن الدعوة الأجمل هي «ربنا يحببك في خلقه»، فمن لا يحب لا يقدر لمحات الحب الصادرة من الغير، فإذا جاءه أحد مهنئا، ظنه حاسدا، وإذا جاءه مواسيا، ظنه شامتا، وإذا سأله عن حاله ظنه متلصصا، وإن جامله ظنه منافقا صاحب مصلحة. ويتحول الإنسان مع الوقت إلى الانطواء والشك في الجميع وإلى السيكوباثية ويفقد القدرة على التسامح والمغفرة، وتظل الكراهية تأكل نفسه، حتى إن نال من أساء له عقابا شديدا، وتمتد كراهيته لا إلى من أساء له فحسب، بل إلى أي لفتة تعاطف معه مع توجه لاستدرار العطف بشكل مهين وإحاطة نفسه بشرنقة من المعاناة الزائفة؛ وهذه الظاهرة هي ظاهرة سيكولوجية تتمكن من بعض الأشخاص لكنها أيضا ظاهرة سوسيولوجية تصيب المجتمعات والشعوب. ولعل حالة إسرائيل وشعبها حالة نموذجية لهذا المرض، فإسرائيل هي المثال الوحيد لدولة قامت وتأسست على الكراهية، واستمرت الكراهية هي العاطفة الأساسية التي تجمع شعبها. بدأ الأمر مع إسرائيل بكراهية ألمانيا، وكانت هذه الكراهية السبب الرئيسي لقيام إسرائيل بدعوى إنقاذ الشعب اليهودي من المحرقة التي أقامها النظام النازي في ألمانيا. ورغم أنه يصعب على أي متابع منصف للتاريخ أن ينكر ما حدث في المحرقة، إلا أنه من الإنصاف وجود تحفظات بسبب أنها قصة مروية من جانب واحد تم التركيز عليها سياسيا وإعلاميا وحتى فنيا، بعدد من الأفلام والأعمال الدرامية التي تناولتها وتحميها من جانب واحد، جانب المنتصر، مدعوما بالدوائر الصهيونية دون إعطاء مجرد فرصة لتفنيد القصة وأبعادها، بل تحول الأمر إلى إرهاب فكري ممنهج.
البغضاء وقودها
وإن سلمنا مع محمد عبد المنعم الشاذلي بصحة أرقام وأبعاد المحرقة، أفلم تدفع ألمانيا ثمن جرمها بتدميرها وتقسيمها ومحاكمة كل من كانت له صلة بالحزب النازي وإعدام زعمائه وسجنهم وطرد من بقي إلى أقاصي الأرض، حتى غن كورت فالدهايم ــ الذي صار أمينا عاما للأمم المتحدة ورئيسا للنمسا ــ تعرض لحملة تشويه ممنهجة، لأنه خدم كنفر في جيش بلاده خلال الحرب العالمية، فضلا عما يقدر بمليوني ألمانية اغتصبن بعد استسلام بلادهن. كل هذا وما زال دراكولا متعطشا لامتصاص مزيد من الدماء، وما زال شايلوك ينتظر التهام رطل اللحم متغافلا عن أنه سكب أنهارا من الدم، رغم أن عقيدته تنهي عن الدم. كان الهدف الثاني لكراهية الشعب الإسرائيلي هو الشعب الفلسطيني الذي كان كل ذنبه التمسك بأرضه وبلده ودياره وكرامته، وحتى بعد أن رضخ للقسمة الضيزى لقرار الجمعية العامة، ولما فرضته التوازنات العسكرية لحرب فلسطين. ووصلت الكراهية إلى أوجها بمذابح ضد عشرات الآلاف من النساء والأطفال والعزل، ووصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، وتدشين حملة إعلامية ممنهجة شاركت فيها الدوائر الصهيونية في الولايات المتحدة، بل الرئيس الأمريكي ذاته الذي تحدث عن قطع رؤوس الأطفال، ثم مطالبة وزير مسؤول في الحكومة بقصف غزة بالقنابل النووية. أما دائرة الكراهية الثالثة التي تسبح فيها إسرائيل، فهي الدول العربية التي عاشت عمرها تروج بكراهية وبأنهم الجيران الذين يحاصرونها بغرض تدميرها، وارتزقت من هذا الوهم، بدعم غير محدود من الولايات المتحدة وحلفائها الذين حولوا أساطير التوراة لخدمة إسرائيل، التي صورت داود الراعي الوديع الذي يواجه جالوت الطاغية المسلح، وجعلت من دعم إسرائيل واجبا دينيا مقدسا رغم أن ضربات إسرائيل طالت معظم الدول العربية القريبة والبعيدة.. مصر وسوريا ولبنان والعراق والسودان وتونس. ولم تكتفِ إسرائيل باجترار الكراهية الآنية للعرب، بل غاصت في أساطير التوراة والتاريخ المزيف، يقف رئيس وزرائها أثناء زيارته لمصر أمام الأهرام ليترحم على أجداده ومعاناتهم أثناء بنائها، وهم لم يدخلوا مصر إلا بعد بنائها بألفي عام، ويستعيد ذكرى الخروج من مصر في زمن فرعون ثم ينقلب إلى ذكرى الأسر البابلي ليصبوا جام كراهيتهم على العراق، والسبي الآشوري ليصبوا غضبهم على سوريا، وفي وسط سديم الكراهية الذي يحيط بها ربطت إسرائيل نفسها بأكثر الكيانات المثيرة للكراهية والعنصرية.
سؤال الدهر
مرة بعد أخرى، وحقبة بعد أخرى يطرح سؤال الدولة الفلسطينية نفسه على حد رأي عبد الله السناوي في “الشروق”، دون أن تتبدى أي فرص ملموسة، أو خطط متماسكة على الأرض، حتى بدا الكلام كله أقرب إلى التهويمات المراوغة. في الحرب على غزة تأكد للعالم أنه لا يمكن إلغاء القضية الفلسطينية، أو القفز فوق جذور الصراع وأسبابه. بإلحاح ظاهر جرى الحديث مجددا عن «حل الدولتين»، وأنه لا أمن ولا استقرار في المنطقة، دون أن تكون للفلسطينيين دولة معترف بها دوليا تعيش بسلام مع إسرائيل. لم تتخلف دولة واحدة في العالم عن تبني ذلك الحل، الذي تقادمت عليه السنين والحروب، دون أن يجد طريقة للتنفيذ. البحث عن حلول سياسية من طبيعة ما بعد الحروب. المعضلة هنا، أن إسرائيل غير مستعدة لتقديم أي تنازلات قد ينظر إليها على أنها اعتراف بالهزيمة في غزة، وأن ما لديها من فوائض قوة عسكرية ودعم أمريكي مفتوح يمكنها من تمديد العدوان بذريعة تقويض «حماس» واستعادة الأسرى والرهائن دون أثمان باهظة. رغم الانقسام السياسي والمجتمعي في إسرائيل حول أهداف الحرب والقدرة على تحقيقها، إلا أن الكنيست قرر بما يشبه الإجماع النادر رفض إقدام أي دولة في العالم على الاعتراف بدولة فلسطينية، أو أن تكون كاملة العضوية في الأمم المتحدة كـ«خطوة أولى لاتفاقية سلام شاملة مع إسرائيل». بدا لافتا أن (99) من (120) عضوا في الكنيست، صوتوا لصالح ذلك القرار. الكنيست كله باستثناء النواب العرب ونواب حزب العمل، الذين تغيبوا عن تلك الجلسة الخاصة. شبه الإجماع يعني المصادرة المسبقة لأي فرصة حل تعطي الفلسطينيين شيئا من حقوقهم المشروعة وفق المرجعيات الدولية. بنص عبارة بنيامين نتنياهو: «إنه رسالة للمجتمع الدولي، ترفض أي إملاءات، أو أي خطوة أحادية، لكن إسرائيل تريد السلام على أن يتم التفاوض وجها لوجه بعد الانتصار على حماس».
«يا رب.. دولة»
لا يتسق حرف مع آخر في تلك العبارة الملغمة التي أطلقها نتنياهو، فهو يستهدف حسب عبد الله السناوي ـ أولا ـ الحليف الأمريكي الأكثر إلحاحا على حل الدولتين، دون أن تكون لديه خطة معلنة. ثم إنه يعمم الرسالة حتى لا تفكر دولة أخرى في اتخاذ أي خطوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد، قاصدا دولا أوروبية بعينها أعربت عن ذلك التوجه. يستهدف ـ ثانيا ـ تمديد العدوان على غزة وتوسيع نطاق الحرب على الجبهة اللبنانية بذريعة حماية أمن إسرائيل المتهم هو نفسه داخليا بالمسؤولية الكاملة عما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023). ويستهدف ـ ثالثا ـ مصادرة أي فرصة لصفقة جديدة يجري بمقتضاها تبادل الأسرى والرهائن في هدنة طويلة الأمد، كما إدخال مساعدات إنسانية عاجلة للقطاع المحاصر، الذي يتعرض لمجاعة منهجية وحرب إبادة. إنه الضغط الإنساني والعسكري معا لتخفيف شروط المقاومة الفلسطينية لعقد صفقة محتملة يجري التفاوض عليها. كان لافتا في ذلك التصريح حديثه عن السلام، قاصدا ما يقوله دوما ويؤكد عليه: «السلام مقابل السلام»، أو ألا تكون هناك دولة فلسطينية. إذا ما كان يطلب تقويض المقاومة المسلحة، فمع من يجري الحديث وجها لوجه؟ إذا كان هو نفسه يرفض أن تكون للسلطة الفلسطينية أي أدوار في خطة واشنطن لليوم التالي، فما المقصود بالتفاوض وجها لوجه؟ “الدولة.. يا رب”.. كان ذلك دعاء باكيا للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهو يمسك بأستار الكعبة المشرفة، على ما روى ذات مرة المفكر القومي الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة. إثر الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي انفجرت بغضبها وحجارتها، في (8) ديسمبر/كانون الأول (1987) تصورت أطراف دولية نافذة وعرفات نفسه، أن هناك فرصة ما لـ«حل الدولتين». فى (15) نوفمبر/تشرين الثاني من العام التالي (1988) أعلن عرفات من فوق منصة المجلس الوطني الفلسطيني، الذي انعقد في قصر «الصنوبر» في الجزائر العاصمة، دولة فلسطينية من طرف واحد. استند إعلان الدولة ـ كما جاء في الوثيقة التي صاغها الشاعر الفلسطيني محمود درويش ـ إلى: «الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في وطنه وقرارات القمم العربية وقوة الشرعية الدولية وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه». لم تكن هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الفلسطينيون الاستقلال من طرف واحد.
الحكمة فين؟
تحت عنوان: «رأس الحكمة مخافة الله» يقول الصاغ أركان حرب محمود محمد الجوهري في كتابه «قصور وتحف من محمد علي إلى فاروق» الذي استشهد به أشرف عزب في “الوفد”، إن الملك السابق فاروق لاحظ في رحلة ملكية إلى الصحراء الغربية عام 1938، موقع منطقة رأس الكنائس الصحي وهواءها الجميل لارتفاعها 80 مترا عن سطح البحر، ونظرا لمركزها التاريخي المهم أمر الملك بشراء 4980 فدانا فيها، وغيَّر اسمها إلى «رأس الحكمة». يقول «الصاغ» إن الملك صار يستصلح أراضيها، وأقام فيها خزانا لتخزين مياه الأمطار يسع 5000 متر مكعب تقريبا، وأمر بتنظيف الآبار والسواقي الرومانية القديمة، ثم فكر بعد ذلك في إنشاء استراحة ملكية هناك، وأنشأ محطة سكة حديد «رأس الحكمة» بتكلفة 5000 جنيه مصري، وزودت هذه الاستراحة بعربات جيب و«عربات برمائية»، وهذه المنطقة تعتبر أروع مناطق البحر الأبيض من حيث صفاء الماء وبياض الرمال، إنها حقا منطقة خيالية. ومن حديث الصاغ محمود الجوهري ننتقل إلى المحطة الثانية وهي المعركة التي خاضتها الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في أواخر السبعينيات ضد مشروع شركة «جنوب الباسفيك للشرق الأوسط» المسجلة في هونغ كونغ، وكان المشروع المعلن هو تنمية السياحة على أحدث الأساليب العلمية المتطورة في «هضبة الأهرام» و«رأس الحكمة».. تقول الدكتورة نعمات إن هذه الشركة تمكنت من الحصول كما هو مثبت في العقد على 20 ألف فدان في شاطئ «رأس الحكمة»، وعشرة آلاف فدان في هضبة الأهرام لمدة 99 عاما، من غير موافقة مجلس الشعب، وبلا لجنة خبراء لتقدير الأرض وفقا للأسعار العالمية، وبلا فروق في سعر الأرض بين ما تسلمه سنة 1975 «المرحلة الأولى» وما تسلمه من الأرض في 1980 «المرحلة الثانية»، وبلا شروط تشغيل أو خطة زمنية أو جزاءات، هذا كله مقابل نصف مليون دولار.. وأقساط سنوية يصل معها رأس المال بعد خمس سنوات إلى 2 مليون دولار، وأن الشركة بدأت بتقسيم الأرض وبيعها قبل أن تنجز التزاما سياحيا واحدا خلال سنة وثمانية أشهر، وقد نجحت الدكتورة نعمات في تلك المعركة وتم إلغاء المشروع.
الفقراء ممنوعون
إذا كانت «رأس الحكمة» قد ذُكرت بشكل عابر في المحطة السابقة، فإنها احتلت، حسب أشرف عزب، هذه المحطة بشكل كامل، وشغلت بال الجميع بعد إعلان السيد رئيس الوزراء ووصفها بأنها أكبر «صفقة» مشروع استثماري في تاريخ مصر، وكانت التفاصيل المعلنة أقرب إلى الخطوط العريضة، وأهمها 35 مليار دولار تدخل خزينة الدولة.. التأكيد أن المشروع شراكة وليس بيع أصول.. 35% حصة مصر من الأرباح طوال مدة المشروع، ثم تنافس الجميع بنشر إيجابيات تلك «الصفقة» من تخفيف أزمة النقد الأجنبي والقضاء على «السوق الموازية» للدولار، وتعزيز الاقتصاد، ومحاولة «كبح جماح» التضخم.. وغيرها. كل تلك الإيجابيات وتعظيم شأنها أمر مهم وضروري، ولكن الأهم من ذلك، طرح مجموعة من الأسئلة الواجبة لتكتمل الصورة، مثل: ما مدة المشروع.. وهل هو حق انتفاع محدد المدة أم مدى الحياة؟ هل «الصفقة» عملية بيع وشراء أم تطوير، خاصة أن المشروع يتضمن إنشاء فنادق ومشروعات ترفيهية، ومنطقة مال وأعمال، ومطار دولي، إلخ؟ وهل حصة مصر من الأرباح هي الأفضل على المدى الطويل، وتتناسب مع مساحة 170.8 مليون متر مربع هي مساحة المشروع؟ في النهاية.. المدينة الجديدة لن تكون موطنا لعامة الناس، ولن تكون فنادقها وبواخرها الفاخرة محل إقامة المواطن العادي أو فوق العادي أو فوق فوق العادي، ونريد منه الإيمان بأن تلك الصفقة تصب في مصلحته أولا، وأن يطمئن بأن هذا المشروع سيعمل على تحسين أحواله المعيشية هو والأجيال القادمة، لذلك نسأل: أين تفاصيل بنود الشراكة كاملة لهذا المشروع الاستثماري الأكبر في تاريخ مصر؟
من فراغ
لم ينبت اسم مصر الخالد في التاريخ من فراغ، بل بني لبنة لبنة حتى صار بناء عظيما يستعصي على أي فناء وفقا لمجدي شندي في “المشهد”: لا تمثل الأهرام والمعابد العظيمة في شتى أنحاء البلاد وكتاب الموتى ومكتبة الإسكندرية القديمة إلا شواهد ضئيلة عليه، فيها نبت فجر الضمير الإنساني ونبتت أسس العدالة ومن تراثها استمدت الأديان أدبياتها. مرت بفترات ضعف وقوة، تجلت مرات كإمبراطورية عظيمة وفي فترات تاريخية مظلمة تحولت إلى مستعمرة، لكنها في كل أحوالها ظلت مصر التي ينتصر شعبها للمظلوم ولا يقبل الهوان لا لنفسه ولا لجيرانه. لم تعرف مصر أبدا كقوة معتدية أو متجبرة، لكنها خاضت “حروبا عادلة” لتأمين حدودها ودرء المخاطر التي تحيط بها. أو نجدة الجيران، لعل أقدمها، على نحو ما تحكي لنا أوراق البردي وكتابات هيردوت، حين هب محاربون مصريون منذ ما يقرب من 2400 عام لنجدة الشعب الليبي ومناصرته ضد القوات اليونانية التي كانت تحاول احتلال ليبيا، وأدى وقوع القوات المصرية في كمين إلى الثورة على الملك “بسماتيك الأول” وخلعه بعد اتهامه بالخيانة. مجد مصر ونبلها ورهان الجوار دائما عليها لم يأت من فراغ إذن، بل تراكم فعال وتضحيات، فمصر فعالة لا قوالة. من هنا ليس مستغربا أن يتخاذل العرب بجعجعاتهم الفارغة ومئات ملياراتهم التي تنفق ببذخ في غير محلها وعنترياتهم المجوفة، لكن تثور أسئلة التعجب والدهشة عن أسباب صمت مصر على تجويع أهلنا الصامدين في قطاع غزة، إذ كيف تسمح دولة كانت أولا ثم كان التاريخ، دولة مثلت فجر ضمير الإنسانية ومهد الأخلاق والشرائع والديانات أن يجوع في جوارها أحد، كيف نقبل أن تكون آلاف الشاحنات مكدسة في المنطقة الممتدة من رفح المصرية حتى العريش، بينما أهلنا على مرمى السمع والبصر يتضورون جوعا.
لو أردنا
لا هذا الكيان الغاصب المحتل حسب ما أخبرنا مجدي شندي، ولا من وراءه من دول لا ضمير ولا أخلاق لها، لها ليحكم بالموت على من يشاء والحياة لمن يشاء، ولا مصر رغم التحديات التي تواجهها أضعف من أن تنجد الأشقاء، فهي أنبل من أن يموت الناس جوعا على مرمى البصر من جنودنا البواسل على الحدود، بل أصل إلى ما هو أبعد من ذلك ـ وربما يحدث صدمة للبعض ـ فلو كان الوضع مقلوبا والإسرائيليون هم المحاصرون في غزة، تلاحقهم الطائرات والمدفعية الفلسطينية بحممها، لوجب على مصر أن تتدخل وتمدهم بالطعام والماء والمؤن لئلا يموت أحد جوعا وعطشا على حدودها، إذ أن غير ذلك ـ بغض النظر عن دين وقومية الجوعى والمحاصرين ـ لا يتسق مع عراقة مصر ونبلها الإنساني ودورها في إرساء القيم الإنسانية وكونها دائما مظلة تحمي جيرانها وتتدخل لإنقاذهم وقت المحن. لن تجرؤ أي قوة أن تمنع مصر من نجدة جوارها وإخوة لها في الدم والمصير، إن عزمت على نجدتهم، فهي مساندة بقرارات من القمة العربية الإسلامية والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وإن حدث وساد الجنون في تل أبيب وقدر لها أن تخوض حربا، فستكون أشرف وأنبل حرب في التاريخ. رحم الله حاكما قال “أنثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال لكيلا يقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين”، فما بالنا بالبشر.
في حب النبي
تولستوي الأديب الروسي العظيم، أحب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأدرك عظمة شخصيته ورسالته، فأحب وفق ما أوضح الدكتور ناجح إبراهيم في “الوطن” ألا يفوته شرف الكتابة عنه، فكتب كتابا عظيما عن أجمل أقوال الرسول «صلى الله عليه وسلم» التي تحتوي على حِكَم عظيمة رأى أنها تصلح لأن يعرفها الشعب الروسي والعالم كله من خلاله، وسمَّى كتابه «من حِكَم النبى محمد». وقد حكى تولستوي في مقدمته قصة تأليفه قائلا إنه أُعجب بالنبي محمد وراسل الشيخ محمد عبده، مفتي مصر وقتها، حول رغبته في تأليف هذا الكتاب، وأن يساعده الشيخ في جمع الأحاديث الشريفة التي تُعد من جوامع كَلِم النبي «صلى الله عليه وسلم» التي تحتوي على حِكَم وعظات تحتاج إليها كل الأمم بغضّ النظر عن دينها وملتها، لأن الأنبياء ملك للبشرية جمعاء.. فشجّعه الشيخ محمد عبده على ذلك، وكان حصيفا حكيما فلم يطلب منه الإسلام أو الإيمان بالرسول «صلى الله عليه وسلم» قبل هذا، لأن مجرد الكتابة عن الرسول تعني الحب لهذا النبي والإيمان برسالته، فإن لم يكن فيكفيه أن تولستوي، وهو أعظم الكُتاب الروس، سيكتب عن النبي محمد. ولعل هذه الكتابة تقرّبه أكثر وأكثر من النبي «صلى الله عليه وسلم».. وقد جمع تولستوي في كتابه هذا قرابة 600 حديث تحتوي على باقة من أجمل حِكَم النبي. كنت في شبابي أجمع حِكَم النبي وأحفِّظها لتلاميذي من الدعاة لأنهم لا يستغنون عنها أبدا.. وقد اقترح عليّ محمد عبد الشافي القوصي الكاتب والصحافي في «الأهرام إيبدو» والمؤلف لكتاب «محمد مشتهى الأمم»، أن أكتب مقالا يضم بعضا من حِكَم النبي الكريم «صلى الله عليه وسلم»، فعزمت على أن يكون هذا المقال.. فإليكم بعض حكمه.
خلق حسن
ويواصل الدكتور ناجح إبراهيم كلامه: حذَّر رسول الله من الكذب: «يُطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب»، «ما كان من خُلق أبغض إلى رسول الله من الكذب». ويحذر من سوء الظن والتجسس: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»، «ولا تحسسوا ولا تجسسوا وكونوا عباد الله إخوانا»، «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة». ويدعو إلى الخُلق الحسن فيقول: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وسُئل: من أحب عباد الله إلى الله؟ فقال: «أحسنهم خلقا»، «وخالق الناس بخلق حسن». ونهى عن الفحش والتفحش: «إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء». وحث على الرفق بقوله: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه». وكان يهتم بالأمانة ويحب الأمناء ويقول: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له» ويحذر من الغدر: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يُعرف به فيقال: هذه غدرة فلان». ويحذر من الاختيار بالوراثة أو الولاء أو الرشوة: «من استعمل رجلا وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين». وكان يحذر من إفشاء الأسرار إلا في الحرام: «المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس مجلس سفك دم حرام، أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق». وينهى عن إفشاء أسرار العلاقة الزوجية الحميمة: «من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشر سرها». ويؤكد على احترام الشروط في كل العقود المباحة: «المسلمون عند شروطهم»، ويؤكد على أداء الديون: «يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّيْن». ويوسع في دائرة الصدقات حتى يقول: «وفي بضع أحدكم صدقة»، «ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة»، «وحتى اللقمة تضعها في فم امرأتك لك بها صدقة». ويحذر من ترك الأولاد للضياع.
الشباب المغرر بهم
بعض الشباب الذي سافر إلى إيطاليا أو غيرها، من قرية محمد أمين في “المصري اليوم” ظهرت عليه النعمة.. كانت صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي تلعب بعقول الشباب وذويهم.. قرر الكثيرون السفر دون استكمال الدراسة.. لم يفكر أيّ من هؤلاء في الطريقة، وإنما قرروا السفر بالطريقة نفسها التي سافر بها غيرهم.. تهريب عن طريق ليبيا، لم يدر بخلدهم المخاطر التي سيواجهونها، قال بعضهم: «يعني مش هعرف أكون زي فلان ابن فلان».. هذه هي الكلمة السحرية التي حركت النفس الإنسانية لتركب الصعب وتركب البحر، إما أن يغرق أو ينجو.. وكل شيء قسمة ونصيب.. مسألة النصيب هي التي حركت الشباب وأسرهم.. الغريب أن الشباب يسافرون جماعات، وعندما سقطوا في يد العصابات كانوا جماعات أيضا، وهنا تحولت القرية إلى مأتم، العصابة التي خطفت الشباب طلبت فدية ضخمة مقابل الإفراج عن 160 شابا من القرية نفسها، ما يعني أنه في الأسرة الواحدة أو العائلة الواحدة هناك أكثر من واحد مخطوف.. فماذا يفعلون؟ الشاب أحمد محمد موسى تواصل معي وأخبرني أن الموضوع منذ شهرين، وأن الشباب الذين وقعوا في الأسر أقل من عشرين سنة.. ويوجه رسالته لإغاثة شباب القرية المحتجزين في ليبيا سألته: كيف سمح الأهل بذلك؟ قال إنهم أرادوا التجربة مثل زملائهم وأصدقائهم، وبعضهم سافر على غير رغبة أهله.. وقال إن الخاطفين طلبوا مبالغ ضخمة مقابل 160 فردا، بينما الأهل من الناس الغلابة والفئات البسيطة.. كانوا يحلمون بتغيير حياتهم، وتجربة فرصة السفر، فهربوا إلى الجحيم وعصابات الخطف والبحر، كان الأمل أن يعيشوا حياة كريمة.. الآن أتضامن مع شباب القرية، وأوجه الرسالة إلى وزارة الخارجية المصرية بما لها من تجارب وخبرة سابقة لإطلاق سراح الشباب والإفراج عنهم وللأسف تحولت حياة الناس إلى جحيم وتحولت بيوتهم إلى مآتم.. ولذلك أدعو وزارة الخارجية للتحرك السريع لإنقاذ الشباب من الهلاك، وأعرف أن وزارة الخارجية لا تدخر جهدا في إنقاذ الشباب، وقد تكون لها اتصالات قوية بأطراف في ليبيا تمكنها من التدخل لإغاثة الشباب، في منطقة بئر الغانم في طرابلس، وعندي وسيلة تواصل مع الشاب الذي تواصل معي، وأرجو أن يكون التحرك سريعا. وأخيرا، لا أعرف إن كان الوقت مناسبا لأتحدث عن شباب مضلل يترك تعليمه قبل الانتهاء منه ثم يسافر؟
القناة تعاني
تَحَرٌكْ هيئة قناة السويس، برئاسة الفريق أسامة ربيع، لتعزيز مواردها النقدية يجب أن يُثمن عاليا، ويحظى بالاحترام الكبير، والتشجيع كذلك، خاصة وفق ما يعتقد أسامة سرايا في “الأهرام” بعد التأثير السلبي الذي أحدثه عدوان الاحتلال الإسرائيلي الغاشم على الأشقاء في غزة، وما نتج عنه من اضطراب حركة الملاحة البحرية في البحرين الأبيض والأحمر بسبب قيام الحوثيين في اليمن، والصوماليين باعتراض السفن المقبلة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي والمبحرة منها، وتعهدهم بالاستمرار في ذلك حتى يكف الإسرائيليون عن حرب إبادة قطاع غزة، وكذلك قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالف الازدهار بزعم حماية حركة الملاحة البحرية، واعتدائها السافر على 3 دول عربية (اليمن، وسوريا، والعراق) بحجة انطلاق الهجمات على السفن منها. إن هذا التحرك الإيجابي يستهدف تنويع مصادر الدخل عبر إقامة مشروعات لوجستية، وبحرية، تخدم حركة التجارة العالمية في المنطقة، ولم تقتصر إيجابية هذا التحرك على الإعلان عن هذه السياسة الجديدة، وإنما امتد تأثيرها إلى شركات الملاحة، فقد جرت اتصالات مع الخط الملاحي الإيطالي (مييستا)، حيث أعلن رئيس الشركة الإيطالية أن هذا الخط سيواصل العمل، بل إن شركته ستقوم بزيادة حمولات السفن التابعة لها، التي تَعبر قناة السويس خلال الفترة المقبلة ضمن سياسة المجموعة في التوسع، كما أعتقد أن التحرك الذي قامت به هيئة قناة السويس يعزز المكانة الرائدة للقناة، ويدعم تحولها إلى محور إقليمي – دولي لتقديم الخدمات البحرية، واللوجستية في الشرق الأوسط، وافريقيا، كما أعتقد أن قيام قناة السويس بتعزيز علاقاتها بعملائها الكبار لفتح آفاق جديدة للعمل، وجذب الاستثمارات، وعدم الاقتصار على رسوم العبور- تطور اقتصادي مهم في تاريخ هذه الهيئة، وهذا الممر التجاري المهم كانت نتيجته إيجابية للغاية على العملاء الدوليين جميعا الذين أعلنوا التوسع في أعمالهم، واتجاههم لضم، وبناء سفن حاويات ذات طاقة استيعابية كبيرة للعمل على الطرق الملاحية في الشرق الأوسط. يجب أن يتزامن ما سبق بتحرك دولي لمنع إسرائيل من حرب إبادة غزة، وتوقف الهجمات الأمريكية – البريطانية، وتحالفهما عن انتهاك سيادة الدول الشقيقة حتى تعود حركة الملاحة البحرية في المنطقة لطبيعتها، ويعم السلام دول هذه المنطقة المهمة من العالم، بما فيها دولتا فلسطين وإسرائيل.