دمشق – «القدس العربي»: تكتسب التطورات الميدانية في منطقة إدلب ومحيطها المحرر أهمية خاصة خلال الفترة الحالية، باعتبارها «المنطقة المركزية» المتبقية في نطاق الصراع المستمر مع نظام بشار الأسد ومن ورائه روسيا وإيران، في وقت يعزو فيه خبراء ومراقبون أسباب التصعيد إلى استشعار موسكو ملامح تفاهمات دولية حول بعض المناطق السورية، لاسيما التفاهمات الأمريكية – التركية بخصوص المنطقة الآمنة شرقي الفرات بمعزل عنها، فضلاً عن فشل الخطة الروسية فيما يتعلق بالاعلان الدستوري.
ويرجح قيادي بارز في المعارضة المسلحة لـ»القدس العربي» مواصلة موسكو في عملياتها الهجومية بعمق 15 كم باتجاه محور «قلعة المضيق» و»الجنابرة» كخطوة أولى ضمن «تكتيك لقضم المنطقة العازلة» مع احتمال التوغل أكثر حتى احكام السيطرة النارية على أجزاء واسعة من المناطق المحررة.
تغير مفاجئ
ورغم أن مخرجات «قمة سوتشي» حول إدلب بين الرئيسين التركي والروسي كانت تسير «بمرونة محدودة» من جهة الروس على وجه الخصوص، إلا أن تغيراً مفاجئاً في الموقف الروسي تجاه المناطق المحررة في إدلب أفضى إلى تصعيد جوي متدحرج أعقبه قصف صاروخي ومدفعي منتشر ثم مركز، ليصبح تمهيداً نارياً لقوات نظام الأسد والميليشيات المساندة له المدعومة من روسيا وإيران «الفيلق الخامس، الفرقة الرابعة، الدفاع المحلي، الدفاع الوطني، لواء القدس الفلسطيني، حزب الله اللبناني، قوات روسية مرتزقة، وغيرها» ضمن عمليات اقتحام على محاور ريف حماة الشمالي الغربي.
قراءة بعين عسكرية لتطورات إدلب والهجوم الأخير للنظام على ريف حماة
وشملت الغارات الروسية والسورية جميع البنى التحتية والمرافق الصحية وخاصة المشافي والمنشآت التعليمية ومراكز إيواء النازحين، في المناطق المحررة مما تسبب في مقتل قرابة 150 مدنياً، وإصابة 650 آخرين، ونزوح أكثر من 200 ألف شخص في الأسابيع الثلاثة الأخيرة.
ومع تأخر فصائل المعارضة في شن عمل عسكري مضاد ضد قوات النظام، وفشلها في فتح جبهات أخرى تشتت عبرها تركيز المعارك، وغياب لمقاتلي «هيئة تحرير الشام» – التي تمتلك السلاح الثقيل – في صد هجوم نظام الأسد وحلفائه على الأرض، في حين أخذت فصائل الجيش الحر على عاتقها الصمود ومحاولات صد الهجوم القائم على تكتيك «الأرض المحروقة» الذي تشتهر به روسيا، يرى القيادي في المعارضة المسلحة ورئيس وفد استانة السابق العقيد فاتح حسون أن فصائل المنطقة من الجيش الحر المنضوية ضمن الجبهة الوطنية للتحرير، وجيش العزة، وغيرها من الفصائل المحلية، تمتلك إمكانيات تسليحية ضعيفة بالرغم من وجود أعداد جيدة من المقاتلين لديها، وكان هذا من أسباب عدم فتح محاور قتال أخرى مغايرة لمحاور هجوم قوات النظام لتشتيت المدفعية والطيران الداعمين لها، مما جعل القصف والضربات النارية متركزة على منطقة محددة وبكثافة كبيرة جداً، فتقدمت قوات النظام من «حاجز الآثار» إلى قرية «الكركات»، وقطعت طريق «قلعة المضيق» والتوينة». (هذه الخطوة كانت قوات النظام تستطيع القيام بها بما أن « الحابوسة»- أي «القلعة» -التي يسيطر عليها النظام هي أعلى وأحصن نقطة في المنطقة، فمناطق «الكركات، وقلعة المضيق، والتوينة» من وجهة نظر عسكرية ساقطة نارياً منذ تحرير المنطقة، لكن التفاهمات كانت تحول دون ذلك).
وتركز الهجوم البري لقوات النظام والميليشيات المساندة له على محور «الجنابرة – كفرنبودة»، ومحور «قلعة المضيق»، واستطاعت من خلاله السيطرة عليهما بعد حرقهما وتدميرهما بأكثر من خمسمئة غارة جوية وآلاف رمايات المدفعية، لتتم السيطرة على «قلعة المضيق».
حدود جديدة
وبعد أن تقدمت القوات المهاجمة وسيطرت على « الجنابرة، وتل عثمان، وكفرنبودة، وقلعة المضيق، والكركات» شكلت فصائل المعارضة «غرفة عمليات» بحسب المتحدث أطلقت بدورها عملاً عسكرياً هجومياً مباشراً استطاع إيقاف تقدم قوات النظام، وتحويل أعمالها القتالية من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع، وإحباط خطتها (بالهجوم على «الهبيط» وتطويره باتجاه «تل عاس» و»تل الصياد» لمحاصرة الجيش الحر في «كفر زيتا» و»اللطامنة»)، كما استطاعت تطوير الهجوم باتجاه «تل الحماميات» لتطويقها، في ظل مواصلة معارك الكر والفر، وسط وقوع أكثر من ستين قتيلاً من قوات النظام ومئتي مصاب، وفرار عدد من قادته وقواته من أرض المعركة، والقبض عليهم من قبل المفارز الروسية.
وتدل المعطيات على الأرض وفق رؤية القيادي حسون في حديثه لـ»القدس العربي» إلى إصرار موسكو على المضي في تنفيذ عملية هجومية بعمق من 10 إلى 15 كم باتجاه محور «قلعة المضيق» و»الجنابرة» مع احتمال التوغل في العمق وتوسيع الخرق في حال نجاحه، واستقدام مزيد من القوات من الجبهات المختلفة والزج بها مع تثبيت مواقع عسكرية لها في مناطق حاكمة تستطيع من خلالها السيطرة النارية على أجزاء واسعة من المناطق المحررة وتقطيع أوصالها، خاصة الشريط الغربي منها، والتي تتضمن أجزاء من «سهل الغاب» و»جسر الشغور» حيث أماكن تواجد قوات «الحزب التركستاني».
أسباب التصعيد
كما تشير الدلائل الميدانية إلى أن العمليات الجوية والبرية لروسيا والنظام في المناطق المحررة في إدلب ومحيطها تهدف للسيطرة على «قلعة المضيق» كخطوة أولى فقط تقف عندها في حال مورست ضغوط عليها، في «تكتيك لقضم المنطقة العازلة» المتفق عليها في قمة سوتشي حول إدلب «بالتتالي» بدءاً من ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، وتريد من هذا «التكتيك الذي يتقدم خطوة خطوة» امتصاص النقمة الإقليمية والدولية التي يمكن أن تحدث نتيجة تشكل موجات نزوح ناتجة عن عملياتها الإجرامية المخالفة للقانون الدولي.
وعن أسباب هذا التصعيد من قبل روسيا في الآونة الأخيرة، وفي هذا التوقيت، يقول المتحدث انها لا تعود للهجمات التي تنفذ على قاعدة حميميم بطائرات «الدرون» وصواريخ الغراد بعيدة المدى – كما يتذرع وزير خارجيتها – بل يعود إلى استشعارها ملامح تفاهمات دولية حول بعض القضايا والمناطق في سوريا، خاصة التفاهمات التي يتم وضع لمساتها بين الولايات المتحدة وتركيا بخصوص المنطقة الآمنة شرق الفرات بمعزل عنها، وهي التي بذلت جهوداً حثيثة لتكون ضمن هذه التفاهمات، وليكون لها دور شرق الفرات ولو كان أمنياً. لكنها لم تنجح بذلك، كما أنها لم تنجح في تحقيق رؤيتها بما يتعلق باللجنة الدستورية، ولا باستجلاب أموال إعادة الإعمار في ظل وجود نظام الأسد المجرم، فوجدت في موجات النزوح التي يشكلها قصفها ودعمها للعمليات العسكرية في منطقة إدلب «أداة ضغط» ممكن أن تستخدمها مقابل الاتحاد الأوربي وتركيا والولايات المتحدة لتحقيق ما تصبو إليه.
تركيا باعتبارها ضامناً لقوى الثورة العسكرية، والمعنية في المنطقة الحدودية لها، تعاملت مع التصعيد الروسي «بأناة» حسب وصف المتحدث، حيث عملت على امتصاص الهجمة الروسية بكل صبر، في الوقت الذي تمتلك فيه أدوات ضغط «فردية» و»مشتركة مع فصائل الثورة السورية» يمكن أن تستخدمها «دفعة واحدة أو بالتتالي، وبشكل معلن أو سري» لإعادة روسيا إلى صوابها، وتطبيق التفاهمات الناتجة عن «قمة سوتشي» حول إدلب – والتي لن تستطيع روسيا الحصول على أكثر منها – وإلزام النظام بما تم الاتفاق عليه في مباحثات «أستانة» بما يتعلق بحدود منطقة خفض التصعيد الرابعة «إدلب».