قيامة الشعراوي

فجأة قامت الدنيا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بسبب جملة قالتها المذيعة أسما شريف منير ابنة الفنان شريف منير عن الشيخ الشعراوي، باعتباره متطرفا ولا تحب آراءه. أنا شخصيا على دراية بأن في هذه المواقع ملايين يحكمهم الفكر المتخلف سياسيا أو دينيا، وهم سعداء بذلك، ولا يضايقني إلا أن الغالبية منهم شباب، وهذا يؤكد لي شيئين، أن بينهم لجانا كما يقال هذا عملها، لكن أيضا أغلبهم مقتنع بما يقول.
قليل من التفكير والبحث يكتشف أي شخص أن ظهور الشيخ الشعراوي كان قرين سياسة الرئيس السادات، الذي فتح فيها الباب للإخوان المسلمين والسلفيين والفكر الوهابي، في محاولة عقيمة منه ـ انتهت بقتله – أن يوازن بينهم وبين الناصريين والشيوعيين، ويتحكم هو في العصا من المنتصف، يميلها حيث يريد ووقت ما يريد باعتبار الناس أكياس بضائع وهو الميزان، يتحكم فيه ويغش فيه أيضا إذا أراد.
قبل السادات لم نكن نسمع عن الشــــيخ الشعراوي وكلامه عن أنه سجد لله شكرا يوم هزيمة 1967 نكاية بديكتاتورية عبد الناصر، لم نعرفه وقتها، لكن بعد أن ظهر السادات، كنت في ذلك الوقت أتابع كثيرا حلقاته في التلفزيون، بعد أن عاد من السعودية وصار له برنامج أسبوعي، جذب انتباه الناس بطريقته وحركاته التمثيلية وقدرته على أن يقنع الجالسين أمامه في الجامع، وبالتالي المشاهدين بما يقول.
لم أكن معجبا به ولا مقتنعا بما يقول، ليس لأساب سياسة، رغم وجودها، فأنا أعرف أنه ترس لامع في ماكينة السادات لتكريس التخلف، لكن لدراستي للفلسفة وتاريخ الفلسفة الإسلامي. أدركت من أول حلقة أو حلقات قليلة أن الرجل من اتباع التفسير الظاهري للقرآن الكريم، الذي يقوم على تفسير اللغة كما هي، بدون أي محاولة للتأويل، وطبعا بدون النظر في زمن الآية القرآنية، أو شكل المجتمع الذي نزلت فيه وقتها، وكيف أن هذا الشكل تغير، ومن ثم يجب تغيير الظاهر من المعنى، الذي يجعله أهل هذا التفسير حاسما وأوامر لا يأتيها الباطل. رغم ذلك تابعته كثيرا ورأيت أنه كثيرا ما يكون أكثر تشددا بشكل يسيء إلى البشرية، حين يرى أن تغيير الأعضاء ذنب، وأن غسيل الكلى للمريض ذنب، وغير ذلك مما قاله استسلاما لقضاء الله، واضعا البدايات وحده والنهايات، كأن الله خلق الناس أغناما لم يعطها حتى حرية الحفاظ على صحتها. لن أتحدث عن كثير من آرائه مثل صحة قتل تارك الصلاة، وصحة ضرب الرجل لزوجته، وصحة تكفير أصحاب الديانات الأخرى وغيرها، فكلها قائمة على شرح لغوي مباشر لبعض الآيات، وليس حتى تفسيرا لها. يعني أوامر.
انتهي عصر السادات ومبارك، وانتهى زمن الشعراوي بين السادات ومبارك، لكنه من المؤكد ترك أثرا كبيرا جدا في سامعيه. لم يكن التلفزون مثلا قبلها ولا بعدها يعطي رجلا مثل الدكتور نصر حامد أبو زيد برنامجا للحديث عن الدين. وكذلك رجلا مثل الدكتور حسن حنفي، ولا أي مجدد للتراث الديني من الأساتذة العظام، وحين حدثت هزة في البلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني صدق البعض ضرورة التجديد الديني، وظهر البعض في التلفزيون وانتهي الأمر بالسجن طبعا.

انتهي عصر السادات ومبارك، وانتهى زمن الشعراوي بين السادات ومبارك، لكنه من المؤكد أن الشعراوي ترك أثرا كبيرا جدا في سامعيه.

ابتعدت من زمان عن الحديث في الأمر، لأنني أعرف أن وراء الشعراوي تفسيره الظاهري، وهو التفسير المناسب لأي نظام قمعي، فمن يخدم الديكتاتور أكثر من شيوخ السلطان الذين يحولون الناس إلى أنعام تمشي وراء راعيها، الذي يضع أمامها جزرة لا تطولها. كثيرا ما انفجر الأمر على صفحات الميديا، وعادة من يفجره يناله الكثير جدا جدا من الشتائم باعتباره (الشعراوي) رجلا مقدسا. طبعا رجال الدين مقدسون. هم قالوا عن أنفسهم ذلك فهم علماء الإسلام ولا علماء غيرهم، رغم أن كلمة علماء قرينة بالعلم التشخيصي للعالم المادي وظواهره من أول شكل الكرة الأرضية إلى علوم الويب والاتصالات، لكنهم جعلوا التفكير في الدين علما وهم علماء، ورغم أيضا ان العلم المادي أهميته أنه يقبل التكذيب، فبعد كل نظرية علمية تأتي نظرية أوسع شمولا وأدق اكتشافا، وهكذا يتقدم العالم، لكن علماء الدين هم من ينهلون من كتب قديمة ولا يتغيرون، ومن يطلب منهم التطور باعتبار أن ما يقولونه فكرا وليس علما، يصبح متطاولا ويجب أن لا يدخل في مجالهم الذي هو علم نهائي، فإذا قالوا إن العلمانية تعني حرية العلاقات الجنسية، لا يفكر أحدهم أبدا أنه دينيا يقرون بتعدد الزوجات وزواج المسيار وتحليل السبايا وزواج الأطفال، وغير ذلك من المتع التي تزيد عشرات المرات عن حرية العلاقات الجنسية في البلاد العلمانية، التي فيها التحرش من أكبر الجرائم، وأن من له علاقة بأخرى رجلا أو امرأة لا يبني عليها علاقة أخرى، ويوم يفعل ذلك ينفصلان بهدوء. لكن مادام الواحد من هؤلاء المسمى بالعالم، قال ذلك، فالعلمانية شر دون أن يعرف شئيا عن المجتمعات المتقدمة التي فصلت الدين عن الدولة.
ليس مهما أنه قامت الدنيا على ابنة الفنان شريف منير، فهذا متوقع، ولا أن الدنيا استمرت قائمة بعد اعتذارها رعبا، لكن المسخرة أن أعضاء من مجلس الشعب صرخوا ضد ذلك ـ لا بأس فهم واضعو القانون الذي يجرم الإساءة للشخصيات التاريخية ويقصدون به الإساءة للرؤساء فقط لا غير طبعا ـ ونائبة احترمها مثل الدكتورة آمنة نصير، التي أراها أكثر تفتحا دينيا بين أساتذة الأزهر، أدانت وشجبت ذلك، وأنا على يقين أن أحدا ممن أدانوا ذلك باستثناء الدكتورة آمنة نصير ـ وهذا مصدر دهشتي – لا يعرفون شيئا عن مناهج تفسير القرآن لا الظاهرية ولا الباطنية ولا يعرفون الأشاعرة من المعتزلة، ولا حتى الفرق بين الشيعة والسنة، غير أن الشيعة تدين مقتل الحسين. طبعا كثيرون على المواقع قالوا إن ما جرى «اشتغالة» أريد بها إلهاء الناس عن السياسة والأحداث الجارية في مصر وغيرها من العالم العربي، لكن لا أعتقد أنها اشتغالة كما قالوا، بل هي حقيقة الأوضاع الثقافية والفكرية في بلادنا. لقد تخلفنا كثيرا جدا للأسف. ومن المهم التذكرة أن من أعاد الشيخ الشعراوي إلى مصر كان المذيع أحمد فراج، الذي انفصل عن المطربة والممثلة صباح وسافر إلى السعودية سنوات، وعاد ببرنامح «نور على نور»، ولم يكتف بالشيخ الشعراوي، بل فتح الطريق أيضا إلى الدكتور زغلول النجار، صاحب التفسير العلمي للقرآن، الذي جرت وراءه جامعات وأساتذة ووجدوا في القرآن كل النظريات العلمية، بينما هو كتاب أخلاق وضمير.
لن أتحدث عنه إلا ضاحكا إذ قرأت له مرة مقالا في جريدة «الأهرام» يتحدث عما وراء تحريم لحم الخنزير من حكمة إلهية، وراح يعدد عشرات الأمراض في لحم الخنزير، وطبعا وفقا لكلامه كان لابد أن يموت كل أهل أوروبا وأمريكا الذين هم أطول عمرا منا نحن شعوب الشرق الأوسط، وفكرة التحريم عامة بسيطة جدا وهي اختبار قدرة الإنسان على التخلي عن شيء مما يحب، اختبارا لإرادته تماما كالصيام الذي يجعل الإنسان يقترب من صفاء الروح، أكثر من المادة وليس فيه اقتراب من الفقير أو غيره، فالفقراء هم الأكثر صياما، سواء لأنهم لا يجدون ما يأكلون أو لمحبتهم لله ورجائهم أن يفتح عليهم. أشياء كثيرة يطول فيها الكلام وربما أعود إليها يوما، لكن المؤسف أن من قالت ذلك أخرجوها من الملة وأهانوها وأرعبوها وناموا مستريحي البال، رغم أن من يمجدون الشعراوي بالملايين مشاهير وغير مشاهير.

٭ كاتب من مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي حر:

    تحية للكاتب المحترم
    لا اسمع للشيخ الشعراوي وبالتالي لا احكم له او عليه .
    لن تجد عاقلا يرفض فكرة التجديد الديني وفق ضوابط العصر ومتطلبات الحياة ولكن المشكلة الحقيقية والعويصة هي
    هل يتجدد الدين وفق رؤية السيسي الذي يقتل معارضيه ؟ .
    ام فوق رؤية ماكرون الذي يريد اسلاما فرنسيا ؟.
    ام سيحدد الدين وفق الأزهر الذي يحارب الإرهاب ويكرس الاستبداد.؟
    ام سيحدد الدين علماء السلفية الذين يأمرون بطاعة اولي الامر وأن زنوا ساعة في اليوم .
    أم سبجدد الذين علماء قضوا في أقلية المخابرات وسجون العسكر؟ .
    ام سيحدد الذين ثلة من الفنانيين والإعلاميين الذين يتصدرون الشاشات والاعلام ؟
    الكل يطلب اسلاما على مقاسه بعضنا يريده متزمتا متشددة وآخرون يريدونه مهادنا طيعا والبعض الآخر يرغبونه ليبراليا و…

    ا

  2. يقول عربي حر:

    حين يقوم ثلة من الناس بالتهجم على فنانة اعتدت في رأيهم على رمز من رموزهم او تقوم جماعة بقتل مفكر باعتقادهم أنه كافر (كلا الامرين مرفوض ولا يخدم الدين في شى) يصبح لزاما أن يعاد النظر في المناهج وإعادة صياغة دين لتوافق العصر .
    حسنا فلنتفق على هذه القاعدة ولنطبقها عكسيا
    حين يقوم نظام علماني بقتل شعب بالبراميل المتفجرة والكيماوي وتهجيره وتعذيبه ألا يجب وفقا للقاعدة اعلاه أن يعاد في فهم العلمانية لتواكب العصر وفهم وعلاج أسباب سلوكياتها الإرهابية التي تجنح لابادة الغير بحجة أنه متطرف دينيا ؟
    يتبع فضلا

  3. يقول عربي حر:

    ان كانت العلمانية و العلمانيون عندنا ارتبطوا بالاستبداد وأسسوا أركانه والأمثلة بالآلاف ويكفي منه من أيدوا الانقلابات العسكرية وقتل واعتقال المخالفين فإنها على الجانب الآخر من المحيط فإنها ارتبطت بالتقدم العلمي والتقني واحترام حقوق الإنسان وهذا أمر حسن ومعظم شعوبنا تتوق اليه ولكنها ارتبطت أيضا بالتوحش الاقتصادي والتوسع الإمبريالي وتصدير أسلحة الدمار واستغلال الشعوب الفقيرة والاستنزاف ثرواتها وإشعال الحروب لتشغيل مصانع السلاح والتلوث الذي يهدد الإنسانية و…….وهي أمور لا يذكرها مبشروا الدين

  4. يقول عربي حر:

    وهي أمور لا يذكرها مبشروا الدين العلماني المقدس

  5. يقول إبن كسيلة:

    مقال رائع يغني عن كل تعليق ……
    لكن …….على من تقرأ مزاميرك يا داوود …..
    آلاف “شعراوي ” يدرسون و يخطبون في البشر في المساجد و في الجوامع و في ….المدارس و الإعداديات و الجامعات ……

    1. يقول الصفاقسي / تونس:

      فعلا الآف من الخطباء والدعاة يتكلمون على مدار اليوم والليلة في المساجد ووسائط الاعلام والتعليم كل واحد منهم يقدم الإسلام وفق رؤيته ومفهومه وجموع المسلمين في حيرة من امرهم هل يصدقون أو يتبعون هذا الداعية او ذاك

    2. يقول علي:

      الشعراوي – ولا نقدسه- واحد عصره وفارس زمانه، وسيد البيان والبلاغة، وصاحب الآراء الذكية المعتبرة حتى لو اختلفنا مع بعضها. كان قذى في عين أعداء الإسلام وخصومه. رحمه الله ورضي عنه، وجعله في الفردوس الأعلى بحق ما قدم للإسلام والمسلمين.

  6. يقول أسامة حميد-المغرب:

    الإسلام الحنيف ضد تقديس الأشخاص سواء الشعراوي أو غيره. أنا شخصياً لا تستهويني طريقة المرحوم الشعراوي ولكن إذا قدر لي أن أخير بين الشعراوي وبين متطرفي وغلاة العلمانية دعاة الحرية الجنسية والانحلال الخلقي تحت ذريعة الحرية الفردية وتحليل ما حرمه الله بنصوص قطعية ( فسرها ظاهرياً أو تأويلياً كما شئت) الثبوت والدلالة كالزنى وشرب الخمر وأكل الخنزير…الخ فسأختار الشعراوي بدون تردد. بمناسبة الحديث عن لحم الخنزير أذكر أني سافرت لفرنسا للعلاج من مرض في المعدة فراجعت أربعة أطباء (كلهم مسيحيون بالمناسبة) فكان القاسم المشترك بينهم هو نصيحتهم لي بالابتعاد عن تلاثة أمور: الخمر والتدخين ولحم الخنزير. (ولم أكن مبتلىً بأي منها والحمد لله).

  7. يقول خليل مطران:

    مقال جيد وأكاد أرى وجوه المعلقين المعروفين بالحماس الديني تتميز من الغيظ

    1. يقول علي:

      من يؤمنون بالإسلام لا يتميزون غيظا،لأن فنانا أوكاتبا له رأي مخالف. فقد تعلموا لكم دينكم ولي دين. ولكن السؤال هو:هل يستطيع الفنان أو الكاتب مثلا أن ينتقد السيسي أو أحد أعوانه أو رجل دين غير مسلم .الإجابة معروفة، فالإسلام – وليس الشعراوي- هو الحائط الواطي الذي يقفزعليه هواة الشهرة ومن يكرهون الإسلام. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

  8. يقول حسام الحلاق الدانمارك:

    انا أرى أن من يريد أن يتكلم في الدين أو يناقش في أحكامه أو أن ينتقد شيخا ما سواء من المحدثين أو السابقين ان يكون شيخا أو جهة دينية موثوقة لا أن يفتح الباب على الغارب لكل من هب ودب فكما لا يسمح لأحد أن يتكلم في الطب أو الهندسة أو اي علم آخر إلا لأصحاب الاختصاص كذلك الأمر في الدين ، أما ما نراه اليوم فهو تدخل المذيع والراقصة والممثلة وغيرهم في الفتوى وانتقاد الدين وهذه فوضى غير مقبولة والتحجج بحرية الفكر لا علاقة له بهذا الأمر يجب احترام الاختصاصات ومن لا يعجبه الدين وأحكامه فهو حر بالالتزام بها أو لا ولكن لا يفرض على غيره آرائه أو يشوش عليهم بدون علم

  9. يقول محمود يوسف محمد علي-مصر المحروسه:

    ومازال علمانيوا العرب عامة,ومصر خاصة,يهاجمون الشيخ الشعراوي بلا خجل.يهاجمونه وهم الذين لفظهم وأسقطهم الشارع في كل إنتخابات حره فتحالفوا مع العسكر ليعوضوا سقوطهم المروع كما تحالفوا,سابقاً,مع الغرب ضاربين عرض الحائط بإدعاءتهم السابقه عن التحرر من الغرب ورفض حكم العسكر.شكراً لكم أن فضحتم أنفسكم وكشفتم حقيقتكم عياناً بياناً.

  10. يقول خليل @ عين باء:

    ربما القرون التي خلت من امة العرب و المسلمين كانت افضل بكثير

    كان حينها ممكن نقد الاديب و العالم و السلطان و لا تقوم دنيا او تقعد

    تحياتي

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية