قيمة البشرية

وأخيراً تم قبول الطعن المقدم في المحكمة الدستورية الكويتية بالمادة 198 من قانون الجزاء، التي تجرم «التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور»، حيث ستقوم المحكمة بالفصل في دستورية هذه المادة في نهاية الشهر الجاري. ولقد اقترح هذه المادة أحد النواب الإسلاميين في الكويت في سنة 2007 وهو ذاته مقترح حزمة من القوانين الكارثية، التي تم تمريرها إبان العصر الذهبي للردة الحضارية والانطفاءة التقدمية واستحواذ الإسلام-السياسي على الشارع الكويتي.
لنا أمل كبير في قضاة هيئة المحكمة الدستورية بالحكم بعدم دستورية هذا القانون الكارثي، الذي كلف العديد من الأشخاص الكثير جداً جسدياً ونفسياً، والذي عرضهم لمخاطر جمة واضطهادات عنيفة واعتداءات حقوقية وخيمة، تماماً كما جعلهم عرضة للتقلبات المفاهيمية لرجل الشرطة المنوط به تفسير نص القانون المائع هذا، الذي يفتح باب التفسير الشخصي على مصراعيه. وعوضاً عن مد يد العون النفسي والطبي (لمن يحتاجه من المتسهدفين بهذا القانون أو من العابرين جنسياً)، وتوعية المجتمع بالحالة الفسيولوجية للعبور الجنسي وحقيقتها وطبيعية انتشارها بين البشر والتي تبدأ بنوع من الاضطراب الهوياتي الذي يشير لحدوث صراع داخل الجسد والذهن بحد ذاتهما، بدلاً من تنوير المجتمع بعلمية الحالات هذه وبضرورة قبول أصحابها مجتمعياً كأفراد طبيعيين، تكالب حماة الأمة على أفراد الأمة تكالباً دبر بليل، ليُدَق المسمار الأخير في نعش حقوق وسلامة الأفراد بتواطؤ الحكومة التي مررت القانون دون صعوبات تذكر.
ولا أدري مدى تأثير مقولة أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، على هؤلاء الذين ذاقوا الأمرين، الذين زج بهم في سجون الجنس المخالف لجنسهم تعريضاً لهم لامتهانات واعتداءات لا نود حتى تخيلها. لا بد من تلاحق الأمر سريعاً وتعديله فورياً لإنقاذ ما ومن يمكن إنقاذه، وهذا أملنا في حكم المحكمة الدستورية المرتقب. إلا أن الموضوع لا يقف عند هذا الحد مطلقاً؛ فما يعادل أهمية حكم المحكمة الدستورية هو التنوير ومن ثم التغيير المجتمعي المطلوب، ليسهم المجتمع في حماية، لا اضطهاد، هذه الفئة التي أتت للدنيا بصعوبة لم تخترها ولم تسهم فيها.
أول المطلوب هو توعية الناس، ببساطة ومباشرة، وذلك بتقديم معلومة علمية لهم تبين الفروق العلمية والاجتماعية بين مصطلحات مثل الميول الجنسية، العبور الجندري، العبور الجنسي، المثلية، العبور المظهري وغيرها، مثال على ذلك المعلومة المقدمة في هذا التقرير المنشور من قِبل الهيومان رايتس ووتش
https://www.hrw.org/ar/report/2012/01/16/256284. طبعاً طريق هذا التوضيح بحد ذاته طويل ووعر، فهذه ثورة معلوماتية وعلمية واجتماعية ومفاهيمية وإنسانية لمجموعة من البشر غائرين في مفاهيمهم، متمسكين بها لأقصى حد، حقهم مطلق، ومفاهيمهم متصلبة، وتصنيفاتهم «الجنسية» صارمة وقطعية حيث تبنى عليها كل تبعات حيواتهم ومسؤولياتها.
بعد التوضيح والفهم، ستأتي الخطوة الأصعب، التي تتحقق في التعايش والقبول، وهذه لربما ستبدأ بالحالات الأكثر وضوحاً وقطعية، كالعبور الجنسي وصولاً إلى الحالات الأقل وضوحاً واستيعاباً في العقل العربي للتنوعات الجندرية البشرية. الموضوع صعب جداً على المجتمع البشري عموماً، الذي اعتمد الانقسام الذكوري الأنوثي على أنه لربما أهم تصنيف بشري وأكثرها تأثيراً على كل مناحي الحياة، بل هو ما يرسمها ويحددها من أول أيامها لآخرها، بل وإلى ما بعد ذلك. فكيف سيكون الحال إذن مع هذه المجموعة من المجتمع البشري المتصلبة في مكانها، غير القادرة على مجرد فتح الباب للدراسات الجندرية البيولوجية الحديثة، بل وبعض الدراسات الحضارية التراثية القديمة، التي تشير إلى تعدد التصنيفات الجنسانية والجندرية وحقيقية وجودها منذ فجر ظهور البشرية على سطح هذه الأرض؟ إن هذا التعدد الهوياتي موجود في الواقع بين كل الكائنات الحية بلا استثناء، وهي المعلومة التي يتمسك بعكسها الكارهون وبكامل الجهل والغضب، ليثبتوا خطيئة وضع بيولوجي طبيعي موجود في كل صور الحياة على سطح الأرض.
حان الوقت لأن نتحدى أنفسنا ومفاهيمنا القديمة، و»نقص» بعض الحق من عقولنا. الموضوع يخص شريحة كبيرة من البشر تعاني أبشع أنواع الاضطهاد وبشكل مزمن ومستمر في حياتها كل يوم. المطلوب الآن الاطلاع، والمواجهة، ومحاولة فهم «الآخر» المختلف، الذي عزله المجتمع مع سبق إصرار وترصد، موقعاً عليه كل صنوف التعذيب والتهميش والقمع المجتمعي والقانوني. لا بد للبشرية، حتى تكون الجنس المتحضر الذي يجب أن تكونه على سطح هذه الأرض، من أن تنصف وتحمي بني جنسها بكل تنوعاتهم واختلافاتهم. في هذا الاستيعاب وفي تلك الحماية تكمن قيمة البشرية وتتجلى إمكانية استمرارها… ولو إلى حين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    يوجد في القرآن سبع آيات تتحدث عن “قوم لوط” وهم نفسهم الذين وردوا في الكتاب المقدس ولكنهم معروفون في المسيحية بسكان “سدوم وعمورة” ، وتدميرهم من قبل الله يرتبط بشكل واضح بممارساتهم الجنسية المثلية. في سورة الشعراء: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [26:165] والآية ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [26:166]. وفي سورة الأعراف، الآية: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ﴾ [7:80] والآية : ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ [7:81]
    تنظر مدارس الشريعة الإسلامية والتي تعتمد على أسس قرآنية وأحاديث نبوية إلى أن المثلية الجنسية هي شذوذ جنسي وخروج عن فطرة الإنسان. ويصنف العلماء هذه العلاقة كخطيئة وجريمة يجب أن يحاسب عليها المشارك فيها.
    – ويكيبيديا –

    1. يقول سنتيك اليونان:

      يعتقد الكثيرون ان الله سبحانه وتعالى صب نار غضبه على قوم لوط لممارستهم المثلية …وكان ذالك الفي سنة قبل الميلاد … واليوم وبالرغم من ازدياد المثلية والفحش والرذيلة وقد مر اربعة الاف سنة على هذه الحادثة ولم تتكرر

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    أشكال الشّذوذ الجنسي:
    المثليين
    الأسوياء والمثليين في ذات الوقت
    زنا المحارم
    الشذوذ الجنسي مع الحيوانات
    الشذوذ الجنسي بإستخدام الأدوات
    الشذوذ الجنسي الماسوشي أو المازوخي
    الشذوذ الجنسي السادي
    الشذوذ الجنسي مع الصغار في العمر
    ممارسة الجنس مع كبار السن
    الشّذوذ الجنسي النفسي – السيكولوجي
    – موقع موضوع –

    1. يقول سنتيك اليونان:

      الشذوذ ليس حالة مطلقة بل العكس ما هو شاذ اليوم يصبح غير شاذ غدا ….عادات وتقاليد المجتمع غير مقدسة بل تتطور مع العلم والوقت . الملكة اوليبيا زوجة الملك فيلب المقدوني كانت تستقبل السيد هيفاستيون عشيق ابنها الاسكندر الكبير في منزلها بكل ترحاب كما ان ثيتس والدة البطل اخيل كانت على علاقة طبيعية مع باتروكليس عشيق ابنها

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    قبل ربع قرن كنت منتخب من المحافظة عن الأجانب, وكنا نجتمع مع السياسيين كل أربعة أشهر بفندق بلازا أوسلو!
    كان من ضمن المقترحات لأخذ آرائنا نحن الأجانب تزويج المثليين فعارضت ذلك لأنه ضد الطبيعة لكن البرلمان وافق على التزويج كما يحصل بأمريكا!!
    بعد سنة على هذا القانون طالب هؤلاء الشواذ بتبني الأطفال فرفض البرلمان, عندها طالبت بتبنيهم الأطفال لأنهم بالقانون متزوجين, فقال لي عضو اليمين المتشدد لماذا هذا التبدل بالرأي؟ فأجبته: أنا مع القانون, ثم قلت له: هل تكون سعيداً بإنتشار الشذوذ بالنرويج وبالتالي يقل عددكم ونتكاثر نحن؟ عندها أحس بالخسارة!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سنتيك اليونان:

      المسيو الكروي ….. تحية …..النروج يسمح للمثليين بالتبني منذ عام ٢٠٠٩ على عكس ما تفضلت به

    2. يقول سنتيك اليونان:

      اكثر الاديان السماوية تحرم وتدين المثلية وهذه قوانين يعتقد البعض انها منزلة. اما القول ان المثلية حالة غير طبيعية فقول مردود ولا معنى له لان كل شيء على وجه الارض من صنع الطبيعة …. طبعا هناك من يعتقد بوجود الله وهو صانع وخالق كل شيء في هذه الحالة اقول ربما الله خلق المثليين لحكمة ما ،لا نعلمها لذالك لا سبب للاعتراض الا في حالة رغبة المثلي ان لا يمارسها

  4. يقول سيف كرار... السودان:

    اعتقد هنالك نوعين من التشبه، أولها متعمد والآخر بيولوجي طبيعي،.. الأول مرفوض إسلاميا… والآخر الجناح عليه.. يتبع..

  5. يقول نزار حسين راشد كاتب اردني:

    ظاهرة الجنس الثالث في الكويت والتي تعود إلى سبعينات القرن الماضي واستفحلت وانتشرت كانت بين الجيل الذي ربته الخادمات بدل الأمهات ذلك ان الفورة النفطية أتاحت للمحرومين السابقين والمعانين من شظف الحياة مباهج ومتع جديدة فانشغل الرجال عن نساءهم بالسفرات وانشغلت النساء بالمكياج والتسوق والموضات واستنأجرن الخادمات وفي هذه التربة الاجتماعية نشأ المخنثون والمخنثات.وليس هناك لا أسباب خلقية ولا التباس في الهوية وإنما هذه كلها ذرائع لإباحة المحرمات والتغطية على خطايا وخطيئات التشوه الاجتماعي الذي عانت منه هذه المجتمعات بما اقترفته ايديها وعزوها إلى أسباب كونية وغيبية كلها محض افتراضات وافتراءات..وشكرا.

  6. يقول سنتيك اليونان:

    هناك التباس بين ما هو طبيعي وما هو ممكن … الطبيعة لا تسمح الانسان ان يطير كالعصفور ولا تسمح للرجل ان يحبل ولكن الطبيعة اعطت الانسان الحرية والمقدرة لاستعمال جسده وعقله كما يريد وكما يختار الطبيعة لا تحدد ما يفعل الانسان بفمه فهو يستعمله للاكل والتكلم و للصفير او لاطلاق اصوات موسيقية بالات يخترعها او للتقبيل ….. الامر نفسه لجميع اعضاء ومكونات الانسان لا يوجد قانون طبيعي يحدد ما يفعله الانسان بقدمه او باعضاءه ومكوناته

  7. يقول إبن آكسيل:

    سورة هود ” فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ” رغم مجادلة إبراهيم في مذا ..؟ في ” قوم لوط ” الله يمدح إبراهيم ….؟ هل من متذكر ….؟أم على قلوب أقفالها ….

  8. يقول سيف كرار... السودان:

    في المدينه الفضائيه خارج كوكبنا، لي صديق بيلوجي محترم جدا، يستحق أن يشدو لنا بمجموعه اغاني لكبار الفنانين ، ويطبخ لنا حلة سمك بمهاراته العاليه المكتسبه بيلوجيا وسلامه ياصاحبي الفضائي…

  9. يقول جواد:

    يقيني لو لم تنتطفئ ” تقدمية” الكاتبة في حينها ، و يستدرك المسلمون إسلامهم و أخلاق إسلامهم حينها لكانت الكويت و أي مجتمع في كثافتها السكانية في خبر كان اليوم .. المشكلة أن البعض يريدها ” شقراوية” في كل شيئ ، في تمييع الجندرية ، تطبيع اللوطية ، تحريم التعددية ، تأنيث الذكورية ، استرجال المرأة ، و في تحديد النسل أيضا .. دون أدنى تبصر بعواقب هذا ” التشقير” على تعداد المجتمع و استمراره ، فضلا عن تماسكه و أخلاقه.

    و ما أدري ما سيكون الموقف حينما يطالب المثليان بتبني أطفال غدا ، أو تأجير رحم إمرأة لنطفهم في الكويت لإنجاب أطفال؟ و ما ذنب هذا الطفل و ما سيكون عليه نفسيا و دينيا حينما ينشأ في كنف مثليين و يجد أقرانه من ذكر و أنثى؟

    تضييق منافذ الشذوذ و حصره هو المفترض في أي قانون إنساني مجتمعي .. تطبيعه هو دعوة مفتوحة للشذوذ ، و أكثر من وقع وقع نتيجة هذا التطبيع وليس لهذا السبب البيولوجي أو ذاك !

    قيل: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!

  10. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية للدكتورة ابتهال وللجميع
    هل قال الطب والعلم كلمته في المثلية انها حالة شاذة يمكن معالجتها وهل يجب ان نصدق الكتب المقدسة في قصصها التي لم يثبت علم التاريخ حدوثها قالامر يجب ان يدرس بصورة دقيقة من كل النواحي سواءا اجتماعية او نفسية وجينية ومن ثم نحدد ما هي المثلية

    1. يقول منير الصقري:

      وهل اطلعت على كل كتب التاريخ في الشرق والغرب لكي تقرر انها غير حاصلة؟!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية