منذ رأت بطولة كأس العالم النور قبل اثنين وتسعين عاماً وهي موضع صراع أزلي بين قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية أسفر عن التناوب في معظم النسخ بين القارتين سواءٌ لجهة الفوز باللقب أو استضافة البطولة، مع بعض الاستثناءات القليلة لجهة الضيافة.
المجر وإيطاليا وهولندا والسويد وإسبانيا كلها تقدمت للفيفا بطلب تنظيم كأس العالم الأولى، لكن رئيس الفيفا وقتذاك الفرنسي جول ريميه (الرئيس بين 1931 و1954) قرر منح هذا الشرف للأوروغواي، الدولة الأمريكية الجنوبية الصغيرة التي لا يزيد تعداد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة. وكان السبب الذي دعاه إلى ذلك هو أن الأوروغواي كانت بطلة كرة القدم الأولمبية في دورتي 1924 و1928، وأنها كانت تريد استضافة البطولة ضمن احتفالاتها بمرور 100 عام على استقلالها عن إسبانيا، لذلك بنت خصيصا لذلك الملعب الوطني الجديد في عاصمتها بسعة ثمانين ألف متفرج وأطلقت عليه اسم “المئوي”
(سينتناريو) وبالفعل أقيمت عليه وعلى ملعبي ناديي ناسيونال وبينيارول جميع مباريات البطولة، وتقع الملاعب الثلاثة في العاصمة مونتفيديو. وكان عرضها سخياً لدرجة تصعب مقاومته، حين أعلنت أنها ستستضيف جميع الفرق المشاركة على نفقتها الخاصة.
البداية بالمقاطعة!
احتجاجاً على تجاهل الفيفا لمطالب الأوروبيين بالاستضافة وتفضيل الأوروغواي عليهم قاطعت الدول الخمس البطولة الأولى ولم تشارك فيها سوى أربعة منتخبات أوروبية هي فرنسا ورومانيا و بلجيكا ويوغوسلافيا. والأخيرة سلكت طريقا بحريا مختلفا عن نظيراتها الثلاث التي جاءت من أوروبا على متن السفينة “كونت فيردي” في رحلة دامت ثلاثة أسابيع، وفازت الأوروغواي بلقب البطولة بتغلبها على الأرجنتين في النهائي 4/2.
المعاملة بالمثل
عندما استضافت إيطاليا البطولة الثانية عام 1934 ردت الأوروغواي الصاع للأوروبيين فتغيبت عن النسخة الثانية، وهكذا خلت البطولة لأول مرة في تاريخها من حامل اللقب الذي تغيب عن الدفاع عن لقبه الذي أحرزته إيطاليا بفوزها في النهائي على تشيكوسلوفاكيا 4/2. لتتساوى القارتان. وفي فرنسا 1938 جرت البطولة الثالثة وفيها أصبحت إيطاليا اول منتخب يدافع عن لقبه ويفوز بالكأس للمرة الثانية على التوالي بعد التغلب على المجر 4/2 ثم توقفت البطولة طيلة اثني عشر عاماً بسبب الحرب العالمية الثانية وكانت “النتيجة” 2/1 لصالح أوروبا في عدد الألقاب وعدد مرات الضيافة .
وفي 1950 عادت البطولة وأقيمت هذه المرة في البرازيل التي خسرت المباراة النهائية في استاد “ماراكانا” الشهير أمام الأوروغواي التي فازت 2/1وأحرزت لقبها الثاني وتساوت القارتان بلقبين وضيافتين. وفي 1954 جرت البطولة الخامسة في سويسرا وتوجت ألمانيا الغربية بلقبها لأول مرة بعد فوزها على المجر 3/2 ليتقدم الأوروبيون من جديد ألقاباً وتنظيماً بحصيلة 3/2 تماماً مثل نتيجة المباراة النهائية! وفي 1958 بقيت البطولة في أوروبا من خلال السويد لكن البرازيل أحرزت لقبها الأول وكان خارج قارتها بالفوز على السويد المضيفة في المباراة النهائية 5/2 بفضل تألق الفتى اليافع بيليه، لتتقدم أوروبا تنظيماً بأربع مرات لاثنتين وتتساوى القارتان ألقاباً بواقع 3/3.
من جديد
وفي 1962 استضافت تشيلي البطولة السابعة وحافظت البرازيل على لقبها كما فعلت إيطاليا من قبل بعد الفوز النهائي على تشيكوسلوفاكيا 3/1 لتتقدم أمريكا الجنوبية في مجموع الألقاب بواقع 4/3 وتحتفظ أوروبا بتفوقها التنظيمي بواقع 4/3 أيضاً. وفي 1966 استضافت إنكلترا البطولة العالمية الأهم وفازت بلقبها عقب تغلبها على ألمانيا الغربية 4/2، لتتعزز حصيلة أوروبا التنظيمية بواقع 5 مرات مقابل 3 للأمريكيين وتتساوى القارتان على صعيد الألقاب بنتيجة 4/4. وفي 1970 استضافت المكسيك البطولة ورغم أنها في منطقة الكونكاكاف إلا أنها حُسِبت على أمريكا الجنوبية وفيها احتفظت البرازيل بكأس جول ريميه نهائياً لفوزها في النهائي على إيطاليا 4/1 لتظل أوروبا متقدمة تنظيما 5/4 وتتقدم أمريكا الجنوبية ألقاباً بواقع 5/4. وفي 1974 استضافت ألمانيا الغربية البطولة وفازت بلقبها الثاني على حساب هولندا 2/1 لتتعادل القارتان في مجموع الألقاب 5/5 وتتقدم أوروبا بعدد مرات الضيافة 6/4. وبطولة 1978 استضافتها الأرجنتين وتمكنت بعد 48 عاماً من خسارة النهائي الأول من إحراز الكأس أمام هولندا بنتيجة 3/1، لترفع حصيلة ألقاب الأمريكيين الجنوبيين إلى 6/5 وبنفس الحصيلة استمر تقدم الأوربيين لجهة عدد مرات الضيافة .
إسبانيا وإيطاليا
في 1982 استضافت إسبانيا البطولة بعدما أصبح عدد فرقها 24 منتخباً، وتمكنت إيطاليا من الفوز على ألمانيا 3/1 لتحقق ثالث ألقابها وسادس ألقاب أوروبا التي تعادلت 6/6كؤوساً وتقدمت 7/5 تنظيماً على أمريكا الجنوبية. وللمرة الثانية استضافت المكسيك البطولة عام 1986 وفازت الأرجنتين مع مارادونا بلقبها الثاني إثر فوزها على ألمانيا الغربية 3/2 لتتقدم أميركا الجنوبية ألقاباً 7/6 وأوروبا في عدد مرات التنظيم والاستضافة 7/6 أيضاً.
بطولة 1990 جرت على الأراضي الإيطالية للمرة الثانية وتمكنت ألمانيا من إحراز لقبها الثالث بالفوز على الأرجنتين 1/0 وكان الفوز الأوروبي السابع والمتعادل باللقب، والمرة الثامنة في عدد مرات الضيافة مقابل ست مرات للقارة الأمريكية. وفي 1994 استضافت الولايات المتحدة نهائيات البطولة التي أحرزت البرازيل لقبها بعد الفوز على إيطاليا بركلات الترجيح 3/2 (انتهت المباراة بالتعادل السلبي) لتتقدم أمريكا الجنوبية مجدداً في ألقابها بواقع 8/7 بينما احتفظ الأوروبيون بتقدمهم التنظيمي بواقع 8/7 أيضا. وفي 1998 جرت البطولة للمرة الثانية في فرنسا بعدما أصبح عدد فرقها 32 وتمكن منتخب فرنسا من إحراز لقبه الأول بالتفوق على البرازيل 3/0 لتزيد حجم الضيافة الأوروبية إلى 9/7 وتتساوى ألقاب القارتين عند 8/8 مع نهاية القرن العشرين بعدما أصبحت فرنسا هي آخر دولة مضيفة تنجح في الفوز بالكأس!
أولى بطولات القرن الحادي والعشرين جرت في آسيا عام 2002 وتحديداً في كوريا الجنوبية واليابان حيث فازت البرازيل بلقبها القياسي الخامس بعد الانتصار على ألمانيا 2/0 بفضل رونالدو لتصبح الألقاب 9/8 لأمريكا الجنوبية وتبقى مرات التنظيم عند 9/7 للأوروبيين.
ألمانيا وإيطاليا
في 2006 استضافت ألمانيا نهائيات البطولة التي شهدت تتويج إيطاليا بلقبها الرابع بركلات الترجيح (5/3) على حساب فرنسا بعد التعادل الايجابي (1/1) في الوقتين الأصلي والإضافي لترتفع حصيلة الضيافة الأوروبية إلى 01/7 وتتساوى ألقاب القارتين عند 9/9. وفي 2010 غدت جنوب أفريقيا أول دولة أفريقية تستضيف البطولة لتبقى أوروبا متقدمة في عدد مرات التنظيم عند 7/10بينما فازت إسبانيا بلقبها الأول بفوزها على هولندا 1/0 لتتقدم القارة الأوروبية ألقاباً بواقع 9/10 وهي أول مرة يتقدم فيها الأوروبيون في مجموع الألقاب منذ بطولة 1938!
البرازيل من جديد
وفي 2014 استضافت البرازيل البطولة لثاني مرة وفشلت من جديد في إحراز اللقب على أرضها رغم أنها صاحبة الرقم القياسي في عدد مرات الفوز! لقد فازت ألمانيا بكأسها الرابعة بتغلبها على الأرجنتين 1/0، لتصبح حصيلة الضيافة 8/10للأوروبيين، والألقاب 11/9 لمصلحة أوروبا أيضاً! وفي 2018 جرت البطولة الحادية والعشرون وفيها تمكن الفرنسيون من إحراز لقبهم الثاني أمام كرواتيا بواقع 4/2 لتصبح ألقاب أوروبا 12 مقابل 9 لأمريكا الجنوبية وكذلك عدد مرات الضيافة 11 للأوروبيين مقابل 8 للأمريكيين الجنوبيين. ورقم الضيافة لن يتغير في قطر 2022 لكن رقم الألقاب سيتم تعديله لأن المنافسة ستبقى في المستقبل المنظور محصورة بين القارتين الأوروبية والأمريكية الجنوبية، فهل سيعزز الأوروبيون تفوقهم أم ينجح أقرانهم في تضييق المسافة بعد عشرين عاماً من آخر فوزٍ أمريكي جنوبي في المباراة النهائية؟
أسابيع قليلة تفصلنا عن معرفة ذلك!