كان الأسبوع الماضي ساخناً ومزدحما في الأحداث المثيرة، التي بدأت بأزمة مطربي المهرجانات وتطوير التلفزيون المصري، واعترافات رئيس المجلس الأعلى للإعلام عبر شاشة قناة “صدى البلد” بتكميم الأفواه، وانتهى بجنازة الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي مات أخيراً، مروراً بأزمة “باص نادي الزمالك”، وعدم تمكنه من الوصول إلى الاستاد، بسبب هطول الأمطار، إذ غرقت القاهرة وعدد من المدن في شبر ماء، وكلما سقطت الأمطار تبدى فشل النظام الحاكم للناظرين، ومع هذا فلم تكن الأمطار هي السبب في عدم وصول “الباص” إلى مثواه الأخير، الذي وصل إليه مبارك، في جنازة عسكرية، سبقتها صلاة الجنازة، التي لم تُنقل على الهواء مباشرة، كما هي العادة، لأن السيسي لم يحضر الصلاة، ربما لاعتقاده أن الفقيد مات مديونا للشعب المصري، وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يسأل إن كان على المتوفي دين؟ فإن كان عليه دين، امتنع عن الصلاة عليه، وترك أصحابه للقيام بالمهمة، وصاحبهم وضع نفسه في مقام النبوة، منذ أن ذكر الآية الكريمة: “ففهمناها سليمان..”، وألمح بذاته إلى ذاته!
وكان من الواضح لمن تابع القنوات التلفزيونية المصرية، التي نقلت مراسم تشييع جنازة الرئيس مبارك، أن التعليمات كانت واضحة، بالتركيز على عبد الفتاح السيسي ودوره الرائد المتمثل في رد الاعتبار للرئيس السابق؛ بحضوره تشييع جنازته، وأيضاً في إقامة جنازة عسكرية له، اعترافا بدوره في “حرب أكتوبر”، وتأكيداً على انحياز القوات المسلحة لواحد من أبنائها، وكأني أنا من أصدر قرار القبض على مبارك ونجليه، وأوشك أن يسجن زوجته لولا تدخل شخصية نسائية خليجية لوقف قرار حبسها أربعة أيام، وكأن القرار لم يصدر بتوجيه من المجلس العسكري، الذي فعل هذا برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، والذي كان السيسي عضواً فيه أيضاً.
لقد ترك المعلقون مبارك، وانطلقوا يشيدون بالسيسي، وعندما يذكرون مناقب الرئيس السابق، يكون هذا مدخلاً للإشادة بدور الرئيس الحالي في رد الاعتبار اليه، وكان طبيعيا بسبب هذا التركيز أن ترتكب أخطاء، فهل حدث فعلا أن قال أحد المذيعين بوصول جثمان الرئيس الراحل عبد الفتاح السيسي؟!
أزمة منتهى الرمحي
لقد قيل هذا، ونفى التلفزيون المصري أن يكون قد ارتكب هذا الخطأ، ولم أكن مشغولاً في هذه اللحظة التاريخية من عمر الأمة، بمتابعة القنوات التلفزيونية المصرية، فقد كانت روحي معلقة بقناة “العربية كوميدي”، في ترقب حضور مذيعتها “منتهى الرمحي”، بعد الرد المنطقي على رسالة زميلها “محمد العرب”، مراسل القناة من مطار مأرب الدولي، الذي تشييده المملكة العربية السعودية، ضمن خطتها الرائدة في إعمار اليمن، ولأنه كان يشير في كلامه عن المطار الدولي لصحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، فقد نسفت منتهى الرمحي هذه الدعاية بسلاح أرض – جو، تمثل في وصلة ضحك منعتها من قراءة نشرة الأخبار، ليكون هذا هو الحدث الأهم في تاريخها المهني.
لم تظهر من يومها إلى الآن، وعلمت أنه تم ايقافها “تكديراً” لمدة أسبوعين، وظني أنها لن تكون العقوبة الأولى، فإذا أمنوا في “العربية كوميدي”، أنها لن تعود لـ “الجزيرة”، فقد يستغنون عن خدماتها كلية، لأنها بددت شمل دعاية الباب العالي في الرياض، وجعلت منها هشيما تذروه الرياح، وواحداً من أفلام الكارتون.
ولانشغالي بالمستقبل الوظيفي لها، فلن أتمكن من الوقوف على صحة ما تردد على نطاق واسع من أن مراسل قناة “النيل”، قد ذكر فعلا وصول جثمان فقيد الأمة عبد الفتاح السيسي، والذي اعتبره الناس “بشرة خير”، ومأساة حقيقية أن يكون طلب موتك رغبة جماهيرية جارفة، سواء وقع الخطأ من المراسل، أو لم يقع، والذي كان مراسلا للقناة الأولى في الوقت نفسه، ليكشف هذا عن تجليات خطة تطوير التلفزيون المصري، حيث تقوم على “توفير النفقات”، فبدلاً من أن يكون لكل قناة مراسل ينقل لها، فليكن الناقل مراسلا واحدا، وهو أمر لم يحدث حتى عندما صارت قناة “النيل للأخبار” تحت الاشراف المباشر لقطاع الأخبار في التلفزيون المصري، وإلا فما معنى تعدد القنوات؟!
أعلم أنه لو كان الأمر بيد السيسي، لعاد لزمن القناتين الأولى والثانية فقط، حيث ينتهي البث في منتصف الليل، كمرحلة أولى، تتبعها المرحلة المهمة وهي انهاء وجود التلفزيون المصري ذاته، والتخلص من هذا العدد الضخم من العمالة (أكثر من 40 ألف موظف) ولباع هذا المبنى العريق (ماسبيرو)، ولعله باعه ضمن مثلث ماسبيرو، الذي يوقع فيه للراعي الإماراتي، وفي انتظار الفرصة المناسبة لإعلان الصفقة، ومن هنا أسند مهمة تطوير التلفزيون لما يسمى بالشركة المتحدة، التابعة لما يسمى بشركة اعلام المصريين، وهي شركة أسسها عبد الفتاح السيسي نفسه للاستحواذ على وسائل الاعلام، والتصرف فيها تصرف المالك فيما يملك!
غياب القادة العرب
في المناسبة، لماذا لم يشارك أهل الحكم في الإمارات في جنازة الرئيس مبارك، ولماذا غاب عنها قادة دول الحصار، بما لهم من علاقة جيدة بمبارك، وبما يحملون من عداء معلن للثورة التي أطاحت به، وبما يمثل نكاية في الربيع العربي؟!
وإذا امتنعت هذه الدول عن الحضور لأسباب تخصها، فهل يعقل أن يمتنع أولياء الأمر في الكويت، وهم لهم وضع خاص في علاقتهم بمبارك، لم يدفع بالثورة أن تضع الكويت على قائمة الأعداء، مثلما حدث مع السعودية، والتي جرى التظاهر أمام سفارتها واقتحامها من قبل الثوار لا سيما بعد واقعة اعتقال طيب مصري يعمل في المملكة، وكان الانحياز الكويتي لمبارك مبرراً ومفهوما، وتم – لهذا – وضع فكرة وفد المحامين الكويتيين للدفاع عن مبارك في اطاره، فالكويت البلد الوحيد الذي حضر منها محامون في محاكمة مبارك، وتفهمت الثورة لذلك فمبارك كان له دور مهم في معركة تحرير الكويت.
فهل كان منع الحضور من السيسي ذاته؟! لأنه لم يشأ لها أن تكون جنازة ضخمة، ولإدراكه الفطري أن كل ما يضيف لمبارك يخصم منه حتى بدون ذكره، وإذا كان التلفزيون المصري لم يخطئ بذكر أن الجثمان الذي حضر هو لشخص الرئيس الراحل عبد الفتاح السيسي، فإن هناك أخطاء أخرى تمت بحسن نية، وسلامة طوية، وإن بدت كما لو كانت هجوماً مبطناً على عبد الفتاح السيسي، المؤكد أنها بدون قصد!
الكلام لكي يا جارة
فعندما تُذكر عظيم خصال مبارك، فإن الكلام لكي يا جارة، كما يقول المثل المصري، فإذا قيل الرجل الذي حارب العدو، فالسيسي صار صديقاً لهذا العدو، وإنما يقال إنه قائد عسكري شارك في الحروب، فنحن أمام قائد عسكري رأى الحروب فيديو في فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي”!
يقول المذيع أو الضيف في ذكر مناقب مبارك إنه الرجل الذي دافع عن التراب الوطني ولم يفرط في الأرض المصرية، فيحضر السيسي وتحضر جزيرتا تيران وصنافير اللتان تم التفريط فيهما لصالح المملكة العربية السعودية، رغم حكم قضائي هو عنوان الحقيقة يقول إن الجزيرتين مصريتان.
وعندما يقول المذيع أو الضيف إنه يكفي مبارك فخراً أنه أحد قادة حرب أكتوبر، وعظمة القادة العسكريين في مشاركتهم في هذه الحرب، فصاحبهم لم يشارك فيها، وإذا كانت المشاركة إنجازا يعطي صاحبة قيمة مضافة، فإنه يفيد إثنين من العسكريين يمثلان بديلا معتبراً للدولة العسكرية الأول هو الفريق سامي عنان (سجنه السيسي وهو الآن رهن التحفظ)، والثاني هو الفريق أحمد شفيق، الذي يناصبه السيسي العداء، ولدرجة أن وائل الابراشي الذي استقبل مكالمة منه عبر برنامجه على قناة “دريم”، أوقف عن العمل، ليعود مرة أخرى لكن بعد أن رأى العين الحمراء!
وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى أزمة تطوير التلفزيون، فالشركة العسكرية التي أوكلوا لها الأمر، تمخطت فولدت فأراً ميتاً، فأهم ملمح في التطوير هو برنامج جديد، يقدمه وائل الإبراشي تحت شعار “احنا التلفزيون المصري”، وكل الفرقة التي تقف وراء هذه البرنامج بما فيها الشركة المتحدة ليست هي التلفزيون المصري!
ثم تكون الحلقة الأولى كاشفة عن “الخيبة الثقيلة”، فقد كانت البداية في استضافة ممثل هو عنوان لمرحلة الانحطاط في كل شيء، ولتكشف هذه الاستضافة عن من يقف وراء حملة الإلهاء في موضوع مطربي المهرجانات، فنقابة الموسيقيين قررت منع محمد رمضان من الغناء تحت عنوان المحافظة على الفن المصري، وفي هذه الاستضافة تأكيد على استمرار السلطة الحاكمة في حمايته وفرضه على الناس، وهو الذي يحضر في الصفوف الأولى مؤتمرات السيسي، فهل يعقل أن تتجرأ النقابة وتوقفه عن العمل، إلا إذا كان هذا من باب الإلهاء، وتكريس نجوميته، استعدادا لمسلسل “البرنس” الذي سيعرض في شهر رمضان والذي أنتجته الشركة التي تحتكر سوق الدراما والاعلام الآن، والتي تقوم بتطوير التلفزيون، لتكون استضافته في الحلقة الأولى من برنامج “وائل” بعد الدعاية المكثفة له، وكأنهم سيحررون عكا به!
فمن أوكل مهمة تطوير التلفزيون للشركة المتحدة؟ وما هي سابقة أعمال هذه الشركة وكل القنوات التي اشترتها فشلت؟
إننا نعيش الطبعة الأكثر رداءة من حكم العسكر.
صحافي من مصر
إلى متى يصبر الشعب المصري على الظلم والقهر؟ لقد تم قهر الجميع بلا تمييز بين مؤيد ومُعارض!! ولا حول ولا قوة الا بالله
في أي تجمع أو مؤتمر يحضره السيسي إلا ويستغله لكي يكون هو النجم الأول حيث تسلط عليه الكاميرا وهو يلقي كلمة أو يخطب خطبة عصماء حتى جنازة مبارك التي لم يصلي في جنازتها لم يفوتها السيسي كي يتصدر الواجهة مانعا ممن يحبون مبارك من الشعب المصري على تشييع جنازته مخافة أن تطفوا أمواجا بشرية تعد بالملايين وهو ما لا يريده من هذا الإستفتاء إن جاز التعبير لأنه سيعرف قدره وحجمه ولهذا أراد للجنازة أن تكون عسكرية خالصة حتى لا يبدو قزما لا يساوي شيء أمام مبارك رغم أن الأخير له ما له وعليه ما عليه وأمام الشهيد مرسي الذي دفن تحت جنح الليل بعد خروجه من السجن جثة هامدة لكن روح الفقيد شيعت جنازته من كل مسلمي بقاع العالم بصلاة الغائب رغم كيد الكائدين ودليل ساطع على حب هؤلاء للشهيد.