كارلوس غصن من إمبراطورية السيارات إلى سجون اليابان

حجم الخط
0

طوكيو: كان كارلوس غصن يترأس أكبر تحالف في قطاع السيارات في العالم وهو يسعى اليوم إلى إثبات براءته للخروج من سجنه في اليابان بعد أن خسر كل شيء خلال شهرين.

الجشع هو الذي أودى به، يقول منتقدوه، أما هو فيصر على أنه ضحية التآمر والخيانة.

وها هو الرئيس التنفيذي المتسلط والقوي يُجرد من جميع ألقابه، لدى نيسان أولاً حيث سطر إنجازاته الأسطورية، ثم في ميتسوبيشي موتورز، حيث أكمل حلم أن يصبح رئيس الشركة الأولى في القطاع، وأخيراً لدى رينو، التي استقال منها الأسبوع الماضي.

ومن سجنه حيث يواصل معركته، أجرى مقابلة الخميس مع وكالة فرانس برس وصحيفة “ليزيكو” اليومية انتقد فيها احتجازه الطويل، قائلا إن رفض الإفراج عنه بكفالة “كان سيكون أمرأً غير مألوف في أي ديموقراطية أخرى”.

يمكن اختصار حياة غصن بكلمة واحدة: العولمة. وقال في حديث عن حياته الشخصية لصحيفة “نيكاي” التي تهتم بأوساط الأعمال في اليابان، “جدي كان لبنانياً هاجر إلى البرازيل حيث ولدت، لكنني أمضيت شبابي وسنوات دراستي الثانوية في لبنان قبل أن أسافر للدراسة في فرنسا التي اكتسبت جنسيتها. وعشت في الولايات المتحدة سنوات عديدة” قبل مجيئه للعمل في اليابان التي يقول عنها إنها “بلد مدهش تعلمت منه الكثير وبات جزءاً من هويتي”.

– طائرة جت ولوحة واحدة –

كارلوس غصن الذي كان في سفر دائم، قال أمام المحكمة “كنتُ أعمل ليل نهار، في الجو وعلى الأرض”. كان ينتقل بين باريس وريو وبيروت وطوكيو على متن طائرة خاصة من نيسان، كان يتم استبدالها مع الاحتفاظ بلوحة التسجيل بدون تغيير الأرقام نفسها “ن 155 أ ن”.

وقال لصحيفة “نيكاي” إن “هذا النمط من الحياة يؤثر عليك، جسدياً واجتماعياً”.

ولد كارلوس غصن بشارة في التاسع من آذار/مارس 1954 في بورتو فيلهو، وشارف على الموت في سن الثانية بعد أن شرب مياهاً غير صالحة للشرب، وحفاظاً على صحته قررت عائلته العودة للعيش في لبنان حيث نشأ في بيئة “متعددة الثقافات”، في مدرسة للآباء اليسوعيين يدرس فيها أساتذة فرنسيون ولبنانيون وسوريون ومصريون.

يصف نفسه بأنه “طالب متمرد”، فيقول “كان لدي الكثير من الطاقة وكنت أبحث دائماً عن وسيلة لتصريفها”. نال شهادته الثانوية في فرنسا، ودخل كلية البوليتكنيك في سن العشرين. بعد أربع سنوات، عمل في شركة ميشلان حيث حقق نجاحاً مهنياً باهراً ولا سيما في مجال خفض كلفة الانتاج، ثم انضم إلى رينو في 1996. هنا أيضاً، أقبل على العمل بنهم، فكان يبدأ يومه باكراً ويكد في عمله. ثم في عام 1999، بحثت المجموعة عن شريك وتحالفت مع نيسان.

وقال “كنت حريصاً على احترام تقاليد الثقافة اليابانية. خلال الاجتماع العام للمساهمين، تعلمت كيف أنحني بزاوية 30 و60 درجة. ولكني أتيت من أجل هدف واحد: أن أجعل الشركة الخاسرة تقف مجدداً على قدميها”.

– فرساي وشعلة أولمبية وطابع بريدي –

أصر غصن على أن تقدم نيسان الكثير من “التضحيات” التي أدت إلى إلغاء خمسة مصانع وصرف 20 ألف عامل. وبعد انتهاء “شهر العسل” مع الشركة التي “كرَّمته تكريم الأبطال”، بدأ تسلطه يثير الاستياء والغضب، وفقا لموظفي المجموعة.

وازداد الاستياء عندما أصبح كذلك الرئيس التنفيذي لشركة رينو في عام 2005، وهو جمع غير مسبوق للسلطة في قائمة فورتشن، التي تعد سنويا قائمة بأكبر 500 شركة عالمية من حيث رقم الأعمال.

وأضاف إلى جعبته منصباً ثالثاً في عام 2017 من خلال توليه رئاسة مجلس إدارة شركة ميتسوبيشي موتورز، ما ادى الى تراكم إضافي لمداخيله السنوية التي تعد بالملايين. لكنه يقول إن هذا كان مجرد مكافأة منصفة لأدائه الذي جعل كبار مصنعي السيارات يتقربون منه عارضين عليه أجوراً أعلى.

وفي سياق صعوده، ومراكمته للسلطات الذي ربما كان سبب سقوطه، كان رجل الأعمال الفذ يكون صداقات “على أعلى مستوى” كما قال للصحيفة اليابانية. وعدا عن منتدى دافوس، كان يحب حضور مهرجان كان. وهو أقام حفل استقبال فخم في قصر فرساي في خريف 2016 مع ممثلين ارتدوا أزياء من أيام الملكية.

وفي البرازيل، كُرم بحمل الشعلة الأولمبية بمناسبة الألعاب الأولمبية في ريو، وفي لبنان صُمم طابع بريدي عليه صورته.

– “ماذا سأفعل بعد ذلك؟” –

وعن اتهامه بالجشع، يجيب أن اهتمامه كان ينصب في المقام الأول على عائلته، من هنا رغبته في ضمان دخل ثابت بأسلوب نزيه. وهذه إحدى الحجج التي ساقها في 8 كانون الثاني/يناير أمام المحكمة اليابانية، وقد بدا هزيلاً والقيود في يديه.

وإذ تحدثت زوجته السابقة ريتا بكلام قاسٍ عنه للصحافة اليابانية بعد طلاقهما، فإن أولاده الأربعة يبدون إعجاباً كبيراً به.

وأكد ابنه في مقابلة أجريت معه مؤخراً، “قد يكون رئيسا قاسياً، ففي حياته المهنية لا يسعى إلى إرضاء الجميع. ولكنه في حياته الشخصية مختلف تماماً، وأكثر أهمية. إنه رجل أمين ومخلص وبسيط جداً”.

في سنة 2017، كتب كارلوس غصن: “ماذا سأفعل بعد ذلك؟ سأقضي الوقت مع أطفالي وأحفادي. سأدرس وأعمل مستشاراً لدى الشركات والمؤسسات”. ولكن “الرياح تجري بما لا تشتهي السفن” هذا ما قاله حينها، بدون أن يتخيل نفسه في زنزانة. (أ ف ب)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية