ها أن الأيام تكشف كم أننا كنا واهمين عندما كنا ننادي بأن يقتدي النظام الإقليمي العربي، في بنائه وطريقة عمله وتوجيهاته، بمشروع الاتحاد الأوروبي. فقد بينت مجريات الأمور في أوكرانيا، على سبيل المثال، أن بناء الاتحاد يفتقر إلى الإرادة السياسية الحرة المستقلة المشتركة، وأن طريقة عمله تهيمن عليها مصالح السيادات الوطنية المتصارعة بين هذه الدول الأعضاء أو تلك، وأن توجيهاته وقرارته محكومة بإملاءات المصالح الأمريكية وبألاعيب الدولة الأمريكية العميقة بعيدة المدى.
وإذن فالاقتداء بالاتحاد الأوروبي ما كان ليقود إلى تحرير الإرادة السياسية العربية المستقلة المشتركة، وما كان ليعلم العرب مبدأ إعطاء السيادة العربية المشتركة أولوية تعلو على السيادات القطرية الوطنية، وما كان ليشجع العرب على تجميع شجاعتهم المشتركة لرفض استباحة أمريكا الاستعمارية وحليفتها الصهيونية لساحات السياسة والاقتصاد والأمن، القومية العربية.
نهوضنا يجب أن ينطلق من ويرتبط بتاريخنا وتراثنا وتجارب أمتنا وسلوكيات شعوبنا وأنظمة وثقافة مجتمعاتنا العربية، بعد إصلاح ما فيها مما يحتاج للإصلاح
وهكذا، وللمرة الألف، ينكشف لهذه الأمة أن إصرارها على ربط نهوضها بالاقتداء بالطرق التي سلكها ويسلكها الآخرون الغربيون لم يقد، ولن يقود، إلا لمزيد من الأوهام ومشاعر اليأس والقنوط. ذلك أن نهوض هذه الأمة، فكراً ومساراً، يكمن أولاً في تحرر وإبداع الذات وتخلصها نهائياً من الشعور بالنقص أمام الآخرين. ثم إن فكر وأفعال الآخرين وتحقق نهوضهم مرتبط بسلسلة من تاريخهم وتراثهم وتجارب أممهم وسلوكيات شعوبهم وأنظمة وثقافة مجتمعاتهم، وبالتالي يمكن الاستفادة من دروسها، ولكن لا يمكن عيشها بكل تفاصيلها. وكذا الأمر معنا: فنهوضنا يجب أن ينطلق من ويرتبط بتاريخنا وتراثنا وتجارب أمتنا وسلوكيات شعوبنا وأنظمة وثقافة مجتمعاتنا العربية، بعد إصلاح ما فيها مما يحتاج للإصلاح، من أجل أن يضاف إليها ما يجب أن يضاف، ولكن من دون أدنى ذرة من عقد مشاعر النقص الفكرية والنفسية والروحية، التي تشوه الذات وتمنع تفجر الإبداع وممارسة حرية الاستقلال الفكري والسلوكي والتنظيمي المتوازن في الحياة العربية. نقول ذلك لتذكير بعض الإعلاميين والكتاب العرب، الذين لا يرون في أحداث العالم إلا سطحها، وفي صانعي تلك الأحداث إلا الانبهار بكلماتهم المنمقة، بأن مدح الآخرين الدائم، وذم أحلام وآمال أمتهم الدائم يحتاجان إلى مراجعة معمقة بعد أن بيّن الكثير من أحداث الأمس واليوم كم كنا مخدوعين ومخدرين. فالآخرون دمروا البيئة باسم السيطرة العلمية على الطبيعة، ومارسوا أبشع أنواع الاستعمار الاستغلالي الاستعلائي باسم تمدين البشرية، وقدموا مصالح دولهم الوطنية على كل قيمة إنسانية وأخلاقية، واستعملوا كل تقدم علمي وتكنولوجي لخدمة مطامع وأنانيات أصحاب الثروات والجاه والهيمنة، وفجّروا الحروب العالمية والصراعات المحلية، باسم حريات وحقوق وسيادات كاذبة ووعود ملفقة. ويكشف تاريخهم الموضوعي قصصاً وممارسات يندى لها الجبين وينبئ مستقبل حضارتهم بمجيء أهوال تقشعر لها الأبدان والعقول. ومع ذلك لدينا من يبرر كل تلك المشاهد الغربية باسم ضرورات التقدم الإنساني، ويصنف كل من لديه أي تحفظ تجاه هذا الفكر أو تلك الممارسة بأنه سلفي تراثي غير حداثي. وقد رأينا مؤخراً بعضاً من هؤلاء يقبلون الممارسات الصهيونية الاستعمارية الإجرامية الدموية تجاه الشعب الفلسطيني، وسرقة الأرض الممنهجة لكل فلسطين كنوع من ممارستهم للبراغماتية الغربية الشهيرة التي ترى وجهين لعذابات الفلسطينيين ولكل الجرائم المرتكبة بحقهم، تماماً كما فعل الغرب عبر سبعين سنة بالموضوع الفلسطيني، من دون حياء ولا خجل.
بناء فهم وقيم وموازين الذات والتركيز عليها وإعطاؤها الأولوية، يجب أن يتقدم على الأوهام بأننا، نحن العرب، في حالتنا المزرية الحالية، نستطيع أن ندخل كأطراف فاعلة في صراعات أوكرانيا، وخلافات تايوان، واستقلال أوروبا عن روسيا، وجنون التنافس الاقتصادي والأمني، بين الدول الكبرى، والكتل الناشئة والكتل القديمة.
السؤال الذي نطرحه اليوم بمناسبة انعقاد القمة العربية في الجزائر الشقيقة: هل سيعي المجتمعون هذا الانجلاء الصادم للأوهام التي طال أمد العيش تحت سحرها؟
كاتب بحريني
صدقت في النقطة الاولى بانه يجب علينا الاعتماد غلى ما لدينا وان نصلح مايجب اصلاحه واضاقة ما يجب اضافته وبخصوص الجامعة العربية فانها ليسن مؤهلة لا للاصلاح ولا للاضافة