إن تتبع التقاليد وما مرّت به من نشأة وتحول ورسوخ، ثم دراسة الكيفيات التي بها تمت أقلمة تلك التقاليد في السرد الأوروبي، بعد أن تغلغلت فيه، وما طرأ عليها من تحوّل هو ما يثيره كتاب «الأقلمة السردية: مخابرها الغربية ـ مناشئها الشرقية» لنادية هناوي، والصادر مؤخرا عن مؤسسة أبجد للترجمة والتوزيع والنشر.
وتندرج أطروحة الكتاب في إطار دراسات الأقلمة في محاولة من المؤلفة إلى الخوض في مثل هذا النوع من الدراسات. تقول في المقدمة: (إن النقد العربي المعاصر توجه بشكل قوي نحو الدراسات البنيوية وما بعد البنيوية والدراسات الثقافية، فلم يول دراسات التعدد الاختصاصي ودراسات الأقلمة أهمية كافية، ليس لأن دراستها تحتاج منه تعددا وتعابرا وتداخلا ما بين العلوم الإنسانية، بل هي نزعته الاتباعية للنقد الغربي، فضلا عما تفرضه المناهج النقدية من توجيه الجهد الفكري نحو جزئيات إبداعية لا تغطي ما في المرويات العربية القديمة من كلية معرفية). ويحتل جنس الرواية مكانا مهما من هذا الكتاب بكل ما يتصل به من تقاليد وتفسيرات، وما قدمه منظرو السرد من مفاهيم، بها وجّهوا أجناسية الرواية توجيها نقديا خاصا، بدءاً من مطلع القرن العشرين وانتهاءً عند العقدين الأولين من هذا القرن.
ويشتمل الكتاب على بابين: يتتبع الباب الأول مخابر السرد ما بعد الكلاسيكي في الغرب وبثلاثة فصول؛ أولا: المرجعيات وثانيا: التوسيعات عند كل من ديفيد هيرمان وبراين ريتشاردسون وبيو شانغ ومونيكا فلودرنك وجون زنغ وغيرهم، وثالثا: التباسات الاستبدال أو الميتالبسيس والسارد والمسرود له وغير المسرود. ويدرس الباب الثاني المناشئ الشرقية للسرد العربي القديم، في أربعة فصول يهتم الفصل الأول بمشاعية التقاليد والمتمثلة في أحادية التأليف والنزوع الوجداني والقاعدة الكلية والقالب التام والغاية التثقيفية. ويتناول الفصل الثاني انتقال التقاليد من خلال ثلاثة مباحث: يدور الأول حول اللاواقعية، ويتتبع المبحث الثاني تغلغل تقاليد السرد القديم في السرد الأوروبي الحديث ويدرس المبحث الثالث تغلغل التقاليد في السرد العربي الحديث. ويهتم الفصل الثالث بالتنظير الغربي للسرد الروائي من أربع زوايا نظرية هي: وجوه التناظر، وندرة البحث عن الأصول، وجهود روجر الن ووائل حسن في دراسة تقاليد السرد الروائي. ويبحث الفصل الرابع في وفرة البحث عن النظرية عند جورج لوكاش وبرسي لوبوك وغيرهما.