لا يكاد موضوع اللاجئين والهجرة من بلاد الجنوب نحو أوروبا يخرج من نشرات الأخبار حتى يعود إليها راكضاً. فمن أزمة عبور على الحدود إلى مأساة في قلب البحر، ومن موضوع صراع انتخابيّ إلى ساحة نزال بين الحكومات (الديمقراطيّة) المنتخبة في الشمال الغني، ومن معارك تشريعيّة في البرلمانات إلى سجون سريّة وجدران عازلة، هذا ناهيك عن عدة دول هشّة يُنتج سقوطها المتسارع موجات جديدة من اللجوء بشكل متلاحق.
وإذا كانت ثمة أصوات نادرة وقليلة في الغرب تدعو إلى تقبّل هؤلاء اللاجئين ومعاملتهم بالحسنى كما يليق بالبشر، فإن الأغلبية الساحقة تبدو مستقطبة نحو رفض وجودهم، ومنخرطة بأشكال مختلفة في دعم الأنظمة والأحزاب السياسيّة في ممارستها العنصريّة – بما فيها أقصى درجات العنف إن وجب الأمر – لصدّهم عن بلاد الرّجل الأبيض ومنعهم من الوصول إليها أو الاستقرار فيها.
هذه الدائرة من تواتر محاولات العبور عبر شرق وجنوب القارة الأوروبيّة مقابل تصاعد رفض اللاجئين داخلها منح السلطات الحاكمة في مجموع دول الاتحاد الأوروبيّ الضوء الأخضر للشروع في توظيف سلسلة من التقنّيات والإجراءات والتشريعات التي من شأنها عندما تُقرأ معاً على صعيد واحد أن تشكّل نوعاً من سور عظيم يحيط بأوروبا من شرقها وجنوبها. هذا السّور الأوروبيّ العظيم ليس كما سلفه الصينيّ الشهير، مجرّد بناء شاهق منيع وإنما نسخة ما بعد حداثيّة منه، تجمع إلى جدران العزل محطات رصد ومراقبة مزودة بأحداث الأجهزة، ومعسكرات اعتقال ونطاقاً عريضاً من الكاميرات ومعدات الاستشعار عن بعد، وغطاء جويّاً دائماً من الدّرونات وطائرات الهليكوبتر، وسوراً رقميّاً على طول الحدود البحريّة، مع عديد قوات متخصصة في صدّ اللاجئين بعضها تابع للاتحاد الأوروبيّ مباشرة (حرس الحدود الأوروبي، فرونتيكس) وبعضها الآخر مرتزقة مستأجرون من القطاع الخاص، بحيث سيستحيل عمليّاً بعد بعض الوقت مرور ذبابة دون أن يوقفها هذا السّور العظيم.
مليارات دافعي الضرائب لبناء جدران أكثر وجسور أقل
وفق تقارير موثقة، فإن الاتحاد الأوروبي أنفق سواء عبر مركزه في بروكسل أو من خلال دوله الأعضاء كلاً على حدة مئات الملايين من اليورو خلال العقد الماضي على بناء ترسانة من تقنيات صدّ اللاجئين عن الحدود وردعهم عن محاولة العبور نحو الدّاخل الأوروبيّ، لا سيّما وأن قوانين الاتحاد تسمح للأفراد بالتنقل الحرّ بين معظم دوله دون الحاجة لإبراز وثائق تعريف. ولعل آخر استثمار في هذا المجال تم الإعلان عنه خلال الأسابيع القليلة الماضية في تصريحٍ إعلامي لوزير الدفاع البولندي حيث تعتزم بلاده – بوصفها الحد الشرقيّ لأوروبا – تشييد جدار عازل يرتفع لـ5.5 أمتار ومدعّم بشبكة كاميرات متقدمة وأجهزة استشعار للحركة على طول حدودها مع بيلاروسيا وذلك بكلفة 350 مليون يورو. وبحسب الخبراء فإن مجموع الإنفاق الأوروبيّ على سوق الأمن بلغ العام الماضي ما مجموعه 128 مليار يورو، انتهى معظمها في جيوب مصنعي الأسلحة والمعدات المتطورة ودائماً على حساب دافعي الضرائب الذين يتعرضون منذ بداية العقد الحالي إلى أسوأ برنامج للتقشّف في الإنفاق الحكوميّ منذ الحرب العالميّة الثانية.
وفي الحقيقة فإن مثل هذه الأموال ستكون أكثر من كافية لاستيعاب أعداد ضخمة من اللاجئين، أو مساعدة بلادهم التي خرجوا منها بعدما دمّرتها عقود من التدخلات العسكريّة والاقتصادية الغربيّة في المنطقة (أفغانستان، العراق، سوريا، ليبيا، لبنان، الساحل الإفريقي..) على استعادة توازنها وتمكينها من تحسين ظروف العيش لمواطنيها، بدلاً من إنفاقها على شراء معدات الردع والعزل والمراقبة التي لن تمنع اللاجئين من محاولة تجربة حظوظهم وربّما خوض مغامرات أخطر للوصول إلى مبتغاهم.
سور عازل يمتد إلى السماء السابعة
تتم مراقبة اللاجئين الذين سيحاولون دخول الاتحاد الأوروبي برا أو بحرا من الجو. ويستخدم حرس الحدود طائرات بدون طيار ومروحيات عبر البلقان، في حين تمتلك اليونان مناطيد على امتداد حدودها مع تركيا. أما أكثر أدوات المراقبة الجويّة تعقيداً فهي طائرة هيرون بدون طيار طويلة التحمل التي تعمل فوق البحر الأبيض المتوسط والتي أنتجتها شركات إسرائيليّة وجرّبها جيش العدو في حصاره لغزّة. وقد اشترت القوة الأوروبيّة فرونتيكس من تلك الشركات ما قيمته 100 مليون دولار خلال العام 2020 وحده. وهيرون قادرة على الطيران لأكثر من 30 ساعة وعلى ارتفاعات 10،000 متر فيما ترسل معلوماتها لحظياً إلى مقر قيادة فرونتيكس الرئيسي في وارسو. وتقوم تلك بالتواصل مع خفر السواحل الليبي الذي يعمل على سحب القوارب المبلّغ عنها والتي تحاول عبور المتوسط، وترسل ركابها إلى مراكز احتجاز سيئة السمعة على الأراضي الليبيّة، كثيرون منهم يختفون دون أثر أو يباعون كالرقيق. وبالطبع وفق المقاييس الأوروبيّة العجائبيّة فإن ذلك لا يتعارض مع القيم الديمقراطيّة ولا حقوق الإنسان.
التكنولوجيا في خدمة العنصريّة
تترابط الأصول الجوية للاتحاد الأوروبي على الأرض مع شبكة من أجهزة استشعار وكاميرات متخصصة تستخدمها سلطات الحدود في كل أوروبا لرصد الحركة والعثور على أشخاص مختبئين. وتضم هذه الشبكة أيضاً رادارات متنقلة وكاميرات حرارية مثبتة على المركبات، فضلا عن أجهزة الكشف عن ضربات القلب وشاشات ثاني أكسيد الكربون المستخدمة للكشف عن آثار الأشخاص المخفيين داخل المركبات. وهناك دول بدأت بالفعل في نشر مدافع صوتيّة محمولة على مركبات تطلق رشقات تصم الآذان لإجبار المتسللين على العودة إلى الوراء، كما يتم بناء مخيّمات طوارئ للاجئين أقرب ما تكون للسّجون، إذ تحاط بسياجات عسكريّة، ويتم تقييد حركة الأفراد فيها من خلال منظومة متكاملة من كاميرات المراقبة وبصمات الأصابع والبوابات الدوارة والأشعة السينية، فيما تقوم شركات أمنية خاصة بتوفير كوادر ترتدي أزياء قتال بالسيطرة على المخيم. وتنقل معلومات أجهزة المراقبة هذه إلى مركز تحكّم رئيس يمكن أن يوجه قوات حرس حدود إضافيّة إلى موقع معيّن عند حدوث أي اضطرابات. ويستثمر الاتحاد الأوروبيّ كذلك بكثافة في تجارب على أجهزة ذكيّة للكشف عن الكذب في اليونان والمجر ولاتفيا. وتقوم هذه بمسح دقيق لتعبيرات وجه اللاجئين والمهاجرين أثناء إجابتهم على الأسئلة التي يطرحها عليهم ضباط الحدود، وتقرر ما إذا كانوا قد كذبوا أو صدقوا فيما قالوه.
استجابة لا عقلانية
اللاجئون التي تغصّ بهم موائد الشاشات والمنابر والفضاءات وعناوين نشرات الأخبار، تبدو استجابات الأوروبيين لقضيّتهم لا عقلانيّة بالمطلق، فهم – أفراد وحكومات – في أغلبهم يرون الأعراض فحسب (لاجئون ملونون أوغاد ومنحرفون يحاولون منافستنا على موارد بلادنا المحدودة) ويتعاملون معها (ببناء مزيد من الأسوار) مع تجاهل شبه كلّي لمصدر هذا النزيف المستمر من أبناء دول الجنوب الساعين للانتقال إلى أوروبا ولو من خلال أكبر المخاطرات – بأرواحهم وأحياناً أرواح عوائلهم -. فالإنسان عادة لن يرغب في هجرة بيئته لولا ظروف قاهرة طاردة – صنعتها غالباً تلك التدخلات الدّامية أوروبيّة وأمريكيّة، ولذلك فإن أغلب هؤلاء اللاجئين يائسون، وليس لديهم ما يخسرونه، وسيستمرون في محاولة العبور إلى الجانب الآخر سعياً لعيش آمن وكريم.
بدون أن يدرك الأوروبيّون أنّ حكوماتهم تنتج لاجئين من خلال تدخلاتها العسكريّة والاقتصادية في العالم، وما لم يتوقف النّهب المنظّم لموارد تلك البلاد التي أُفقرت أكثرياتها بينما راكمت الخيبات، فليس في الأفق ما سيضمن عدم تدفق اللاجئين نحو بلاد أخرى يرونها على علاتها جناناً مقارنة بالجحيم الذي أشعلته القوى الغربيّة على أراضيهم.
إعلامية وكاتبة لبنانية
” سور عازل يمتد إلى السماء السابعة ” إهـ
وصف السماء السابعة هو وصف قرآني!
ولا نعرفه!! ولا حول ولا قوة الا بالله
أوروبا أخذت خيرات أفريقيا, ثم تغلق الحدود بوجه الأفارقة!
أوروبا تدعم طغاة أفريقيا على شعوبهم لأجل المصالح!! ولا حول ولا قوة الا بالله