القاهرة ـ «القدس العربي» في ظل درجة حرارة لامست الـ45 مئوية، وجيوب خاوية إلا من الثقة في الله بأنه سيبدد هذه الغمة، أمضى المصريون نهاية إجازة الأسبوع ويومي السبت والأحد متسائلين عن مستجدات الأزمة التي ليست من صنع أياديهم، لكنهم باتوا مطالبين بتحمل نتائجها، فيما اتسع نطاق التساؤل بشأن ثروات المصريين من الغاز والبترول، والمرافق كافة ذات الدخل، أين تذهب؟ الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس قال، إن 60% من دخل القناة يذهب إلى الموازنة العامة للدولة. ونقلت عنه “الوطن” تصريحات متلفزة بأن القيمة التي تضخها الهيئة يتم تحديدها رقميا، ويتم الالتزام به. وأشار إلى أن نسبة الـ40% المتبقية تُقسَّم بين الميزانية الاستثمارية (25%)، في حين تُخصص نسبة الـ15% لقطع الغيار وصرف المرتبات (تدوير الهيئة). وأكّد أن موارد صندوق قناة السويس يتم تخصيصها من نسبة الـ15%، مشددا على أنه لا يوجد أي مساس بميزانية الدولة في أي حال من الأحوال. وقد خيمت حالة من الحزن على الوسط الفني، بعد إعلان خبر وفاة عبد الله نجل الفنان حسن يوسف والفنانة المعتزلة شمس البارودي، غرقا في الساحل الشمالي، وأكد أحمد سلامة عضو مجلس نقابة المهن التمثيلية أن الراحل توفي في إحدى قرى الساحل الشمالي، ونُقل جثمانه إلى مستشفى العلمين. ونعى عدد كبير من الفنانين وفاة الراحل، حيث نعى المخرج عمر زهران، عبد الله، نجل الفنان القدير حسن يوسف وشمس البارودي، وكتب على حسابه في “فيسبوك”: “رحم الله عبد الله نجل النجمين الكبيرين السيدة شمس البارودي والعزيز الغالي الفنان الكبير حسن يوسف.. وأسكنه فسيح جناته ورزقهم الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون”… في هذا السياق، كشف مصدر مقرب من أسرة الفنان حسن يوسف، أن الفنانة شمس البارودي، لم تصدق الخبر في بداية الأمر، واعتبرت أن كل ما يثار مجرد شائعات غير صحيحة، حتى تواصلت مع أشقائه في المكان الموجود فيه. وأكدت الفنانة نهال عنبر، عضو مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية، أنها، في طريقها إليه في مستشفى العلمين، فيما أكد الدكتور أشرف زكي وفاة عبد الله نجل الفنان القدير حسن يوسف غرقا. ومن أبرز التقارير ذات الدلالة: أعلن محمد عبدالله، المتحدث باسم نقابة المهن الموسيقية، نيه النقابة إنشاء وحدة تكنولوجية تتكون من شباب الجامعات من أجل التحري عن المطربين الأجانب، وهو الأمر الذي جاء كتدارك للخطأ والجدل الذي أعقب إلغاء حفل ترافيس سكوت في مصر، مشيرا إلى أن النقيب أمر بفتح تحقيق داخلي في النقابة لمعرفة المخطئ من الموظفين أو الإداريين لمحاسبته. ونقلت “الوطن” عن عبدالله إنه بعد الموافقة على ترخيص الحفل، وبعد البحث عن السيرة الذاتية للمطرب فوجئ القائمون على النقابة بمعلومات لم يكونوا يعرفونها عن ذلك المطرب، حيث أن حفلاته تحدث فيها أشياء مريبة، وتحرض كذلك على العنف.
غامضة وفاشلة
تعرضت وما زالت تتعرض الحكومة لموجات عارمة من الانتقادات بسبب أزمة الكهرباء.. وهي المسؤولة عن ذلك كما يرى عبد القادر شهيب في “فيتو”، لأنها افتقدت الشفافية منذ البداية في التعامل مع الأزمة.. فقد خرج رئيس الحكومة على الناس بعد أن فاجأت وزارة الكهرباء بتخفيف الأحمال ليبشرهم بإنهاء هذه الأزمة، خلال بضعة أيام، وفي آخر خروج له على الناس قال إن الأزمة مستمرة طوال شهر أغسطس/آب وربما نصف شهر سبتمبر/أيلول أيضا.. كما أنه في أول تصريحات له فسر اللجوء لتخفيف الأحمال بانخفاض تدفق الغاز للمحطات الكهربائية، ثم في آخر تصريحات له قال ضمنا، إن نقص المازوت المستورد من الخارج أحد أسباب الأزمة بينما لا يوجد نقص في الغاز، حينما أشار إلى رصد 250 مليون دولار لاستيراد مازوت لتشغيل المحطات الكهربائية.. وهكذا احتار الناس بين المعلومات غير الواضحة، وغير الكافية والمتناقضة التي أتاحتها الحكومة بخصوص أزمة الكهرباء، ولذلك ليس غريبا أن تتعرض الحكومة للانتقادات حتى الآن من قبل الناس.. فهي اتخذت قرارها بتخفيف الأحمال دون إخبارهم في البداية، وعندما ارتفعت الأصوات بالشكوى خرجت الحكومة بالقليل من المعلومات الشحيحة لتبرر ما فعلته.. من دون الحرص على إقناعهم بضرورة ما قامت به، رغم أن الأمر مهم للناس ومؤثر في حياتهم.. وعندما قررت الحكومة أن تتكلم وتهجر اُسلوب تقديم المعلومات للناس بالقطارة، فإنها قالت أمورا كانت تحتاج لمراجعة قبل أن تقال مثل إنها تعتبر وصول درجة حرارة الجو 36 درجة أمرا يستدعي تخفيض الأحمال، رغم أن هذا أمر عشناه من قبل ليس العام الماضى وإنما هذا العام وقبل حلول موسم الصيف رسميا، ولم نحتج لتخفيف الأحمال. باختصار.. الأزمة تحتاج من الحكومة الشفافية الكاملة ما دامت تطلب من الناس تحمل قطع الكهرباء حتى نهاية الصيف تقريبا، كما قال رئيسها في آخر مؤتمر صحافي له..
أين ذهبوا؟
هل غابت النجوم والقدوة والرموز والأقمار المضيئة عن مجتمعنا؟ اختار عماد الدين حسين في “الشروق”، الإجابة بنعم إلى حد ما، لكن من دون أن يعني ذلك أن الأمل مفقود، بمعنى أن تراجع التعليم وانتشار العشوائيات، وتدهور القيم هي السبب في ذلك، لكن حتى لا ألجأ إلى التعميم المخل أستدرك وأقول، إن هناك كفاءات وكوادر كثيرة في المجتمع، لكن ربما لم نستطع الوصول إليها. الذي دفعنى لطرح السؤال من الأساس أنني في الشهور الأخيرة حضرت ندوات ومؤتمرات وفعاليات ولقاءات كثيرة متنوعة، في العديد من المجالات، وكانت الملاحظة الأساسية هي التراجع المذهل في نوعية الكوادر والكفاءات المتميزة والمؤهلة والقادرة على إحداث الفارق. في إحدى الندوات وكان يفترض أنها تناقش أوضاعا عامة متعلقة بالحياة السياسية فجعت بأن أكثر من 75% من المتحدثين غير ملمين بالموضوع، أولاً من ناحية المعلومات، وغير مدركين لأبعاده المختلفة، ومستواهم العام أقل من مستوى بعض طلبة الجامعات. وبالمناسبة وحتى لا يظن البعض بي الظنون ويتهمني بالتحيز، أسارع للقول بأن هذه الحالة لا تقتصر على طرف دون آخر، بل هي داء أصاب الكثيرين، استمعت لأعضاء يفترض أنهم كوادر حزبية، ورغم ذلك يفتقرون إلى الحد الأدنى من المعرفة والكفاءة والتدريب والاطلاع والمحاورة والمفاوضة. بعضهم يتصرفون وكأنهم في خناقة في حارة شعبية، وحتى في طريقة الكلام فإن بعضهم يتحدث مثلما كان يتحدث الممثل محمد سعد في شخصيته الشهيرة «اللمبي». وليت الأمر يتوقف على الشكل، لكن المشكلة أنه يتعلق أيضا بالمضمون. وبعضهم ليس لديهم الحد الأدنى من الاستعداد المتمثل في معرفة الموضوع الذي يتحدثون فيه، والإلمام به وبكل أبعاده. والأمر نفسه يمكن أن تلمسه في مهن ووظائف كثيرة، وليس مقصورا فقط على بعض السياسيين. سيقول البعض: وما هي المشكلة في ذلك؟ وسيكون الرد إن هذا الأمر إذا ثبت أنه صحيح، فالمعنى أن مستقبل حياتنا السياسية في خطر.
أين المعضلة؟
السؤال الثاني الذي حرص عماد الدين حسين على البحث عن إجابة له: هل المشكلة أننا لا نملك كفاءات؟ أم أن النظام الإداري لم يستطع حتى الآن أن يجعل هذه الكفاءات موجودة في المقدمة؟ ظني أن الكفاءات موجودة إلى حد كبير، لكنها لم تتمكن من الصعود لقيادة العديد من المؤسسات والهيئات، ولا يقتصر الأمر على الحكومة، لكنه يشمل القطاع الخاص والنقابات والهيئات، بل الأندية الرياضية. الدليل الدامغ على ذلك أن لدينا أقمارا مصرية مضيئة وكفاءات حقيقية يعملون في مؤسسات أجنبية، وأثبتوا كفاءة منقطعة النظير. هؤلاء درسوا في مدارس حكومية، أو خاصة، أو دولية والتحقوا بجامعات مصرية أجنبية مختلفة، ثم وجدوا الفرصة المناسبة في المكان المناسب، وبالتالى انطلقوا وحققوا المعجزات. وقد سمعت قصصا كثيرة عن نماذج مصرية حققت إنجازات متنوعة في عملها في الداخل والخارج. وبالتالى يصبح السؤال الجوهري: كيف يمكن لنا أن نعدل النظام الإداري، بحيث يكتشف هؤلاء ويصعدهم ليكونوا في مقدمة الصفوف حتى نضمن أن المستقبل واعد؟ هذا ليس دور الحكومة فقط ولا المعارضة، ولكنه دور الجميع في هذا البلد. الحكومة دورها أن تضع الخطط والسياسات والآليات، التي تضمن أن يخرّج التعليم كوادر مؤهلة، وبعدها يكون لدى كل المؤسسات تدريب حقيقي لكل من يلتحق بهم. أعرف أن الدولة بذلت بالفعل نشاطا مشابها من خلال الأكاديمية الوطنية للتدريب، لكننا نحتاج أن يبذل المجتمع بأكمله جهدا مضاعفا كل في مجاله، حتى نضمن أن يكون المتفوقون في القمة وليس أنصاف المتعلمين، أو أصحاب الواسطة. ومرة أخرى هذا الأمر يتعلق بالمجتمع بأكمله، وليس الحكومة فقط، نحتاج إلى مناخ وبيئة لدعم ورعاية الموهوبين والمتفوقين لأنهم هم الذين يصنعون الفارق.
احتباس وأشياء أخرى
التحذير الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة بأن عصر «الغليان العالمي» قد بدأ، وانتهى عهد الاحتباس الحراري، يأتى كما قال مجدي حلمي في “الوفد”، في وقت يشهد فيه النصف الشمالي من الكرة الأرضية تغيرات مناخية متسارعة، كما يشهد ارتفاعا كبيرا وغير مسبوق في درجات الحرارة. وهذا التحذير يأتي قبل شهور قليلة من انعقاد قمة المناخ الثامنة والعشرين في الإمارات، وهي قمة أمامها تحدٍ كبير في إلزام الدول الصناعية الكبرى بالوفاء بالتزاماتها لمواجهة ظاهرة التغير المناخي وعصر الغليان العالمي الذي حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة. ويصف غوتيريش التغير المناخي بـ«المخيف»، واعتبر أن عصر الغليان العالمي «مجرد بداية»، وطالب شركات الوقود الأحفوري بالاتجاه نحو مصادر الطاقة المتجددة، وقال: ينبغي ألا يكون هناك المزيد من «التمويه الأخضر والخداع»، في إشارة منه إلى الانطباعات الخاطئة، أو المعلومات المضللة التي يتم توصيلها عن أن منتجات الشركة سليمة بيئيا، على عكس ما هي عليه في الواقع. وعصر الغليان العالمي، عبارة عن ارتفاع شديد في درجات الحرارة قد تصل إلى أعلى من 50 درجة مئوية في بعض الدول، وهو ما شهدناه بالفعل في دول قريبة منا وأقصد هنا دول الخليج. ووفقا للأمين العام للأمم المتحدة يعد عصر الغليان العالمي بالنسبة لكوكب الأرض كارثة، بالإضافة إلى عصر الجليد المصغر المرتقب خلال الأيام القليلة المقبلة، وقال: إن شهر يوليو/تموز 2023 سيحطم الأرقام القياسية في جميع المجالات.
مذبحة مناخية
أشار غوتيريش، الذي اهتم بتصريحانه مجدي حلمي، إلى أن عصر الغليان العالمي، قد سيطر على بعض الدول بشكل كبير مثل دول أوروبا وأمريكا والصين والجزائر، متسببا في ارتفاع شديد في درجات الحرارة، وحرق الغابات مثلما شهدته الجزائر واليونان، وثورة براكين كانت كامنة لسنوات طويلة ونضج الفواكه والزراعات قبل أوانها الاعتيادي وانتهاء موسمها مبكرا. وأضاف غوتيريش، أن عصر الغليان العالمي، قد يجعل من الصعب تنفس الهواء الحار مع تدهور المناخ الذي قد يزداد يوما بعد يوم. كما أوضح أن عواقب هذا الارتفاع القياسي في درجات الحرارة «واضحة ومأساوية» حيث تجرف الأمطار الموسمية الأطفال وتهرب العائلات من لهيب النيران وينهار العمال بسبب الحر الشديد، هذا الصيف «قاس» بالنسبة لأجزاء شاسعة من أمريكا الشمالية وافريقيا وأوروبا، مؤكدا أنها «كارثة» للكوكب بأسره. وهنا يجب أن تقوم الحكومات بمشاركة مراكز الأبحاث المختلفة والعلماء بالتحرك لوضع خطط لمواجهة هذه الحالة المستمرة في شهر أغسطس/آب المقبل، ويمكن أن تمتد إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول وفق تقديرات منظمة الأرصاد العالمية، وهي المنظمة التي وصفت شهر يوليو بأنه الأكثر ارتفاعا في درجات الحرارة، منذ مئات السنين، وعلى الدول النامية وهي أكثر تضررا من عصر الغليان العالمي أن تتضامن بقوة مع مطلب الأمين العام للأمم المتحدة، بأنه حان الوقت لحدوث طفرة عالمية في استثمارات التكيف، لإنقاذ ملايين الأرواح من «المذبحة المناخية»، فالتحرك الآن وبسرعة قد ينقذ البشرية من كارثة وثيقة سيكون المتضرر الأول منها هم الفقراء، ولا أحد إلا الفقراء.
نكبة إسرائيلية
لم يمر الكيان الصهيوني من قبل بمثل حالة الانقسام التي يعيشها الآن. الصراع الذي يتفاقم وينذر بالمزيد من المخاطر، ليس صراعا بين حكومة ومعارضة فقط، لكنه شرخ كبير يقسم المجتمع بأكلمه بين تيار يميني متطرف يضم إرهابيين ومتشددين دينيا، وتيار آخر يرفض ذلك ويعتبر أن فاشية الحكم اليميني سوف تقود إسرائيل نحو أسوأ أزماتها ويتابع جلال عارف في “الأخبار”، نتنياهو الذي يقود تيار اليمين المتشدد، راهن على قدرته على المناورة السياسية من جانب، وعلى أن المعارضة لمخططاته لن تستمر طويلا.. لكن حساباته اثبتت خطأها، بعد أن أصبحت الكلمة في الحكومة في قبضة بن غفير وتسموتريتش، اللذين يفرضان شروطهما على نتنياهو وإلا فقد مكانه في رئاسة الحكومة. ومن ناحية أخرى.. سقط الرهان الآخر على أن المعارضة ستتفرق، والمظاهرات ستضعف بمضي الوقت، فالتحدي كبير، والشعور بخطر سقوط كل أجهزة الدولة في قبضة زعماء عصابات اليمين المتطرف الحاكم وحدت كل القوى الأخرى ضد ما تعتبره «فاشية» ستعصف بالجميع. ولأكثر من ثلاثة أشهر استمر التظاهر، وتضاعفت الأعداد، والآن ومع صدور أول قوانين قمع السلطة القضائية – بدأ خطر العصيان المدني يزداد مع الإضرابات التي ينظمها الأطباء وغيرهم. ومع انضمام قيادات سياسية وعسكرية سابقة لمظاهرات الاحتجاج، ومع تزايد أعداد ضباط وجنود الاحتياط الذين أعلنوا عدم استمرارهم في الخدمة العسكرية. ومع التهديد بإضراب عام من اتحاد العمال القوي، وبتجميد استثمارات كبيرة من رجال أعمال ومستثمرين كبار.
لحظة نادرة
رغم خطورة الموقف، مضى نتنياهو في تنفيذ مخططات اليمين المتطرف وأصر، كما قال جلال عارف، على إصدار أول قوانين الهيمنة على القضاء، مراهنا مرة أخرى على أن هناك عطلة للبرلمان «الكنيست»، لشهرين تتيح له الفرصة للمناورة من جديد، ينبغي الحذر من الجانب الآخر لهذه الأزمة التي تتجاوز أزمة القوانين الخاصة بالهيمنة على القضاء. فالواضح أن حكومة زعماء عصابات اليمين ماضية في تنفيذ مخططاتها للهيمنة الكاملة على كل الأجهزة والمؤسسات. هناك وجهان للخطر: الأول أن تذهب حكومة نتنياهو وبن غفير إلى حرب محدودة تجبر المعارضين على أن يقفوا وراء الجيش وهو يخوضها، كما حدث أثناء الهجوم الوحش الأخير على مخيم ومدينة «جنين» ويجبر أيضا جنود وضباط الاحتياط على إنهاء مقاطعتهم للخدمة العسكرية، أو مواجهة المحاسبة القانونية، أما الوجه الثاني للخطر فهو أن تمضي حكومة نتنياهو في مخططاتها لحسم الأوضاع في القدس والضفة الغربية بمضاعفة الاستيطان، وباستخدام آلة القتل الإسرائيلية، وتشديد الحصار الاقتصادي على الضفة، ووضع الفلسطينيين أمام الاختيار المرّ، بين القتل أو التهجير أو الرضوخ لمخطط الاستيلاء على الأرض، واغتيال أي فرصة قد تكون باقية لقيام الدولة الفلسطينية. ولا بديل لمواجهة هذه المخاطر وغيرها عن وحدة وطنية فلسطينية، لم يعد ممكنا أن تتأخر لأن الشعب الفلسطيني قد تجاوز بالفعل كل الانقسامات وهو يواجه باللحم الحي خروقات المستوطنين ورصاص ميليشيات بن غفير، وصمت عالم ما زالت قوى كبرى فيه ترى في جرائم إسرائيل دفاعا مشروعا عن النفس.
وماذا بعد؟
رغم الكلام الدعائي الذي استخدمه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، في حديثه قبل أيام أمام قواته، واتهام الجيش بأنه يعمل بتعليمات قادة النظام السابق، وسمى بعضهم، فإنه كما أوضح عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، أقر بوجود تجاوزات من قلة من عناصر الدعم السريع، وأعلن تبرؤه منهم، وبدا واضحا أنه لم يقدم خطة حقيقية للتسوية ولم يقدم تنازلات، إنما استعراض قوة شكلي وتأكيد حضور عسكري وسياسي قد يفيده في المفاوضات العائدة في جدة. لا يزال خطاب قادة الحرب في السودان لا يتناسب مع حجم الخراب الذي شهدته البلاد، جراء هذه المواجهات الدموية بين الجيش والدعم السريع، خاصة بعد أن تجاوزت 100 يوم سقط فيها أكثر من 3 آلاف قتيل، وتم تدمير أجزاء من العاصمة ومدنها الثلاث، وانتقال القتال إلى العديد من المدن والولايات الأخرى. وقد فرّ حوالي مليون شخص خارج السودان، كما قدرت الأمم المتحدة أعداد النازحين بثلاثة ملايين، ورصدت آلاف الكوارث الإنسانية والصحية نتيجة تضرر أكثر من نصف مستشفيات العاصمة وانهيار المنظومة الطبية ونقص المواد الغذائية، ورغم أنه كان واضحا منذ اللحظة الأولى أن هذه الحرب لا غالب فيها ولا مغلوب، ومع ذلك استمرت 35 يوما قبل أن يجتمع الطرفان المتحاربان في جدة في 20 مايو/أيار الماضي برعاية أمريكية سعودية، ووقّعا على أثرها على اتفاق وقف إطلاق نار، لم يصمد كثيرا أمام رغبة الجانبين في حسم الصراع بالقوة المسلحة.
قواعد جديدة
واصل عمرو الشوبكي: جاءت تعبئة قوات الحركة الشعبية (شمال) ثم مقتل حاكم دارفور ليزيد من رقعة المواجهات في أكثر من ولاية سودانية، ووصف بعضها، وتحديدا في دارفور بجرائم ضد الإنسانية وعمليات تطهير عرقي. إن مشاهد الدمار والقتل في السودان في حرب عبثية لن يستطيع أي طرف أن يلغي فيها الآخر، فلا يمكن أن تشطب جيشا بحجة أن بعض مَن يقوده هم فلول النظام القديم، ولا يمكن أن تبيد قوة مسلحة قوامها 100 ألف عنصر بحجة أنها ميليشيا متمردة. صحيح أن المفروض أن تدمج كل القوى المسلحة في المؤسسة العسكرية، بعد تجديد قيادتها وتأكيد حيادها ومهنيتها، لا العكس. بعد أكثر من 100 يوم حرب في السودان، حان الوقت لحساب الخسائر والمكاسب ليكتشف معها الطرفان أن كليهما خاسر، وأن العودة في الأيام المقبلة إلى مسار جدة يجب أن تكون الفرصة الأخيرة لكلا الطرفين، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وإلزامهما، خاصة قوات الدعم السريع، بضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والعسكرية، وتقديم حماية مطلقة للمدنيين وممتلكاتهم وحريتهم في التنقل، وحظر النهب والسلب. إن الالتزام بهذه النقاط سيعنى التقدم خطوات نحو تسوية شاملة لا تعيد مسار المرحلة الانتقالية السابقة، إنما تؤسس لمرحلة جديدة بشروط وقواعد جديدة وملزمة للجميع.
شحنات مجانية!
بلغت الرغبة من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التقرب السياسي من افريقيا، إلى حد أنه أعلن استعداده لإمداد ست دول فيها بشحنات مجانية من القمح. لقد أعلن ذلك، كما أخبرنا سليمان جودة في “المصري اليوم” خلال حديثه أمام القمة الروسية الافريقية، التي انعقدت في مدينة سان بطرسبرغ، والتي دامت يومين وأنهت أعمالها في 28 من الشهر الجاري.. وفي مرحلة سابقة كان قد تكلم في العموم عن إمداد مجاني لافريقيا من الحبوب الروسية، ولكنه عندما جاء يتحدث أمام القمة جعل حديثه أكثر تحديدا، وحصر الإمداد المجاني في ست دول، وجعله من خلال شحنات أقصاها 50 ألف طن، أي أنها ليست مطلقة ولا هي بلا سقف. وما يعلنه بوتين سبق أن أعلنته دول أخرى أكبر من روسيا، فسمعنا من قبل عن القمة الصينية الافريقية، وعن أن الصين سوف تقدم كذا وكذا للقارة السمراء، وعن سباق صيني إلى أرض القارة وفضائها. ولم تشأ الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلف عن السباق، حتى إن كانت قد جاءت متأخرة، فراحت تلملم نفسها وترتب أفكارها وأوراقها، ثم جاءت تسارع إلى الافارقة وتضرب لهم الوعود السخية.. وكانت القمة الأمريكية الافريقية التي انعقدت آخر السنة الماضية في واشنطن، واحدا من تجليات أمريكية كثيرة بدأت تتجلى في سماء القارة. وكانت فرنسا في هذه الأثناء تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مستعمراتها الافريقية السابقة، فكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يتوانى عن الذهاب إلى كل عاصمة من عواصم القارة يمكنه الذهاب إليها. هؤلاء الساسة الذين يتوافدون على افريقيا لم يكونوا يفعلون ذلك من أجل سواد عيونها، ولا كانوا يبادرون إلى ما يبادرون به لأسباب إنسانية، ولكنهم كانوا يفعلونه من أجل مصالح اقتصادية عالية يجدونها متوفرة في هذه القارة الغنية، ومن أجل تحالفات سياسية بدت مطلوبة بشدة؛ في حالة الرئيس الروسي، على سبيل المثال. ولم يكن ينطبق عليهم جميعا شىء وهُم يتسابقون عليها، إلا بيت الشعر الذي كان صاحبه يقول فيه:«وكلُ يدّعى وصلا بليلى.. وليلى لا تُقر لهم بذاكا».
بين محنتين
لا يعتقد شيركو حبيب في “الأهرام” أن من هم أكبر سنا منه قد وجدوا عراقا مستقرا منذ تأسيس الدولة في العشرينيات من القرن الماضي، فمنذ ذلك التاريخ والصراعات تهيمن على هذا البلد الذي فيه إحدى حضارات العالم ومهد القانون منذ مسلة حمورابي. شاءت الأقدار ألا يستقر العراق بعدما جاء تأسيس حدوده، من دون إرادة مكوناته، خدمة لمصالح ورغبات القوى العظمى آنذاك، التي عقدت لأجل هذا المصير المعاهدات والاتفاقيات، وكانت آخرها معاهدة لوزان. خلال الأسابيع الماضية حدثت أمور لم تكن متوقعة، منها حرق المصحف الشريف والعلم العراقي في السويد، ثم صدور قرار رئاسي وبعده مرسوم جمهوري بسحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013، الخاص بتعيين البطريرك لويس ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم، ومتوليا على أوقافها. رغم الهدوء النسبي فإن البلد يبدو بحاجة ملحة إلى تكاتف الجهود الداخلية وتوطيد العلاقات الخارجية، بما ينسجم وتطلعات مواطنيه نحو غد مشرق، بعد حرمانهم لعقود من الحرية والحق في الاستقرار والتنمية، أو قل الحق في الحياة. حادث حرق نسخة للقرآن الكريم، الذي استخدم داخليا في ردود أفعال قاسية من قبل قوى بعينها، جريمة بحد ذاتها، حسب القوانين الوضعية، بخلاف كونه جريمة تكفير بحق كلام الله سبحانه وتعالى، وجريمة بحق الملايين والمليارات من المؤمنين بالكتب والأديان السماوية.
الخطابات المذهبية
واصل شيركو حبيب تأصيل أسباب ما آلت له الأوضاع من ترد أصاب الامتين العربية والإسلامية: لم نر استنكارات وإدانات من دول العالم الإسلامي مثلما حدثت من استنكار وقطع للعلاقات الدبلوماسية بين العراق ومملكة السويد، الغريب في الأمر أن في العراق، رغم أننا ضد أي مساس بالأديان السماوية، خاصة الدين الإسلامي الحنيف، حيث كان الشعب الكردي من أوائل من استنكر هذا العمل الجبان كما جاء في تصريح الزعيم مسعود بارزاني ودعم الحزب الديمقراطي لحكومة السيد محمد شياع السوداني لإجراءات الحكومة، لكن التساؤل يثار: في العهد البائد تم حرق المصاحف والمساجد ولم ينطق أحد بحرف داخل العراق أو خارجه. اليوم لم نر أو نسمع الاستنكار أو الحشد من الدول الأخرى ضد هذه الجريمة بحجم ما دار في العراق، والقرآن ليس ملكا أو يخص العراقيين وحدهم وإنما هو كتاب الله للبشرية جمعاء. اليوم؛ العراق يؤكد واقعه أنه بحاجة إلى تكاتف الجهود الداخلية والدولية، فعلى المستوى الداخلي يحتاج إلى حل الخلافات بين المركز والإقليم، حسب الدستور والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين ضمانة لاستقراره وبذل الجهود لإزالة آثار الماضي الأسود. وعلى المستوى الإقليمي؛ العراق بحاجة لإعادة النظر في علاقاته لتكون على أسس سليمة مع احترام متبادل للمصالح المشتركة، وعدم قبول التدخلات الإقليمية أو الخارجية والحفاظ على السيادة والهوية العراقية، بما يضمن استقلال القرار العراقي والتعبير عن جميع مكوناته القومية والدينية، واستقلال الدولة عن الخطابات المذهبية الضيقة، التي لا تخدم البلد، بل تكون سببا للتنافر الاجتماعي والسياسي. إن لملمة الجهود الوطنية بعيدا عن الأجندات الأجنبية والمصالح الشخصية تضمن الاستقرار في البلاد، فها هي حرارة ولهب الصيف الساخن يصاحبهما ارتفاع أسعار الدولار، في المقابل نرى برودة العلاقات بين الأطراف كصعيق الشتاء القارس، فهل يذيب لهيب الصيف الحارق جليد الخلافات؟
حشود المهاجرين
يشعر فاروق جويدة في “الأهرام”، بحزن شديد كلما شاهد حشود المهاجرين الذين تركوا بلادهم وأصبحوا بلا أوطان.. لقد انفصلوا عن جذورهم أرضا وثقافة ولغة وعقيدة.. إنهم ينتظرون يوما ربما عادوا إلى بلادهم.. ماذا بقي في هذه البلاد غير بيوت مهدمة وأطلال تبكي أصحابها؟ عشرات الملايين الذين هربوا من الموت ولا أحد يعلم أين استقرت بهم الأحوال؟ لا أحد يعلم عدد السوريين في تركيا أو ألمانيا وكم عدد الليبيين الذين هربوا إلى أوروبا وأين استقر أبناء اليمن والعراق.. كم عدد الملايين من الشعوب العربية الذين هربوا من الحروب الأهلية في بلادهم ولعلهم يتساءلون لماذا كانت الحرب والموت والدمار، وكيف تستعيد الشعوب تواصلها؟ إن الدول التي هرب إليها المهاجرون فصلت الآباء عن الأبناء وأقامت تجمعات للأطفال بعيدا عن الآباء لإعادة تشكيل الأطفال ثقافيا ودينيا؛ ليكونوا من أبناء هذه الدول.. إن عودة هؤلاء المهاجرين تبدو أمرا صعبا؛ لأنهم اعتادوا على حياة مختلفة ولهذا يرفضون العودة، والسؤال الأهم من يعيد بناء المدن التي خربتها الحروب؟ هناك مدن أزيلت فمن يعيد الحياة لهذه الأطلال؟ سوف ينتظر العالم طويلا حتى تجد هذه المدن من يبنى أطلالها.. كلما شاهدت مواكب الخيام والتجمعات قلت لنفسي: هل تعود هذه الملايين إلى بيوتها.. لقد اختلفت التقديرات حول أعداد الهاربين من الموت من الدول العربية، فهناك من يؤكد أنهم عشرات الملايين وهناك من يراهم أقل، ولكن أزمة هذه الملايين سوف تلاحق سلطات القرار في قبورهم؛ لأنها جريمة من أخطر جرائم العصر.. أحزن كثيرا كلما شاهدت مواكب الهاربين من أوطانهم وهم يتسابقون بين الخيام، باحثين عن أمن أو طعام.. وتبقى صورة المهاجرين في السفن الغارقة واحدة من جرائم العصر التي لن تسقط بالتقادم.. في كل يوم سفينة غارقة وحكايات عن آلاف الضحايا الذين أكلتهم الأمواج.. كل هذا بسبب الحروب التي اشتعلت في لحظة جنون بين أبناء الوطن الواحد.
«ميت في الحياة»
كيف يتحول إنسان إلى “ميت في الحياة”؟ 5 خطوات أساسية وضعها الدكتور محمود خليل في “الوطن” تحدد طريق الوصول إلى هذه الحالة: أولى الخطوات تتمثل في تنازل الإنسان عن كرامته. فالإنسان يولد في الحياة متمتعا بكامل كرامته، تلك هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”. القبول بالإهانة والإهدار يمثل الخطوة الأولى لتخلي الإنسان عن إنسانيته، وتحوله إلى كائن “ميت في الحياة”. وليس ثم من سبب يدعو الإنسان إلى تلمس أسباب الحياة بالذل إذا كان يحترم إنسانيته. الخطوة الثانية تحمل مفهوما معاكسا لمفهوم التنازل عن الكرامة، ويتمثل في “التعالي”، بمعنى أن يظن إنسان أنه أقدر وأفهم وأعقل وأنبه وأحسن من الآخرين، فيدفعه ذلك إلى التعامل معهم باعتزاز مريض بالذات، والعزة لا تتحقق بما يملكه الإنسان من معطيات الحياة، أو بسيطرته عليها، بل بالتواضع لله تعالى، لأن العاقل يعلم أنه إنسان ضعيف، وأن عزته تتحقق بأن يجبر ضعف غيره، ليجد من يجبر ضعفه: “ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا”. التعالي يميت الإنسان في الحياة، بل يقتل الحياة نفسها. الخطوة الثالثة تتمثل في الظلم، انتشار الظلم والمظالم داخل مجتمع معين يؤدي إلى إفساد الحياة، وتشويه وجهها، وتحول البشر إلى آلات استنزاف لبعضهم بعضا، بما يؤدي إلى إرهاق الجميع.
ظهر الفساد
كل إرهاق يعانيه الإنسان على مستوى حاجاته الإنسانية الأساسية يقربه إلى منصة “الموت في الحياة”، لأن الإرهاق وفق ما يرى الدكتور محمود خليل، لا شك يقتل النفس بيد صاحبها: “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”. وتحمل الخطوة الرابعة المفهوم العكسي لنشر الظلم، وتتمثل في الرضا به. التغاضي عن وجود الظلم في واقع معين، وعدم التفات الفرد إلى الظلم الذي يقع على غيره، والتفكير “الجحوي” – نسبة إلى عم جحا- الذي يرتكز على فكرة أنه ما دام الظلم بعيدا عن داري فلا بأس، يضعنا أيضا أمام إنسان ميت في الحياة. فالظلم الذي يتغاضى الإنسان عنه لأنه يحيق بغيره، لا بد أن تأتي لحظة يمتد إليه فيها. والله تعالى يقول: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب”. الخطوة الخامسة تتمثل في تحييد مبدأ “التدافع” في الحياة، والتدافع في الحياة لا يعني الصراع بين الأفراد، قدر ما يعني السعي والكفاح من أجل تحسين شروط الحياة، وذلك عن طريق التحريك المستمر لمعطياتها وأدواتها، وعدم الركون إلى فكرة الاستقرار القائم على “الركود”، وبقاء كل شيء على ما هو عليه حتى لو كان ضارا أو غير مفيد، والإيمان بأن الحياة الحقيقية ترتكز على فكرة التغير والتغيير، وأن الظهور والاختفاء هو القانون الأساسي الذي يحكم حركة الإنسان على مسرح الحياة، التي لا يدوم فيها شخص أو شيء، “كل يوم هو في شأن”. الركود سمة من سمات الموتى، أما التقلب والتغير والتحول فيمثل السمة الأهم لاستشعار الحياة.