كلام عن طالبان

حجم الخط
1

يعاني وسط ما شاعت تسميته بالخبراء الاستراتيجيين في عالمنا العربي من بؤس معرفي هائل. هذا في الأغلب. خصوصا من الذين يتصدرون شاشات القنوات المحلية منخفضة الميزانية.
تبدى هذا الفقر المعرفي في تحليلاتهم غُداة استيلاء حركة طالبان على مقاليد الحكم ثانية في أفغانستان. إذ خلط هؤلاء المحللون بين طالبان وغيرها من الحركات الإسلاموية المسلحة، وكأنهم فصيل واحد متجانس، فضلا عن جهل شديد بتحولات الحركة، والأوضاع عموما في أفغانستان.

رعاية أمريكية

الحقيقة الوحيدة التي اتفق عليها الجميع سواء العارف أو المحتطب بليل؛ هي أن سيطرة طالبان على أفغانستان، تمت برعاية أمريكية غير مباشرة، ولم تكن محادثات الدوحة وأنقرة سوى تمهيد لهذه الأحداث.
وتلاحق الأحداث واختلاط الحابل بالنابل في المسألة الطلبانية يدفعنا لسرد النقاط التالية في محاولة للفهم:
أولا: حركة طالبان هي حركة إسلاموية راديكالية متشددة تنتهج العمل المسلح في الوصول إلى الحكم، مع إنها نشأت في البداية كحركة علمية تنأى عن الاشتراك في الحرب الدائرة بين الفصائل الأفغانية. لكن حادثة شرف كانت نقطة مفصلية، دفعت الملا عمر لإطلاق النفير العام لتحرير فتاتين اختطفتهما إحدى الميليشيات وساقتهما إلى معسكرها، وبعد نجاحه في تحرير الفتاتين وإعدام المختطفين، تمددت الحركة وحققت تقدما سريعا وسيطرت على كامل الأراضي الأفغانية، لتسقط كابول في يديها العام ستة وتسعون من القرن الماضي. لكنها ارتكبت عدة أخطاء هائلة في الحكم والإدارة، وبدت عاجزة عن فهم خريطة المؤسسات العالمية، وكيفية مخاطبتها، إلى جانب عدم إلمام وجهل بكثير من الأحكام الشرعية التقليدية، وكانت هذه هي شهادة وفد علماء المسلمين الزائر لأفغانستان عقب تحطيمهم لتمثالي بوذا.
(وصفهم الراحل فهمي هويدي في عنوان كتاب لهُ بجند الله في المعركة الغلط)

العلاقة مع القاعدة

وعلى عكس ما يعتقد كثيرون فإن علاقة طالبان مع القاعدة لم تكن علاقة ودية على طول الخط، فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول -سبتمبر، كان هناك قطاع من طالبان يؤيد فكرة طرد أسامه بن لادن، ومن معه من الأراضي الأفغانية، فيما رأت البقية الإبقاء عليه مع تقييد حركته وقراراته كنوع من المروءة فقط، وإلى وقتنا هذا ينظر التياران إلى بعضهما بنوع من الريبة المتحفظة، وبشكل عام فإن التيارات الإسلاموية العنيفة ” كالقاعدة وداعش وبو كو حرام وغيرها؛ بينهم فروق، وتباينات نوعية شديدة في الآليات، والغايات، والوسائل، ودرجة العنف.
والمحلل البائس معرفيا هو من يضع الجميع في سلة واحدة. بينما المدرك لأدبيات وسرديات السلفيات الجهادية يدرك هذه الفروق جيدا.
ثانيا: تختلف طالبان الحالية عن طالبان التسعينيات، فبشكل نوعي أصبحت أكثر إدراكا للمتغيرات العالمية، كما أن خريطة تحالفاتها اتسعت نسبيا، فضلا عن وصولها للحكم في ظل رعاية أمريكية غربية متسترة.
ثالثا: يبدي بعض المحللين الهواة التخوف من تمدد طالبان خارج الحدود الأفغانية. والحقيقة أن طالبان حركة مسلحة شديدة المحلية، غير قابلة للتمدد والانتشار والتصدير حتى الآن، وحتى طالبان فرع باكستان هي مجرد مجموعات عرقية “بشتون” أكثر منها دينية تنتشر في الحدود المشتركة فقط بين البلدين.
رابعا: ستواجه طالبان قلائل شديدة من رفاق السلاح القدامى، “القاعدة” المبنية أدبياتها على مقارعة قوى الاستكبار العالمي، القوى التي صارت حليفة الآن للطالبان.
أما المواجهة الأشد فستكون من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي سيصعد بشكل هائل من عملياته في الداخل الأفغاني، مستغلا حالة الفراغ الأمني برحيل أمريكا، وخبراته القتالية الفارقة.
خامسا: المستفيد الأكبر على المستوى الدولي من وصول طالبان للحكم هو النظام التركي، الذي سيتعامل ببراغماتية شديدة مع نظام طالبان، من ناحية الاعتراف بشرعيته، هذا أولا؛ وثانيا؛ سيكون لتركيا النصيب الأكبر من عقود التنقيب عن الثروات الطبيعية، والمشروعات، وإدارة أفغانستان ربما في بعض الملفات بالوكالة.
سادسا: وهو الأهم؛ ومع ما ذكرنا من نقاط، فإن نظام طالبان على المدى البعيد لن يستمر، وذلك لتبنيه بشكل عام رؤية ماضوية مخاصمة للحداثة، تستمد شرعيتها من النصوص الفقهية القروسطية، والتي تنزلها منزلة القداسة، وهي نصوص يكمن في ثنايها وتضاعيفها استحالة تحقق على أرض الواقع، وستصطدم هذه الرؤية حتما مع الأنساق التاريخية الراهنة، وهذا الخلل تحديدا هو ما تشترك فيه كل الحركات الإسلاموية، سواء المسلحة منها أو التي لا تنتهج العنف.

كاتب وإعلامي مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الشامي:

    هل كان انسحاب امريكا من فيتنام هو نتيجة اتفاق ورضى امريكي نحن العرب غير معتادون على هزيمة المستعمر ولا يمكن لعقولنا ان تستوعب سوى فكرة المؤامرة وان امريكا لا يمكن ان تهزم لذلك اصبنا بالدهشة لخروج امريكا من افغانستان وهيهات ان نستوعب انها دحرت وخرجت بفعل مقاومة طالبان بل ان البعض ذهب بعيدا واعتبر طالبان صناعة امريكية وكل الاحداث والمواجهات بين الطرفين خلال العقدين الماضيين كانت باتفاق بين امريكا وطالبان
    اي عقل هذا الذي اصبح عاجزا عن تحليل صورة واضحة كالشمس حتى حركة حماس في بدايتها وعندما كانت تكثف هجماتها ضد الصهاينة اتهموها بانها صناعة صهيونية
    طالبان ستحكم افغانستان لكنها ستتعرض لضغوط ومقاومة من قبل الاقليات وستطور قدراتها وتغير من منهجها الفكري عند ممارسة السلطة على ارض الواقع

إشترك في قائمتنا البريدية