توقفت أمام حكاية رجل هولندي في التاسعة والستين من العمر أقام الدعوى لتصغير سنه 20 سنة لأنه يشعر أنه أصغر بعشرين عاماً من عمره الحقيقي! المحكمة رفضت طلبه لتعديل تاريخ ولادته على أوراقه الثبوتية الرسمية. استوقفني هذا الخبر ونحن على أعتاب التقدم في السن عاماً مع السنة الجديدة 2019 الآتية لا ريب فيها!!
تعاطفت مع الرجل. ولكنه نسي أننا أحياناً نعود صغاراً حين يستيقظ ذلك الطفل المختبئ داخل كل منا.. كما نشعر أحياناً أن عمرنا ألف عام من الأحزان والخبرات والكوارث الشخصية والوطنية، وأن العمر زئبق لا تستقر له حال كمزاجنا الداخلي، والأوراق الرسمية تحدد فقط تاريخ ولادتنا وذلك لا يتبدل، أما تبديل العمر في الأوراق الرسمية فعملية عبثية لأننا نبدل عمرنا في كل لحظة.. ثمة لحظات نكبح فيها نزوات المراهقة وأخرى نحاول فيها لجم لحظات الاحتضار.. فنحن نولد مرات ونموت مرات..
وأتمنى لمن يقرأ هذه الكلمات (ولمن لم يقرأها أيضاً) أن يعيش سنته الآتية الجديدة بامتلاء في الأعمار كلها التي ستتعاقب عليه.. وأن يولد مرات ولا يموت كثيراً!.. وكل عام وأنتم بخير يا قرائي (أو قراء سواي)!.
بعد ذلك الرجل الهولندي (الطائر بين الأزمان) الذي يريد تصغير سنّه ناسياً أن الموت لا يعترف بالأرقام في الأوراق الثبوتية، وأنه كان على «فاوستوس» الأساطير الألمانية القبول بعقد مع الشيطان (مفستوفيليس) موقع بدمه ليعيش قروناً ويتجول بين الأزمان مقابل بيع روحه للشيطان في عقد (رسمي!).. وأن فاوستوس استطاع مشاهدة هيلــــين طــــروادة وهتف «أهذا هو الوجه الذي أغرق ألف سفينة»، ولكن جاءت ساعة تســــديد الدين ومضى مثلنا جميعاً إلى الموت، ولكنه كان يتوسل للشيطان مفيستو لمنحه لحظة أخرى من الحياة!..
أخي وزميلي الراحل حافظ محفوظ كان يخاف ركوب الطائرة ويتعجب لكثرة ما أرتحل. وكنت أردد له قول الشاعر: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب / تُمته ومن تخطئ يعمر فيهرم.. ولم أخَف يوماً من ركوب طائرات من المئات التي ركبتها، لأنني كنت أعرف أنني سأموت حين يحين (المكتوب)! فالأعمار بيد الخالق.. وقد تقبلت فكرة الموت لكنني لم أتقبل يوماً تأخير مواعيد إقلاع الطائرات! ولذا سرني كثيراً في مطار بيروت وأنا في انتظار إقلاع طائرتي إلى باريس التي ستتأخر ساعتين عن موعدها، سرني أن أقرأ في جريدتي خبر عنوانه «ركاب القطارات في ألمانيا يطالبون بتعويض إذا تأخر قطارهم 30 دقيقة فأكثر». جربت أن أحسب مبلغ التعويض الذي عليّ أن أطالب به شركات الطيران والقطارات مقابل سرقة وقتي، أي ساعات من عمري.. بل وحسبت على وجه تقريبي عدد الساعات التي قضيتها في «المنطقة الحرة» في هذه القارة أو تلك، ووجدت الوقت الإجمالي يساوي عدة أشهر على الأقل، سرقتها شركات الطيران مني دونما تعويض لي ولأي راكب آخر. بلى.. إنهم يعوضوننا بوجبة غداء مثلاً في المطار أو بليلة انتظار مجانية (بائسة) في فندق آخر قريب من المطار، رائحة ملاءات سريره غير شهية.. وعليه أن يستيقظ بعد ساعات قليلة للحاق بموعد جديد لطائرته لا يناسب غالباً إيقاع حياته..
ومرة حين رحلت وزوجي من ماربيا الإسبانية إلى مدريد لنستقل طائرة ذاهبة إلى باريس وقيل لنا إن الطائرة ستتأخر ليلة (!) وأرسلونا إلى فندق غامض من تصميم هتشكوك واغاثا كريستي، أخافنا مناخ الفندق، فركبنا التاكسي- زوجي وأنا وحقائبنا- وعدنا إلى مطار مدريد ونمنا ليلتها على أحد مقاعده حتى موعد إقلاع الطائرة إلى باريس!
في رحلتي الأخيرة وصلت إلى المطار البيروتي باكراً كعادتي للعودة إلى باريس، وقالت لي الموظفة في شركة الطيران الغربية إن طائرتي إلى باريس ستتأخر في الإقلاع ساعتين! قلت لها إنني سأنتظر في مقهى المطار. أضافت كمن يمنحني شيئاً: تذكري، لك ميل (ميل واحد مقابل الانتظار ولدي عشرات آلاف الأميال أستطيع بها الحصول على بطاقة مجانية للطائرة لرحيل آخر إلى بيروت، والمال يجر المال في البنوك، والأميال تجر الأميال في الطائرات؟..).
وسألتها: ميلٌ واحد؟ لا أريده..
وهنا تطوعت بالشرح موظفة لبنانية أخرى بعدما ضحكت وقالت لي:
تقصد ميل Meal أي وجبة طعام! حسناً. أنا لا أجهل اللغة الإنكليزية ولكن ببساطة لم يخطر ببالي أنها زجت بكلمة إنكليزية في جملة بالعربية.. وضايقني ذلك لأنه جزء من ظاهرة لاحظتها في بيروت وأنا أنصت إلى الإذاعات والمحاورات مع (العباقرة) من فنانين وأدباء..
إذ يدسون بكلمات وتعابير فرنسية أو إنكليزية وفي لغتنا ما يرادفها على أفضل نحو، بل إن مطرباً أجاب مرة عن سؤال المذيع باللغة الإنكليزية بكل (وجاهة) لغوية، فطرح عليه المذيع السؤال الآخر بالإنكليزية في استعراض سخيف لهما للعضلات اللغوية. سرني أنني-ببراءة-لم أفهم ما قالته الموظفة حول «meal» إذ لم يخطر ببالي الزج بكلمة بالإنكليزية في شركة طيران فرنسية في وطن ليس كذلك أيضاً…
من الجميل أن يتقن المرء عدة لغات دونما استعراضية، ولكن عليه أن يتذكر وهو يتحدث في إذاعة عربية أن بقية المستمعين لا يفهمون ذلك بالضرورة.. وهو بالتالي يتعالى عليهم حين يتحدث إليهم بغير لغتهم.. لغتنا العربية لا تنقصها التعابير الوافية. أما استعمالنا لأسماء غربية للاختراعات الحديثة مثل (الكمبيوتر) فسببه تقصيرنا عن دور المخترع صانع الحضارة إلى دور المستهلك المستورد، ولكنني لم أكتب كل ما تقدم لتنغيص الأيام الأخيرة من سنة قديمة وحلول سنة جديدة عليكم، ولذا أكتفي بهذا المقدار من النقد، وأتمنى لكم سنة جديدة بمعاني الكلمة كلها، سواء كنتم من قرائي أو قراء سواي أو من قرائنا معاً.. وهذا أجمل!
أربعة سنوات ونحن نتقاسم رغيف الخبز الحار اسبوعيا مع كوكب الأبجدية العربية غادة السمان ، كل سنة وانت بكل خير وعطاء مستمر ، وخيمة تجمعنا تحت سماء” القدس العربي” .
في كتاب” قصتي مع الشعر ” للشاعر نزار قباني يذكر فيه في ظلال الثقافة الفرنسية في سورية كيف كان يعاقب الطلبة بواسطة قطعة من الخشب لكل من يتفوه بكلمة عربية واحدة في ساحة المدرسة ، وان يحفظ المتفوه عن ظهر قلب خمسين بيتا من الشعر الفرنسي . فكما شهدت من خلال معيشتي في مقاطعة فرنسية أن الفرنسيين من أكثر الشعوب اعتزازا بلغتهم وقوميتهم .
وفي كتاب “جذور ” للكاتب الأفريقي – الأمريكي أليكس هيلي , يذكر فيه كيف كان يُجلد كل من يتفوه ولو بكلمة واحدة من لغتهم الأم . حتى أنهم أجبروا على تغيير أسماءهم الأفريقية الى أسماء غربية لكي يتجردوا كليا من هويتهم ومن دينهم .
كل سنة وانتم بكل خير أخواتي وأخوتي في منبر الأيقونة غادة السمان ، وأقف لأحيي الأخ الكبير الاستاذ رؤوف بدران المحترم .
أفانين كبة – كندا
أخي أسامة كلية
اهلين وسهلين
التعريب لايأخذ صدى لأننا تعاني من الاستعمار اللغوي
بينما نشيد مالطا الوطني كله كلمات عربية
أخي أبو تاج الحكمة, شكراً لمعلوماتك. ماتقوله معروف عموما, أنا أبحث عن تحليل ومعرفة أعمق!.
في عملي ألتقي بمرضى كبار السن ، و أدركت كم يحبون الحياة ، و ذاك حق و شيء جميل ، و أصبح عندي نوع من الشوق أن أعتني بكبار السن ، و أحياناً ألتقي بمن عمل في منطقتنا العربية في شبابه فأسمع منه شيئاً عن ذلك .
شاعرنا العراق أحمد الصافي النجفي قال : سني بروحي لا بعدد السنين فلأسخرنّ غداً من التسعين .
وضعني القدر و معه في مكانٍ واحدٍ قبل أكثر من أربعين عاماً لأكتب شهادة وفاته !
لم يتجاوز الثمانين من عمره و لعلّ إصابته أثناء وجوده في بيروت عام ١٩٧٥ أصابته بالإجهاد .
كل عامٍ و سيدتنا الكاتبة بخير و لجميع القرّاء و محرري القدس العربي العزيزة
إلى كل الإخوة والأخوات جميعا وبدون استثناء ” سنة جديدة سعيدة على الجميع وكل عام وأنتم بألف خير “
كل عام ولكل (هو..وهي ) بخير …
كل عام وأنت بألف خير سيدة الأدب والحروف
من أجمل ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية
هو لقاءنا الأسبوعي مع قلمك…
للأسف أصبحت اللغة الأجنبية للتباهي والأستعراض فقط
وتطل علينا مغنية ما وتقول بفخر أن الشعب اللبناني يتكلم ٣ لغات في جملة واحدة ( هاي كيفك سافا )!
أما حالة الفوضى على الشاشات والاذاعات فحدث ولا حرج..
وفي السنة الجديدة
( أتمنى ان يكون عاما بلا سقوط …
“أنا سعيد ،فاليوم سقطت ، ولم يطعني صديقي!”
شي واحد يجعلني أعدو بالمشعل …
هو أن الأيدي التي ترميني بالحصى والشوك خلال عدوي،
هي نفسها التي تصافحني مهنئة بعد كل جولة، حينما أصل دون أن أسقط..! )
ختم الذاكرة بالشمع الأحمر
غادة السمان
ونحن نتقدم للاديبة الاستاذة غىادة السمان وللقدس العربي بعيد راس السنة 2019 وهذا المقال افضل معايدة والى نهاية سعيدة للعام القادم ان شاء الله.
الترجمة الصحيحة
وكما استحال الظل للشمس
نحيا غدا كاليوم كالأمس
رائع جدا الأدب وفق الفلسفة الدرزية
يوجد عمق ونكهة الحكمة
أنا معجب بأميرالبيان شكيب ارسلان رحمه الله
الإنسان حيث يضع نفسه ، فبإمكانه أن يحيا بتفاؤل ويعيش حياة سعيدة مهما أصابته الهموم ، وأيضا نفس الشخص بعيش حياة بائسة إذا تشاءم في كل ما يجري من حوله ، فكم من شباب اصابهم الهرم والعجز في حياتهم ، وكم من كبار عاشوا حياة الشباب بأفكارهم وأملهم ومرحهم ، ونصيحة لكل عزيز من القرّاء ، أن يخصص وقتا يوميا له لصحته وعمله ومرحه وضحكه وملبسه وأناقته مهما بلغ من العمر ، وألا يجعل جل وقته لأولاده وأهل بيته ومأكلهم ومشربهم وتعليمهم ، فالاولاد مفارقون من بيته لبيت جديد ، وهو سيظل في بيته ، لذلك اعمل لنفسك قدر ما تعمل لأولادك ، وخطط لكبرك ما تخططه لكبر اولادك .