كم إسلاما لدينا؟

تعمد كل الأنظمة السياسية في العالم، بما فيها الديمقراطية قبل الديكتاتورية إلى تنميط الشعوب ووضعها في قالب واحد يناسب الأنظمة الحاكمة، ويسير على هواها ثقافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وحتى دينياً. فلا تنسوا أن الدين حتى في العالم الإسلامي مجرد أداة في أيدي الحكومات لتطويع الشعوب وتسييرها في الخط الذي يخدم الأنظمة بالدرجة الأولى قبل أن يخدم الشعوب نفسها. وقد سمعنا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل أسابيع وهو يتبرأ من الحركة الوهابية التي عاش عليها نظامه منذ عقود وعقود، فقد قال للصحافة الأمريكية إن الإسلام السعودي المعروف بالوهابي ليس إسلامنا، بل هو نوع من الإسلام الذي فرضته علينا أمريكا لنواجه به الشيوعية. قالها الرجل بكل جرأة مع أن ما قاله يدينه ويدين نظامه قبل أن يدين أمريكا.
ولا ننسى أن كل نظام سياسي يروّج لنوع معين من الدين الذي يناسبه ويناسب أفكاره ومصالحه، حتى لو ادعوا أن الدين واحد لكل البشر. لا أبداً، هذا غير صحيح بالمطلق، فالدين قد يكون واحداً بحد ذاته، لكنه ليس واحداً لكل الأنظمة السياسية، فكل نظام يأخذ الجانب الذي يناسبه من الدين ويعتبره الدين الصحيح، بينما يعادي وينبذ الأشكال والنسخ الأخرى من الدين ويعتبرها «خوارجية». ولطالما رأينا أن المفتي في البلدان العربية التي تدعي أنها علمانية يتصرف بطريقة أكثر علمانية من علمانية فرنسا أحياناً كما في سوريا، ويحاول أن يظهر دائماً بمظهر الليبرالي الراديكالي، ولو طلبوا منه أن يقول عن كارل ماركس أو إيف سان لوران رضي الله عنهما لما تردد. ولا يجد هذا النوع من المفتين مشكلة في تصوير الدين على أنه بالأصل علماني وليس سماوياً، ويستطيع أن يستنبط من التاريخ والفقه الديني العديد من الأمثلة التي تدعم وجهة نظره العلمانية ـ إسلامية. وهذا النوع من المفتين يفعل ذلك مجاراة للنظام السياسي الذي يتبع له بالدرجة الأولى، لأن النظام في سوريا مثلاً بالأصل نظام أقلوي غير إسلامي، ويخشى من الأكثرية المسلمة في البلاد، لهذا يعمد إلى علمنة الأكثرية كي يستطيع العيش بأمن وسلام كأقلية بين أكثرية مسلمة. وبالتالي ستجد أن الطبقة الدينية في مثل هذه الأنظمة تنزع كلها باتجاه التسامح المصطنع والانفتاح المبالغ فيه والعلمنة المفتعلة نزولاً عند رغبة النظام السياسي الحاكم ومصالحه الخاصة أولاً وأخيراً. وهذا يعني أن الدين الذي يمارسه هذا النظام وأمثاله دينهم المصلحي الخاص، وليس الدين بشكله العام.
وكما أن الأنظمة السياسية القريبة من العلمانية تصنع ديناً متعلمناً، فإن الأنظمة المنغلقة والمتزمتة تصنع ديناً خاصاً بها قائماً على التطرف والانغلاق ومعاداة الآخر بما يناسب المؤسسة السياسية الحاكمة ومصالحها والدور المنوط بها. لاحظوا الآن أن النظام السعودي مثلاً تغير نوع الإسلام الذي مارسه منذ نشأته بشكل كامل، ويقلبه رأساً على عقب بما يناسب العهد السياسي الجديد.
لاحظوا مثلاً كيف أصبحت هيئة الترفيه في السعودية الآن أهم بكثير من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف أصبح المطربون والمطربات والفنانون والفنانات أهم من كبار العلماء القدامى في السعودية، الذين أصبح معظمهم في السجون الآن، مع العلم أنهم كانوا قبل أشهر قليلة عماد النظام السياسي في البلاد، لكن بما أن النظام سيتغير، فلا بد أيضاً من تغيير نوعية التديّن في البلاد.
ولطالما فرض الغرب والقوى الاستعمارية على هذا البلد أو ذاك نوعاً معيناً من التدين بما يناسب ويخدم مصالح المستعمر. وقد استخدم الاستعمار الدين لمصالحه الخاصة كما استخدمته الحكومات العربية. وقد لعب الدين دوراً مهماً في تخدير الشعوب وترويضها على أيدي المستعمر لمصالح استعمارية بحتة. ثمة مقولة مأثورة للقس الجنوب أفريقي الراحل ديزموند توتو، انتشرت على نطاق واسع باعتبارها «مقولة ذهبية» تلخص فلسفة هذا «القس المشاغب» المثير للجدل. يقول توتو «عندما جاءت البعثات التبشيرية إلى أفريقيا، جاءوا ومعهم الكتاب المقدس، وكانت معنا الأرض. قالوا لنا: لنصلِّ. أغمضنا أعيننا وبدأنا نصلي، وعندما فتحناها كان معنا الكتاب المقدس، واستولوا هم على الأرض». لاحظوا هنا كيف استخدم المستعمر الدين لتخدير شعوب أفريقيا واللعب بعقولها لنهب ثرواتها وخيراتها. ويحكى أن أحد قادة الاستعمار في أفريقيا ذات مرة سأل عن ديانة إحدى المقاطعات التي يستعمرها، فقالوا له: «ليس لدى سكانها دين يا سيدي»، فقال لهم: «اصنعوا لهم ديناً على الفور».

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

كم إسلاما لدينا؟

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول siddig:

    مقال فى المليان وهذا للأسف حال الأمه منذ امد بعيد، ان السلطة تعمى البصر والبصيره.

  2. يقول هيثم:

    مع كامل الأسف اهتمامات أغلب المعلقين بعيدة كل البعد عن معاناة العرب والمسلمين ومعاناة المواطنين في فلسطين المحتلة خاصة في هذه الأيام العصيبة التي يواجهون فيها الطغيان الصهيوني الخبيث و الغطرسة الأمريكية الكريهة. وما يزال بيننا من يؤمن بإديولوجيات متزمتة ويتشدد في التشبت بمقولات رجعية لا تمت للدين بصلة ويقدمها كأنها خلاص للأمة وحلول لمشاكلها في السياسة والاقتصاد والعدالة الاجتماعية دون أن يدري أنها سبب تخلفنا وتقهقرنا ومآسينا. ولله في خلقه شؤون.

  3. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    اذا اردتم ان تعرفوا كم عدد الإسلام لدينا ….احسبوا عدد تجار الدين …..تحيا تونس تحيا الجمهورية

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    يبقى الدين مستغلا من الكل وكما قال بن رشد ان كان لديك بضاعة فاسدة غلفها بغطاء الدين,فرجال الدين وهيئاتهم جاهزين للتغليف لاي حكومة بغطاء الدين,ولذلك يجب عدم اعطاء رجال الدين اهمية اكثر مما يستحقون فهمة اتخذوا مهنة اسمها رجل الدين كما الكهربائي و الطبيب والمهندس والميكانيكي فهو يعيش من مهنته وما يحصده من مال منها

  5. يقول حسام محمد:

    الأديان بإعدادها الكبيرة عبر التاريخ كانت ولا زالت مطاطة وتفرخ اديانا جديدة، فعند استخدام اي دين في أمور الحياة، تفقد البشرية حريتها وأخلاقها وأفكارها المتجددة وتنصاع حسبما يصيعها صاحب السلطة وممثل الآلهة على الارض، فلا نستغرب انه لدينا اكثر من اسلام.
    اذا اعتبرنا ان الدين هو علاقة الانسان الفرد بربه، فيوجد في العالم الان مليار مائتين مليون اسلام مختلف.

  6. يقول فؤاد مهاني- المغرب:

    “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” قرآن كريم. وفي آيتين أخرتين هموا الفاسقون والمنافقون هي ثلاث صفات لمن لا يطبق كلام الله ويعمل على تجزيء هذا الدين حسب أهوائه السياسية.وكأنه دين كهانة وإكليروس. لكل دولة عربية أو إسلامية دينها الخاص لها مفتيها وفقهاء بلاطها ينسجون الإسلام على مقاس الحاكم بدون تعميم بطبيعة الحال. حتى رمضان الكريم هذا الشهر الفضيل نسيسه ولا نصوم اليوم الأول منه لأن بلد يجاوري أو في مكان ما صام ذلك اليوم ولذا سأعلن الصيام بعد ذلك اليوم أو قبله لأني أختلف مع هذا النظام أو ذاك كما كان يفعل القذافي أو نصوم يوما واحد إذا زال هذا الإختلاف مع دولة أو اكثر.إذن أصبحت حتى شعائرنا الإسلامية لهذا الدين الحنيف الذي أعزنا الله به ألعبوبة بيد الساسة.حتى الغرب وعلى رأسهم أمريكا التي كانت تدعم الأفغان لمقاومة الإتحاد السوفياتي وكانت تعتبر دين الإسلام آنذاك دين متنور وتعمل على تشجيعه ونموه خاصة بباكستان لأنه كان يخدم مصالحها الإستراتيجية فلما حققت أمريكا ما تصبو إليه تحول إلى دين إرهاب وبدأت تقوم بالعكس من ذلك بتشجيع التطرف ورعايته خدمة لمصالحها أيضا. لكن رغم ذلك سيأتي يوم لياخد الإسلام زمام المبادرة مهما حاربوه واستغلوه.فأحداث 11 سبتمبر 2001 جعلت 20 ألف أمريكي يسلمون سنويا زيادة على نمو هذا الدين في كل مكان كأوروبا التي تحتوي على 50 مليون مسلم وهو فتح عظيم لا يقل عن استرجاع الأندلس وربما أكثر من ذلك.

  7. يقول معين:

    نظرتك فيها جزء بسيط من الصحة ولكن في قسمها الاكبر خاطئة وهذا يدل بانك يا دكتور غير متعمق في الاديان والثقافة الدينية انما فقط تفسر كل شيئ سياسيا ؟ ؟ ولمعرفة مواضع الخطأ في تفسيرك اطرح الاسئلة التالية :
    من المسؤول عن نشأة الشيعة او السنة وهل هي حقيقة وما تعريف السنة والشيعة اصلا…وهل هما فعلا متضادان وينفيان بعضهما الآخر؟ ؟ ؟ ؟
    ما سبب تفرق المسلمين لمذاهب شيعية عدة وكذلك سنية عدة ؟ ؟
    ما سبب فشل الحركات الاسلامية الحديثة والقديمة في تغيير المجتمعات وتقديم مشروع اسلامي حضاري ؟ ؟
    هل التطرف او ما يسمى بالغلو في الدين ظاهرة جديثة ام هي قديمة ؟ ؟ ؟
    الاختلافات بين الفئات الاسلامية المختلفة هل هي فقط اعلامية..ام هي موثقة ولها مصادر ثقافية وتعريفات وتفسيرات مكتوبة؟ ؟ ؟
    واترك لكم يا دكتور الاجابة على تلك التساؤلات لتعرف انه ليس المشكلة في الانظمة العربية فقط…بل في قسمها الاعظم في ما تسمى بالثقافة الاسلامية التي تحتوي على خلافات حقيقية ومعضلات لن يحلها الشخص العادي وتحتاج لتضافر جهود جميع الفرقاء واعادة تعريف وهيكلة ووضع الضوابط الجديدة وفقا للقرآن..واعتمادا على العقل والمنطق اللذين يدعمان او يمثلان الفطرة السليمة..وكذلك بالاعتماد على خلاصة التقدم لدى المجتمعات الانسانية الراقية.

  8. يقول أمين زبن فلسطين:

    ومن لم يستعمل للوصول الي أهدافه الفئوية والسياسيه.؟ اول من استعمل الدين ، هُم الاخوان المسلمين. والكل في الهوي سوئ

  9. يقول Zed malaysia:

    قبل حوالي ثلاثة او اربعة عقود كنا و نحن صغار نسمع الكبار يقولون دين الزح و لا احد يعلم معناه و كبرنا نردد الكلمة و لا نعلم معناها حتى سافرت إلى إحدى الدول الآسيوية فرأيت دينا لم أره من قبل فقلت لعل هذا هو الدين الذي يقصدون في الجزائر دين ( الزح) و لكني الآن تأكدت أن دين الزح هو الذي ارادنا حكام العقدة اتلرامبوصهيونية أن ندين به فمن أراد أن يعتنق دين الزح فما عليه إلا أن يشهد لترامب بانه هو المخلص و لا حول ولا قوة إلا بالله

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية