أوتاوا ـ «القدس العربي»: تصاعدت المظاهرات وحملات المناصرة للقضية الفلسطينية في العديد من المدن بكندا، مع اندلاع الأحداث الأخيرة في مدينة غزة، رغم الحظر الحكومي الصارم لكل ما له علاقة بدعم القضية الفلسطينية أو الاستنكار للاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين.
وشهدت العديد من المدن الرئيسية في كندا، وفي مقدمتها العاصمة أوتاوا، مظاهرات حاشدة، نضمها كنديون من أبناء الجالية الفلسطينية ولقيت تفاعلا وحضورا كبيرا من أبناء الجاليات العربية والإسلامية، وتعاطفا متفاوتا من أبناء الجاليات الأخرى، الذين ينظرون إلى القضية الفلسطينية قضية تحرّر عادلة وفقا للقانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان. وحظيت أحداث غزة بتفاعل كبير وزخم واسع من الاهتمام غير المسبوق، من قبل الشارع الكندي على مختلف مستوياته، رغم التحذيرات الحكومية المشددة بعدم قانونية المظاهرات أو المنشورات المؤيدة للقضية الفلسطينية، على اعتبار أن المناصرة لأحداث غزّة سيعني بطبيعة الحال تأييدا لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس» المصنفة في كندا في قائمة المنظمات الإرهابية، بالإضافة إلى أن الخطابات المؤيدة للفلسطينيين سيصنف ضمن خطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد أبناء الجالية اليهودية في كندا.
وتعاملت كندا مع أحداث غزّة الراهنة وكأنها قضية محلية كندية، لكثرة ما تناولتها في وسائل الإعلام الحكومية والمعارضة والخاصة، والتغطيات المطوّلة التي حضيت بها، بحكم التواجد الكبير لأبناء الجاليتين اليهودية والفلسطينية في كندا، وضرورة الحيلولة دون وقوع أي حوادث أو أعمال عنف جراء تداعيات الأحداث في غزة الفلسطينية.
وعلى الرغم من محاولة الحكومة الكندية إظهار المساواة في تعاملها مع حقوق مواطنينها من أصول فلسطينية أسوة بنظرائهم من المواطنين الكنديين اليهود، والذين تأثروا جميعا من الأحداث الراهنة في غزة، إلا أن الخطاب السياسي الحكومي والمعارض بدا واضحا غير منصف وغير عادل في الأحداث الراهنة، حيث انحاز بشكل واضح ومعلن مع إسرائيل والذي اعتبرها تجابه أعمالا إرهابية، وغض الطرف عن القصف الإسرائيلي الشامل والمدمّر للأعيان المدنية والقتل المقصود للمدنيين الفلسطينيين.
حملات العداوة المنظمة
وأعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والعديد من قادة حزبه الليبرالي وكذا قادة الأحزاب المعارضة تأييدهم الصريح للقصف الإسرائيلي على غزة، بشكل يخالف حتى المعايير الدبلوماسية للوقوف على الحياد في أي صراع بين أطراف خارجية، ما بالك بين أطراف لها امتدادات وحضور فاعل في في النسيج الاجتماعي الكندي.
وقال ترودو في عدة خطابات وتغريدات له في حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي «تدين كندا بشكل لا لبس فيه هجوم حماس ضد إسرائيل ـ ونحن نقف متحدين مع الشعب الإسرائيلي». وأوضح أن «هذه كانت هي الرسالة التي شاركتها مع الجالية اليهودية في أوتاوا ومع الجميع في تجمع التضامن مع إسرائيل بالأمس».
وفي معارضته الشديدة للمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بكندا، قال ترودو «إن تمجيد العنف أمر غير مقبول على الإطلاق في كندا ـ من قبل أي مجموعة أو في أي موقف. إنني أدين بشدة المظاهرات التي جرت، والتي تجري، في جميع أنحاء البلاد دعما لهجمات حماس على إسرائيل، فلنقف متحدين ضد الأعمال الإرهابية».
وأضاف «لقد جمعت الوزراء والمسؤولين معًا في اجتماع لمجموعة الاستجابة للحوادث، ولقد ناقشنا الهجمات الإرهابية التي تشنها حماس ضد إسرائيل، واهتمامنا بحياة المدنيين، والتزامنا بتنسيق الجهود مع الشركاء العالميين».
ولأول مرة تتوافق مواقف زعيم المعارضة الكندية بيير بوالييفر مع موقف رئيس الوزراء، حيث قال بوالييفر حيال أحداث غزة «لا يوجد مكان لتمجيد الإرهاب في كندا أو في أي مكان آخر. إن قتل حماس واغتصابها للمدنيين الإسرائيليين الأبرياء أمر حقير. ويدين حزب المحافظون مظاهر الكراهية ومبررات القسوة التي أعقبت الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل».
وأصيب الوسط السياسي الكندي منذ بدء أحداث غزة الراهنة بحالة من الهوس وحملات العداوة المنظمة ضد كل ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي، لدرجة أن ارتداء الحطّة أو الكوفية الفلسطينية في أي مكان عام يمكن أن يكون سببا في الاعتداء على مرتديها، لاظهار التأييد أو المناصرة لإسرائيل.
وأصدرت العديد من الجهات الحكومية وبالذات المدارس العامة توجيهات أو توصيات بعدم ارتداء الشعارات أو الرموز الدالة على هوية صاحبها العرقية أو الدينية حتى لا يتعرض للأذى من قبل أطراف أخرى معارضين له في الاتجاه، المتأثرة بحمّى الأحداث في غزة.
وفي خطوة غير مسبوقة، أقدمت شركة الطيران الكندية الوطنية «إير كندا» بفصل الكابتن طيار الكندي من أصول فلسطينية مصطفى عزو لارتدائه الحطّة «الكوفية» الفلسطينية ومشاركته في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين الأسبوع الماضي في أوتاوا ونشر صوره في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت «إير كندا» في تغريدات لها «نحن على علم بالمشاركات غير المقبولة التي قام بها طيار في شركة طيران كندا. نحن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد، وقد تم فصله من الخدمة يوم الاثنين 9 تشرين الأول/أكتوبر. ونحن ندين بشدة العنف بجميع أشكاله». وأضافت «يمكننا أن نؤكد أن الطيار المعني لم يعد يعمل لدى شركة طيران كندا، بعد العملية التي بدأت يوم الاثنين».
الإعلام يفقد مهنيته
وفي ظل هذا التوجه السياسي العام فقد الإعلام الكندي الحكومي والأهلي مهنيته بالانحياز التام للجانب الإسرائيلي على حساب حقوق الضحايا المدنيين من الفلسطينيين الذين سقطوا أمام عدسات الكاميرات وعلى مرأى ومسمع من إعلام العالم، والذين قد يتجاوز عددهم مقدار ما سقط من الإسرائيليين، الذين يعتقد أن أغلبهم عسكريين وقضوا في مواقع عسكرية.
ورغم الضغوط الحكومية إلا أن موقف أجهزة الشرطة الكندية كان موضوعيا إلى حد ما، حيث أعلنت أنها رفعت جاهزيتها القصوى لحماية كافة المنشآت الدينية والعرقية في المناطق التي تتواجد فيها جاليات إسرائيلية وفلسطينية ومسلمة لحمايتها من أي اعتداء محتمل، ودعت كافة الأطراف إلى الإبلاغ عن أي تهديدات أو خطاب كراهية قد يمسها بأذى، وأنها تتعامل مع كافة الكنديين بعين المساواة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية.
وقالت مصلحة الشرطة في أوتاوا في بيان لها «ما زلنا نرى تجمعات سلمية للسكان وسنكون هناك لحماية الأفراد وحقوقهم». موضحة أنه لا يوجد أي تسامح مع حوادث أو جرائم الكراهية في أوتاوا. مشيرة إلى أن المجتمع الكندي مجتمع متنوع ومن المهم في مثل هذه الأوقات معرفة أن الشرطة هي لدعم سلامة الجميع.
من جانبه أعرب المجلس الإسلامي الكندي، وهو مجلس فاعل مكون من نخبة من المحامين والنشطاء الكنديين، في بيان له عن أسفه عن تلقيه العديد من البلاغات التي توصف ضمن خطاب الكراهية أو التحريض على العنف ضد كنديين من أصول فلسطينية أو من خلفيات إسلامية، وطالب الحكومة بشدة بالوقوف على الحياد في مثل هذه المواقف التي قد تهدد السلم الاجتماعي.