منذ عام 1960 تنبأ الأكاديمي المنظر مارشال مكلوهان بأن مجيء وازدياد التواصل الإلكتروني سينقل الأنظمة والعلاقات الاجتماعية من حالة الاستقرار والسلام المدني إلى حالة رجوع ما سماها بالعلاقات القبلية. وقد قصد بالعلاقات القبلية التفريخ المتنامي لأشكال لا حصر لها من الولاءات والاصطفافات الفرعية الملائمة لفكر وثقافة وسلوك وتحيزات ونفسية الفرد.
وكنتيجة لتلك الولاءات والانحيازات، في السياسة والعادات والملبس، والميول الجنسية، والتعصبات العرقية والتشنجات الدينية والمذهبية، والسلوكيات العدوانية تجاه الأطفال أو المرأة أو الآخرين… ستنتج صراعات وتراجعات للانسجام والتناغم الإنساني، ما سيؤدي إلى أزمة خطرة في هويات المجتمعات، ستتراجع الهوية المجتمعية والوطنية الجامعة وستسود الهويات المفرِقة المجزِءة.
ما أخاف مارشال مكلوهان هو أن بروز تلك العلاقات القبلية والوصول إلى أزمة الهوية الوطنية، سيدمران الأسس التي قامت عليها الأنظمة الديمقراطية في الغرب، وسيقودان إلى علاقات العنف واجتثاث الآخر. وهذا سيعني تراجعا كبيرا في الحياة السياسية وصعودا كبيرا للبربرية والتوحش.
اليوم بدأت نذر تلك النبوءة تظهر في الغرب، وبدأ العديد من الباحثين الاجتماعيين وكتاب السياسة يتحدثون عن اقتراب مجتمعاتهم من معركة وجودية، بين تكنولوجيا التواصل الإلكتروني الاجتماعي، بتنظيماتها وممارساتها الحالية المليئة بالسلبيات، والنظام الديمقراطي برمته. ويعطون كأمثلة على نذر تلك المعركة الوجودية ظاهرة الصعود المذهل للحركات والأحزاب الشعبوية المعادية للأجانب واللاجئين السياسيين، ولكل أنواع التسامح مع الآخر، وظاهرة الممارسات النرجسية السياسية من قبل بعض القادة السياسيين المنتخبين، أمثال الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. فإذا كان الغرب يواجه إشكالية مع التواصل الرقمي الذي أطلق عنان العواطف والسلوكيات المريضة في الحياة السياسية، فإننا نستطيع أن نتصور المخاطر الهائلة التي تنتظرنا، نحن في المجتمعات العربية التي تعاني من صراعات تاريخية متخيلة، ومن انقسامات مذهبية طائفية، ومن تركيبات سكانية معقدة، ومن أعداء خارجيين يؤججون الانقسامات ليل نهار لتفتيت هذه الأمة، ومن استعمالات انتهازية داخلية لإدخال مجتمعاتنا في خلافات أيديولوجية وصراعات ولائية ضيقة لصالح هذا الحكم أو هذه القبيلة، أو ذلك الدين والمذهب أو ذاك الحزب.
يكفي أن يقوم بضعة أشخاص أو تقوم جهة استخباراتية في الكيان الصهيوني أو بعض الدول الطامعة في ثرواتنا بنشر شتم وتجريح للمذهب الشيعي، على سبيل المثال، والإيعاز الوهمي بأن ذلك صادر عن جهة سنية، ثم إتباع ذلك بمناوشات وهمية لشتم وتجريح المذهب السني، على سبيل المثال أيضا، حتى تشتعل نار مدمرة من الحقد والكراهية والادعاءات التاريخية العبثية في طول وعرض وسائل التواصل الإلكتروني العربية.
بدأ باحثون اجتماعيون وسياسيون يتحدثون عن اقتراب مجتمعاتهم من معركة وجودية، بين تكنولوجيا التواصل الإلكتروني الاجتماعي، والنظام الديمقراطي برمته
لسنا نضرب مثلا نظريا هنا، فهذا يحدث يوميا ويشاهد ويقرأ يوميا في التبادلات الطفولية البليدة عبر وسائل التواصل الرقمي، بأشكاله المختلفة ، خصوصا أن نسبة من يملكون ويستعملون تلك الوسائل من أفراد الشعوب العربية قد وصلت إلى أكثر من أربعين في المئة كمعدل وسطى. وبالطبع فإن إنتشار الأمية والضعف الشديد في أسس ومناهج ووسائل التعليم قي مدارسنا وجامعاتنا، الذي ينتج عنه تسطيح في الثقافة، وعجز في القدرة على الشك والتمحيص والتحليل والرجوع إلى مصادر المعلومات الموثوقة، لا يمكن إلا أن تؤدي جميعها إلى تسهيل مهمة أي كذاب أو حاقد على هذه الأمة. ولعل أكبر انتكاس، بسبب كل ذلك، سيكون لمحاولات انتقال المجتمعات العربية إلى أنظمة ديمقراطية معقولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فإذا كان لدى الغرب مخاوف فإن لدينا كوابيس مرعبة.
في الغرب يتحدثون عن وضع ضوابط قانونية وتنظيمية من قبل سلطات الدول، ومن قبل الشركات المالكة لتلك الرسائل التواصلية الرقمية، على شرط أن لا يتم ذلك على حساب مبدأ الحرية الفردية المعقولة والحريات المدنية، وبالطبع فلن تكون الضوابط والتنظيمات فيها شطط بسبب قوة مؤسسات المجتمع المدني لديهم. ولكن ماذا عنا نحن العرب؟ نحن حتما سنحتاج لضوابط ولتنظيم الموضوع برمته، وهو أمر سيكون مليئا بالمخاطر، إذا قامت به أنظمة سياسية غير ديمقراطية، وإذا لم يكن هناك تشارك فاعل من مؤسسات المجتمع المدني، ولكن ، بالنسبة لنا، سنحتاج إلى خطوات كثيرة تصحيحية ذاتية في المجال الرقمي قبل أن ننتقل إلى مرحلة الضوابط والتنظيمات القانونية.
هذا ماسنحاول أن ندخل في تفاصيله ، كوجهة نظر ومقترحات، في مقال مقبل.
كاتب بحريني
استاذنا الكبير على فخرو
مارشال ماك لوهان القائل بأن وسائل الاعلام جعلت من الكرة الأرضية ” قرية كونية” يحذر أيضا مما تفضلت به أعلاه. الواقع ان التقدم العلمي في الرقميات لا يمكن ان يتوقف بل سيتضاعف ومضاعفاته الاجتماعية فيها ما هو إيجابي وما هو سلبي فالاعلام قبل الثورة الإعلامية الثالثة ( تزاوج المعلوماتية وتقنيات الفضاء) كان عموديا أما اليوم فبات عموديا وافقيا بمعنى أن الفرد بات فاعلا في الاعلام عبر الفيس بوك وتويتر ويوتيوب وسواها وهذه إيجابية في مواجهة الاعلام العمودي الرسمي الموجه
بدأ باحثون اجتماعيون وسياسيون يتحدثون عن اقتراب مجتمعاتهم من معركة وجودية، بين تكنولوجيا التواصل الإلكتروني الاجتماعي، والنظام الديمقراطي برمته
نص يعبر عن فئات ظلمت وطمس عرقها وأصلها،وأصبحت تائهة في الارض، ولا تلقي اي اهتمام من جانب الحكومات المظلمه التي اختطفت الدين، والسياسه.
وبالتالي يحق لهذه الفئات أن تسترد حقوقها المهمه التي سرقت
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ 5