حدثني صديق أردني عن جهاز فحص الحرارة الذي يتعامل معه كل صباح منذ اندلعت أزمة الفايروس كورونا.
يقف الحارس الأمني على بوابة المؤسسة، وهي جماهيرية بالمناسبة وليست نخبوية، شامخا وبكامل هيئته وهيبته وبالأزياء والإكسسوارات التي تناسبها على البوابة ولا يسمح بمرور أو عبور أي موظف أو زائر دون الفحص والخضوع لقياس الحرارة.
لكن المفارقة أن جهاز الفحص يسجل للشهر الرابع على التوالي نفس درجة الحرارة دون زيادة أو نقصان لجميع الموظفين حيث العلامة الوحيدة التي تصدر عن الجهاز حتى اللحظة هي « 32 « بمعنى علمي يقول إن من يعبرون تحت هذا الفاحص توفاهم الله أو في طريقهم للقبور في أحدث نسخة عصرية من»زومبي» لكن على الطريقة المحلية.
فانتازيا… الجهاز الفاحص عمليا معطل أو لا يعمل لكن الحارس الذي يحمله ومسؤول الطاقم الأمني لا يعرفان ذلك. والغريب أن المدير العام لنفس المؤسسة يعبر من تحت نفس الجهاز والفحص وحرارته مثل غيره من الموظفين فيبتسم ويمضي. الطاقم المعني بهذا الأمر لا يبدو مقتنعا إطلاقا بأهمية قياس فحص الحرارة وكل المسألة تتعلق بتعليمات وزير الصحة المتشدد والذي دخل قلوب الأردنيين ويتحول مع الوقت إلى مستويات الإفتاء بكل القضايا بحكم واجبات وظيفته طبعا، فهو يتحدث عن المطار وعن المدارس والجامعات والاستثمار، بينما يبلغني طبيب وجنرال سابق بأن احتواء الفايروس في موجته الأولى تضمن أداء رفيع المستوى، لا يمكن انكاره لكن عدد الوفيات جراء إهمال بقية الأمراض المزمنة في مستشفيات الحكومة بعد التركيز فقط على كورونا وإهمال الباقي لا أحد يلتفت إليه.
صاحبنا الجنرال يريد منا التدقيق في سجلات مرضى غسيل الكلى وما يحصل من إهمال طبعا غير مقصود في مشافي القطاع العام بخصوص الأمراض المزمنة أو الخطيرة الأخرى، فكل النخب في الحكومة والقطاع الطبي والسياحي والاستثماري في حالة تركيز وهتاف لها علاقة بكورونا فقط حتى أن وزارة الصحة بدأت تسمى في التغريدات الشعبية «وزارة الكورونا».
وحتى أنني ضحكت أمام أحد وزراء الحكومة وهو يطلق على زميله وزير الصحة لقب «سعد بن جابر» في استعارة تؤكد على النشاط المذهل الذي يقوم به الرجل مع أن وزارته وعدت الأردنيين سابقا بأن الفايروس كورونا عليه اللعنة «جف ومات» ليتبين وكما أبلغتنا لجنة الوباء الوطني أنه لم ينشف ولا يزال على قيد الحياة بل طرق أبواب الناس في الحارات وداخل أبنية لم يطرقها سابقا رغم أن البلاد مغلقة.
لا أحد في الحكومة يريد أن يكرس ثقافة حصول الخطأ وتحمل مسؤوليته وعلبة الاتهامات دوما جاهزة وقد تصل إلى التخوين والتكفير عند أي ملاحظة عامة على شخصية عامة
بكل حال ثمة إهمال وتقصير معترف بهما عندما يتعلق الأمر بتداعيات كورونا في المخيلة الشعبية الأردنية على الحدود تسببت بالموجة الثانية وثمة ما يسميه أطباء الوباء بـ«تهاون» الغريب لا يوجد متهاونون حتى الآن ولا مقصرون ولا متهمون بالتسبب بالخلل.
وتلك صيغة غير مألوفة من الشفافية على الطريقة المحلية حيث نصف المعلومة أو ربعها تكفي لتخدير الشعب المسكين، وحيث حكومة حملت لواء مشروع النهضة تريد إقناعنا بأنها حققت انجازا عظيما لم يكن يحصل في الماضي باسم الإقرار بحصول تقصير وبأن المصلحة الوطنية العليا تتطلب عدم التأشير على وجود مقصرين.
بكل حال يحصل ذلك دائما، ومن الطرائف ما حصل أمامي في مدينة العقبة، فشرطي المرور ينظم حركة السيارات بكفاءة مرتديا كمامة ووجَّه إلي إشارة التوقف، فجأة أطلَّ من الرصيف المقابل رجل بدشداشة وصاح في الشرطي، فاندفع الثاني إليه وتبادل معه الأحضان ثم القبل، وما أثار استغرابي شخصيا أن رجل الأمن وهو شاب جزاه الله عنا كل خير كان يرتدي الكمامة أثناء العمل وعندما اتجه صوب الصوت أزالها بمعنى أنه تبادل الأحضان والقبل وفقا للطريقة التقليدية، فمن المعيب عندنا وفي مجتمعنا أن تقابل صديقا أو قريبا وتقبله بكمامة.
وقفت أمام الرجلين بعد الأحضان الحارة وشعرت بالغيرة على الفتى وقلت له: يا رجل أرجوك لا تقبل الآخرين فالوطن يحتاجك، ضحك الشرطي الشاب وطلب مني أن لا أقلق ثم خاطبني الرجل الثاني قائلا إن الشرطي إبن عمه وقابله بالصدفة وأن تطبيقات الأمان الحكومية تظهر عدم إصابة أي منهما. لو تدخلت أكثر مدعيا النصح لحصلت مشكلة.
بالتوازي ألاحظ كما يلاحظ غيري بأن وزراء الحكومة وكبار المسؤولين فيها يظهرون أمام الإعلام بلا كمامة مع أن أوامر الدفاع تنص على مخالفة الظهور في المرافق العامة بدون الكمامة.
حتى وزير الصحة شوهد على الشاشة يصافح بعض الأطباء بدون كمامة، فيما كان رئيس الوزراء يخاطب الشعب عند زيارته لأحد الأطقم الطبية، والشباب المعنيون هنا بكامل هيئتهم الطبية.
مرة جديدة لا أحد في الحكومة يريد أن يكرس ثقافة حصول الخطأ وتحمُّل مسؤوليته وعلبة الاتهامات دوما جاهزة وقد تصل إلى التخوين والتكفير عند أي ملاحظة عامة على شخصية عامة.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
…يعني ان تكون درجة الحرارة دوما 32. لا اعتقد ان هناك خطا من الجهاز بحد ذاته.انما الناس كلها اصبحت( باردة) . متساوية في درجة حرارتها بالنسبة للقضايا الساخنة.
تهاون بدون متهاونين …. وهل تستغرب علينا ذلك ونحن اول دولة في العالم فيهل فساد متفشي وواضح ولكن لا يوجد فيها فاسدون
*الحكومة بشكل عام ووزارة الصحة بشكل خاص
حاربوا وما زال يحاربون (كورونا) بكل الطرق الممكنة.. شكرا لهم وبارك الله فيهم.
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين.
هلا خالي