عواصم: قررت أغلب دول المنطقة، اتخاذ إجراءات تقشفية بجانب الحزم التحفيزية لتخفيف الأضرار، مع تفاقم الخسائر المالية لاقتصاداتها بسبب تداعيات تفشي جائحة “كورونا”، ما يُنبيء الشعوب بموعد مع “شهور عجاف قد يطول أمدُها”.
واتجهت الدول العربية إلى تقليص الإنفاق العام في ظل تداعيات “كورونا” على الميزانيات الحكومية، في مقدمتهم السعودية وعُمان ودبي، بينما لمحت عدد من الدول حول إجراءات تقشفية محتملة بالفترة المقبلة كمصر والعراق.
وتوقع جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، تراجع صادرات الدول المصدرة للنفط بمنطقة الشرق الأوسط، بمعدل 220 مليار دولار خلال 2020، بضغط تداعيات “كورونا” على الاقتصاد العالمي.
وقدر أزعور، في تصريحات صحافية، أن العجز المالي لدول المنطقة من المتوقع أن يتجاوز 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي.
وطالب مدير إدارة الشرق الأوسط، بوضع المزيد من السياسات المالية والنقدية، مثل تعزيز الدعم الاجتماعي والمساعدات والتسهيلات الضريبية والضمانات الحكومية والدعم المالي والتمويلي لتخفيف صدمة “كورونا”.
وأوضح أن دول المنطقة، أنفقت 64 مليار دولار على إجراءات مواجهة كورونا، كما تحركت البنوك المركزية بسرعة، وتم ضخ أكثر من 47 مليار دولار من السيولة في دول المنطقة خلال الأسابيع الأولى من الأزمة.
قررت السعودية (أكبر اقتصاد بالمنطقة)، الإثنين، وقف صرف بدل غلاء المعيشة لمواطنيها بدءاً من يونيو/ حزيران المقبل، كإحدى أدوات ترشيد الإنفاق الذي باشرت تطبيقه مؤخرا، لمواجهة تراجع الإيرادات الناجمة عن هبوط أسعار النفط، والتبعات الاقتصادية لجائحة كورونا.
كما زادت نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 بالمئة إلى 15 بالمئة، بدءاً من يوليو/ تموز 2020.
تأتي هذه الإجراءات، استكمالاً للقرارات المتخذة مسبقاً بخفض الإنفاق في الميزانية بنسبة 5 بالمئة وتجميد نشاطات وإلغاء أخرى، للحد من تفاقم الآثار السلبية للأزمة من مختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والاقتصادية على البلاد.
وتبلغ قيمة الإجراءات التقشفية بالمملكة نحو 100 مليار ريال (26.66 مليار دولار)، شملت إلغاء أو تمديد أو تأجيل لبعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية، لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي.
أصدرت إمارة دبي، الشهر الماضي، تعميماً بشأن خفض الإنفاق الرأسمالي بواقع النصف على الأقل، وتقليص النفقات الإدارية والعامة بما لا يقل عن 20 بالمئة، ووقف التعيينات الجديدة حتى إشعار آخر، لتجنب تداعيات الفيروس.
وأبلغت دبي، جميع الهيئات الحكومية بتعليق جميع مشاريع التشييد التي لم تبدأ حتى إشعار آخر، وعدم السماح بأي زيادات في الإنفاق لمشاريع البناء الجارية.
ونص التعميم على خفض المصروفات الرأسمالية بحد أدنى 50 بالمئة، مع الأخذ بعين الاعتبار إيقاف العمل بالمخصصات المالية لبنود (السيارات، الأثاث، البرمجيات، جميع المبالغ المخصصة للاستبدال والإحلال).
بينما نفت وزارة المالية الإماراتية، وجود أي خطط في الوقت الراهن لرفع ضريبة القيمة المضافة البالغة 5 بالمئة أسوة بالسعودية.
بالنسبة لمصر، أوعز رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأربعاء، لأعضاء حكومته البدء بتنفيذ خطة لضبط وترشيد النفقات، في خطوة تهدف لمواجهة التبعات الاقتصادية والمالية لجائحة كورونا.
ونقل إعلام محلي عن مدبولي قوله، إن القرار الحكومي يتزامن “مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها العالم حاليا بسبب تداعيات جائحة كورونا”، معربا عن أمله ألا تطول هذه الفترة.
والأسبوع الماضي، رفعت الحكومة توقعاتها لعجز ميزانية السنة المالية الحالية 2019/ 2020، حتى 7.9 بالمئة، صعودا من 7.2 بالمئة بحسب توقعات سابقة.
كما قامت سلطنة عمان إجراءات تقشف إضافية في نفقات موازنتها للعام الجاري، لمواجهة التبعات الاقتصادية السلبية لتفشي جائحة كورونا، وهبوط أسعار النفط الخام.
وفي هذا الصدد، أصدرت وزارة المالية العمانية الشهر الماضي، 13 منشورا ماليا تستهدف خفض الإنفاق العام بقيمة 500 مليون ريال (1.301 مليار دولار) بميزانية السلطنة خلال عام 2020.
وزادت السلطنة من إجراءاتها، وقامت، الأربعاء، بإجراء تخفيض إضافي بنسبة 5 بالمئة على الموازنة المعتمدة لجميع الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية لعام 2020، ليصبح إجمالي التخفيض بنسبة 10 بالمئة.
وأعلنت البحرين، في 22 أبريل/ نيسان الماضي، خفض إنفاق الوزارات والهيئات الحكومية بنسبة 30 بالمئة لمساعدة البلد على اجتياز تداعيات تفشي فيروس كورونا.
كما ستعيد أيضا جدولة بعض مشاريع الإنشاءات والاستشارات، كي لا يخرج الإنفاق عن الحد المقرر في ميزانية 2020 ولإفساح المجال لتمويل متطلبات أخرى يفرضها انتشار الفيروس.
أقرت الحكومة الكويتية، الشهر الماضي، إعادة النظر في أرقام ميزانية العام المالي 2020/2021 الذي بدأ مطلع أبريل 2020.
وتتضمن التوصيات، قيام وزارة المالية بإعادة النظر في الميزانية بما يحقق أقصى ترشيد ممكن في بنودها، من خلال إلزام الوزارات والمؤسسات بتخفيض 20 بالمئة على الأقل، تعادل نحو 4.5 مليار دينار (14.6 مليار دولار).
وشملت المقترحات، عدم المساس بالبند الأول “الرواتب والأجور”، وتأجيل جميع المشاريع الإنشائية التي لم يجرِ التعاقد عليها، كذلك إعادة النظر في المشتريات العسكرية والعمل على تأجيل أو تخفيض حجم المشتريات.
في الأسبوع الأول من مايو/ أيار الحالي، أعلنت الجزائر، أنها رفعت نسبة تقليص نفقات تسيير الدولة من 30 إلى 50 بالمئة، لمجابهة تداعيات انهيار أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس للبلاد.
وفي بداية الأزمة، أعلنت الحكومة الجزائرية، خطة تقشفية جديدة بسبب الأزمة النفطية، تضمنت خفضا لنفقات الدولة بواقع 30 بالمئة، تشمل خفضا لنفقات الدولة والمؤسسات التابعة لها دون تحديدها.
وتضمنت الإجراءات الجزائرية خفض شركة سوناطراك الحكومية للمحروقات، الأكبر في البلاد، نفقاتها بواقع 7 مليارات دولار للعام 2020، نزولا من 14 مليار.
ومن قرارات الحكومة، خفض فاتورة الواردات بواقع 10 مليارات دولار، نزولا من 41 مليار دولار في 2019، إلى 31 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وتتوقع الجزائر تراجع احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار بنهاية العام الجاري، نزولا من 62 مليار دولار نهاية 2019.
وفي فلسطين زاد ركود الاقتصاد المحلي في ظل إغلاق المئات من الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة نتيجة الإغلاق بفعل أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وفي ضوء تقلص الإيرادات أعلنت فلسطين أنها ستنفذ ميزانية تقشف طارئة لمدة ستة أشهر، بدءًا من أبريل/ نيسان، وذلك مع إعطاء أولوية قصوى لتمويل نظام الرعاية الصحية وتوفير شبكة أمان للفقراء.
ودفعت الأزمة الحكومة الفلسطينية، إلى مطالبة إسرائيل بدفع مبلغ ثابت يبلغ حوالي 140 مليون دولار، وذلك من عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن الفلسطينيين حتى سبتمبر/ أيلول المقبل لدعم ميزانية الطوارئ.
وحسب بيانات حكومية، تكبدت خزينة السلطة الفلسطينية خسارة بفعل تراجع الإيرادات المحلية ليرتفع العجز فيها إلى نحو 1.4 مليار دولار.
على صعيد الأردن، أشارت إلى أنها تخطط لتخفيضات كبيرة في الإنفاق لتعويض تراجع حاد قدره 600 مليون دينار (846.26 مليون دولار) في الإيرادات حتى أبريل نيسان مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
وكما أعلنت الحكومة أنها لا تعتزم حاليا فرض أي ضرائب جديدة، وهي المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، أو خفض تكاليف الرواتب التي تتكلف 600 مليون دينار شهريا (846.3 مليون دولار).
منتصف أبريل الماضي، أقرت الحكومة التونسية حزمة مراسيم ذات علاقة بأزمة “كورونا” تتضمن قرارات وإجراءات استثنائية تهم المجالات المالية والاقتصادية.
يأتي هذا وسط توقعات بركود اقتصادي غير مسبوق لتونس التي ترجح أن تشهد ركودا أكثر من 4.3 بالمئة لأول مرة منذ الاستقلال في 1956.
وصادق مجلس الوزراء في تونس، خلال اجتماعه مساء الاثنين على حزمة قوانين تضمنت سن إجراءات ضريبية ومالية لدعم الميزانية للتخفيف من حدة تداعيات انتشار كورونا.
وحتى الآن لم يعلن العراق بشكل رسمي عن أية إجراءات، رغم خسارة أكثر من 11 مليار دولار على أساس سنوي في الأربعة أشهر الأولى من العام 2020 جراء انخفاض أسعار النفط، حسب بيان شركة سومو الوطنية المتخصصة ببيع النفط (حكومية).
ويرجع عدم إقرار إجراءات تقشفية في العراق إلى حالة عدم الاستقرار السياسي، إلا الضغوط الاقتصادية لتفشي كورونا وستدفع إلى حتمية تقليص النفقات بسبب التضرر الكبير في أسعار النفط.
(الأناضول)