الرباط – «القدس العربي»: في بدايات انتشار الفيروس التاجي في المغرب، منح العاهل المغربي محمد السادس عفواً لما مجموعه 5654 سجيناً في البلاد لأسباب إنسانية، ولمنع انتشار فيروس «كورونا» المستجد.
وتم اختيار المستفيدين من العفو «على أساس معايير موضوعية وإنسانية بحتة، مع مراعاة سنهم وحالتهم الصحية غير المستقرة ومدة احتجازهم، وكذلك حسن السلوك والانضباط الذي أظهروه طوال فترة سجنهم»، وفق بيان وزارة العدل الصادر آن ذلك العفو.
في مقابل هذا العدد، اعتقلت السلطات المغربية أكثر من 81 ألف شخص بتهم «خرق حالة الطوارئ»، منذ بداية سريانها رسمياً في البلاد منذ آذار/ مارس الماضي.
وقدر وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي الفتيت، عدد الاعتقالات بحوالي «2000 شخص يومياً»، معتبراً هذا «الرقم بسيطاً مقارنة بعدد من الدول».
أضيف هذا العدد إلى مجموع المعتقلين والسجناء بالسجون المغربية، التي لم تعد تتسمّعُ طرقات الجائحة على قضبان الزنازين، بل نفذت إلى داخلها قابضةً روح سجين بطنجة، ومصيبةً 428 آخرين في سجون متعددة بالبلاد، بين سجانين ومسجونين.
بيان صادر عن «المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج»، أكد أن «حصيلة الإصابات داخل السجون ارتفعت إلى 428»، موضحاً أن إجمالي الإصابات بين السجناء «بلغ 331، بينها 97 حالة بين موظفي السجون».
بيان آخر صدر عن ذات المؤسسة السجنية الرسمية، رداً على رسالة «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، إلى رئاسة الحكومة، حذرت فيها من الإصابات الكبيرة داخل السجون المغربية.
وقالت المندوبية إنه من «أصل 268 سجيناً مصابين بالفيروس الذين تم إخضاعهم للبروتوكول العلاجي المعمول به، تماثل 229 منهم للشفاء (أي 85.44 بالمئة)، فيما لا يزال السجناء المصابون المتبقون يخضعون للعلاج تحت مراقبة طبية مستمرة». وأضاف البيان أن «60 من أصل 66 موظفاً مصابين بالفيروس تماثلوا للشفاء، (أي 93.75 بالمئة).
وبين أرقام «كورونا» وأرقام السجناء المقدر عددهم رسمياً في السجون المغربية بـ80 ألف نزيل، تتعالى أصوات الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، المطالبين من جهة بضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسين، والمحذرين من جهة أخرى من الازدحامات داخل السجون.
استهانة بخطورة الوضع
الناشط الحقوقي عبد الرزاق بوغنبور، في حديثه لـ»القدس العربي»، يؤكد أن «السجون المغربية بشكل عام تعرف اكتظاظاً مهولاً خصوصاً بالمدن الكبرى، وذلك ما أكدته كل الإحصاءات الرسمية، وهو ما يجعلها بؤرة خطيرة لانتشار الوباء، ما قد يعرض حياة المعتقلين للخطر».
الدولة المغربية، وفق بوغنبور، ووعياً منها بالخطر الذي يتهدد المواطنين، فرضت حالة الطوارئ الصحية تفادياً للتجمعات والاختلاط الذي قد يزيد من انتشار الوباء، إلا أنها لحد الآن «لم تعلن عن اتخاد أي إجراء وقائي في ما يتعلق بالسجون، علماً أنها قد تكون بؤراً جاهزة لانتشار الوباء، خصوصا مع الاكتظاظ الشديد الذي تعرفه، وقلة شروط ووسائل النظافة وعدم كفاية الأطر الطبية».
الرئيس السابق لـ»العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان»، يرى في تصريحه لـ»القدس العربي»، أن ذلك «قد يهدد حياة المعتقلين وينذر بالكارثة في حالة تسرب ولو حالة واحدة مصابة، وهو أمر غير مستبعد، سواء من جهة السجناء أو العاملين بالسجون… ما يعني إمكانية اتخاد إجراء مماثل لما اتخذ في حق الأحداث، وذلك بالنظر في إمكانية إطلاق سراح باقي السجناء الذين لا يشكلون خطراً على المجتمع وأمن المواطنين، وعلى رأسهم المعتقلون السياسيون عامة ومعتقلو حراك الريف خاصة».
ويشدد الحقوقي على أن وضعية المعتقلين السياسيين «تدعو للقلق بالنظر إلى الإضرابات عن الطعام الكثيرة والمتكررة التي خاضها العديد منهم، والتي كانت موضوع مطالبة من كل مكونات الحركة الحقوقية من أجل التدخل العاجل لإنقاذ حياتهم، وهم اليوم مع الوضع الصحي المتأزم الذي يعيشه العالم بأسره أكثر عرضة من أي وقت مضى لخطر الإصابة بالفيروس، بالنظر لهشاشة صحتهم ومناعتهم، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً لدرء هذا الخطر».
ويشير إلى أن «عدم تمكين المعتقلين من حقهم في زيارة أسرهم لهم من أجل دعمهم وجلب كل احتياجاتهم وأيضاً تمكين الأسر من رؤية أبنائها والاطمئنان عليهم.. سيكون مستحيلا في هذه الظرفية الوبائية الصعبة، مع منع وسائل النقل العمومية والخاصة من الانتقال بين المدن، وهو ما سيشكل خرقاً سافراً لحقوق المعتقلين، ويزيد من حدة الاحتقان والتوتر، والهلع من أن يصيب أحدهم مكروه ما -عائلات أو معتقلين- دون أن يتمكن بعضهم من رؤية بعض، خصوصاً وأن مدة الحجر قد تطول، حسب التوقعات الصحية».
ويُذَكِّر الناشط الحقوقي بأن اللجوء لمثل هذا الإجراء لن يكون مستحيلاً ولا معزولاً، فقد «سبقتنا له العديد من الدول كبلجيكا وإيران (أفرجت عن 85 ألف سجين من بينهم معتقلو الرأي)، ولن يشكل سابقة، إن توفرت الإرادة الحقيقية من أجل انفراج سياسي حقيقي – ما أحوج بلدنا إليه- أمام هذا الوضع المتأزم المتسم بالتوتر الذي زاد من حدته خطر انتشار المرض، للعلم… فقد سبق للمغرب أن أفرج عن معتقلين سياسيين محكومين بأحكام ثقيلة سابقاً».
ويخلص بوغمبور، منسق «الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان»، إلى أن «الاستهانة بخطورة الوضع، وعدم التقيد بتوجيهات منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية الوطنية، وتغييب أوضاع هذه الفئة الهشة من خطط مواجهة الوباء، رغم تنبيهات المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي حثت الحكومات على الاهتمام بالقابعين خلف القضبان خلال جهود التصدي لوباء كورونا، إضافة إلى عدم الالتفات إلى الواقع المزرى للسجون باعتبارها أماكن مغلقة يصعب فيها التباعد الاجتماعي والعزل الشخصي بسبب الاكتظاظ… هو ما سهل تسرب الوباء إلى السجون وتحول بعضها إلى بؤر له، مما جعل شبح الموت يحدق بالعديد من نزلائها، وجعل العائلات ينتابها الخوف والهلع، خاصة أمام شح المعلومات ومنع الزيارات، وتقليص أو انعدام الاتصالات الهاتفية بين السجناء وعائلاتهم».
الاكتظاظ في السجون
العام الماضي، حُكم على الصحافية هاجر الريسوني (28 سنة)، بالرباط، بالسجن لمدة عام بتهمة الإجهاض، وهو ما نفته الصحافية. وخلال المدة التي حُرمت فيها الريسوني من حريتها، قبل أن يعفو عنها الملك محمد السادس، عانت الصحافية من المشكلات الناجمة عن الاكتظاظ في السجون المغربية، وهو الأمر الذي تم تشخيصه من قبل السلطات لعدة سنوات وفشلت في الحد منه.
«في زنزانتنا»، تقول الريسوني، «كنا 12 أو 15 سجنيةً، وكان هناك فقط ثماني أسرة من الأسمنت، وكان الباقي ينام على الأرض دون أسرة أو بطانيات، لم يكن هناك أحد قادراً على أكل ما يقدمونه لنا. معظم السجينات لم يأخذن سوى الدجاج، أو لحم الديك الرومي الذي يوزع مرتين في الأسبوع ويرفضن بقية الوجبة».
«شعرت بالأسف الشديد على الفتيات المراهقات»، تواصل الريسوني موضحةً: «لقد رأيت المعاملة السيئة التي يتلقونها، وضرب السجانات. ولم تكن هناك أي أنشطة لأي شخص. ولم يكن من حق مدمنات المخدرات المشاركة في أنشطة التدريب المهني، مع العلم أنهن الأكثر احتياجاً لها».
ويوجد في السجون البالغ عددها 76 سجنا ًفي المغرب أزيد من 80 ألف معتقل، وفقاً لـ»المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج»، (DGAPR) اختصاراً بالفرنسية، وهي مؤسسة رسمية.
وتدعي السلطات أن معدلات الزيادة السكانية قد انخفضت في السنوات السبع الماضية من 45 بالمئة إلى 36.9 بالمئة.
ولكنهم يدركون أن الرقم لا يزال مرتفعاً جداً. مندوب السجون، أو سجان المملكة الأول كما تسميه الصحافة المغربية، محمد صالح التامك، اشتكى في عام 2017 إلى لجنة العدل في البرلمان من نقص الموارد المادية والبشرية في مؤسسته.
وفي تلك السنة، كان عدد السجناء 80 ألفاً، وتوقع التامك أن الوضع قد «يزداد سوءاً».
هناك العديد من السجون قيد الإنشاء، لكن عبد الله مسداد، الكاتب العام لـ»المرصد المغربي للسجون» (غير حكومي)، يعترض على ذلك، ويرى أن الحل ليس زيادة عدد السجون، بل «تقليل عدد السجناء».
ويوجد في المغرب 237 سجيناً لكل 100 ألف نسمة، وفقاً للبيانات التي جمعها معهد التحقيق في السياسات الجنائية (ICPR)، ومقره لندن.
ليست أسوأ
مسؤول أوروبي زار عدة سجون مغاربية، ويتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، يعتقد أن السجون المغربية ليست أسوأ من تلك الموجودة في باقي المنطقة.
«صحيح أنه لا توجد زنازين فردية باستثناء زنازين الأكثر خطورة أو الزنازين الخاضعة للمراقبة، وذلك لأن نموذج السجن في جميع أنحاء المنطقة المغاربية هو وجود حوالي 25 شخصاً في نفس الزنزانة، وهذه هي الممارسة المعتادة».
وفي المغرب، كما هو الحال في تونس والجزائر، «تزور من يسمح لك بزيارته ولا شيء غير ذلك، لكنني لم أر أشخاصاً على الأرض، وهو ما لاحظته في موريتانيا، على سبيل المثال. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الأنشطة ومزيد من الخبراء في السجون».
عضو آخر في الاتحاد الأوروبي، على دراية بالسجون في المغرب، يعتقد في تصريح صحافي أن أسباب كثرة السجناء متعددة، «من ناحية، ينبغي إصلاح القانون الجنائي، فهناك جرائم يجب أن تكون خاطئة، وبالإضافة إلى ذلك، يجب تشجيع امتيازات المراقبة. وفوق كل شيء، هناك نقص في الحساسية لدى القضاة عند إدارة الاحتجاز الوقائي».
رغم كل هذه السوداوية، يؤكد عبد الله مسداد على التقدم المحرز في السنوات الأخيرة، بحيث «يمكن للسجناء الآن التحدث إلى الخارج بالهاتف خمس دقائق في الأسبوع، وهناك أجهزة تلفزيون في الزنازين، كما تحسن الطعام أيضاً».
الناشط يصر على أن المشكلة الرئيسية هي مشكلة الاكتظاظ بالسجون، وما ينتج عن ذلك، ويقول إن «الميزانية المتاحة للإدارة تكفي لإطعام 80 ألف سجين فقط… وفي الواقع، هناك سجناء أكثر بكثير من 85 ألف سجين».
ويعتقد مسداد أن السبب الرئيسي وراء الاكتظاظ بالسجون هو «سوء استخدام القضاة والمدعين العامين للاحتجاز الوقائي».
«يضعون أي شخص في السجن لمجرد تعاطي المخدرات. وفي الآونة الأخيرة، توفيت امرأة شابة كانت جريمتها تعاطي المخدرات».
هناك مسألة أخرى، وفقاً لما ذكره «مسداد»، تتسبب في زيادة عدد المعتقلين، وهي أنه لا توجد عقوبات بديلة خارج السجن، و»هذا شيء تم تنفيذه في الجزائر، على سبيل المثال».
كما يؤكد أنه لم يتم منح «الحريات المشروطة، في عام 2018، ولم يتم منح سوى 12 من أصل 657 تصريحاً مطلوباً».
وفي المغرب يكون العفو الذي يمنحه الملك أمراً شائعاً، والذي يتم إصداره عادة في تواريخ الأعياد مثل اليوم الذي يحتفل فيه بوصوله إلى العرش. وفي هذا العام، وبسبب «كورونا»، استفاد ما مجموعه 5654 محتجزاً منه، ولكن حتى هذا العفو الجماعي لم يستطع منع المغرب من تحطيم الأرقام القياسية في عدد السجناء، ولا منع الجائحة من اجتياح سجون التامك.
يصنعون 20 ألف كمامة يومياً
كثرة السجناء بالمغرب لها ميزة أخرى، وهي توفير يد عاملة عرفت الدولة توظيفها في الجائحة لصناعة الكِمامات الطبية التي صار المغرب يصدرها إلى الخارج.
وانضم ما مجموعه مئة سجين إلى مبادرة من الحكومة المغربية لتصنيع كمامات واقية ضد الفيروس التاجي، بإنتاج يومي يبلغ 20 ألف وحدة، حسب ما أوردته إدارة السجون المغربية اليوم.
وبدأ السجناء الذين هم في 21 سجناً في مدن مختلفة من البلاد التصنيع وفقاً للمعايير الصحية الوطنية، في الخامس من هذا الشهر، بهدف زيادة الإنتاج في الأيام المقبلة.
هذا النشاط مدفوع الأجر، حيث يحصل النزلاء على تعويض مالي مقابل عملهم غير المحدد.
وأوضحت إدارة السجون، في بيان لها، أن هذه المبادرة تهدف إلى غرس «القيم الإيجابية» بين السجناء لتسهيل اندماجهم في المجتمع عندما يقضون عقوبتهم.
وفي إطار تدابيرها لمكافحة الفيروس التاجي، قرر المغرب في الـ7 من نيسان/ أبريل الماضي؛ الالتزام بارتداء الكمامات لجميع الخارجين من مساكنهم، ويمكن معاقبة أي انتهاك لهذا الإجراء بعقوبات تصل إلى 3 أشهر في السجن وغرامة تصل إلى 1300 درهم (130 دولاراً).
ومنذ ذلك الحين، كثفت الدولة المغربية تصنيع الكِمامات التي يتجاوز إنتاجها اليوم 10 ملايين وحدة في اليوم، مما سمح لها بتلبية الطلب المحلي والبدء في تصديرها إلى عدة بلدان.