هل تزرع العائلة الإسرائيلية العادية لنفسها الخس والبندورة؟ هل تقوم بحياكة ملابسها بنفسها؟ هذه الأسئلة تبدو لا أساس لها، فمن الواضح أننا نشتري المنتجات التي نحتاجها ولا نقوم بإنتاجها بأنفسنا. ليست لدينا المعرفة والقدرة المطلوبة لإنتاج كل ما نستهلكه، ليس في ذلك أي أفضلية. ولكن عندما يدور الحديث عن العائلات، ننسى لسبب ما بأننا ننتقل إلى الحديث عن اقتصاد الدول. فجأة شعارات مثل “قم بشراء البضاعة الإسرائيلية” أو الادعاء بأن “التصدير جيد والاستيراد سيئ”، تسمع من كل صوب. وباء الكورونا ووقف الاستيراد من الصين تسبب بتضخم حقيقي لهذه الادعاءات.
“انتشار الكورونا يجسد بأفضل صورة لماذا من المهم جداً أن تكون لإسرائيل استقلالية في الإنتاج. صناعات كاملة مثل الأزياء وسمك التونا والزيت وغيرها تقلصت إلى أبعاد لا تسمح لها بتغطية النقص في حالة الطوارئ”، كتب رئيس اتحاد الصناعات رون تومر. وقد اقتبس هذه الأقوال من مقال نشر في “غلوباس” بعنوان “اسمحوا للصناعة الإسرائيلية بالتغلب على الكورونا”.
المزارعون أيضاً يحتفلون بهذا الادعاء. وأحد ممثليهم البارزين، عضو الكنيست السابق ابشالوم فايلين، كتب في مقال له بأنه قبل الدخول إلى الحجر أو منع السفر إلى الخارج “يجب علينا التذكر بأنه إذا لم يكن هناك مستقبل للزراعة، فلن يكون مستقبل لأمننا الغذائي. لدولة إسرائيل مسؤولية الحفاظ على أمن سكانها في كل المجالات، وتوفير الغذاء أيضاً. ومن أجل تعزيز الإنتاج المحلي يجب تعزيز الزراعة في إسرائيل”. هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة. فوباء الكورونا هو وبحق أزمة شديدة، تشوش سلسلة التزويد العالمية، لكن ليس في ذلك دليل على أنه يجب علينا تعلم كيفية تدبر أمورنا دون سلسلة التزويد هذه. وبناء على ذلك، يثبت هذا سبب الضرورة لهذه السلسلة المهمة لنا، ولمإذا ببساطة لن يكون بالإمكان تدبر أمورنا من دونها.
اقتصاد منغلق اقتصاد ليس فيه تصدير
يمكن البدء من الحقيقة البسيطة وهي أن اقتراح الاعتماد على الإنتاج المحلي فقط يعني أن إسرائيل ستكف عن أن تكون دورة مصدرة. المعادلة لا لبس فيها – قطن إسرائيلي وبندورة إسرائيلية فقط يسيران معاً مع تصفية صناعة الهايتيك. “اقتصاد منغلق هو اقتصاد ليس فيه تصدير”، يشرح البروفيسور عومر مؤوف من معهد اهارون للسياسات الاقتصادية في المركز متعدد المجالات. وسبب ذلك هو آلية سعر الصرف. لنفترض أن دولة إسرائيل تقوم بالتصدير ولكنها لا تستورد أبداً. إضافة إلى أن ذلك مستحيل تقنياً لأن صناعة التصدير تعتمد على استيراد المواد الخام، هذا أيضاً غير ممكن مادياً لأن المصدرين سيعلنون اإافلاس خلال سنة. والسبب هو أن المصدرين يبيعون البضائع ويحصلون في المقابل على الدولارات، وهذه الدولارات يحولونها إلى شواقل لدفع أجور العمال أو لشراء بيت أو سيارة في إسرائيل. لذلك، المصدرون سيغلقون الاقتصاد في إسرائيل بعرض زائد من الدولارات وطلب زائد على الشواقل. والنتيجة الفورية للتصدير من دون استيراد هي تعزيز الشيكل وارتفاع تكلفة التصدير في إسرائيل وتحويل المصدرين الإسرائيليين إلى غير منافسين. وخلال سنة، كما قلنا، فإن جميع المصدرين سيعلنون الإفلاس.
مؤوف أوضح أيضاً بأن “الاستيراد والتصدير يجب أن يسيرا معاً بسبب آلية سعر الصرف التي توازن بينهما”.
ثمة تطابق مدهش ودقيق بين ازدياد الواردات وازدياد الصادرات، وهذان أمران يسيران دائماً معاً، لذلك، فإن أي اقتراح لوقف الاستيراد إلى إسرائيل يعني في الوقت نفسه وقف التصدير من إسرائيل. صحيح، هناك دول فيها فجوة بين الأمرين. والحالة السائدة هي وجود فائض في الواردات على الصادرات، الأمر الذي يخلق عجزاً في الميزان التجاري. الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري مزمن منذ سنوات طويلة، وهي تقوم بتمويله عن طريق الديون: الأمريكيون يستوردون بـ 100 دولار ويصدرون بـ 80 دولار، فالـ 20 دولاراً التي تنقصهم من أجل دفع ثمن المنتجات التي قاموا باستيرادها من الخارج يحصلون عليها من خلال زيادة الدين الوطني. الولايات المتحدة العظمى يمكنها السماح لنفسها بزيادة دينها، لأن العالم ما زال يؤمنون بالمنعة الاقتصادية الأمريكية، وما زال مستعداً لمواصلة إقراض الأمريكيين. ولكن المنعة لا تستمر إلى الأبد: الاقتصاد في أمريكا سيدفع ثمناً باهظًا لهذا السلوك غير المسؤول. وبيقين دولة صغيرة مثل إسرائيل لا يمكنها إدارة عجز تجاري لسنوات كثيرة، فلا أحد سيعطيها التمويل لذلك.
أما في الوضع المعاكس؛ أي فائض تجاري مزمن (صادرات أكثر من الواردات)، فيقتضي الانشغال الدائم بإخراج فائض العملة الصعبة من الاقتصاد دون تأثير على سعر الصرف. أي إدارة احتياطيات لا نهائية للعملة الصعبة في البنك المركزي أو خلق صناديق مالية مستقلة تستثمر في الخارج. عملياً، يدور الحديث عن زيادة توفير السوق بهدف تحسين استقرار السوق أو مستوى المعيشة للأجيال القادمة. هذه خطوات إيجابية، لكن فقط إذا كانت تشكل وسيلة وليس هدفاً. خلق توفير من أجل التوفير بواسطة منع الاستيراد وتشجيع التصدير، لا يفيد بشيء. ما الذي ستستفيده العائلة من التوفير الذي لا تنوي استخدامه ذات يوم؟
الاستيراد ليس عدواً للشعب
هذا هو الخطأ المنطقي الأساسي في عرض الاستيراد كعدو للشعب، والتصدير كمخلص الشعب. لا توجد أي فائدة في أن نكون دولة تصدير عظمى إذا لم نقم باستخدام الدولارات التي كسبناها من أجل استيراد سلع وخدمات للسوق. “الدولارات التي نحصل عليها من التصدير هي قطع ورقية لا قيمة لها إذا لم نستخدمها لزيادة الاستهلاك وتحسين مستوى الحياة. ومن أجل التمتع بهذه الدولارات، علينا تحويلها إلى منتجات قيمة، ونستورد بها أشياء جيدة من العالم”، قال مؤوف.
بكلمات بسيطة، تشجيع التصدير فقط هو عملية ليس فيها أي منطق اقتصادي. “ما الفائدة من أن تعمل بصورة شاقة وتوفر بضائع وخدمات للعالم إذا لم تحصل على أي شيء مقابل ذلك؟”، سأل مؤوف. “هذا بالضبط مثل إرسال أشخاص لحفر الآباء وبعد ذلك طمرها. لا يوجد أي منطق في الأمرين”. هناك بالطبع تحفظ على هذه النظرية. مثلاً، ثمة أفضلية لتشجيع المشاريع التجارية المحلية، حيث خدمات نريد استهلاكها قرب البيت. يمكن شراء دراجة عن طريق الإنترنت، ولكن إذا قمنا بتصفية جميع محلات بيع الدراجات فلن يكون لدينا من يصلح ثقوب الإطارات عند الحاجة. وثمة قيمة للاقتصاد المحلي وهناك منطق في دفع ثمن لتبريره، ولكن لا يمكن ومحظور أيضاً تقديس الاقتصاد المحلي. وبيقين لا يمكن القيام بذلك على حساب وقف الاستيراد، فالاستيراد هو زيت عجلة الاقتصاد المحلي. لذلك، تتم الإشارة إلى أن إسرائيل توقفت عن إنتاج الملابس أو تعليب سمك التونا.
ليس لنا أفضلية في إنتاج الملابس، فالصينيون يفعلون ذلك بشكل أفضل منا بكثير وأرخص. في المقابل، ، نقوم بتطوير التواصل الذكي بشكل أفضل بكثير من الصينيين. إذاً، لنواصل تقديس العالم الذي يبيع فيه الصينيون الملابس ونبيعهم نحن التكنولوجيا. هذا هو العالم الذي سنكسب منه جميعنا. وكورونا يثبت ذلك.
بقلم: ميراف ارلوزوروف
هآرتس 11/3/2020