عمان – «القدس العربي» : يغادر المعارض ليث شبيلات العاصمة عمان إلى اسطنبول بأمان ودون أي تعرض من أي نوع له، لكن بالمقابل، تفتح حزمة الأسئلة الجديدة وسط الأردنيين بالرغم من عدم تقدم شبيلات برواية واضحة لما طرحه حول استعادة أموال الدولة، مقترحاً قبل السفر في شريط الفيديو الأخير له بأنه أنهى المرحلة الأولى وبدأت المرحلة الثانية، لكن شبيلات لم يقل للجمهور الذي يصفق له ماهية المرحلة الأولى ولا ماهية المرحلة الثانية.
بكل حال، يبدو أن ماكينة الدولة الأردنية وفي ظل إصرار شبيلات على طرحه، بدأت باتصالات خاصة مع الحكومة التركية ومن باب التأشير على أن عمان تحفظت دوماً ورفضت أي نشاط لمعارضين أتراك فيها، لا بل أغلقت مدرسة لهم في قرار معروف.
وعليه، انتهت هذه المواجهة التي أدارها المعارض البارز والثمانيني إعلامياً هذه المرة، مستثمراً في التواصل ومنصاته، ولم ينته المشهد رغم الاتهامات التي كيلت، لا بل الشتائم والعبارات التي تخالف صراحة القوانين بأكثر من خروجه من مطار عمان أمناً، لا بل وصوله إلى اسطنبول، في الوقت الذي كان فيه المناكفون والمحتجون وأحياناً المعارضون في الداخل، يتابعون الأنباء والأخبار.
الرأي العام الأردني لم يفهم بعد ما الذي يريده شبيلات بصورة محددة، لكن الانطباع في أوساط الحكومة الأردنية قوي بوجود خطوة تزامنية بين ما أعلنه وقاله شبيلات بجرأة يحسبها له كثيرون في الواقع، ويحاول التفاعل معها حراكيون في الداخل ومتخصصون بالبث باسم المعارضة في الخارج، وبين ما سمي بتسريبات الحسابات السويسرية.
طبعاً، تتباين رموز ما يسمى بمعارضة الخارج ما بين فضولي يركب الموجة التي أسس لها شبيلات أو متخصص بتسريبات عن الأشخاص أو محاول للحاق بالموجة التي عنونت نفسها باسم الأردن الجديد، حيث المؤسسات الرسمية لديها تصور عن الأردن الجديد، وحيث معارضون بعضهم تائبون وبعضهم الآخر لديهم سعي للتشبيك مع طروحات شبيلات وغيره تحت عنوان أردن مختلف أيضاً.
وفي الأثناء، لا يخرج عن القصر الملكي الأردني أكثر من إيماءة توحي بأن ما فعله شبيلات قد يكون مرتبطاً بأجندة سياسية ما، تم توقيتها وبنفس الإيماءة على هامش لقاء للملك عبد الله الثاني بنخبة من الكتاب الصحافيين، إشارة إلى الانزعاج الشديد من شبيلات، لكن مع قرار بعدم التعرض له ولأسباب متعددة دفعت حتى أقرب المقربين لشبيلات، وهو الناشط النقابي ميسرة ملص، إلى الإعراب عن تقدير تلك الخطوة الذكية، حيث قررت مستويات عميقة إلى حد ما في دوائر القرار الرسمي التعامل مع مسألة شبيلات باعتبارها فلكورية ليس أكثر، رغم أنها قد لا تكون. وبالتالي، التشبيك والربط التأسيسي بين الصورة التي حاول شبيلات ومعه حراكيون في الداخل ومعارضون بالخارج قد تكون صورة غير مؤثرة في ظل ما وصفه ملص نفسه علناً بأن الإقليم والعالم يدعمان بقوة الدولة الأردنية.
وعليه، ووسط حالة الفك والتركيب، الظرف الداخلي على حافة الأوتار المأزومة مجدداً، وضمن حالة احتقان يؤسس لها الوضع الاقتصادي الصعب، الذي تطلب انطلاق موسم ورشة عمل جديده مثيرة تقول الحكومة إنها توصياتها ستكون عابرة لها ولبقية الحكومات وتضم نحو 300 خبير اقتصادي في القطاعين العام والخاص، اجتمعوا اعتباراً من السبت تحت مظلة الديوان الملكي، وهي آخر محاولة تحت بند الإصلاح الإداري والاقتصادي، ويعتقد بأن توصيات مهمة قد تنتج عنها.
يفترض بورشة العمل تلك أن تجيب على سؤال الاحتقان المعيشي والاقتصادي العالق، وأن تظهر بأن الدولة في حالة سباق، وتحاول فعل ما ينبغي فعله حتى يخرج الاقتصاد المحلي والوضع المعيشي من عنق الزجاجة الشهير الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الأسبق الدكتور هاني الملقي.
وبالتالي، حتى المبادرة السياسية الإصلاحية وتلك المبادرة التي تشتبك مع الشائعات والتسريبات هي الآن بين يدي خلوة في النقاش قوامها أكثر من 300 خبير سيتداولون تحت مظلة القصر الملكي، وعليه يمكن القول بأن ورشة العمل الجديدة هي سلوك سياسي بامتياز بعد الجدل الذي أثارته في الشارع وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
ومثل هذا الحراك ليس بعيداً عن الرد بصورة منتجة على التحرشات والمناكفات والسيناريوهات التي تطرحها عدة أطراف تحت عنوان سويسرا، وقبلها باندورا، وقصة أموال الدولة من حيث الاستفسار أين تذهب وكيف تنفق.
والأهم في السياق بمجمل خلطة وكوكتيل التناقضات واندفاعات التحاور مجدداً في الداخل الأردني هو أن القناعة راسخة لدى مراكز القرار العميق بتثبيت عبارة الاستهداف الخارجي، التي توحي بقناعة الحكومة والتي عبر عنها بالمناسبة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بوجود أجندة سياسية تستهدف سمعة الأردن، وليس سراً أن هذه الأجندة يحاول الأردنيون ربطها بأطراف مهمة في الإقليم، وحتى ببعض الدول العربية القوية، وعلى أساس في سجلات وهويات وخلفيات وتمويل نحو 47 منبراً إعلامياً في العالم تحدثوا بالسوء عن الأردن وقيادته مؤخراً، وليس سراً بالمقابل بأن الاتهامات خلف كواليس القرار الأردني تطال إحدى الدول الخليجية الكبيرة، وتطال أيضاً الإدارة الأمريكية السابقة في الحديث عن معاقبة الأردن اقتصادياً ولأسباب سياسية، لكن مثل هذه اللغة واللهجة لم تعد تكفي؛ لأن المطلوب وبسرعة إنجاز اقتصادي على الأرض.