الجزائر- “القدس العربي”: اختارت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا لغة دبلوماسية حذرة في ردها على سؤال لسيناتورة تنتمي لتيار اليمين طلبت منها إبداء موقف رسمي مما وصفتها بـ”انتهاكات حقوق الإنسان” التي زعمت أنها تطال الناشطين ومعتنقي المسيحية في منطقة القبائل الناطقة بالأمازيغية في الجزائر.
وفي رد الوزيرة الذي نشره موقع مجلس الشيوخ الفرنسي، تجاهلت كولونا التعليق تماما على الجزء الأول المتعلق بالناشطين السياسيين في منطقة القبائل، متجنبة بذلك الدخول في أزمة دبلوماسية جديدة مع الجزائر بالنظر لحساسية هذا الموضوع وأهداف السيناتورة الفرنسية من ورائه، والتي رآها البعض محاولة منها للعب على وتر التفرقة بين العرب والأمازيغ في الجزائر، وهي لعبة استعمارية قديمة حاولت فرنسا استغلالها.
واكتفت كولونا مقابل ذلك بالرد على السؤال المتعلق بمزاعم قمع المسيحيين في الجزائر دون التركيز على منطقة القبائل بعينها. وقالت في إجاباتها إن “فرنسا تحرص على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في كل مكان في العالم، ولا سيما احترام حريات الرأي أو الدين أو المعتقد، على النحو المنصوص عليه في المادتين 18 و19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والحقوق السياسية لعام 1966”.
وأبرزت أن “شروط ممارسة العبادة من قبل السكان المسيحيين في الجزائر تقع ضمن اختصاص السلطات الجزائرية حصراً، التي هي مقيدة بالتزاماتها الدستورية والدولية”. وأضافت أن المادة 51 من الدستور الجزائري تكفل حرية الرأي وممارسة الشعائر الدينية، ويحدد مرسوم عام 2006 شروط ممارسة الشعائر الدينية لـ”غير المسلمين”.
وتابعت القول إن فرنسا تقيم حوارا منتظما ووثيقا مع السلطات الجزائرية على كافة المستويات، في باريس والجزائر العاصمة، أو في إطار الهيئات المتعددة الأطراف، وهو يتناول، وفقها، احترام الحريات الأساسية ووضع الأقليات الدينية، مع احترام سيادة الجزائر. وفي هذا الصدد، قالت إن مستشار الشؤون الدينية بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية يجتمع بانتظام مع المسؤولين في الحقل الديني. وأردفت: “ستواصل فرنسا التشاور مع شركائها الأوروبيين، والحفاظ على حوار وثيق حول هذه القضايا مع السلطات الجزائرية”.
وكان سؤال السيناتورة فاليري بوايي عن حزب الجمهوريين اليميني يصب حول المادة 87 مكرر التي اعتمدتها الجزائر في قانون العقوبات سنة 2021، والذي جعل البلاد تتبنى، حسبها، تعريفا واسعا للغاية للإرهاب. وذكرت استنادا لمن وصفتهم بجمعيات القبائل أنه تم سجن أكثر من 500 قبائلي، منهم شعراء وكتاب وصحافيون وناشطون، واتهامهم “زوراً” بالإرهاب، وذهبت إلى حد القول إن آلاف العائلات القبائلية لم تعد قادرة على العودة للقاء أحبتها في الجزائر. ودافعت بوايي عن زعيم حركة ماك، فرحات مهني، اللاجئ في فرنسا الذي صدرت ضده عدة أحكام بالمؤبد في الجزائر بتهم إنشاء منظمة إرهابية والمساس بالوحدة الوطنية”. وانتقلت بعد ذلك للحديث عما قالت إنه “قمع معتنقي المسيحية في منطقة القبائل”، حيث ذكرت استنادا لإحصائية أنه في عام 2019، تم إغلاق 13 كنيسة مخصصة للطقوس البروتستانتية، غالبيتها في منطقة القبائل.
وورد سؤال السيناتورة في سياق عام مشبوه، يتميز بسعي قادة اليمين واليمين المتطرف للتأليب ضد اتفاقية التنقل لسنة 1968 التي تتيح بعض الامتيازات للجزائريين ومحاولتهم باستمرار جعل الجزائر قضية سياسية داخلية في فرنسا لاستمالة الناخبين، الذين مازالوا مرتبطين بالفترة الاستعمارية، وهو ما كان قد أثار استياء وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي ذكر في تموز/يوليو الماضي لوكالة نوفا الإيطالية: “يبدو أن بعض الأحزاب أو السياسيين الفرنسيين، يرون أن اسم الجزائر أصبح سهل الاستخدام في الأغراض السياسية”.
وبدا سؤال السيناتورة من هذه الناحية، مورطا للخارجية الفرنسية، خاصة أن هذه المسائل حساسة جدا بالنسبة للجزائر التي ترفض التدخل في شأنها الداخلي. وحتى عندما يتحدث الناشطون عن المسائل الحقوقية يطرحون ذلك بعيدا عن التمييز العرقي او المناطقي. وخلال فترة الحراك، رفع المتظاهرون في كل المسيرات لافتات ورددوا هتافات مناوئة للتدخل الفرنسي كلما صدرت تصريحات من الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته آنذاك جون إيف لودريان.
وفي سياق آخر مرتبط بمسائل الذاكرة، أعلنت فرنسا تسهيل الوصول إلى أرشيفها المتعلق بحرب الجزائر بشكل أكبر بإتاحة الاطلاع على ملفات لقاصرين، حسب مرسوم نشر الأحد في الجريدة الرسمية. وعلى الرغم من فتح فرنسا في كانون الأول/ديسمبر 2021 أرشيف القضايا القانونية وتحقيقات الشرطة في الجزائر بين 1954 و1966، إلا أن الوصول إلى الوثائق بقي عمليا صعبا جدا خاصة بالنسبة للعائلات والباحثين.
ويلغي المرسوم الجديد المؤرخ بتاريخ 25 آب/أغسطس 2023 والذي نُشر الأحد، الاستثناء الذي يطال الملفات المتعلقة بقاصرين. غير أن الملفات التي ينتهك نشرها “خصوصية الحياة الجنسية للأشخاص أو سلامة الأشخاص المذكورة أسماؤهم أو الذين يمكن التعرّف عليهم بسهولة وشاركوا في أنشطة استخباراتية”، تبقى سرية.
ووفق وسائل إعلام فرنسية، يندرج هذا التسهيل الجديد في إطار سياسة تهدئة اعتمدها ماكرون خلال ولايته الأولى، بعد توصيات تضمنها تقرير للمؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا حول صراع الذاكرة بين الجزائر وفرنسا فيما يتعلق بالماضي الاستعماري، لكن العلاقة مع ذلك بين فرنسا والجزائر لا تزال صعبة ومعقدة، بدليل عدم وضوح الرؤية حول زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التي تم تأجيلها مرتين.