في يومٍ من أيام فرعون، وقف أمامه رجلٌ مؤمن من قومه ينتصر لنبي الله موسى ويقْرع الطاغية بالحُجّة، فلما تسلل القلق إلى فرعون سعى لأن يكون خطابه الإعلامي مؤكِّدًا للرواية الرسمية للدولة بشأن الموقف من موسى، تفاديًا لتسرب الشك إلى نفوس الأتباع المُغيَّبين، فقال “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ”، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: “أي ما أُشير عليكم إلا ما أرى لنفسي، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد في تكذيب موسى والإيمان بي.
عادات المُستبدين متشابهة، فدائمًا يكون اللعب على توجيه الرأي العام وفق رؤيتهم وروايتهم للأحداث وتفسيرها، الأمر إذن يحتاج منه فقط إلى تغييب وإضلال عقول الشعب، وفرض عزلة عليها ومنْعها الاستقاء من مصادر أخرى، فيزرع فيها ما يزرع، ويلغي منها ما يلغي، فتبقى مع هذا الاستخفاف مُروَّضة مُطيعة.
لم يترك رئيس النظام المصري فرصة للعقول المصرية للتفكير والتحليل والاستنتاج، فهو يكمم الأفواه ويكسر الأقلام، ويحجب المواقع والقنوات السابحة عكس تياره، ويطلق آلته الإعلامية لإغراق الناس في ظلمة الرواية الواحدة، لئلا يروا إلا ما يرى.
الأعمال الدرامية من أفلام ومسلسلات بعظم حجمها في التأثير وتوجيه الرأي العام، هي إحدى الأدوات الرئيسية للنظام، لدعم روايته ورؤيته والتأكيد عليها لدى شعبه لتصبح روايتهم الرسمية، حتى يصبح الشعب ذاته متكلمًا بلسان الزعيم. كشأن معظم العرب، كنت شغوفة بالدراما المصرية، لكنه لم يعدْ مُتاحًا لي متابعة أعمالها، إلا أن بعضهم أشار عليّ بمشاهدة مسلسل مصري عُرض في رمضان الماضي بعنوان “كلبش 2” (الكلبش هو جهاز معدني لتقييد الرسغين)، وأُخبرتُ أنه مُفخّخ سياسيًا، وخاصة العشر حلقات الأخيرة، وبالفعل شاهدت بعضها، ورأيت ما رأيت.. رأيت المثالية التي ظهرت بها أجهزة الأمن المصرية البعيدة كل البعد، بحسب المسلسل، عن التعسف والجور والاستبداد في التعامل مع المواطنين في القضايا السياسية، لكنه أدهشني موقف أحد المسؤولين البارزين في جهاز أمني رفيع المستوى يستقبل أحد الإرهابيين البارعين في صناعة المتفجرات والأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات، وفي لقطة مفعمة بالإنسانية يُطلق سراحه فورًا، لأن أعماله كانت خارج حدود بلاده، وبرّر ذلك لأحد مساعديه بأنهم لابد لهم من احتواء أبنائهم العائدين، فقلت ما شاء الله على الرحمة، تذكرت ساعتها التصفية الجسدية للعُزّل في سيناء، دونما تحقيق وهدم البيوت على أهلها، وتذكرت ما قرأتُه عن الملف الحقوقي للنظام المصري، وحالات الاختفاء القسري، والإفراط في توسيع دائرة الاشتباه ونحوه، لكن هكذا أراد النظام للشعب، أن يُصدق ما يُقال عن مواجهة الإرهاب الذي لا يُراد له الزوال أصلًا، لكي يبقى الشماعة التي يُعلق عليها الرجل فشله. رأيت المسلسل يُطنطن كثيرا حول دعم تركيا للإرهاب في مصر خاصة، فالخلية الإرهابية تخضع مباشرة لغرفة عمليات في تركيا، ولم ينسَ القائمون على المسلسل إبراز الوجه القذر لتركيا في علاقتها بالكيان الإسرائيلي والتنسيق معه في العمليات التي تستهدف مصر، فأحد أبرز أعضاء الخلية – الذي تولى إمارتها بعد مقتل أميرها الأصلي- كان جاسوسًا لإسرائيل داخل مصر، وكانت هناك لقطة مهمة في المسلسل يتحدث فيها مسؤول في مكتب الاتصال بتركيا – وخلفه صورة أردوغان في الكادر- بنظيره ال إسرائيلي حول هذه الخلية وزعيمها (الجاسوس الإسرائيلي الذي أصبح أمير الجماعة).
ولمزيد من دعم هذا الوهم لدى المشاهد، حرص المسلسل على إظهار اتفاق المصريين جميعًا، سواء كانوا أمنيين أو مدنيين على أن تركيا هي الراعي الرسمي للإرهاب في مصر، وهو عين المراد لدى النظام المصري الذي يناصب تركيا العداء بسبب موقفها الرافض للانقلاب على الشرعية، وإيواء المعارضين المصريين على أراضيها، فكان لابد من شيطنة الأتراك، إضافة إلى وأد أي تعاطف مصري مع المواقف التركية الجادة في القضايا المختلفة، والإنجازات المتتابعة لحكومتها رغم كل الأزمات والصعوبات والتحديات.
عادات المُستبدين متشابهة، فدائمًا يكون اللعب على توجيه الرأي العام وفق رؤيتهم وروايتهم للأحداث وتفسيرها
كما لم ينسَ القائمون على العمل الخوض في التدخل التركي في الشؤون العربية، وهنا تبرز فُكاهة ذات أبعاد، فتظهر طبيبة سورية هاربة من شبح الدمار، تُمجّد أولًا استضافة مصر للسوريين وفتح أبوابها للمستضعفين، مع أن القاصي والداني يعلم اختلاف حال السوريين بمصر في حقبة السيسي عن فترة ما بعد الثورة وحتى الانقلاب على الرئيس مرسي، فكان هناك تدفُّق هائل للسوريين ومعاملة كريمة لهم من قِبل الحكومة ومؤسساتها وشعبها، وبعد الانقلاب تم ترحيل معظم السوريين أو دفعهم لذلك، لكن لا بأس نتجاوز هذه النقطة. اللافت في حوارات الطبيبة السورية أنها تناولت أزمة بلادها، ثم صرّحت بأن تركيا (هي أُسُّ الفساد) لما يحدث في سوريا، والسبب هو دعمها للمعارضة، وتلك النقطة غاية في الأهمية، ففيها تحميل المعارضة مسؤولية الخراب والدمار في سوريا لا النظام السوري، والمشهد بذلك يدعم وجهة نظر النظام التي ترى شرعية نظام الأسد وضرورة بقائه في مواجهة الإرهاب، إضافة إلى أن دعم النظام المصري لنظيره السوري يدخل في إطار خطّة الأول لملاحقة الإسلاميين خارج البلاد، الذين تتشكل منهم فصائل عديدة للمعارضة.
الطبيبة السورية في المسلسل لم تُشر من قريب أو بعيد للعربدة الإيرانية في سوريا، والمجازر التي ارتكبها الحرس الثوري الإيراني، ولم تتطرق إلى الدمار الذي خلّفته الطائرات الروسية بين المدنيين، ولم تتناول تدخل حزب الله والميليشيات الموالية لإيران في المشارق والمغارب للقتال بجوار الأسد ضد شعبه، فقط هي تركيا (أُس الفساد)، لكن هذا ما أراد النظام غرْسه في عقول المصريين. وقطعًا لم ينس صُناّع العمل التعرض لأيديولوجية الإخوان، حيث بدا الحديث عنهم مُعبرًا عما يريد النظام انتشاره، فالإخوان وفق المسلسل جماعة خرجت من عباءتها جميع التنظيمات الإرهابية، مع أن الثابت أن معظم هذه التنظيمات خرجت من رحم التيارات السلفية، كما حرص المسلسل على إقناع المشاهد بتحوّل الإخوان إلى العمل المسلح، استنادًا إلى ظهور تنظيمات مشبوهة غامضة قامت بعمليات إرهابية، إضافة إلى الربط الوثيق بين الإخوان و”داعش”.
النقاشات الفكرية والمنهجية التي دارت في المسلسل تُؤكد أن العمل أشرف عليه خبراء أمنيون وخبراء في شؤون الجماعات الإسلامية، وربما يدعم ذلك لديّ تعرُّض المسلسل للتعريف بكتابين مهمّين استفادت منهما وقامت على مضمونهما توجُّهات التنظيمات الإرهابية، وهما كتاب “حرب العقول وخفايا عالم المخابرات والتجسس” وكتاب “إدارة التوحش”، يبعد أن تكون عناصر الوسط الفني على إلمام بها، وكل ذلك لزوم (كلْبَشة) الشعب المصري فكريا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*كاتبة أردنية
مع الأسف أن هناك من الشعوب العربية ممن يُسهل غسيل أدمغتهم بأدوات الطغاة كسحرة فرعون !! ولا حول ولا قوة الا بالله
شعار مصر الدائم : لاصوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا يهم بعد ذلك أن تكون المعركة مفتعلة أو مختلقة الأهم
هو وجود ما يسمى معركة لتأجيل حل مشاكل الشعب ولا ننسى المؤامرة الكونية على مصر ، فكل الدول تغير من
مصر وتقدمها ونهضتها وتتآمر عليها ، وهكذا إلى أن يأذن ألله بزوال حاكم ليأتي من يبلغ سدة الحكم بعده في إختراع
معركته حتى يسير القطيع خلفه.
للحرب على الارهاب الدموى الاجرامى البشع ….يجب استعمال كل الأسلحة المتاحة….العسكرية و السياسية و الإعلامية و الثقافية و….و….و….
بالطبع الكل يتفق انه لا يمكن أن نبنى دولة الديمقراطية و الحرية و المساواة و الحريات العامة و الفردية مع من يكفر بالديمقراطية و مع من لا يؤمن بها و يؤمن بأن الإسلام هو الحل!….مصر كانت متجه بخطى ثابتة و عملاقة إلى حرب أهلية دموية لا تقل عن بشاعة المشهد السورى او العراقى او اليمنى او الليبي او الجزائري فى العشرية السوداء ….وقتها إنقاذ البلاد هو أولوية ….و اليوم محاربة الإرهاب أولوية….و الباقى اى الحرية و الديمقراطية ستأتى يوما …غصبا عن الارهابيين و غصبا عن أعداء الديمقراطية من كل الانواع و الاشكال ….الاولوية هى انقاذ مصر و الدولة المصرية و الشعب المصرى مهما كان الثمن …..تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها
نري من يستثني من يؤمنون برب ويبغون إعلاء شريعته أعداء للديمقراطية. بينما العسكر – ولا تخرج قبل أن تقول سبحان الله- ناصريها الذين عليهم التخلص من “الارهاب” بكل “الوسائل المتاحة” من كذب وتدليس وإجرام لإقامة القناة الديموقراطية على الأرض. ويتناسي أو يتجاهل هذا “البعض” انهم احتكروا الحكم 60 عاماً من المشرق إلي المغرب لم تري منهم الشعوب العربية المسلمة سوي القهر والبطش والانهيار علي أيديهم وايدي أذنابهم من المسمين مدنيون – سواء كانوا ملاحدة شيوعين أم ملاحدة من أذناب الغرب. ثم تأتي نكتة القرن وهي إنقاذ مصر من مصير سوريا والعراق واليمن بإقصاء الاسلاميين. وهنا سأترك ماجاء في مقال السيدة الكاتبة للرد علي هذه الترهات.
*حسبنا الله ونعم الوكيل في كل
حاكم ظالم (مستبد ) .
سلام
@Dr walid: انا احترم وضوحك فى حديثك عمن يؤمنون برب ويبغون إعلاء شريعته ….هذا هو مشروع الإسلام السياسي الذى يرتكز على مقولة الإسلام هو الحل …الذى هو بالطبع لا علاقة له بالديمقراطية كما نفهمها و كما ينبغي أن تكون ….هل يمكن بناء ديمقراطية مع من لا يؤمن بها اصلا …؟ الديمقراطية طريق طويل يبدأ بالإيمان بها لا بحلول أخرى و قبل ذالك يجب أن تبقى الدولة واقفة و قوية لانه كما تعلم فى وجود الفوضى ….تجد الإرهاب و الارهابيين و بالطبع عندما يحل هؤلاء يحل الخراب ….مع انعدام الديمقراطية او شروطها انا أفضل دولة قوية و لو ليست عادلة على الفوضى و الدماء و الاشلاء على قارعة الطريق ولك ان تولى راسك من أفغانستان إلى ليبيا …..تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها
هكذا نجحت الدراما في الدور الذي ينبغي أن تنهض به. أن تكتب الكاتبة ما كتبت فهذه شهادة للمسلسل. تحية لمن أنتجه وأخرجه ومن أدى أدوارا فيه. بالمناسبة كلبش قصة واقعية..
بعضهم يرى ان مصر كانت واكرر كانت متجهة بخطى ثابتة نحو حرب اهلية دموية لا تقل عن بشاعة المشهد السورى او العراقى …الى آخر الإسطوانة اياها!
ولا يرى ان مصر بالفعل فى حالة حرب اهلية!
فالحرب الأهلية ليس معناها فقط الاقتتال بين المدنيين! ولكن المعنى الاوسع والأعم للحرب الأهلية هى قيام الجيش بعدتة وعتاده واسلحتة الثقيلة بقتل السكان المدنيين وهدم بيوتهم وقراهم ومدارسهم ومستشفياتهم وتهجيرهم قسرياً وازاله مدنهم من الوجود، حماية لحدود العدو!
بعضهم صدعونا بالحرية والديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان!
وعندما طبق اهل المحروسة كل ذلك واختاروا لأول مرة فى تاريخهم من يحكمهم، وعندما جاءت الديمقراطية بمن لا تهوى انفس هؤلاء حاولوا ان يُكفروا الناس بالديمقراطية زاعمون ان الديمقراطية الحقة تكون فقط عندما تأتى بمن تهوى انفسهم هم!
فمثلا عندما تقوم عصابة ارهابية بانقلاب دموى على الديمقراطية وعلى اختيار الشعب وتغتصب السلطة وتتهم العصابة 52%من الأهالى بالارهاب تعتقل منهم من تشاء وتعذب وتغتصب وتقتل وتحرق من تشاء، فى نظر هؤلاء هذة قمة الديمقراطية، عندما يقوم رئيس العصابة بتحريض العالم كلة ضد مليار ونصف مسلم بزعم انهم ارهابيون يريدون قتل البشرية جمعاء فهذا حلالٌ حلالٌ حلاااال!
وصبح صبح ياعم الحج!
تحيا الجمهورية التي اسس رجال من امثال عبد العزيز الثعالبي و أحمد توفيق المدني. لكسر القيد عنها .ياتي امثالك يدعي انه ابنها.