«لاءات» الأردن قرب «واقعية الرزاز»: تصريحات «الدولة الواحدة»… إغواء «ملعوب» أم إغراء أم تغريدة خارج السرب؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي» : لا يمكنها أن تكون مجرد مناورة إعلامية، حيث يقرر رئيس الوزراء الأردني فجأة اللعب بورقة «الدولة الواحدة» في حال تقويض إسرائيل لخيار الدولتين، قبل تأسيسه لتصريح يتراجع فيه قليلاً عن الموقف.
حتى التراجع عند الرئيس الدكتور عمر الرزاز كان محسوباً وبدقة؛ فهو لم يقل بأن بلاده ستصر على خيار الدولتين إذا ما أصبح مشروع الضم الإسرائيلي واقعاً. بل قال صيغة تفتح فيها الاحتمالات وبمعادلة «لكل حادث حديث».
بالتالي، لا يمكنها أن تكون مجرد مصادفة أو تأويلات إعلامية، فالمتحدث هو رئيس وزراء حكومة الأردن المتميز بالعادة بالدقة المتناهية، والذي قال للجميع وبعدة لغات طوال عامين، بأن أولوياته محلية وداخلية وليست إقليمية أو سياسية أو دولية.

الجدل يتواصل لليوم الخامس والأسئلة تتكاثر ولا إجابات

طبيعي أن تسأل صحيفة «الغارديان» البريطانيا الرزاز عندما تقابله، عن مشروع الضم. وطبيعي أكثر أن تتوفر لدى الرجل إجابة مرسومة بدورها على مقدار ما يؤكده القصر الملكي الأردني طوال الوقت. وهي «لا» كبيرة ورافضة لمشروع الضم تجعل المملكة في حالة صراع مع إسرائيل إذا لزم الأمر.
و«لا» أكبر لأي خيارات خارج الدولتين تظللها اللاءات الملكية الشهيرة، التي لا تفترض وجود سلام دون وجود دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف. لكن لعب الرزاز بورقة «خيار الدولة الواحدة» بدل الدولتين، حتى بعد صيغة لـ «كل حادث حديث»، أثار لغطاً سياسياً رفيع المستوى وفي كل الأوساط عملياً، عبر عنه الكاتب الساخر أحمد الزعبي عندما علق قائلاً: الاعتذار أو الاستقالة، سائلاً علناً عبر صفحته التواصلية.. «من فوضك حتى تقرر مصير الشعب الفلسطيني؟.. «كيف تناقض موقف الدولة الرسمي؟».
في منصة تواصلية رسمية أخرى، سأل أحد المواطنين.. «دولة واحدة أم دولتين؟.. أخبرونا حتى نعرف ماذا نقول للناس».
عملياً، لم يقل الرزاز بدولة واحدة، لكنه استخدم عبارات من باب الإغراء والإغواء السياسي، خصوصاً للمجتمع الدولي، وهي عبارات تلبس قميص النكاية باليمين الإسرائيلي أو الرغبة في إحراجه.
وقد أراد هنا أن يحذر العالم والإسرائيليين من نتائج تقويض خيار الدولتين، لكنه على الأرجح بالغ في التغزل بخيار الدولة الواحدة الديمقراطية، الأمر الذي لن تتوافق عليه بعد أركان الدولة الأردنية خلافاً لأنه بالمسطرة التي لا يمكن إنكارها يخالف بنسبة معقولة الموقف الرسمي للبلاد، لاحقاً استدرك أيضاً وزير الإعلام الناطق الرسمي أمجد العضايلة، مؤكداً ثوابت الوقوف خلف حل الدولتين.
وعندما ضغط على الرزاز لتعديل الأقوال قليلاً، خرج بصيغة «لكل حادث حديث» وهي صيغة حمالة أوجه بطبيعة الحال، قد توحي ضمنياً بأن الأردن يقبل الاحتمالات، مع أن قيادته تكرر موقفها الصلب في كل لحظة.
وعليه، يصبح السؤال: لماذا مارس الرزاز هذا الإغواء السياسي وبأي هدف؟
يبدو جلياً عند أي محاولة لتحصيل إجابة، أن الرزاز لم يركب موجة هفوة إعلامية، ولم يقل تماماً ما لم يقصده بقدر ما أدلى على الأرجح بتقييم شخصي وذاتي خلط الأوراق في الموقف الرسمي.
بعد خمسة أيام على تعليقات الرزاز المثيرة، ثمة من يرى أنه هنا أثار اللغط في الداخل، وأحرج الاستراتيجية الأردنية في الخارج، حيث موقف لدول أوروبية كبيرة ولبرلماناتها يستحق الإغواء والإغراء حصرياً خلف خيار الدولتين، وحيث جهد كبير لمسؤولين وسياسيين ودبلوماسيين يجتهدون لتصليب جبهة بلادهم بعد موقف ملكي حاسم تصدر عربياً وإسلامياً ولقي الثناء والتقدير فلسطينياً.
وقياساً على أن الرئيس الرزاز لا يتحدث في العادة في الملفات السيادية السياسية، وأولوياته كانت دوماً علناً وسراً محلية الطابع.. قياساً بذلك، يمكن القول إن اعتبارات قد يكون لها علاقة بحسابات بقاء الحكومة نفسها داخلياً هي التي تحكم المستجد في التصريحات، مع أن البوصلة تعكس انحيازات تيار لا يمكن الاستهانة به من علية القوم في الحالة النخبوية، لتغيير اتجاهات «الواقعية» تحت عنوان «لا مصلحة لنا بالصدام مع إسرائيل» .
مراقبة ورصد مثل هذه الاجتهادات ليست مهمة سهلة، وليس سهلاً أيضاً توجيه الاتهام لها أصلاً، لكن الأصعب فهمها وهضم أولوياتها؛ لأن ما قاله خبير من وزن طاهر المصري، واضح ومباشر وداخل القصر الملكي بخصوص ضرورة أن ينتبه من يصرحون باسم الدولة الأردنية إلى البقاء خلف الرؤيا المرجعية والموقف المرسوم.
يشارك الرزاز كثيرون في أن العالم سيطالب إسرائيل، إذا لم تنته عملية السلام، بدولة ديمقراطية مختلطة. لكن الأمر لا يتعلق بالقناعات أو التحليلات، فالموقف السياسي والرسمي الأردني واضح ومرسوم ومحدد، والعبارات التي نشرتها الغارديان البريطانيا على لسان الرزاز في الاتجاه المعاكس لهذا الموقف لا تنسجم معه.
والسؤال العالق اليوم: هل قال الرزاز ما قاله في إطار «دور مرسوم» له أسباب داخلية أو إقليمية أو سياسية؟.. الإجابة في الأيام القليلة المقبلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية