مشكلة اللاجئين وآثارها على الاستقرار الاقتصادي، الامني والسياسي، ليست غريبة في المشهد الشرق اوسطي. فالاحداث في سوريا، ليبيا واليمن، أحدثت موجات من اللاجئين كفيلة مرة اخرى بأن تهدد الاستقرار الداخلي لدول اجتازت حتى الآن بهدوء (نسبي) الهزات السياسية في المنطقة. نحو ثلث مواطني سوريا فقدوا بيوتهم، منهم أكثر من مليوني لاجيء وجدوا ملجأ في الدول المجاور. أما الباقون، النازحون، فلا يزالون يوجدون في سوريا، التي أصبحت في السنوات الثلاثة الاخيرة المصدرة الأساس للاجئي الحرب. في تركيا يوجد نحو 700 ألف لاجيء سوريا. الى العراق، الدولة التي تعاني بنفسها من عدم استقرار سياسي وامني، هرب نحو ربع مليون سوري. أما مصر فتستضيف هي ايضا نحو 125 ألف لاجيء سوري اضافة الى بضع عشرات آلاف اللاجئين من ليبيا ومن السودان. ليبيا واليمن هما ايضا تعانيان من مشكلة لاجئين ونازحين في أعقاب انعدام الاستقرار الامني والصراعات الداخلية التي جاءت بعد سقوط الحاكمين السابقين. ولكن بينما تعاني هاتان الدولتان أساسا من العبء الاقتصادي والاجتماعي للظاهرة، فان لدى جيران سوريا، الاردن ولبنان، يغير اللاجئون الميزان الديمغرافي ومن شأنهم أن يهددوا في المستقبل النظام الاجتماعي والسياسي، فقد استوعب الاردن حتى اليوم نحو 600 ألف لاجيء سوري اضافة الى عدد مشابه من السوريين الذين لا يُعرفون كلاجئين. في مخيم اللاجئين الزعتري يسكن اليوم نحو 150 ألف نسمة تدعمهم أساسا الامم المتحدة، ولكن باقي الجئين توزعوا في عمان وفي مدن اخرى، يغرقون سوق العمل الاردني ويشكلون عاملا لارتفاع اسعار المنتجات الأساس. وفضلا عن المظهر الاقتصادي، فان اللاجئين السوريين يحدثون تغييرا في الميزان الديمغرافي في المملكة. وفقد الفلسطينيون مكانتهم كفئة سكانية هي الاغلبية في الدولة. أما لبنان فاستوعب عدد اللاجئين السوريين الأعلى. فقربه الجغرافي من المراكز السكانية الكبرى لسوريا تجعله الهدف المركزي للاجئين. أكثر من 800 ألف سوري مسجلون في وكالة الامم المتحدة للاجئين في لبنان ومحافل في الحكومة اللبنانية تقدر بأن عمليا يوجد في الدولة أكثر من مليون لاجيء سوري يشكلون نحو ربع سكان الدولة. في لبنان يرون في الحرب الاهلية السورية وفي مسألة اللاجئين ليس أقل من تهديد وجودي. يجد الاردن ولبنان صعوبة في الصمود أمام طوفان اللاجئين، والخدمات العامة توجد في خطر الانهيار. كما أن طوفان اللاجئين يؤثر على الوضع الاقتصادي ويُصعب البطالة والفقر في الدولتين مما من شأنه أن يؤدي الى تطرف جماعات مختلفة من السكان، كالفلسطينيين الذين أُخذت منهم الآن اماكن عمل عديدة. وفضلا عن الخطر المستقبلي المحتمل لاستقرار الأسرة المالكة الهاشمية، فان عدم الاستقرار خطير ومن شأنه أن يخلق جيوبا من الفراغ السلطوي يمكن أن تعمل منها منظمات ارهابية تتمتع بتمويل خارجي وتجيد ملء الفراغ الاقتصادي الاجتماعي في الدول الفاشلة، تجاه اسرائيل ايضا.