هناك شبه اجماع بين الفلسطينيين، على الأهمية البالغة والاساسية، لدور الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، على مجمل ومستقبل العمل الوطني الفلسطيني.
هذه القناعة الراسخة، تجعل من الطبيعي ان يتابع الفلسطينيون في مناطق الاحتلال 1967، كما في دول اللجوء والشتات، التطورات في اوضاع هذه الأقلية الفلسطينية الأصيلة، ما مرت به من معاناة جراء القمع والتمييز العنصري لجميع الحكومات الإسرائيلية، منذ عام النكبة وحتى الحكومة الحالية، التي فاقت كل سابقاتها يمينية وعنصرية، الى جانب ما تعرضت له هذه الأقلية، وخاصة في العقدين الأولَين من عقود النكبة السبعة المتواصلة حتى الآن، من ظلم الأهل و«ذي القربى»، التي وصلت في يوم من الايام، حد طرد الكاتب الفلسطيني المعروف، فيصل حوراني، من حزب البعث العربي الاشتراكي، والغاء عضويته فيه، لأنه «تجرّأ» وصافح شاعر فلسطين الراحل، محمود درويش، ايام كان يحمل بطاقة الهوية الإسرائيلية.
يمكن ان نعدد بين المحطات الرئيسية التي مرت بها هذه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، على النحو التالي:
1ـ محطة بداية النكبة، حيث نام ابناء هذه الأقلية وهم اغلبية في وطنهم، ليستيقظوا كاقلية تحت حكم إسرائيلي، وحيث كانت لهم قيادات وطنية شبه رسمية ومعترف بها، تبخّرت وتوزّعت على مناطق ودول اللجوء والشتات، مع استثناء واحد، هو بقاء قيادات الحزب الشيوعي الفلسطيني، وابرزهم توفيق طوبي واميل حبيبي. ولم يبق لهذه الأقلية، (التي كان تعدادها 150 الف نسمة)، أي اتصال مع ابناء شعبهم الفلسطيني خارج حدود «الخط الأخضر» الذي رسمته اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وكل من «دول الطوق»: مصر والاردن وسوريا ولبنان. كما لم يبق لهم من وسائل الإعلام، التي كانت مقصورة على الصحف والاذاعات، الا صحيفة واحدة، هي جريدة «الاتحاد» الحيفاوية، والتي اصدرتها «عصبة التحرر الوطني» سنة 1944، وكان من ابرز مؤسسيها الفلسطينيون الشيوعيون: اميل توما وفؤاد نصار واميل حبيبي، واوقفتها سلطات الإنتداب البريطاني عن الصدور في مطلع العام 1948، ثم عادت للصدور في اكتوبر/تشرين الاول من نفس السنة.
2ـ محطة هدم القرى التي طرد سكانها منها ولجأوا الى الضفة الغربية وقطاع غزة، والى الدول العربية المحيطة. ولحق بذلك اخراج اهالي عشرات القرى داخل «الخط الاخضر» من قراهم، مع وعود بالسماح لهم بالعودة اليها، ومن أبرزها قريتا اقرث وكفر برعم، لكن لم ينفذ حتى يومنا هذا أي من تلك الوعود، وما زال جميع هؤلاء لاجئين (غير معترف بانهم لاجئين) في القرى العربية وبعض المدن المختلطة. وفي هذه المحطة يندرج سنّ وتطبيق «قانون الحاضر الغائب» الذين وضعت كل املاكهم تحت سيطرة «القيِّم على املاك الغائبين». ورافق ذلك الهجمة البالغة الشراسة لمصادرة اراضي الفلسطينيين والتضييق عليهم، واخضاعهم لـ«الحكم العسكري» الذي استمر لغاية سنة 1966.
3ـ مجزرة كفر قاسم يوم 29 تشرين الأول/اكتوبر 1956، عشية العدوان الثلاثي على مصر، بغية ترهيب الفلسطينيين في إسرائيل، واجبارهم على الهرب واللجوء.
4ـ حرب حزيران/يونيو 1967، التي وضعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكم الاستعمار الإسرائيلي، ولكنها فتحت متنفّساً للأقلية الفلسطينية في إسرائيل، ومكنت ابناء هذه الأقلية من الاحتكاك بابناء شعبهم في المنطقتين، بل والتواصل المباشر وبالواسطة، مع اللاجئين الفلسطينيين ومع العرب في بعض دول الجوار.
5ـ محطة يوم الارض في 30 آذار/مارس 1976، التي كشفت امام الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، منافع وفوائد التوافق والتوحد والتكتل حول هدف محدد. وما اثمره هذا من وقف مسلسل مصادرة اراضيهم، او تخفيضه الى درجة كبيرة جدا على الاقل، وتحوّل هذا اليوم الى يوم وطني فلسطيني شامل يحتفلون به سنويا ويخلدونه، بل ويوما عربيا وعالميا ايضا. وكان آخر تخليد وتكريم له هذا العام، عندما اعتمدته جماهير قطاع غزة، يوما رمزيا لاطلاق «انتفاضة» مسيرات العودة وكسر الحصار عن قطاع غزة المنكوب من إسرائيل وبعض العرب وبعض الفلسطينيين ومن حكّام القطاع ايضا.
«القائمة المشتركة» انجاز وطني، يصب في مصلحة الأقلية في إسرائيل، وفي مصلحة مجموع الفلسطينيين. وليس من الوطنية في شيء، وضع العراقيل في طريقها، والتآمر بين عضو فيها وأعضاء آخرين
6ـ محطة تشكيل «لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل». وجاء تشكيل هذه اللجنة تتويجا لانجازات كبيرة للجماهير الفلسطينية في إسرائيل، ترتبت على «يوم الارض»، واعادة الثقة لتلك الجماهير بنفسها، وبقدرتها على تحقيق مكاسب ملموسة، والتصدي الجدي لسياسات التمييز العنصري للحكومات الإسرائيلية. ولم يكن من الصدفة ان كثيرا من الإسرائيليين، ومن وسائل الاعلام فيها، لقبت الرئيس الاول للجنة المتابعة الراحل، ابراهيم نمر حسين (ابو حاتم)، «رئيس حكومة الفلسطينيين في إسرائيل». توالى على رئاسة هذه اللجنة حتى الآن: شوقي خطيب، (رئيس مجلس محلي يافة الناصرة)، ومحمد زيدان، (رئيس مجلس محلي كفر مندا)، ويرأسها حاليا، ومنذ ثلاث سنوات، محمد بركة، (عضو الكنيست السابق، ورئيس كتلة جبهة السلام والمساواة سابقا). ويمكن ان نقول، بألم، ان دور لجنة المتابعة العليا، يزداد هامشية، ويفقد من دوره ومن اهميته يوما بعد يوم.
7ـ محطة تشكيل «القائمة المشتركة». وجاء تشكيل هذه القائمة، في كانون الثاني/يناير سنة 2015، لخوض الانتخابات للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) العشرين، في ربيع تلك السنة، تحت ضغط قانون سنّه الكنيست بمبادرة من رئيس حزب «يسرائيل بيتينو ـ إسرائيل بيتنا» اليميني العنصري، افيغدور ليبرمان، وتم بموجبه رفع «نسبة الحسم» لتمكن قائمة أي حزب يتنافس في الانتخابات البرلمانية هناك، من 2٪ الى 3.25٪، الامر الذي يعني ان أي حزب لا يحصل على 3.25٪ من مجموع الاصوات في الانتخابات، لا يتم تمثيله في الكنيست، وتتوزع الاصوات التي حصل عليها على الاحزاب المنافسة الاكبر. هذا كان سيعني عدم احراز عدد من الاحزاب الفلسطينية العربية في إسرائيل حق التمثيل وعضوية الكنيست، وكان الطريق من هذه النقطة الى تشكيل «القائمة المشتركة»، لضمان تمثيل احزاب ميكروسكوبية عربية في إسرائيل في الكنيست قصيرا. نجحت تجربة القائمة المشتركة في الشوط الاول، واحرزت 13 مقعدا في الكنيست، لتصبح ثالث اكبر حزب فيه.
هذه جردة سريعة مختزلة، وليست مختصرة فقط، لمعاناة الفلسطينيين في إسرائيل. اذ ان هناك غير هذه المحطات محطات هامة عديدة اخرى: تشكيل الجبهة الشعبية، انطلاق حركة الارض، تشكيل مجلس يضم رؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل، وغير ذلك كثير.
تمُرّ حكومة إسرائيل هذه الايام باوضاع تشير الى قلق وعدم استقرار:
ـ بعد الفشل المدوّي لعمليتها العسكرية في محيط خان يونس في قطاع غزة، وما ترتب عليه من اهتزاز في الإتلاف الحاكم، باستقالة وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، من الحكومة، وخروج حزبه الى المعارضة، اصبح ائتلاف حكومة نتنياهو مستندا الى 61 عضوا من اصل 120 عضوا. انها حكومة ضعيفة آيلة الى السقوط في أي لحظة. لكن، حتى وان استمرت متماسكة، وذلك احتمال ضعيف للغاية، فإن موعد الانتخابات المقبلة اصلا، سيكون بعد اقل من عام واحد.
هذا يعني ان إسرائيل على عتبة انتخابات. ان لم تكن في الشهر الثالث من العام المقبل، فستكون في الشهر السادس، وهي في كل الحالات، (وبموجب القانون الإسرائيلي)، ستتم في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
لا ادافع عن اخطاء «القائمة المشتركة» التي يرأسها ايمن عودة بجدارة. فللقائمة اخطاؤها.. فشلت في اول خطوة تكتيكية انتخابية لها، وهي خطوة التعاقد مع حزب «ميرتس» اليساري المساند والداعم للحقوق الفلسطينية المشروعة، حول فائض الاصوات. ثم تلا ذلك سقوط غير مبرر في موضوع المشاركة في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيرس. ثم تتالت انجازات (تأمين اكثر من عشرة مليارات شيكل للسلطات المحلية العربية في إسرائيل)، وغيره من الانجازات وكذلك والاخفاقات.
«القائمة المشتركة» انجاز وطني، يصب في مصلحة الأقلية في إسرائيل، وفي مصلحة مجموع الفلسطينيين. وليس من الوطنية في شيء، وضع العراقيل في طريقها، والتآمر بين عضو فيها واعضاء آخرين، والاستقواء عليها بلجنة المتابعة ومن يرأسها، وتحريض كفاءات وطنية مشهود لها بالمنافسة على ترؤّسها.
للشرعية الفلسطينية دور يجب ان تلعبه: التدخل لوقف التلاعب والتخريب.. وان لم تنجح فبإعلان موقف واضح وصريح.
كاتب فلسطيني
الاخ الفاضل عماد، انني اوافقك تماما فيما يتعلق باهمية الدور التي تلعبه القاءمة المشتركة في خدمة الشان الفلسطيني والدفاع عن المجال الديموقراطي في اسراءيل. واتمنى ان توجه القاءمة نشاطها الى العناصر اليهودية المناصرة للسلام العادل والمساواة لجميع المواطنين. انني اعتبر هذا التوجه امرا حيويا، واعتقد انه لا خلاف بشانه بيني وبين الاخ تيمن عوده.