أعلم بالخبرة واليقين أن عقد مؤتمر وطني جامع دونه الكثير من العقبات، والموانع، والفيتوات، والإمكانات. فهناك من يعتبر نفسه الأجدر بالفرض، وهناك من يعتبر أنه الممثل الشرعي والوحيد، وهناك من يحمل السلاح ولا يرى جدوى من العمل السياسي، وهناك من حسم أمره حول جنيف وانتهى، وهناك مصاعب مالية جمّة، وجهة مؤهلة تقوم بالدعوة والرعاية، وهناك الأمل بأن يسفر مثل هكذا مؤتمر عن شيء مهم، يستحق الاهتمام، والتكلفة، وتعليق الآمال، وهناك من ملّ جميع المؤتمرات الكثيرة التي خصّبها الوضع السوري وتشابهت بنتائجها، وقراراتها المأرشفة، وهناك. وهناك .. لكن لنعترف أن القوى السورية لم تعقد سوى مؤتمر واحد كان قريباً من أن يكون جامعاً، وهو مؤتمر القاهرة للمعارضة والذي عقد في تموز 2012 ورعته ومولته الجامعة العربية. وأنه كان ناجحاً فيما أنجز من وثائق لا زالت صالحة، ولا زالت تشكل مرجعية مهمة تحتاج بعض التطوير لتتناسب والمتغيرات، وأنه لو اجتمعت إرادة المعنيين- بعيداً عن عقلية المباكسة، والتفسير التآمري – لكان يمكن التوصل إلى صيغ وتفاهمات مهمة عبر لجنة المتابعة التي أجهضت، وربما وفرنا على الثورة الزمن، وهذا التشتت. اليوم اللوحة أكثر تعقيداً في جميع المجالات، والمسألة السورية خرجت من أيدي السورين ـ مكرهين ـ أو بسبب أدائهم وزخم الضغط الدولي، وازدادت شقة الخلافات بينما تبدو الاستحقاقات السياسية هي التوجه الذي يُراد فرضه، في حين أن الحلول السياسية التي توفر المزيد من القتل والدمار، وتؤمن أساس إنهاء نظام الطغمة والانتقال إلى النظام الديمقراطي تلقى القبول العام عند معظم السوريين، لكن وفق شروط الحد الأدنى. شروط الحد الأدنى لا يمكن تحصيلها، أو الانطلاق منها، واقعياً، أو التأثير على الأطراف المعنية للقبول بها ما لم تكون قواها وعناصرها متوفرين في الأرض، وفي الأساس من ذلك وحدة الموقف والقرار على الأرض وسياسياً. ولأن الشقة تزداد ابتعاداً. فإن التفكير الجدي بعقد مؤتمر تدعو له من جديد الجامعة العربية، أو الأمم المتحدة، وإلا الإئتلاف قد يكون المدخل والمخرج الوحيد لوضعنا. حيث يمكن لهكذا مؤتمر يضم القوى السياسية والثورية المختلفة ـ ولا يهم المكان ـ أن يناقش الأوضاع الحالية، ويتحمل مسؤوليته في إيجاد المخارج المتوافق عليها. سياسية كانت، أم مشتركة، أم عسكرية بحتة، ومن ثم التعامل مع جنيف وغيره من موقع مختلف عما هو حالنا اليوم. قد يكون التجسيد صعباً، ودونه الكثير من المقتنعين به، وغير ذلك من أسباب. لكن لنحاول. ولنتجه نحوه. بكل ما يلزم من تهيئة، وحوار واتصال. ونرى بعدها الحصيلة ونتصرف وفقها. عقاب يحيى