لا تسقط عن الدراجة يا كيري

حجم الخط
0

في ربيع 2000 حينما كان السلام يقف على الباب، كتبت مقالة عنوانها ‘راكب الدراجة النارية’ زعمت فيها ان الطريقة الصحيحة لعلاج الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هي ركوب دراجة هوائية والسير في حذر الى قمة السلام، في حين يكون الهدف الحفاظ على تقدم ثابت في الاتجاه الصحيح من دون تسرع يزيد على الحاجة، لكن من دون سقوط عن الدراجة المتواضعة والبطيئة ايضا. وحذرت من أن ما يوشك أن يفعله ايهود باراك بخروجه الى مؤتمر التوقعات العالية في كامب ديفيد هو أن يلبس معطفا جلديا ويركب دراجة نارية من طراز هارلي ديفدسون تنقله الى القمة سريعا والى الهاوية.
لم تُنشر مقالتي قط، وفي جو النشوة الذي ساد البلاد قبل 13 سنة لم يكن ناس السلام مستعدين لسماع من يزعم أنه قد يوجد عيب ما في تصور السلام الرائج. وما عدا ذلك كما تعلمون تاريخ. فقد كان رفض ياسر عرفات والانتفاضة الثانية واليأس من الشريك واحتضار اليسار وجمود المسيرة السياسية. وربع مليون مستوطن آخر يدفنون الصهيونية في تلال الكتاب المقدس في يهودا والسامرة.
انطلق ثلاثة ركاب دراجات نارية بسرعة الى اليوم نحو القمة المرجوة للاتفاق الدائم. فقد حاول باراك ان يحتل الجبل في سنة 2000، وجربت تسيبي ليفني قوتها في 2007 2008، وكاد ايهود اولمرت يفعل غير الممكن في 2008.
وكانت مقاصد الثلاثة سامية. وكانت قوى النفس والزمن التي أُنفقت عظيمة. لكن النتائج التي أحرزها ركاب الدراجات النارية الشجعان اولئك كانت عدماً. فقد ثبت مرة بعد اخرى ان طريقة ‘هارلي ديفدسون’ ليست الطريقة الصحيحة لصنع سلام في الشرق الاوسط. وثبت مرة بعد اخرى ان طريقة كل شيء أو لاشيء خطأ وخطيرة. إن الدراجات النارية المحطمة لباراك وليفني واولمرت هي شواهد تثير القشعريرة، لها رسالة واضحة الى كل من يحاول ان يعود ليصل الى القمة التي حطمت اولئك الثلاثة.
إن جون كيري نبيل امريكي يحب اسرائيل أكثر مما تحب اسرائيل نفسها. ويحاول وزير الخارجية الجريء بانفاق موارد عظيمة وبمخاطرة مدهشة أن ينقذ حل الدولتين في الدقيقة التسعين. ولا يستحق جهده التقدير فقط، بل الاجلال ايضا. فتمسكه بالمهمة يثير الاعجاب. والانجاز الذي أنجزه بتجديد التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني يستحق كل مدح. لكن حينما يخرج كيري الآن الى الطريق عليه ان يدرس جيدا قصة ركاب الدراجات النارية الثلاثة الذين سبقوه وعليه ان يشتري دراجة هوائية، فالدراجة فقط لها احتمال في هذه الارض الصعبة. والركوب البطيء فقط والحذر والمتعب للدراجة الهوائية يمكنه أن يُقربنا من قمة السلام.
إن طريق الدراجة الهوائية هي طريق واضحة، وهي اتفاق مرحلي بعيد الأمد لا اتفاقا دائما؛ وتجميد البناء وراء الكتل الاستيطانية، لا تجميد بناء كليا؛ وانسحاب اسرائيلي جزئي لا انسحابا اسرائيليا كاملا؛ وإحداث وضع دولتين معقول قبل احراز سلام كامل بين الدولتين. ولما كانت احتمالات إنهاء الصراع اللاهوتي العميق بين الاسرائيليين والفلسطينيين في الظروف الحالية وفي الشرق الاوسط الحالي ضعيفة فانه ينبغي تمكينهما من العيش جنبا الى جنب في مناطق منفصلة. وينبغي أن يُمنح الشعبان الوقت والمنطقة اللذين يشكلان فيهما نفسيهما وهويتهما الى ان يصبحا ناضجين لسلام حقيقي. ومن الواجب أن يُمنح المسار الفلسطيني الصعب، وهو مسار بناء أمة، وقتا طويلا الى جانب المسار الاسرائيلي المؤلم والطويل والتدريجي لتقسيم البلاد.
اذا لم يدخل كيري في نفسه هذه الآراء الأساسية وأصر على ان يكون راكب دراجة نارية فستكون نهايته كنهاية ركاب الدراجات النارية الذين سبقوه، لكنه اذا ركب الدراجة الهوائية الجبلية الصحيحة فقد يفاجئنا جميعا بسلام من نوع آخر: متواضع وبطيء وملاصق للارض وملائم للبيئة.

هآرتس 25/7/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية