لا شك في أن البشرية سوف تجد لقاحًا للفيروس المرعب، وسوف تنتصر عليه، ولكن بعد سقوط ضحايا كثيرين وتكاليف اقتصادية هائلة، وسوف يحصل مكتشف اللقاح على نوبل للطب في هذا العام أو العام المقبل، ولكن السؤال الكبير، هل ستكون هذه التجربة فركة أذن ودرساً للبشرية، أم لا؟
بعد الأحداث العظيمة يتغير شيء ما في تفكير البشر، هذا ما تفعله الحروب عادة مثل الحرب العالمية الثانية، وما أسفرت عنه من معاهدات وإعلان عالمي لحقوق الإنسان وغيرها.
كذلك شأن البشر عندما يمرّون بتجارب شخصية، مع خطر ما، أو حتى في تجربةِ حُبٍ عنيفة. بعد هذه التجربة القاسية مع كوفيد التاسع عشر، سوف تعود البشرية بعد دفن موتاها إلى ما كانت عليه، صاخبة في أمكنة اللهو، والمطارات والمواصلات، ودور العرض وأمسيات الشعر والأفراح والمهرجانات، تشبه خلية نحل تتعرض لخطر خارجي، فتعلن حالة الطوارئ وتختفي عن الأعين، إلى أن يزول الخطر ليعود طنينها كما كان، ولكن لم لا تكون هذه التجربة فركة أذن للجميع؟ للدول العظمى كما للصغرى، وللغنية كما للفقيرة، وللأفراد والمجموعات كما للدول، ولجميع الأعراق والديانات، وللإنسان عموماً في كل مكان؟ كثيرون تذكّروا في هذه الأيام الطفل السوري الذي قال “سأخبر الله بكل شيء”، كانت كلمات الطفل أقوى من أي شعر، منذ هوميروس حتى محمود درويش مروراً بالمتنبي، ولكن البشر لم يقفوا عند كلماته، كأنهم لم يسمعوه. المؤمنون يؤمنون بأن الله يرى ويسمع ويعرف ما يجري، ولم تكن كلمات الطفل سوى صفعة للبشر كي يسمعوا ويعوا، ومن لا يؤمنون أيضاً أحسّوا بغصّة في قلوبهم، متفهمين الألم الذي أنطق الطفل بتلك الكلمات الحارقة، ولكن هناك ممن لا ينتمون إلى البشر سوى بأنهم يدبّون على قائمتين، لا تهزّهم كلمات ولا مشاهد، بل دغدغت ساديّتهم فقالوا: إن ذويه الخونة هم السبب.
لا يكفي اللاجئ الهارب من احتمال الموت تحت أنقاض بيته، أو من الذبح والاغتصاب والسحل، أنه ترك بيته ووطنه لينجو بروحه وأسرته، حتى يواجه ببشر يتعاملون معه بعنصرية وسادية، بعضهم يعتبرونه منافساً له على لقمة عيشهم وفرصة عملهم، والبعض ينظر إليه بكراهية قومية أو دينية أو مذهبية أو عقائدية وعرقية وثارات قبلية. هذا ما يواجهه معظم طالبي اللجوء، من فلسطين إلى سوريا حتى المكسيك، مروراً بدارفور وأفغانستان ومينمار وغيرها.
رفع العنصريون جدران العزل حول ملايين من البشر لمنعهم من أرزاقهم في أرض الله الواسعة، من قطاع غزة إلى مخيمات لبنان إلى الولايات المتحدة، إلى جدران أوروبا وأسيجتها في وجه من حملتهم الحاجة والخوف. هذا الإنسان المتحضّر والمتفوّق جداً، يضطر اليوم إلى أن يعزل نفسه رغم أنفه، حتى عن أبناء أسرته، فهل يتذكر المعزولون اليوم في تل أبيب أن هناك من ولدوا في قطاع غزة ولم يخرجوا منه منذ عقدين بسبب عزلتهم القسرية؟ هل يتذكر المعزولون في أوروبا والولايات المتحدة أولئك الذين عُزلوا على حدود بلادهم، وتركوا نهباً للصقيع والمرض واللصوص؟
هل يتذكر المعزولون اليوم في تل أبيب أن هناك من ولدوا في قطاع غزة ولم يخرجوا منه منذ عقدين بسبب عزلتهم القسرية؟
لم نتخيل يوماً أن تعلن أمريكا حالة طوارئ إلا لخطر نووي، كنا نظن بأن فيروسا إلكترونيا فقط قادر على فعل ذلك، فإذا بالحكاية أبسط بكثير مما ظننا. لم نتخيل أن يقف نتنياهو “ملك إسرائيل” في بث خاص، ليرشد شعبه كيف يتصرف بالمنديل الورقي إذا عطس، وكيف يغسل يديه، وكيف يستعمل المرحاض! هل تذكرون تهديد قطاع غزة بمياه المجارير؟ من المفترض أن تكون هذه التجربة فركة أذن لكل البشر، خصوصاً لأولئك الثملين بخمرة القوّة والمال والسلطة، أن يدركوا بأن حضارات كثيرة وعظيمة سبقت حضاراتهم وعظمتهم، وأن يتواضعوا قليلا، وأن يدركوا أن قوّتهم وعظمتهم قد تتلاشى خلال أسابيع قليلة، كأنها لم تكن.
على من ظنّوا أنهم أسياد الأرض فاحتكروها أو يسعون لاحتكارها، أن يدركوا بأن الأرض ببرِّها وبحرها وفضائها لكل البشر، وليست لعرق دون آخر، وأن لكل إنسان نصيباً من هذا الكوكب الأزرق، ولا حق لأحد بأن يرفع جدرانا خصوصاً في وجوه الخائفين أو الجائعين أو المرضى. على هذا الإنسان السجين اليوم في بيته، أن لا يقف متفرّجاً على من يقبعون في السجون ظلماً، وعلى أناس يقتلون أو يطردون من بيوتهم وبلادهم أو يحاصرون ظلماً. على من يهدد العالم بعقوبات وحصار وبدفع الخاوة، أن يعلم بأنه لا حصانة ولا حق نقضٍ لأحد، وما من قويٍ على هذا الكوكب. أيها الإنسان في أي مكان كنت، وأنت تعقّم كفّيك بالكحول، لا تنس من لا يملكون ماء الشرب. وأنت تعقّم مقعدك وفارة حاسوبك، لا تنس الغارقين في الوحول. وأنت تدخل في عزلة مع ثلاجتك التي تحوي ما لذّ وطاب، لا تنس من يغرقون في ظلمات العواصف والبحار. وأنت تعقّم مرحاضك، لا تنس أن تعقم دماغك من العنصرية.
كاتب فلسطيني
مقالتك هذا الاسبوع سياسيه اجتماعيه رائعه تعالج مشكلة تشغل العالم بأسره وتبحث في الظواهرالكامنة وراءها محاولة تخيل مرحلة ما بعد زوال الوباء ،مما جعلها تتميز بالوجدانية الصادقة لأنك كاتبنا لا تكتفي بالتعبير عن شعورك الخاص بل تتجاوزه إلى الشعور العام للمجتمع فتشاركهم في كل مايتعرضون له من مشاكل و متاعب مما منح مقالتك عمقا كبيرا .
مُنْذُ ان خلق الله آدم عليه السلام وتكليف الله له وامره ونهيه وتحذيره مرورا بالرسل والانبياء والصالحين والمفكرين والعلماء والمخترعين وصولا الى شخصي وشخصك نجد شيئا واحد وقع فيه الجميع بدون استثناء وهو مرورنا بتجارب مؤلمه وربما تطيش منها العقول وتذهل منها الالباب تجارب تعلمنا وتمنحنا دروسا ورصيدا من التجربه يضاف الى خبرتنا في الحياه وان لم نستفيد من اخطائنا وتجاربنا الفاشله وقراراتنا الخاطئه فنحن لن نتعلم الدرس ولن نتعلم من بقية التجارب التي سنقع فيها بلا شك فالحياه مليئه بالتجارب والعقبات والملمات والنكبات وهي دورات تأهيليه نتخرج منها اما فاشلين محطمين ان قبعنا في اول حفرة وقعنا فيها اومحترفين في عدم تكرارها وتشريحها لنأخذ منها الفائده ولا نلقي بغثها وسمومها فقد نتعثر بها مرة اخرى( يتبع)
( تكمله ثانيه ) ولكن نضعها نصب اعيننا كتجربه سواء ناجحه او فاشله وجرس انذار لكي لا نقع في الخطأ مره اخرى.يقول صلى الله عليه وسلم ( لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ ) والحياة في ضوء هذه الصورة غير المتكاملة عنها، يتعلّم الإنسان منها كل المتناقضات، من النجاح إلى الفشل، من الصدق إلى الكذب، ويتعرّف فيها أكثر على مسارات اللؤم والظلم والخداع والمكر والنصب والاحتيال وغيرها، ويتفهم فيها الكثير من النبل والشهامة ودماثة الخلق والكرم وغيرها، دون أن تختفي مفردات الحق والشجاعة ونصرة المظلوم والإيثار.والحياة تعلِّمنا أيضاً القهر والقسوة والظلم وغياب العدالة، وفي مقابل ذلك نتعلم فيها السلوك المتسم باللين والتواضع والإنصاف والقيم والعدالة، ودون أن نغفل أن كل إنسان وما تربى عليه، وأن ما اختاره لنفسه سوف يأخذ من خلاله طريقه فيكون النجاح لهذا والفشل لذاك، بما لا يمكن فهمه بأكثر من أننا نأخذ حظنا في هذه الحياة بقدر ما نتعلمه فيها
هكذا هو الافتراض أو المفترض، وقد يجنح قطار الحياة إلى دروب ومواقع أخرى لا يجد الإنسان نفسه يتعايش أو يتصالح معها،( يتبع )
( تكمله ثالثه ) ففيها قد يكون هناك ظلم لقدرات وإمكانات وإبداعات البعض، فيما أن هناك تعاطفاً أو حظاً للبعض الآخر، ففي الحياة لا توجد بشكل قاطع معايير وقياسات صحيحة في كل شيء.
جان جاك روسو قال:” حين أرىّ الظُلم في هذا العالم، أُسلّي نفسي دوماً بالتفكير في أنَّ هٌناك جهنم تنتظر هؤلاء الظالمين …”
اما سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه قال :” لا تظلمنَّ إِذا ما كنتَ مقتدراً فالظلمُ مرتعُه يفضي إِلى الندمِ تنامُ عينكَ والمظلومُ منتبهٌ يدعو عليكَ وعينُ اللّهِ لم تنمِ.”
لقد تطرقت كاتبنا لموضوع الظلم الواقع في هذا العالم والمعروف بالجور وإيقاع الأذى بمن لا يستحق، وهو وضع الأشياء في غير موضعها الصحيح، وإمالة ميزان الباطل على ميزان الحق، وسلب الحقوق زوراً وبهتاناً، وإعطاء من لا يستحق حقاً ليس له فيه أي حق، وهو الانحراف عن طريق العدل، والانحياز للباطل، وقد حرّم الله سبحانه وتعالى الظلم على نفسه، وجعله مُحرّماً على عباده، وقد حُرّم الظلم في جميع الأديان والشرائع السماوية، ولا تقبله الأعراف ولا التقاليد، لما له من عواقب وخيمة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وحتى على مستوى البلدان، والظالم ملعونٌ ومطرودٌ من رحمة الله تعالى،( يتبع )
(تكمله رابعه )يقول جلّ وعلا في محكم التنزيل: (ألا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18]، ويقول عليه السلام في الحديث الشريف : (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم هذا وأنواع الظلم كثيرة منها ظلم الناس فيما بينهم وبين أنفسهم، وظلمهم فيما بينهم وبين الله تعالى ويندرج تحت هذا النوع من الظلم، الشرك بالله سبحانه وتعالى، وهو أعظم أنواع الظلم، وكذلك الكُفر، والنفاق، وفعل المعاصي والمنكرات، واقتراف الكبائر من الذنوب، واتباع الشهوات والشيطان، وعدم طاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله؛ حيث يصف الله سبحانه وتعالى الشرك بقوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13] النوع الثاني هو ظلم الناس لبعضهم البعض أي بغيهم على بعضهم البعض، ونصر الباطل على الحق، ومنح من لا يستحق حقوق الآخرين، وسلب الحق من صاحبه الحقيقي، وأن يأكل الشخص أموال الناس، وأن يضربهم، ويشتمهم، ويتعدّى على حقوقهم، والاستطالة على ضعفهم، وسلب مال اليتيم دون وجه حق، والمُماطلة في الإيفاء بحقوق الناس وأموالهم والوفاء لهم مع القدرة على ذلك، وظلم المرأة بأخذ مهرها، ومنعها من التعليم، والعمل، والمُماطلة في كسوتها ونفقتها ( يتبع )
( تكمله خامسه )اما النوع الثالث فهو ظلم العبد لنفسه وذلك بألّا يضع نفسه في مكانها الصحيح، ولا يُحافظ على نفسه ودينه، وأن يستسلم للشهوات والذنوب، وألّا يصنع لنفسه أي مستقبلٍ مهم، وأن يُهمل في صحته، ولا يتزوّد من العلم والأخلاق والأدب والثقافة.
أسباب الظلم كثيرة فمنها وسوسة الشيطان، فالشيطان هو العدوّ اللدود للإنسان، ويغريه بإيقاع الظلم على نفسه وعلى الآخرين، ويُزيّن له الظلم فالنفس الأمّارة بالسوء والمنكرات فالنّفس تأمر صاحبها بظلم الآخرين وسلب حقوقه، لذلك يجب على المرء أن يُخالف شهوته، ولا يتبع نفسه الأمّارة بالسوء كذلك ضعف الوازع الديني عند الشخص يجعله يظلم الناس دون أن يُفكّر في العواقب الوخيمة لهذا الظلم، لأنّ ضعف العلاقة مع الله تعالى، وعدم التفكير في عقاب الله وعذابه، يجعل الشخص يظلم الآخرين ويظلم نفسه ومنها ايضا موت الضمير: الضمير الحيّ يمنع صاحبه من الظلم، أمّا الضمير الميت فإنه لا يكترث لإيقاع الظلم بالآخرين.
فإذا كاتبنا فأنت تثير فينا كقراء فكرة ماذا بعد ان ينتهي الوباء؟ وماذا بعد ان تعود المياه لمجاريها والحياة لسابق عهدها؟ هل سيتوقف الظلم بعد أن اكتشف الناس بأنهم ظالمين في حق أنفسهم وبحق الاخرين؟( يتبع )
( تكمله اخيره )و ماذا علينا ان نفعل للحد من الظلم ؟ هل سنتفكر في سوء عاقبة الظالمين، وكيف أنّ الظلم يدور ليقع على صاحبه في النهاية؟ هل سنتذكّر الآخرة، والمشي على الصراط، ومشهد العدل والفصل في يوم القيامة؟ هل سنردّ الحقوق لأصحابها، وسنبتعد عن الظلم بكافّة أشكاله .هل سنعترف ان الانسان لا يساوي شيئا وان القوة لله وحده وسوف نؤمن بقول رَسُول اللَّه ﷺ: لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ. رواه الترمذي ،وكذلك بقوله ﷺ : أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرَ اللَّه تَعَالَى ومَا وَالَاه، وَعالمًا وَمُتَعلِّمًا رواه الترمذي.
الرائع سهيل كيوان وجود الفكرة والمخيلَة بحد ذاته فَنْ وأن تنطلِق إلى ريشَة محترفَة كريشَتُك فمؤكد أن الإخراج سيكون بهذه الروعَة في لوحَة لا يمكننا فَصل مكوناتها ؛دمج مذهل .. وترجمَة فنيّة عميقَة الحس للحرف أعلاه، أبدعت
وكعادتك الذهول والدهشَة لا تفارق حضورك أبدا، شكرا لك ودمت بصحة وعافيه.