لا خيار أمام بايدن سوى التدخل: إسرائيل تجر الولايات المتحدة إلى حرب واسعة في الشرق الأوسط

رائد صالحة
حجم الخط
0

واشنطن ـ «القدس العربي»: قال محللون أمريكيون إن نهج إدارة الرئيس جو بايدن في التعامل مع أزمة الشرق الأوسط التي اندلعت في أعقاب السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بات على وشك الانهيار، وأشاروا إلى أن الحروب العدوانية التي تقوم بها إسرائيل قد تدفع المنطقة نحو حرب شاملة، وهي الحرب التي كانت إدارة بايدن تأمل في تجنبها على ما يبدو.

وأشار العديد من المحللين إلى أن الإدارة حسبت في البداية أن المصالح الأمريكية يمكن أن تنجو من تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة بمفردها، لكن خطر الانجرار إلى حرب أوسع نطاقًا ذات عواقب لا يمكن تصورها أصبح أكبر. وتبدو الخطة المحسوبة للرئيس الأمريكي لكبح جماح إسرائيل، وخاصة فيما يتعلق بلبنان، من خلال تقديم الدعم لأفعالها في غزة الآن، وكأنها جهد فاشل لمنع صراع أكبر. فقد فشلت محاولات واشنطن لوقف اندفاع تل أبيب، بما في ذلك البعثات الدبلوماسية إلى مصر وقطر الهادفة إلى تغيير السياسة الإسرائيلية. وعلى الرغم من إرسال شخصيات رئيسة بشكل متكرر مثل مدير وكالة المخابرات المركزية، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن للتوسط في السلام، فقد تركت الولايات المتحدة تبدو متواطئة، حيث زودت إسرائيل بالأسلحة حتى مع استمرار إسرائيل في توغلاتها. ولم يعد بإمكان بايدن، على الرغم من كل جهوده لإبعاد أمريكا عن الفوضى المتفاقمة، الهروب من التهمة القائلة بأن إدارته تتحمل المسؤولية عن تمكين التصعيد الإسرائيلي غير المنضبط.
والآن، يُنظر إلى واشنطن باعتبارها شريكة في الفوضى المتزايدة في المنطقة، وفقاً للعديد من المحللين والسياسيين والباحثين في «مستودعات التفكير» الغربية، وأصبح إحجام بايدن عن الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة أكثر صعوبة يوما بعد يوم. وبحلول شهر حزيران/يونيو، ظهرت خطة السلام التي يدعمها الرئيس الأمريكي، وتؤيدها حماس وتقبلها إسرائيل على مضض، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غيّر موقفه، متجاهلا طلبات الولايات المتحدة بالابتعاد عن معبر رفح الحدودي مع مصر. وبدلاً من ذلك، احتلت إسرائيل ممر فيلادلفيا، منتهكة بذلك اتفاقيات كامب ديفيد. فما هو رد الولايات المتحدة؟ المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل.
ورهان نتنياهو واضح: إذا ما أثارت واشنطن قدراً كافياً من الصراع، فلن يكون أمامها خيار سوى التدخل. إنها لعبة محفوفة بالمخاطر، ولها عواقب عالمية.
في غضون ذلك، يبدو أن نتنياهو نجح في تأمين موافقة واشنطن الضمنية على استهداف حزب الله في لبنان، الأمر الذي أدى إلى تصعيد الصراع الذي بدأ يخرج عن نطاق السيطرة. وكانت النتائج مدمرة. فقد انفجرت العبوات الناسفة في أماكن يومية مثل المنازل والمستشفيات، ما أسفر عن مقتل المدنيين، بمن فيهم الأطفال والعاملون في المجال الطبي. كما أدى الهجوم الإسرائيلي إلى نزوح الآلاف من منازلهم على طول الحدود اللبنانية، ومع ذلك يبدو أن شهية تل أبيب للعدوان لم تشبع بعد.
ورغم أن الولايات المتحدة وافقت ظاهرياً على توجيه ضربة «محدودة» إلى لبنان، فإنها كررت نمطاً تاريخياً مثيراً للقلق. ففي عام 1982 وعد أرييل شارون بتنفيذ عمليات إسرائيلية محدودة في الجنوب، ولكن القوات الإسرائيلية تقدمت وصولا إلى العاصمة بيروت وحاصرتها. وظلت إسرائيل قوة احتلال حتى طردها حزب الله في عام 1989.
ولاحظ محللون أمريكيون أنه على الرغم من بضعة أشهر من المناوشات الدبلوماسية، لم يتمكن الرئيس بايدن من إجبار نتنياهو على احترام اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي قبله في حزيران/يونيو. ولا تزال هذه الخطة، التي تمثل نهجا تدريجيا لإنهاء الصراع في غزة، معلقة مع استمرار الحرب. ولا يؤدي عجز بايدن عن فرض سيطرته على الوضع إلا إلى تعميق الأزمة، ما يلقي بظلال من الشك على النفوذ الأمريكي في المنطقة.
وبالنسبة للعديد من المحللين الأمريكيين، فإن التهديد الأعظم للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط لم يأت من إيران، بل من أقرب حليف لها، إسرائيل. ففي الأيام الفوضوية التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر، دفع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت باتجاه شن هجوم واسع النطاق ضد حزب الله في لبنان.
وتدخل الرئيس بايدن، وحث نتنياهو على التخلي عن هذه الخطط والتركيز على حركة حماس. وتكرر هذا السيناريو مرارا وتكرارا، حيث حاولت إدارة بايدن كبح جماح إسرائيل عن تصعيد الصراع إلى ما هو أبعد من غزة. ولكن غزة لم تكن بالنسبة لإسرائيل الجائزة الاستراتيجية التي كانت ترغب فيها. والآن، بعد أن وجد نفسه في موقف صعب، يحتاج نتنياهو إلى «فوز» حاسم لإعادة بناء مصداقية جهاز الأمن القومي في البلاد، والذي تحطم بسبب إخفاقات السابع من أكتوبر. وفي مواجهة تحقيقات محتملة بشأن تلك الاخفاقات، يبحث يائسا عن طريقة لإنقاذ مكانته السياسية.
وقال الباحث عمران خالد في دراسة نشرتها مجموعة من المواقع التقدمية بالولايات المتحدة إن الولايات المتحدة نفسها عالقة في الوسط، تكافح من أجل إدارة حليف عازم على تحويل تركيز الصراع.
وقال: «إن دفع نتنياهو لتحقيق نصر عسكري خارج غزة يهدد بجر واشنطن إلى حرب إقليمية أوسع نطاقًا، ما يعقد استراتيجية بايدن في الشرق الأوسط، ويشكل تحديًا للمصالح الأمريكية طويلة الأجل فيه. وتزعم إسرائيل أن حزب الله يجعل حياة مواطنيها لا تُطاق، ما يجبر الكثيرين على ترك منازلهم والتوجه إلى الفنادق. حتى زعيم حزب الله الراحل حسن نصر الله، على الرغم من غضبه من الهجمات الإسرائيلية، كان لديه رسالة واحدة متسقة: لا يمكن أن يحدث وقف إطلاق النار في لبنان إلا إذا كان هناك اتفاق بشأن غزة. إنه شعور يتفق معه حتى العديد من الإسرائيليين، حيث يجد البعض أن زعيم حزب الله السابق أكثر موثوقية من رئيس وزرائهم».
ولكن هناك مشكلة واحدة: أن نتنياهو عازم على فصل أي حل في لبنان عن غزة. وعلى السطح، يبدو أن هذا التصعيد العسكري الأخير يركز على تأمين ما يصفه بالحدود الشمالية لإسرائيل. ولكن تحت هذا التصعيد يكمن شيء أكثر حساباً: طموح نتنياهو القديم إلى صراع أوسع نطاقاً.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحرك فيها نتنياهو القوى العالمية نحو الحرب. فقد أقنع إدارة بوش بالإطاحة بصدام حسين على أسس واهية، ثم أقنع دونالد ترامب لاحقا بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران. والآن يريد شنّ حرب مع إيران، وهو يعلم أن الولايات المتحدة ستكون ملزمة بالدفاع عن إسرائيل.
وقال محللون أمريكيون إنّ مقامرة نتنياهو واضحة: إذا استفزت صراعاً كافياً، فلن يكون أمام واشنطن خيار سوى التدخل. إنها لعبة محفوفة بالمخاطر، ولها عواقب عالمية. ويبدو من غير المرجح أن تظهر إسرائيل ضبط النفس في الصراع الحالي، وإدارة بايدن عالقة في مأزق صعب. ومع ذلك، يبدو الرئيس الأمريكي متردداً في استخدام النفوذ الذي تتمتع به بلاده لمنع تل أبيب من التصعيد أكثر. وتأمل إدارته الآن أن يسعى حزب الله وإيران إلى التوصل إلى تفاهم لتهدئة التوترات على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، ولكن مع عدم احتمالية تقديم الحكومة الإسرائيلية أي تنازلات، فإن هذا الأمل يبدو هشاً بشكل متزايد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية