أردد بيتا لمحمود درويش لا ترنما بل أسى.. ما عاد شيء يعجبني، أقف على التنافر بين ما آمنتُ به شابا، وما آل إليه واقع الحال في خريف عمري. حلمت بعد سقوط حائط برلين بأن تسود عالمي الحرية والعدالة، ووثِقت بدعاوى حقوق الإنسان والدمقرطة، وبما قيل إنه نهاية التاريخ. وما أن انتشيت بسحر الخطاب حتى استفقت على تجييش الولايات المتحدة قوات ما سمته بـ»التحالف الدولي ضد العراق» لمشكل كان يمكن حله دبلوماسيا.
آلت الولايات المتحدة على نفسها أن تُرجع العراق إلى العصر الحجري، وبرّت بوعدها، ثم وعدت بنظام عالمي جديد، وانتهجت سياسة الكيل بمكيالين. وكان أشنع ما قامت به الولايات المتحدة ومَن يؤازرها هو، تجويع شعب العراق من خلال فرض حصار عليه. ولم يبرأ العراق إلى الآن من ندوب الحصار من تجويع وتقتيل على مهل، والإجهاز على القيم الجامعة له، وهلهلة سدى مجتمعه. كانت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة مادلين أولبرايت، ترقص انتشاء على نغمات ماكَرينا إمعانا في النكاية كي يستمر الحصار. حلمت بنهاية مأساة الشعب الفلسطيني، وفي حقه في إقامة دولته على أرضه المحتلة، وآمنت بما أشاعه مؤتمر مدريد من آمال، وما حمله اتفاق أوسلو من وعود، واعتبرت أن معادلة الأرض مقابل السلام مرجعية واقعية من أجل حل عادل وشامل ودائم، وأن الشعب الفلسطيني له حلم ككل الشعوب والجماعات، وأن الولايات المتحدة وسيط نزيه. آمنت بأن العالم العربي يمكن أن ينهض، وأنه على غرار القوتين الحضارتين الكبيرتين، الصين والهند، يشكل كتلة واعدة، كما تبدّى في مؤتمر باندونغ 1955. آمنت بأن الجفاء المغربي الجزائري إلى زوال، وأن الوحدة المغاربية حتمية، وأنّي سوف أراها قيد حياتي. دافعت عن لغة أمي الأمازيغية، باعتبارها مكونا ثقافيا وسوسيولوجيا وتاريخيا لشمال افريقيا، لا غنى عنه لمن يروم أن يعرف موضوعيا تاريخ شمال افريقيا وثقافتها والبنية الذهنية لساكنيها، من أجل أن يعيش البعدان العربي والأمازيغي في بلاد المغرب، في وئام كما التحما في القضايا المصيرية. آمنت بدور الفكر وأصحاب الرأي الحر.. والذي أراه صورة معكوسة لكل ما آمنت به.. العالم العربي سراب.. قدّرت مع «الربيع العربي» أنه سيصحو، وأنَّ رمق الحياة ما زال يدب فيه، وتشاجرت مع من حذروني من الوهم واستبقوا الخراب، كانوا على صواب، وحدث ما نرى من تشرذم وتصدع وعودة للاستعمار في شكل جديد.
الوحدة المغاربية تزداد نأيا، والجفاء يستفحل بين المغرب والجزائر، وهما يبنيان الأسوار حقيقة لا مجازا لفصل الجسد الواحد
الوحدة المغاربية تزداد نأيا على توالي السنين، والجفاء يستفحل بين المغرب والجزائر، وهما يبنيان الأسوار حقيقة لا مجازا لفصل الجسد الواحد، ويتنافسان في شراء الأسلحة على حساب الصحة والتعليم والشغل، ويتسابقان في تمكين أقبية أجهزة البوليس بكل الوسائل المتطورة للاستماع والتنصت، وتعقب القوى الحية، على حساب الإبداع والفكر والكرامة. والمتحدثون باسم الأمازيغية شتى، حتى اختلط عليّ الحابل بالنابل.. كنت بالأمس أُنعت بـ»بربريست» واليوم أنعت بالعنصرية، لأني أنادي بتجاوز خطاب الهوية لأواصر مشتركة حول قيم جامعة ومصير مشترك. أصحاب الفكر التزموا الصمت، أو دُفعوا للصمت، وأصحاب الرأي من الأقلام اللامعة يقبعون في السجون، أو هم في المنفى، أو عرضة للتشهير، ومن نادوا بمطالب اجتماعية حوكموا بعقوبات سيريالية. القتلة يقتلون القتيل ويمشون في جنازته.. يرددون أنهم مع القضية الفلسطينية وقد أحالوها صفقة أو صفقات، يتواطؤون على شعب هُجّر من أرضه، وحُشر في المخيمات، وحُرم ضروريات الحياة، يحرمونه العيش، ويُضيّقون عليه، ويقتنصونه، حقيقة لا مجازا، ثم يعلنون على رؤوس الأشهاد بأن القضية الفلسطينية مقدسة، وأن حقوق الشعب الفلسطيني مصونة.. وهلم جرا من التُّرهات والأراجيف. بعض إسلاميينا من بلدي من كانوا يقيمون الدنيا لصحافية ترتدي فستانا، وينصبون محاكم تفتيش، ويجأرون ضد التطبيع، أصبحوا يتقنون لغة عالم 1984 لجوج أورويل، حين تفيد اللغة الشيء ونقضيه، يعلنون خطابة أنهم ضد التطبيع، ويزكونه فعليا.
لا شيء يعجبني حتى الكتابة لم تعد تعجبني، كانت هي العِوَض عن أحلام وأوهام. أرصف جملا لا تغير شيئا من واقع الحال، لأن التغيير ليس نتيجة دينامية داخلية، وإنما إملاء يأتي من الخارج، لأن عالمنا غير قادر على أن يفكر بذاته، أو أن يكون مالكا لأمره، لأنه مضروب بهذه اللعنة التي تسمى في العلوم النفسية Hétéronomie أي أن الآخر بالإغريقية Heter، هو من يضع القاعدة Nomos، وليس الذاتAutonomie . انقلب سُلم القيم.. التخاذل تبصر، والخديعة فطنة، والجبن حكمة، والتفسخ تفتح، والتشبث بالمبادئ تعصب، وحصافة الرأي أحلام وأوهام. أدرك في هذا الذماء (والذماء هو ما يبقى من روح) مما أحتفظ به من وعي، أن ابتذال القيم ما كان ليكون لولا الآخر، مَن رعى التفسخ وحماه، هل من الحصافة منازلة الأشباح؟ لكن الآخر من الذكاء والقوة كي يزعم أن لا مشكل له معي، وأن المشكل مع صنوي، ممن أدرك قواعد اللعبة: التكنوقراطي الذي يحمل جنسية أجنبية، ويرتبط بولاء خارجي، والأديب من غير موهبة سوى موهبة العلاقات العامة، من تتقاطر عليه الجوائز السَنيّة، و»المفكر» الذي لا يفكر، والصحافي حاكي صدى الأجهزة، والسياسي الخَبّ، من يوظف كل الأسباب ويمزجها في خلطة عجيبة، من يسار ويمين، وقواعد وأعيان.
هل يمكن أن نعيب على الأشباح أن تحمي نفسها وتركب من أجل ذلك الصعب والذلول؟ والحقيقة ليست هي الحقيقة وإنما الأشباح. على خلاف مغارة أفلاطون. الحقيقة هي الصور التي تتأود أشكالها أمام ناظرينا بعجرفة وغطرسة واستعلاء. لا حاجة لفك الأغلال، بل كلما صُفّدنا بها، تشبعنا بـ»الحقيقة» التي تُراد لنا، وعشنا في تناغم مع ما يُصاغ لنا منذ مؤتمر برلين 1885، وسايكس بيكو 1916 ولورنس «العربي» إلى الفتى اللوذعي جاريد كوشنر وهو يشق بعصاه بحر الظلمات. كَذّبْتُ نفسي، فهل من الواجب أن أكْذِّب الآخرين؟ لا شيء يعجبني.. حتى نفسي لم تعد تعجبني.
كاتب مغربي
لا أدري بما يمكن أن يعلق المرء على مقال الدكتور أوريد… تشخيص عميق جدا ولغة قوية وتعبير جياش يحمل نبرة الغضب وعدم الرضا..، ماذا عسانا نفعل يا سي حسن فنحن لا نملك من أمرنا شيئا؟؟
لك الله يا وطني..
كأنك تنطق بما في ذاتي استاذي اوريد اشعر اني قد فقدت حاسة التذوق مما جرى و ألا شيء سيعجبني
–
لا شيء يعجبني لهذا مايبرره اما التطلع لما قد يعجبني فقد انتهى و هذه هي المأساة صار التطبيع نصرا
–
اليوم و غدا قد يغدو التعاطف مع قضيه فلسطين جريمة انهم يعملون بما اوتوا من مال و قوة على
–
صناعة كائن عربي -امازيغي جديد لا هم له الا قتل بعضه ببعضة
–
تحياتي من مراكش
يا من رزق البيان واعتلى ناصية الفكر وتمكن من فهم بحار الظلمات اللجية, نحن هنا في الجزائر نفهمك عشرة على عشرة, اسلوب رائق وفكر واضح وكلمات هي منبت الدلالة, لا فض فوك, كفيتنا شر السحرة, يا سيدي حسن قرانا كتبك وفهمنا افكارك وتتبعنا مقالاتك
“أصحاب الفكر التزموا الصمت، أو دُفعوا للصمت، وأصحاب الرأي من الأقلام اللامعة يقبعون في السجون، أو هم في المنفى، أو عرضة للتشهير، ومن نادوا بمطالب اجتماعية حوكموا بعقوبات سيريالية” هذه الخروقات السافرة التي سردها كاتب المقال استفخلت في السنوات الأخيرة في بلدنا المغرب وتزايد ضحاياها مما دفع كثيرا من المراقبين يتساءلون عن هدف دوائر القرار من تحاملها على كل المنابر الحرة والأقلام المعارضة أهو توجه نحو ترسيخ نظام حكم إستبدادي لا يتحمل الإنتقاد ولا يقبل تقاسم السلطة ونحن في زمن لفظت فيه جل شعوب العالم الأنظمة المستبدة؟ وأين هو مشروع دمقرطة الحياة السياسية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان التي بشر بها الملك الشاب في بداية الألفية الثالثة؟ ثبت للكثيرين مؤخرا بعدما استفاقوا على هول صدمة إعلان مفاجئ للتطبيع من جهة الدوائر الحاكمة أن الأرضية لتنزيل هذا التطبيع كانت تمهد منذ سنوات في غفلة من الشعب وذلك بكسر شوكة كل الرافضين للإستبداد والفساد بين صفوف الصحفيين والحقوقيين والمثقفين وحتى الجمعيات المدنية حتى يسهل تمرير مؤامرات الإنبطاح بعد تصفية كل جيوب مقاومة التطبيع في المجتمع المغربي, وللأسف فقد أدركوا مبتغاهم.
الحقيقة الوحيدة في هذا الكون هي القرآن الكريم..
صدقت أخي جمال. ومن حقيقة القرآن الكريم تُشع كل الحقائق الأخرى.
عزاؤك وعزاؤنا واحد يا أستاذ حسن, كل ما أفصحت عنه من رؤى وموافق يشاركك فيها السواد الأعظم من شرفاء هذا الوطن, ما عاد ممكنا بعد اليوم بناء أواصر الثقة مع جهات نافذة ظلت لسنوات تنشر في وسائل إعلامها الرسمي إدعاءات ثباتها على العهد الذي سطره المغاربة عبر التاريخ منذ ملاحم صلاح الدين إلى حرب أكتوبر بينما هي في الخفاء ترتب لمعاهدات خيانة الأمانة! لقد نضح الإناء بما فيه واتضحت الرؤية إلا لمن على عينه غشاوة.
تاجر العقارات بمنطق : (ماذا تريد وكم يمكنك أن تدفع) إستطاع أن يحتال على انظمة حكم عربية مفلسة, فذاك يحتاج لحماية ومستعد أن يدفع المليارات بالاضافة إلى التطبيع والآخر يريد رفعه من ما يسمى لائحة الإرهاب والثالث يريد تأييدا يحول دون انتزاع صحرائه من أراضيه… والبقية تأتي! الذي هالني بعد مشهد تبرير الموقف الرسمي إعلان ربط العلاقات مع الكيان المحتل هو الإستفراد باتخاذ القرارات المصيرية وتجاوز كل مؤسسات الدولة الشرعية خاصة البرلمان والحكومة, وحتى الإستشارة الشعبية لم تؤخذ كمؤشر بل تم طبخ القرار في الكواليس على مر سنتين ونصف الماضية كما جاء في إقرار وزير الخارجية لوسائل إعلام أجنبية مما يجعل هذا التطبيع لا يكتسب أي مشروعية ولا يلزم إلا موقعيه, فالشعب المغربي منه براء مهما تعالت أبواق المهرجين والطابور الخامس.
تحيه طيبه للجميع و حيا الله كاتبنا المحترم استاذ حسن علي مقالته الواقعيه و المعبره بصدق عما يدور و يجول بداخل الكثير منا و خاصه ممن عنده غيره علي وطنه و دينه و عروبته و انسانيته . صدقني اخي حسن اني شخصيا” اشاركك كل ما تفضلت به و مع ذلك فلا نفقد الامل فالخير و اهله كثر و كثر جدا” و لا بد للخير والحق ان ينتصرا علي الشر والظلم و لو بعد حين. والامثله و العبر كثيره سواء في الماضي او الحاضر والله المستعان.
نبيت على ألم ونصحوا على فاجعة !!
الجزائر والمغرب !! أي حب وأي حقد هذا الذي مزجوه اولئك الذين حكموا البلاد هناك وهنا ؟
أجدني ابراهيمية دون سابق انذار أردد في سري ..ياربي اجعلها آخر فاجعة …
لست أهلا للنصح ومع ذلك أجدني ناصحة عن تجربة …لاتترك القلم أستاذي الكريم وان احرقوا صومعتك …اذا ولّى القلم لايعود …
احيي قامتك حضرة الكاتب واتبرك بحبرك وأضم ظلك المتعب إلى ألبوم نقط الضوء في حاضرنا الذي يزداد سوادا وقتامة ..
ولكن الاستسلام ليس حلا فالمستقبل لم يولد بعد ولن يولد حتي تخترعه المعاناة..
كنت اود ان تكتب باسلوبك المعتاد القوي المباشر.. تفضح الحقيقة وتغلق ابواب الوهم وتعيد عقارب الزمن الرديء الي لحظة استفاقة.. لكنك تبدو اكثر تعبا من حزن احلامنا..
كتبت مرة انك مهدد لانك ترفض الدخول في صندوق “يعيش”.. كتبتها ولم يلتفت اليها اخوتك واستمروا في التساقط علي اعتاب العرش المقدس… لكنك مخطأ.. كل ما نراه اليوم من ضياع هو تاسيس للسواطئ التي سترسو عليها احلامنا وتعيد بناء انسانيتنا المهدورة في العالم الجديد… عالم ما بعد الانكسار..
ومن لا يصدق فليعش وسيرى وعد الله الحق (
لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد 196 متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد 197 لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار)
يا سي عليوات: جيد أنك نوهت بالكاتب المغربي ، لكنه وضع المغرب و الجزائر في نفس المستوى من عدم الإعجاب: جعلا الوحدة المغاربية بعيدة المنال ببناء أسوار عالية بينهما و التسابق نحو التسلح عوض الاهتمام بالصحة والتعليم. لعلنا نجد كاتبا جزائريا مرموقا هو الأستاذ واسيني الأعرج يحظى باحترامنا نحن المغاربة ينحو هذا النهج في نقد سياسة البلدين مع تخصيص الجزء الأكبر لوطنه الأم كما فعل الأستاذ أوريد.