يملك لأي مراقب مبتدئ أن يمارس لعبة ‘القص واللصق’، وأن يلتقط مشاهد متفرقة من واقع مصر الراهنة، وأن يلصق المشاهد المختارة بالصمغ الصناعي، وأن يقول لك ـ ببساطة ـ ان الأمور في مصر عادت إلى خطوط 24 يناير 2011، أي قبل ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الأعظم في 30 يونيو 2013، وأنه لم يعد ينقصنا سوى عودة حسني مبارك شخصيا إلى قصر الرئاسة، وحبذا لو اصطحب الرجل المتهالك نجليه جمال وعلاء من سجن طرة، وتعلق بذراع زوجته سوزان ‘شجرة الضر’، واستدعى وزير القبضة الحديدية حبيب العادلي من محبسه ليحكم وزارة الداخلية (!).
سهولة اعطاء انطباعات من هذا النوع لها دواعيها الملموسة، وبالذات في الممارسات الأمنية ذات الطابع القمعي، التي هي موضع إدانة وطنية جامعة من كافة القوى الثورية، وسواء لحقت الانتهاكات بالإخوان أو بغير الإخوان، وكلها مرفوضة تماما، كما لا يحق لأحد أن يفرق في حرمة الدم، أن يفرق بين دم شباب الإخوان ودم شهداء الجيش والشرطة، فالدم المصري كله حرام، وبعض الممارسات الأمنية تفوق في ضراوتها ما كان يفعله حبيب العادلي شخصيا، لكنها ـ مع ذلك ـ لا تبرر القول بأننا عدنا إلى ما قبل الثورة، فلا شيء في التاريخ الإنساني يعود إلى الوراء، حتى إن بدا كذلك لزمن موقوت، ولظروف متغيرة بينها الخطر الإرهابي الذي يجتاح المنطقة، والذي تشهد مصر صوره الشرسة، والمحكوم عليها بالهزيمة في نهاية المطاف، وإن كانت أجهزة الأمن المصرية في حاجة إلى تجديد شامل، وتغيير جوهري في أساليبها وهياكلها وطرق عملها، وترك طرق الاحتجاز العشوائي لآلاف الناس، والتغول على الحقوق والحريات الطبيعية.
فمصر في حاجة إلى موازنة دقيقة بين الأمن والحرية، لا تتضمن فرض قيود أو إجراءات استثنائية على نمط حالة الطوارئ التي ظلت سارية طوال سنوات مبارك الثلاثين، ولا تعتمد فيها أجهزة الأمن على القوة الباطشة وحدها، بل على أداء مهني محترف، وعلى بناء أجهزة معلومات قادرة على اكتشاف خرائط الخطر الإرهابي الجديد، والمدعوم من قبل دول كبرى وصغرى وأجهزة مخابرات دولية، والمـــــزود بسلاح متطور دخل إلى مصر عبر حدود سابت مفاصلها خلال ثلاث ســـنوات مضت.
وبدون معلومات وخرائط كافية، قد يطول عمر مواجهة الخطر الإرهابي بأكثر مما ينبغي، وقد تتحول حالة أجهزة الأمن المصرية المتضخمة إلى ما يشبه حركة الفيل الأعمى، وتجور على حريات الناس المسالمين بما يقوي شوكة الإرهاب، ولا يصيبه في مقتل نهائي.
نعم، لا بد من الإقرار بأن ثمة مشكلة مزدوجة تعيق الثورة المتعثرة أصلا، فالإرهاب عدو لقضية الثورة، والقمع النظامي عدو آخر، لكن أحدا في مصر لا يملك فرصة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لا العناصر المتنفذة في السلطة الحالية تملك، ولا الجماعات التي تتخذ من الإرهاب دينا وأيديولوجيا، والسبب ظاهر، صحيح أن الاختيارات الجوهرية الحاكمة لم تتغير، وظلت على حالها الموروث عن حكم مبارك، وبثلاثية اختيارات ملعونة تعطي الأولوية للأمريكيين وحفظ أمن إسرائيل ورعاية مصالح رأسمالية المحاسيب، وعبر ثلاث سنوات شهدت تغيرا متسارعا في صور الحاكمين، من مجلس طنطاوي وعنان إلى حكم الإخوان، وإلى السلطة الانتقالية الحالية. صحيح أن ما كان لا يزال يحكم، لكن المحكومين تغيروا، وهذا هو المكسب الرئيسي للثورة إلى الآن، الذي يجعل العودة مستحيلة إلى خطـــوط 24 يناير 2011، فقد تغير مزاج المصريين تماما، وصار المزاج العام ديناميكيا نافد الصبر بامتياز، واكتسب وعيا ثـــوريا ظاهرا صنعته تجربة الثورة العظمى، وأضافت إليه محنة الثورة ذاتها، فلم تمض الثورة في رحلة الخط المستقيم، بل مضت في خطوط ودوائر حلزونية أوحت بالتراجع، ثم دخلت في حواري المتاهة مع حكم الإخوان المنتخب العابر، وكانت تلك المحنة ضرورية لاكتساب الوعي المضاف، ومن قلب المحنة ولدت النعمة، فالحـــــريات العامة وتداول السلطة شيء ضروري في سيرة الثورة، لكن اختصـــار الثورة في ممارسات ديمقراطية صورية يبدو مخلا جدا فـــي السياق المصري.
فقد تكون الديمقراطية ردا مطلوبا على الاستبداد السياسي، لكن الاستبداد السياسي ـ على طريقة مبارك ـ كان عرضا لمرض اسمه الانحطاط التاريخي، ومعالجة العرض من دون علاج المرض قد تودي بالمريض إلى حتفه، أو تعيده إلى نومة أهل الكهف، التي عاناها المصريون طوال أربعين سنة مضت من الانحطاط التاريخي، والخروج من سباق العصر، وتحول المجتمع إلى ‘غبار بشري’ حائر على أرصفة التسول، وقد أتت تجربة الثورة ـ المتصلة فصولها ومعاركها ـ كحالة إفاقة للمصريين من الغيبوبة التاريخية، فمع الثورة، استعاد المصريون حس الشعور بالألم، واستعادة الشعور بالألم شرط جوهري لصناعة الأمل، والشعب الذي لا يتألم لا يصنع الأمل، ولا يرى طريقا سالكا إليه، وقد خرج الشعب المصري من قمقم الخوف الذي احتبس فيه طويلا، واقتحم حواجز الخوف مع ميلاد ثورته العظمى في 25 يناير 2011، ولولا خروج 25 يناير ما كانت الموجة الثورية الأعظم في 30 يونيو 2013. لولا البدء بخروج عشرات الآلاف ما خرجت عشرات الملايين، فلم يعد من شيء يخيف المصريين، بل صار الخوف نفسه هو الذي يخاف من المصريين، وليس اجتياز حواجز الخوف وحده هو الذي يميز مزاج المصريين الآن، بل الإفاقة على وعي ثوري تكتمل حلقاته، لا يعيقه قمع ولا وحشية عابرة إلى زوال أكيد، ولا يعيقه خداع الصور في مشهد السياسة، فقد كان مشهد السياسة قسمة بين جماعة مبارك وجماعة الإخوان إلى يوم 24 يناير 2011، جماعة مبارك كانت في الحكم، وجماعة الإخوان كانت خارجه، كانت الجماعتان متنافستين لا متناقضتين، وكانت قواعد اللعبة تتضمن هندسة لعيش مشترك، وجاءت الثورة من خارج الجماعتين، اللتين حاولتا وتحاولان التناوب على حكم البلد بعد الثورة، وكأنه كتب على الثورة أن تقوم فلا تحكم، وأن يكون الحكم ـ تناوبا ـ بين جماعتي الثورة المضادة، فقيادة الإخوان تتطفل على ميراث ثورة 25 يناير، وقد جاءت إلى الحكم بعدها، وتعتبر 30 يونيو انقلابا أزاحها عن الحكم، فيما تعتبر جماعة مبارك أن 25 يناير مؤامرة أزاحتها عن الحكم، وتتطفل على الموجة الثورية الأعظم في 30 يونيو، وتريد أن تسترد العرش المفقود، وقد تبدو إيحاءات ‘القص واللصق’ في المشهد المصري مؤدية إلى اقتناع بإمكانية عودة جماعة مبارك للحكم، وهو اقتناع زائف يتناسى ويتجاهل الشعب المصري صاحب القضية كلها، والقادر ـ بإذن الله ـ على قول الكلمة الفاصلة، وبيان استحالة العودة لبؤس مبارك القرين لبؤس الإخوان، وإحلال اختيارات الثورة في استعادة الاستقلال الوطني والتصنيع الشامل والعدالة الاجتماعية.
وما نقوله عن استحالة العودة لخطوط 24 يناير لا يعني تجاهل المخاطر، فثمة حرب حقيقية تخوضها جماعات المصالح والمليارات المسروقة من قوت وثروة الشعب المصري، وعبر مراكز سيطرة متنفذة في جهاز الدولة الفاسد، أو في فضائيات التزوير الإعلامي، أو في جماعات تتظاهر بالمعارضة، وتريد احتواء الثورة، أو ركوب قطار السيسي المندفع بتأييد شعبي كاسح إلى قصر الرئاسة، فهؤلاء يريدون تزوير صورة السيسي، وعلى أمل جعله في صورة ‘مبارك معدل’، وهو ما يبدو صعب التحقــــق، ليس ـ فقط ـ لأن السيسي لا يريد، وينفر من هؤلاء الفاسدين المتطفلـــين على حملته الرئاسية، وهم أخطر عليه من جماعات الإرهاب، وهم وجوه مكروهة تحظى بالنفور العام، واستهانوا بالشعب المصري الذي يطلبون وده الآن، وحتى يقفزوا إلى كراسي البرلمان صونا لمصالحهم غير المشروعة، وهو ما لن يكتمل فيما نظن، وإذا حدث فلن يستقر، ولأسباب مفهومة، فهؤلاء من علامات مأساة الانحطاط التاريخي، والمأساة لا تعالج بالمأساة، ووعي المصريين الجديد لا يقبل خداعا، ثم ان أزمة الوضع المصري وصلت إلى مداها الخطر سياسيا واجتماعيا، وتأملوا ـ من فضلكم ـ موجة الإضرابات الاجتماعية المتزايدة، ثم تأملوا ضيق الأمريكيين بظاهرة السيسي كلها، وتربصهم بنوايا الاستقلال الوطني في المشهد المصري، وكلها نذر تتواتر إلى صدام أكيد، تصبح معه العودة إلى 24 يناير مجرد خرافة تاريخ.
‘ كاتب مصري
الا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشير
كلمه حق يراد بها باطل
عندما يكون الدم المسال للمسلمين فليس له بواكي واما اذا ما كان للمجرمين فكل العالم له بواكي
حقد العلمانيين و الليبراليون ليس على الاخوان بل على الاسلام وما هم الا ادوات بيد الغرب و ما كاتبنا الا بواحد منهم
كلما شتمت الفلسطينين و ضيقت عليهم اكثر كلما رضيا الغرب عليك اكثر
مبارك لكم المشير
والله لتعودوا تبكوا على ديمقراطيه حسني مبارك
نحن الان لسنا في 24 يناير بل في 4 يونيو 1967