”الشروط التي عرضها وزير الخارجية افيغدور ليبرمان لتأييد حزبه اسرائيل بيتنا، وبموجبها في كل تسوية دائمة يكون تبادل للاراضي والسكان في ‘المثلث الصغير’ شرقي الشارون وجدول عيرون (وادي عارة) وازاحة الحدود الى منطقة طريق رقم 6 وكأنه تزاح الحدود فقط وليس السكان، مثابة ‘ترانسفير سهل’ ليس مفاجئة، ولكنها ليست منطقية من ناحية جغرافية وديمغرافية. ‘الخط الاخضر، الذي يحد بين هذه المناطق وبين مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تقرر بعد حرب الاستقلال، في اتفاق الهدنة الذي وقعته اسرائيل مع الدول العربية في العام 1949. وكان هذا الخط هو الذي قرر الواقع الذي رأته اسرائيل في حينه كحيوي لوجودها وادائها. في تحديد الخط الاخضر شرقي الشارون تطلعت اسرائيل الى أن يكون كل السهل الساحلي في نطاقها وشرايين المواصلات الرئيسة لها، طرق وسكة الحديد الشرقية، تكون تحت حكمها من أجل الابقاء على اتصال منتظم بين مركز البلاد ومناطقها الشمالية. ولتحقيق هذا الهدف نجحت اسرائيل في اثناء المفاوضات على حدودها في أن تحمل الاردنيين على ان ينسحبوا من قاطع ضيق من عدة كيلومترات، كانت توجد فيه قرى عربية بعد أن انسحب الجيش العراقي منها وسلمها للاردنيين. وفي سهل عيرون كانت عملية مشابهة. فقد كانت اسرائيل معنية في أن تتسلم سهل عيرون كله بسبب الممر التاريخي في بلاد اسرائيل الذي يمر عبرها الى الشمال ونجحت في ان تدفع الاردنيين من الانسحاب من هناك من قطاع ضيق من عدة كيلومترات، بما في ذلك القرى العربية التي على جانبه وبلدة ام الفحم. وهكذا حصلت اسرائيل على السيطرة الكاملة على حلقة العبور الهامة هذه التي بين السهل الساحلي الجنوبي ومرج يزراعيل (مرج بني عامل) والجليل في الشمال. ومع السنين طرأ تطور سكاني واقتصادي في هذين القطاعين، سواء في مثلث البلدات الطيرة، الطيبة وقلنسوة في شرقي الشارون أم على جانبي طريق وادي عارة. وصارت بلداتهما جزء لا يتجزأ من الاراضي السيادية لدولة اسرائيل، وسكانهما صاروا مواطنين شرعيين في الدولة. ومع أن الانتشار الاقليمي للقطاعين يبدو مثابة هوامش غربية لمنطقة السامرة (سكانهما طوروا علاقات اقتصادية، اجتماعية وسياسية مع دولة اسرائيل) لا تبدو اي حاجة ملموسة لتغيير مكانهما في سياق المفاوضات الجارية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وكل هذا لسببين اساسين: حجمهما ومساحة اراضيهما. السكان العرب الذين بين كفر برا في جنوب ‘المثلث الصغير’ وحتى قرية ميسر في الشمال، شرقي طريق رقم 6 يبلغ عددهم نحو 123 الف نسمة فقط. واولئك الذين يعيشون على جانبي جدول عيرون، بما في ذلك المدينة الكبيرة نسبيا أم الفحم، فيبلغ عددهم نحو 120 ألف نسمة. العدد الاجمالي لسكانهما هو فقط نحو 15 في المئة من عموم السكان العرب في اسرائيل، ونحو 70 في المئة من عموم 350 الف مستوطنة في يهودا والسامرة. فهل معدل السكان هؤلاء، الذي سيقتطع زعما من نطاق دولة اسرائيل كفيل بان يحل مشكلة الاقلية العربية التي تخشى حجمها جدا محافل في اليمين؟ ‘هل مساحة هذين القطاعين، نحو 74 كيلومتر مربع شرقي طريق رقم 6 ونحو 80 كيلو متر مربع على طول طريق جدول عيرون، واللذين سيربطان زعما بالسلطة الفلسطينية مع ازاحة الحدود، مساويان في القيمة مع مساحة نحو 526كيلو متر مربع من اراضي الحكم البلدي التي في ايدي المستوطنين في المناطق؟ وهل ستوافق السلطة الفلسطينية على الاطلاق في اطار المفاوضات على التسوية الدائمة أن تستوعب فيها عددا آخر من السكان يضافون الى اولئك الذين يتواجدون منذ الان في نطاقها، على أرض قليلة نسبيا، بعد ان اقتطعت اسرائيل منها اراض دون اي توازن بالنسبة لعدد مستوطنيها؟ ‘كل تغيير في حدود الخط الاخضر هو اشكالي رغم أنه بشكل نظري يمكن ان يبدو الامر مبررا. فمن جهة السكان العرب في هذين القطاعين يبدون باستمرار وبتفانٍ انتماءهم الى الشعب الفلسطيني وتأييدهم الحماسي لاقامة دولة فلسطينية والرغبة في صالحها. وبالتالي، فان نقل هذين القطاعين الى نطاق الدولة الفلسطينية يبدو طبيعيا جدا، بل وكفيل بان يقدم مساهمة هامة لتطورها وتقدمها الديمقراطي. ولكن من جهة اخرى، توجد معارضة شديدة في اوساط قرى ‘المثلث’ وسهل جدول عيرون لنقلهم الى نطاق السلطة الفلسطينية، لانهم يرون أنفسهم كمواطنين شرعيين في دولة اسرائيل ويتمتعون بهذه المكانة. من هنا فان ثمة احتمال صغير جدا في أن تكون هذه الخطوة قابلة للتطبيق. وينبغي أن يضاف الى كل هذا ان الشروط التي قررها وزير الخارجية ليبرمان تتعارض وميثاق جنيف الرابع من العام 1949، والذي وقعت عليه اسرائيل ايضا، الميثاق الذي يبحث في حماية المدنيين في اثناء الحرب بين الدول او بين الدول التي توجد في حالة حرب. في المادة 49 من الميثاق تنص على أن الترحيل الجماعي بالقوة وكذا نقل السكان المحميين من منطقة محتلة الى الاراضي الاقليمية لقوة الاحتلال او لكل دولة اخرى، محتلة كانت أم لا، ممنوع، وان قوة الاحتلال لا يجب ان تجري ترحيلا لسكانها هي الى الارض المحتلة. وعليه، فان الشرط الذي طرحه وزير الخارجية ليبرمان ويقضي باجراء ترحيل لمواطنين شرعيين في دولة اسرائيل الى الدولة الفلسطينية، هو شرط غير اخلاقي. ومثلما قال الشاعر الايرلندي اوسكر وولد: ‘الاخلاق هي ببساطة معاملتها للناس الذين لا نحبهم’. ت ‘ بروفيسور في الجغرافيا في جامعة تل أبيب وحائز على جائزة اسرائيل للبحوث الجغرافية هآرتس 20/1/2014