‘بك براذر’، الاخ الاكبر، برنامج تلفزيزني غربي رائج العرض على اشهر محطات التلفزة العالمية، يحبس فيه مجموعة متطوعة من الشباب ومن الجنسين ولاسابيع عديدة على ان يتصرفوا فيه على سجيتهم، وتتم فيه مراقبتهم وبدقة عبر شبكة عنكبوتية من الكاميرات التلفزيونية الدقيقة.
حالة اوباما الان كحالة هذا الاخ الاكبر الذي يريد جعل العالم، كل العالم، عبارة عن سجن كبير يخضع فيه كل النزلاء الى المراقبة الشاملة، من خلال شبكة متعددة من المنصات الالكترونية والتلفونية المعززة بالقدرات الفضائية للاقمار الصناعية، وهذا ما اثير اولا في تسريبات ويكيليكس، التي كشفت النقاب عن انتهاكات امريكية صارخة لكل ما هو معلن من مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان التي يتبجح بها النظام الامريكي، ثم جاء واكده المنشق الامريكي والمستخدم في احدى الوكالات الامريكية المتخصصة بشؤون التجسس، ادوارد سنودن، الذي يعتبر شاهدا من اهلها.
عندما زار اوباما العاصمة السويدية، ستوكهولم، وهو في طريقه الى اجتماع مجموعة العشرين في سان بطرسبورغ، لينينغراد سابقا، كان الاحراج هو سيد الموقف ولكل الاطراف المعنية، لاسيما وانها زيارة خاصة وغير رسمية. والحكومة السويدية مدركة جيدا لما يدركه الرأي العام بخصوص البواعث الحقيقية لتلك الزيارة، فهي ليست كما يعلن عنها، حيث لم تقرر الا بعد رفض بوتين لمطالب اوباما بطرد الامريكي المنشق ادوارد سنودن، وهي بالتالي ليست تقديرا لمكانة او دور السويد او بحوثها في معالجات التدهور البيئي والبحث عن الطاقة النظيفة، بقدر ما هي رسالة استهجان موجهة للروس ولبوتين تحديدا، خاصة بعد منح موسكو حق اللجوء السياسي لادوارد سنودن، الذي فضح عمليات التجسس والتصنت الشاملة لـ’السي اي اية’ على اتصلات الاصدقاء والاعداء، على حد سواء. اوباما نفسه كان محرجا، فالمحتجون على زيارته اكثر من المرحبين بها، وكان شعار، لا للاخ الاكبر اوباما، مدويا في ساحات العاصمة التي شلت حركتها بسبب الاجراءات الامنية المشددة، والتي تسببت في عرقلة حركة المرور وبطول الخط الممتد بين المطار ومركز العاصمة، ويبدو ان الحكومة السويدية مكتوب عليها ان تقحم في قضايا لا تريدها، فهي قد زجت ومن دون مناسبة بموضوع اسانج جوليان، حيث فبركت في احد فنادق عاصمتها قضية جنائية ضده، وصارت المحاكم السويدية تطالب بمقاضاته، وهذا ما اثار حفيظة المناهضين لسياسة تكميم الافواه التي تمارسها امريكا، وبالتتابع استهجان منظمات اليسار وحقوق الانسان السويدية للسلوك الرسمي السويدي المنافق، وزجت مرة اخرى بالتجاذب الجاري بين اوباما وبوتين، فزيارة الاخير للسويد ليست بريئة، والحكومة السويدية ممثلة بكارل بيلد وزير خارجيتها ورئيس وزرائها فردريك راينفلت حاولت تجنب التخندق الصارخ مع طروحات اوباما حول ضرب سورية، وحول المصلحة الغربية من سلوك التجسس الامريكي على الجميع، وهي حتى في محاولة التجنب تلك كانت محرجة.
البرستيج المفقود
داخليا اكتشف اوباما بنفسه هشاشة ادعاءات النظام الامريكي بكونه الضامن الاول للحريات والديمقراطية وحقوق الانسان في العالم، فعندما اعتلى عتبة الرئيس الاول في العالم، وجد ان رومانسية خطاباته الداعية للتغيير لم تغير شيئا، ووجد ان النظام الذي لا يستطيع تحقيق العدالة داخليا لا يستطيع تحقيقها خارجيا، امام اكتشافه لعجزه عن تحقيق اي خرق ولو بسيط في هذا النظام الغالب، نراه يكابر ويغالط ويبرر لنفسه ولنظامه ما كان يعيبه عليه، وما كان يعلن عزمه على تغييره، فحتى قانون الرعاية الصحية الجديد، الذي لا يعتبر نقلة نوعية في اصلاحاته التأمينية التي تشمل قاعدة اعرض من القانون القديم، سيتآكل بحكم عوامل المديونية والتقشف، اما عن الحريات وخرق الحقوق الشخصية فحدث ولا حرج، اما خارجيا فانه وبالتوازي مع مصداقيته المنحدرة وبرستيجه المهزوز داخليا فانه، اكثر فشلا وشللا على صعيد السياسة الخارجية، فالدول التي عول على ربيعها انتكس فيها هذا الربيع المزيف الى موسم مخرف في خريفه، الرئيس عجز حتى الان عن الايفاء بوعده القاضي باغلاق معتقل غوانتانامو غير الشرعي، والرئيس اوباما عجز عن تحقيق اي تقدم باتجاه حل الدولتين، لانهاء حالة التنازع الفلسطيني الاسرائيلي، لانه اعجز من ان يضغط على اسرائيل صاحبة الرصيد الاول في لعبة الرؤساء الامريكان، واخيرا جاءت قضية ضرب سورية، فهو من جهة يدرك ان الفوضى غير الخلاقة في سورية ستكون عراقا اخر يخلق لامريكا مشاكل تكتيكية لا طائل منها، ومن ناحية اخرى فان المصلحة العظمى لاسرائيل تكمن في تمزيق دول الطوق والاسناد، بل والعمق الاستراتيجي للفلسطينيين الكائن في كل المحيط العربي والاسلامي من باكستان وحتى المغرب ومن السودان واليمن وحتى تركيا، وبالتالي فان ضرب سورية او الاكتفاء بتغذية نزاعها سيصب لاحقا بالمصلحة الاسرائيلية والامريكية، اذن اي الخيارين سيكون مجرد تقديم وتأخير مازالت النتيجة واحدة، لكن التهديد غير المكترث بالعواقب كان ومايزال ديدن الادارات الامريكية، وهذا ما جعل الدب الروسي الذي يخشى على عقر داره من انفراط عقد الدولة السورية، ومن ثم تحولها الى جسر استراتيجي لعبور الارهاب الى شيشانها، يرمي بكل ثقله لتغيير خيار اوباما، او ربما لتأجيله، خاصة انه متعود على معولات التأجيل بحثا عن مكاسب التداعيات.
على سجادة روحاني انحنى اوباما
لم يكتشف اوباما الان فقط بان ايران اعقل مما يجب، وانها اكثر من مقنعة في حثها على التعامل بالمثل، وعلى حق الجميع باللعب وبكل الاوراق المتاحة لتحقيق المصالح الحيوية، لكنه مايزال مقتنعا بان تفكيك التصلب الايراني لا يأتي فقط بمحاولات الضرب الخارجي لقدرات ايران العسكرية والنووية، كما تتشوق اسرائيل، وانما بمحاصرتها سياسيا واقتصاديا وبقصقصة اجنحة الاطراف الاقليمية التي تتحالف معها، انه مقتنع بسياسة الطبخ على نار هادئة، لكن ايران من جهتها تدرك وجهة الطبخين الامريكيين السريع والهادئ، وتدرك ايضا كنه لعبة الرفع والكبس بين المواقف الاسرائيلية والامريكية، وتتعامل معهما بحنكة الحائك، التي لا تغلبها الا حنكة النحات، واوباما يجرب في ايران نحتا لا تجبره عليه قوة ايران الذاتية، وانما تحالفاتها المتشعبة دوليا واقليميا، وهي ايضا تعالج اللعب والطبخ الامريكي بلعب وطبخ شرقي لا ينقصه الدسم، وهو مشبع بالتبهير والمقبلات، فاذا كان خامنئي يرفع فان خاتمي او روحاني يكبسان، وعند الحاجة يكون الرافع والكابس خامنئي وعندها سيكون هناك نجاد او من شابهه.
ادق التفاصيل مطلوبة في الحياكة والنحت، بهذه الروح تصرف روحاني وبهذه الروح قابله اوباما، وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف، يهنئ يهود العالم بمناسبة حلول رأس السنة العبرية، فعل كما فعل رئيسه. روحاني يطرح مبادرة الانفتاح على الغرب وحلا متوازنا للملف النووي مقابل رفع العقوبات عن ايران، ظريف يقوم بجولة مكوكية لدول المنطقة باعثا برسائل تفاهم وتمهيد داعيا الى الضغط باتجاه حل سياسي دبلوماسي للازمة السورية، ظريف يمهد في واشنطن لرغبة روحاني بلقاء اوباما، روحاني يغادر قاعة الجمعية العامة عندما القى اوباما خطابه، الذي فصل بدواعي القلق الامريكي، روحاني يلقي خطابا تصالحيا، روحاني يتلقى مكالمة من اوباما استمرت ربع ساعة، بحثا خلالها عن اوجه تبادل الثقة بين الطرفين، اوباما من جانبه كان مستعدا لمشاورات ثنائية، وروحاني طالب بخطوات تشجيعية للجم المتشددين، ظريف عاد محملا بتمثال ايراني عمره الاف السنين هدية امريكية اعتزازا بالتاريخ الايراني.
عاد روحاني وفريقه وعاد السجال عن الربح والخسارة، لكن المرشد الاعلى اعلن شرعية خطوة روحاني ودعا الى احترام الاجتهاد، قائد الحرس الثوري ينتقد وانصاره يجاهرون بخيبتهم من حراك روحاني، لكن الاغلبية تريد التفاؤل، كما يريده اوباما الذي تحيط فترة رئاسته الثانية غيوم التشاؤم، ومن الجهتين الخارجية والداخلية، حتى انه انحنى على السجادة التي فرشها امامه روحاني، ومن قبل ان يتصل به هاتفيا .
‘ كاتب عراقي