بدلاً من تناول العقاقير المنومة التي تساعد على هزيمة الأرق، أحاول مشاهدة أفلام تبعث على التثاؤب، إذ تنتهي دائماً بنهاية سعيدة، ومنها سلسلة أفلام «الملاك الحارس» تمثيل القزمة الفرنسية الرائعة ميمي ماتي. والبارحة، كنت أراقب بحلقة من المسلسل خراب دكان حلاق احترق بأكمله، و«الملاك الحارس» ميمي ماتي تساعده و«توعد الحلاق» بإعادة بنائه، وتأتي زبونة سابقة، وحين ترى الخراب كله وآثار الحريق تقول كلمتين جرحتاني، إذ كان استنكارها لهذا الهول كله هو قولها: «إنها بيروت»! أي أن كلمة «بيروت» صارت تعني الخراب والحرائق! وأضحت مثلاً!
أمام الخراب والحريق: «إنها بيروت»!
يحزنني اقتران اسم بيروت بالموت والحرائق كما كانت أيام الحرب الأهلية، ذلك ليس كاذباً، وحدث، ولكن ما كان مضى -على ما أرجو ولا أحب- إلصاق اسم أي خراب وحريق باسم بيروت التي أحب. وأتمنى ألا يتكرر ما كان، والأوضاع في بيروت لا تدعو إلى التفاؤل!
حرائق في العقل!
ولكن ما يدور اليوم أحياناً في بيروت هو النذير بالخراب. والدمار العقلي أكثر خطراً من الدمار في الأملاك المشيدة. فقد أتصلت هاتفياً بصديقة بيروتية لأشكو لها إغلاق المطارات وعدم القدرة على السفر إلى بيروت.. كانت غائبة عن البيت، ورد عليَّ زوجها خريج الجامعة الأمريكية المتعلم. قال لي بحزن متدين يكره السخف تحت شعار الدين: هل تصدقين أن البعض في بيروت يتوهم أن «فيروس كورونا» لا يصيب المسلمين؟ لم يخطر لي يوماً أن بعض (البيارته) قد يفكر (وبالأحرى لا يفكر) على هذا النمط.. وكم ذلك محزن، في بيروت عاصمة الفكر والحرية العربية، ولكن ما يدور اليوم في بعض الأدمغة يدعو حقاً إلى القلق!
حجارة لضرب الإعلاميات والإعلاميين في بيروت!
حين قرأت ما كتبه سعد الياس من بيروت حول تعرض الإعلاميين والمصورين لمضايقات خلال تغطيتهم وقائع التظاهرات في بيروت، غمرني حزن حقيقي. فقد أصيبت مراسلة قناة الجديد «ليال سعد» بحجر في رأسها من قبل فتيان وصلوا على دراجات نارية إلى ساحة الشهداء واشتبكوا مع قوى مكافحة الشغب «كما كتب سعد الياس»، هذا أمر خطر على الحريات. والدماء التي سالت على وجه ليال سعد هي النذير بالدماء التي قد تسيل على وجه بيروت كلها، بل ولبنان إذا استمر الحال على هذا المنوال.
رنيم بو خزام، ونخلة عضيمي، ونوال بري، وجويس عقيقي، وزينة باسيلا شمعون، كلهن تعرضن للاعتداءات وهن يقمن بعملهن الإعلامي، كما حدث ذلك للاعتداءات التي يتعرض لها الصحافيون والمصورون خلال تغطية الأحداث في مختلف الأراضي اللبنانية. وشكراً لسعد الياس الذي ينقل لنا ما يدور.
ألا يخجلون مما يفعلون؟
أتساءل: لماذا يمنع البعض ـ وقد تكون القضايا التي يتظاهرون لأجلها محقة ـ لماذا يحاولون منع الإعلام من نقل الصورة الحقيقية للناس؟ هل هو عدم الاقتناع بعدالة قضيتهم، بل ورغبتهم في تدمير المخازن ونهبها؟ لماذا، بدلاً من شكر الإعلاميات والإعلاميين الذين ينقلون أصواتهم إلى الناس ـ إذا كانوا صادقين في عدالة قضيتهم ـ لماذا بدلاً من الشكر والامتنان يضربونهم بالحجارة لمنعهم من تعريف الناس بما يدور؟ نعيش في عصر لم يعد من الممكن لأحد أن يقوم بأي حراك سراً!
ومن الأفضل ألا يفعله بدلاً من الاعتداء على من ينقله للناس أعلامياً!
امرأة من العالم الثالث!
يبدو أنني على الرغم من طول إقامتي في باريس (أكثر من ثلاثة عقود ونصف) ما زلت كيوم وصلت إلى هذه المدينة الجميلة، امرأة سورية لبنانية من العالم الثالث، ولن يكتب أحد على قبري حين أموت: أديبة فرنسية من أصل عربي. فأنا عربية حتى الموت.
وما زلت حتى اليوم أشعر بالنفور مما يفترض أنها مشاهد كوميدية في السينما الغربية، حيث يتضارب الممثلون بالطعام يدوسونه، وأنا أعرف جوع الفقراء واللاجئين في عالمنا الثالث، الذين يشتهون قطعة حلوى من تلك التي يفترض أنها تضحكنا حيث يتضاربون بها. وأشعر بالنفور من البطر.
مياوو.. مياوو.. وجه آخر للبطر..
أحب القطط، كانت لدينا في البيت دائماً قطة في دمشق تعمل (كحارس) ضد الحشرات كالرتيلاء والفئران وسواها.. فالقطة من مخلوقات الله الجميلة والمزاجية، وكنا ندللها ونداعبها، وحين كنت بنتاً صغيرة كانت عمتي المقيمة في حي الحلبوني ـ دمشق تبعث بي إلى اللحام لأحضر منه (الشخت) مجاناً؛ أي قطع اللحم غير الصالحة للطبخ والتي تعشقها القطط، والآن ثمة في السوبر ماركت الباريسي رفوف خاصة بطعام القطط والكلاب تذكرني بالجياع في بعض خيام أوطاني العربية!
بين الهرر وقهر البشر!
قبل عام ونيف، حين مات أحد ملوك الموضة في أوروبا «كارل لاغرفيلد»، أوصى لقطته المدللة «شوبيت» بمقدار كبير من ثروته!
وكل إنسان حر في طريقة إنفاق ماله حياً أو بعد موته. وكنت أتمنى لو ذهب هذا المال إلى الفقراء إلى جانب قطته!
والبارحة، وأنا أشتري الصحف فوجئت بمجلة خاصة بالحيوانات المنزلية الأليفة.. أما العناوين في الغلاف فهي حول أساليب مكافحة السمنة لدى القطط والكلاب، ومكافحة الاكتئاب لديها (!) وشركات التأمين على حياتها، وحوانيت التدليك للقطط والكلاب، والفنادق الخاصة بها إذا ذهبت في إجازة ولم تتمكن من اصطحابها!
الحياة العاطفية للحيوانات الأليفة!
الدين الإسلامي أمرنا بالرفق بالحيوان، ونحن نعاملها جيداً دونما مبالغة، كاصطحابها إلى الطبيب النفساني الخاص بها مثلاً!.. (ونحن في حاجة إليه أكثر منها) وقد يدهشنا عدد الكتب الفرنسية حولها، وهو ما عرفته من خلال كراس أدبي لشراء الكتب بالمراسلة يصلني دائماً. وأذكر على سبيل المثال الكتب التالية: «كل ما تحاول القطط قوله لنا» تأليف لوتيسيا دورلوران. وكتاب: «الحياة العاطفية للحيوانات الأليفة»، تأليف جيفري ماسون. وكتاب على غلافه صورة الأديبة الفرنسية كوليت محتضنة قطتها، تأليف جيرار بونال.
وأعترف بأنني لم أشتر بالمراسلة أي كتاب منها، فأنا امرأة من العالم الثالث، تسكنني هموم أخرى، منها محاولة سرقة المزيد من أراضي الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي..
وقائمة همومي تطول.. ولقلبي مشاغل أخرى تتعلق بجراح وطني العربي…
فأنا بحق امرأة من العالم الثالث… و«أنوء» حزناً لما يدور لبنانياً وعربياً!
الاخت غادة السمان المحترمة :انت من قدماء خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت وانا كذلك واقدم منك كثيرا .ولا أزال اتمنى أن أكون عند حسن ظن الجامعة بي؛ إذ أنهم كتبوا تحت صورتي مع الخريجين:الدين ليس كعكا في المناسبات ولكنه خبز للاستهلاك اليومي
Religion is not a cake in special occasions. it is bread for daily use.
ولا أزال ازعم أنني ملتزم بكل متطلبات ديني الإسلامي لما ينفعني في حياتي وبعد مماتي حيث ليس بعد الموت من دار الا الجنة أو النار.
وفي قراءتي لمقالاتك أرى تغليبا للدنيا على الآخرة .وانصحك أن توازني بين الأمرين (اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كانك تموت غدا) .وان كان منك تقصير في هذه الحياة فإن التوبة النصوح تمحو ما قبلها وكما قال نبينا محمد (ص) كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون،واقبلي فائق احترامي وتقديري
ع.خ.ا.حسن
عذرا منك اخي ع خ ا حسن، لم أفهم كلامك مادا تعني بتغليب الدنيا على الأخرى. هل مثلاً ان تكتب السيدة غادة السمان حوالي خمسين كتاب تهم الناس وحياتهم سواء من وجهة تظر أدبية أو ثقافيةواجتماعية بل وانسانية ابداعية هو من أمر للدنيا ولا أجر عليه في الآخرة.
العزيزة غادة السمان
يحزنني ما يجري في لبنان .. خاصة بيروت في هذه الأيام. عشت في بيروت تقريباً سنة كاملة، قضيت فيها أجمل أيامي حياتي، وأشتاق لهذه المدينة الصغيرة كأنها مدينتي الأم، بيروت مدينة تصر على الفرح والابتسام برغم الظروف الصعبة التي تعيشها، أتمنى أن يستعيد لبنان عافيته قريباً، لان لبنان لا يستحق ما يجري له.
أما بالنسبة للقطط، أتفق معك .. كل شيء مبالغ فيه أعتبره تعويض عن نقص ما يداريه الانسان. لدي قطة أحضرتها عندما كنت أمر بوضع نفسي صعب، ساعدتني على تخطي ذلك، كأنها أغلقت فجوة كانت في قلبي. تركت غزة من سنتين، ودوماً أسأل أهلي عنها للاهتمام بها. أعتقد أن الانسان الذي عاش أهوال الحرب، يستغرب من ترف أنماط الحياة التي يعيشها الأخرون، إنني في الدوحة الان، وأستغرب من كل مظاهر الترف الموجودة في كل شيء في هذه المدينة، ليس حسداً أو نقمة عليهم، في النهاية كل إنسان حر بماله الخاص، ولكنني لا أستطيع عدم التفكير في غزة، وفقرها، والشباب العاطل عن الأمل والعمل فيها!
لبنان هي جوهرة العرب ، تتلألأ في كل زمان ، لبنان مريضة لكنها – بإذنه تعالى – لن تموت ، عشقت لبنان رغم أنني لم أزرها قط من صداقاتنا بأخوة لبنانيين منذ الطفولة ، وكبرنا معهم والمشاكل ما زالت تنهش بلبنان ، ولكن ما زال الأمل مستمر نابض في قلوبنا أننا يوما سنزورها ؛ رغم الألم يعتصر قلوبنا عندما يبلغنا أصدقائنا بأنه نتمنى زيارتك للبنان ولكن ( عندنا تهدأ الأوضاع ) وها نحن ننتظر شفاء لبنان من مرض ليس سببه عدو أو غريب ، لكن للأسف تمرض لبنان ممن يدعون أنهم يحبونها .
أسعد الله صباحكم بكل خير لك أختي الكريمة غادة السمان وللجميع. عندما أقرأ كلماتك النبيلة امرأة من العالم الثالث “وأنوء” حزناً لما يدور لبنانياً وعربياً أشعر بالقشعريرة وخاصة اننا وعائلتي في زيارة للأقارب وأهالي القرية المهجّرين في أنطاكيا في تركيا بالقرب من الحدود السورية. الناس لاتملك إلا الصلاة والدعاء لله بالفرج لأحوالها والمآسي التي حلت بها دون ذنب وفقط لأنها طالبت بحريتها وكرامتها. الجميع يتدبر أمره بطريقة لاتخلو من الذكاء، قد نعود غداً أو قد لانعود ابداً، أو كما قال الخليفة علي رضي الله عنه اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا. حسب انطباعي الناس لم تفقد الأمل. مع خالص محبتي وتحياتي للجميع.
تحية للسيدة غادة وللجميع
يبدو ان بيروت سيضرب بها المثل بالخراب بعد ان كان ولا زال الناس تقول في العراق او غيره بعد خراب البصرة والبصرة خرابها مستمر على ما يبدو ولكن خراب بيروت سببه الطائفية او لنقلها بصراحة الدين فعندما نحدد وضائفه سنعيش بسلام فكل الفساد في العراق الحالي ولبنان هو من انتاج الدين والطائفية
فاما القطط وباقي الحيوانات الاليفة فلا يختلف حالها عن انسانا في دولنا والامر لييس وجه اخر للبطر بل هي الحياة الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات تفرض وصاياها عليهم
لبنان يعيش حربا أهلية مزمنة تطفو تارة وتخبو تارة أخرة بأشكال مختلفة.
فوهة بركان الحرب الأهلية هي بيروت وطوائفه تمثل الحمم التي تتقاذفها حيث أتت على الحياة في لبنان إلى أن تحجر اللبناني فحن إلى ما يكره ألا وهي الهجرة القسرية من بلد الأرز.
الغرب عموما والفرنسيين حياتهم ليست كحياتنا ترف بذخ تحرر الى أخره لكن هذا لا يمنع وجود أشخاص لهم شخصيات سوية سألت أحد أصدقائي إنتقل الى فرنسا للدراسة وأصبح مقيما هناك عن الأجواء هناك في الجامعة قبل تخرجه فقال لي نفس الأحوال ونفس المعاملات وكأنك في عالم ثالث المهم لا يجب التعميم.
الاخ أسامة كلية المحترم
الاجر في الآخرة لمن يطلبه من الخالق سبحانه وتعالى ،لان غير الله لا يملك له ضرا ولا نفعا. ونصيحتي للأخت غادة أن توازن بين ما يجازي عليه الناس في الدنيا وبين لا يجازي عليه إلا الله في الآخرة،لأن ما لا يكون فيه العمل خالصا لوجه الله تعالى ينطبق عليه قوله تعالى (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا).
واكرر نصيحتي للأخت غادة ولك انت كذلك أن تكون هجرتك لله تعالى حتى تكون مقبولا عند الخالق الرازق ،المحيي والمميت.والدنيا فانية وبعدها آخرة أما جنة أو نار.واسأله تعالى أن يكتب لي ولك والاخت غادة أن نكون من أهل الجنة. واقبل تحياتي واحترامي
الأستاذ ع.خ.ا.حسن شكرا لكلماتك الرقيقة ومشاعرك النبيلة تجاه الجميع.. لقد لمست بتعليقك وجداني وإن كان في ظاهره موجه للأستاذة غادة فهو في باطنه لكل القراء وللبشرية جمعاء ولم تكن لتكتبه لولا حبك للأستاذة غادة ولنا جميعا.. أنا شخصيا لا أعتقد أني قدمت لحياتي ولكني أطمع في رحمة الله وأن يرزقني الجنة برحمته وليس بأفعالي لأن رحمته وسعت كل شيء
أخي ع.خ.ا حسن وماأدارك ياأخي أن عملنا ليس خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى وهل تعتقد أنك تعرف من منا يعمل لوجه الله ومن يعمل للدنيا ومن يقبل منه الله عمله ومن لايقبل الله منه عمله. استغرب كلامك في الحقيقة!
عندما فتحت هاتفي قبل قليل لتصفح -القدس العربي – ومقال الأديبة السمّان .. كان وصلني للتوّ صورتين من أقرباء لي في بيروت لمناظر بديعة ماتعة مما أبدع الرحمن سبحانه ..مأخوذتين من مرتفع في جبال لبنان الخضراء ..!
كانوا سلفاً يعرفون مدى إعجابي بجبل لبنان وبحره وشوارع بيروت ولذلك فهم يعمدون لإيقاذ شوقي كلّ مرّة لبلدٍ يحبّه من عرفهُ من قبل ..ويأسف اليوم عليه ..!
لم تعد تطاق الحياة في بيروت هاتفوني ..فاستغلّينا فرصة – فك حجر الكورونا – لنرتاح قليلاً و- نضهر -..!
الغلاء شيء لا يوصف ..قطع التيار الكهربائي والناس في عزّ الحر .. البطالة ..الفقر .. ضيق ذات اليد .. المظاهرات في الشوارع والصخَب ..
هو ذا ما تحدث عنه المقال يتقاطع تماماً مع هموم الناس هناك واقعاً وعلى البعد حسرة ..
كأنّ جمال لبنان عصيّ على أن يفهمه كثير من أهل لبنان أو أنهم أوكثيرٌ منهم لا يستأهلون ذاك الجمال ..!
لا أدري كيف عدتُ بالذاكرة من مقال الأديبة المحترمة ومن صور أقربائي ..إلى بيت المتنبي الشهير :
كلّما أنبتَ – الزمان – قناة .. ركّبَ المرء في القناة سنانا
ليت شعب لبنان كشجرهِ وزهوره وأرزه ..ليتهم كرذاذ موج بحره المالح الممتع ..ليتهم ..!
ع.خ.ا.حسن
شكرا لإحسانكم والتحدث بلغة الحواريين
انا احتاجها