تعصف بلبنان دورة تأجيج متزايد لأزمته المزمنة. عنوانُ الدورة الراهنة مالي واقتصادي، لكنه حافل بالضرورة بتحديات سياسية واجتماعية.
أبرز التحديات السياسية هجوم استخباري تشنّه الولايات المتحدة، غايته تجفيف موارد حزب الله المالية بتدابير مصرفية قاسية لإضعافه وتقويض قدراته، ما يسهّل – في ظنّ الأمريكيين وحلفائهم المحليين- عملية تطويق نفوذه السياسي وتعطيل نشاطه الميداني.
أبرز التحديات الاجتماعية استشراء البطالة، واستفحال الضائقة المعيشية، وشيوع الفساد، وشرعنة المحاصصة، والعجز عن حل مشكلة النفايات، ولجوء بعض القيادات السياسية إلى سلاح الطائفية لاكتساب المزيد من المصالح وحمايتها. في غمرة هذه التحديات وتداعياتها، قدّمت كتلة التنمية والتحرير البرلمانية التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري اقتراح قانون للانتخابات، وعرضته على مجمل الكتل والقوى الممثلة في المجلس، في مسعى واضح لإقراره قبل ثلاث سنوات تقريباً من استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة. أبرز ركائز اقتراح القانون الجديد اعتماد نظام التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة، وإلغاء الصوت التفضيلي المعتمد في القانون الحالي، واحترام مبدأ المناصفة في التمثيل بين المسلمين والمسيحيين، وإقرار «كوتا» إلزامية بمقاعد عشرين مخصصة للنساء، وخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة.
معارضو اقتراح القانون الجديد، ولاسيما نواب حزب القوات اللبنانية، ركّزوا حججهم على ضرورة إعطاء الأولوية لإنقاذ الاقتصاد ومواجهة الهموم المعيشية، وأن لا حاجة ملحّة للإسراع في تغيير قانون الانتخاب في ظل الاوضاع الاقتصادية السيئة. مؤيدو اقتراح القانون ركّزوا حججهم على أن التبكير في طرحه للمناقشة افضل من تركه إلى قبل اشهر، أو أسابيع قليلة من موعد الانتخابات، فيأتي القانون مسلوقاً ومليئاً بالنواقص والثغرات، وإن مناقشة اقتراح القانون الجديد لا يعني إغفال الملفات الاقتصادية العالقة، إذ يمكن معالجة الأمرين معاً.
غير أن لمعارضي النظام وأهله في صفوف القوى الوطنية والتقدمية رأياً آخر مغايراً. هم يعتقدون أنه ليس في وسع أهل النظام الفاسد المتهرئ والمسؤولين عن التسبب بتفاقم أزمته المزمنة، أن يتصدّوا لترقيع فجوات جسده الممزق، كما في الماضي، فالشبكة السياسية المتحكّمة ترهّلت وفقدت مسوّغات شرعيتها وتدنّت فعاليتها وباتت عالة على نفسها وعلى البلاد. ومن أسف أن القوى الوطنية والتقدمية فقدت أيضاً حيويتها وجدّيتها، وتبدو متباطئة في إعادة توحيد صفوفها، كل ذلك في وقتٍ عاد الصراع إلى الاحتدام بين المحور الصهيوامريكي من جهة ومحور المقاومة العربية المدعوم من إيران وروسيا من جهة اخرى.
الطائفية والفساد موتٌ بطيء ومحتّم، فيما الانطلاق إلى التغيّر والتغيير الديمقراطي النهضوي ارتقاء إلى حياة حضارية جديدة وابداعية
ثمة حاجة استراتيجية، اذن، إلى توليد مناخ وطني وقومي نهضوي يستولد بدوره موازين قوى مغايرة في المنطقة. في هذا التوجه والسياق، تتوجّب الإحاطة بالتحديات المحلية والإقليمية الماثلة لفهم الواقع بكل أبعاده وتناقضاته، كشرط لتجاوزه والبدء في توليد البديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأفضل.
في ما يخصّ لبنان، أرى أن تكون أسس التغيّر والتغيير النهضوية على الوجه الآتي:
*أولاً، عدم التورط مع الشبكة السياسية المتحكّمة، في ايّ صيغة تسووية لتوافق وطني مصطنع يراد منه إعلان نقاط تلاقٍ محدودة، بغية تمكين أهل النظام من إعادة إنتاج أنفسهم وإدامة سيطرتهم.
*ثانياً، وجوب مسارعة القوى الوطنية والتقدمية إلى توحيد صفوفها وإعمال الفكر والحوار بغية إنتاج برنامج وطني سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل، لمعالجة حال لبنان المستعصية بإتجاه الانتقال به، من خلال جبهة وطنية عريضة، إلى حال الحرية والوحدة والنهضة وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع.
*ثالثاً، الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني بعضوية تمثيلية موسّعة وصلاحيات استثنائية تشريعية، تستوجبها الظروف الاستثنائية، لإعادة تأسيس لبنان دولةً ووطناً، بتحقيق المبادئ والإصلاحات النهضوية الآتية:
(أ) اعتبار قوانين الانتخاب منذ الاستقلال غير دستورية، وأداة لإعادة إنتاج النظام الطائفي الفاسد، وان قانون الانتخابات الضامن لصحة التمثيل الشعبي وعدالته شرطٌ ومدخلٌ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، ومنطلقٌ لإقرار سائر القوانين والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة.
(ب) إقرار قانون للانتخاب وفق مقدّمة الدستور وأحكامه، ولاسيما المادتين 22 و27 منه، على الأسس الآتية:
1 ـ اعتماد النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
2 ـ يكون مجلس النواب التأسيسي المنتخب وفق قانون الانتخاب الجديد، مؤلفاً من 130 نائباً، مئة منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين، من دون توزيعٍ مذهبي للمقاعد، ويُنتخب الثلاثون الباقون، وفق توزيعٍ مذهبي للمقاعد، على أن يكون لكل ناخبٍ صوت واحد.
3 ـ يجتمع كل النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين: الأول يقضي باعتبار النواب المئة المنتخبين على أساس المناصفة، بلا توزيع مذهبي للمقاعد، نواةً مجلس النواب الوطني اللاطائفي المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور، واعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على أساس التوزيع المذهبي نواة مجلس الشيوخ وفق المادة عينها.
الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ باعتماد معظم المواضيع المعتبرة أساسية في الفقرة 5 من المادة 65 ـ دستور.
*رابعا: يُعرض مشروع قانون الانتخاب الديمقراطي الجديد على استفتاء شعبي عام، وإذا نال موافقة لا أقل من خمسين في المئة من أصوات المشاركين يُعتبر قانوناً شرعياً مستوجباً التنفيذ ومجلس النواب القائم منحلاً بموجبه.
*خامسا: يؤلف رئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وبعد استشارة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، حكومة وطنية جامعة، لإجراء الانتخابات وفق احكام قانون الانتخاب الجديد، ولإنتاج مفاعيله الدستورية والقانونية.
ماذا لو تعذّر، لسبب أو لآخر، سلوك هذا المسار التغييري النهضوي الديمقراطي؟
أرى أن القوى الحيّة عموماً والقوى الوطنية والتقدمية خصوصاُ، المؤتلفة في جبهة وطنية عريضة، مدعوة إلى اعتماد خيار العصيان المدني ومباشرة تنفيذ متطلباته ضد مؤسسات النظام الطائفي الفاسد والقائمين بإدارتها، وتصعيد الضغط الشعبي لغاية تسليم المسؤولين ذوي الصلة بتنفيذ برنامج التغيير الديمقراطي بمبادئه وأسسه وإجراءاته المنوّه بها آنفاً. إن البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء ومحتّم، فيما الانطلاق إلى التغيّر والتغيير الديمقراطي النهضوي ارتقاء إلى حياة حضارية جديدة وابداعية، وقد آن الأوان.
كاتب لبناني
المهم إستمرار تسلّح الطائفة المختارة و منع البقية من التسلح أو حتى مجرد الاعتراض !! اقتصاد و ما بعرف شو شغلة فاضية !! المهم السلاح الطائفي و العبودية لإيران و الباقي أمور تافهة !!
من قصة “غزال الزّرد المقاوم ” !!